الذكاء الاصطناعي وحتمية الإنتاجية
تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT
في مختلف أنحاء العالَم، يكافح الـعَـرض لملاحقة الطلب، على الرغم من الزيادات الحادة التي طرأت على أسعار الفائدة. وتزداد شيخوخة القوة العاملة العالمية بسرعة. كما ينتشر نقص الأيدي العاملة على نحو مستديم في كل مكان.
هذه ليست سوى بعض القوى الكامنة وراء تحدي الإنتاجية الذي يواجه الاقتصاد العالمي. وقد بات من الواضح على نحو متزايد أننا يجب أن نعمل على تسخير الذكاء الاصطناعي في التصدي لهذا التحدي.
وسوف يكون من الصعب للغاية ــ اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ــ ملاحقة الاستثمارات الضخمة المطلوبة على نحو متزايد الشدة؛ ولكن بدونها ستزداد الارتباكات المرتبطة بتغير المناخ سوءا على سوء. لكن الأمر لا يخلو من أخبار واعدة. فكما نزعم، أنا وجوردون براون ومحمد العريان، في كتابنا الجديد بعنوان «أزمة دائمة: خطة لإصلاح عالَـم مُـمَـزَّق»، قد تعمل زيادة عريضة القاعدة في الإنتاجية على تغيير هذه الصورة بشكل كبير. ومع التقدم السريع في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، لن يكون تحقيق هذا الهدف مستحيلا. يتلخص المفتاح في ضمان تركيز إبداع الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته بشكل محوري على نمو الإنتاجية في السنوات المقبلة.
حتى مع تقدم الذكاء الاصطناعي، من التعرف على خط اليد إلى التعرف على الكلام إلى التعرف على الصور والأشياء، كان الرأي الشائع هو أن هذه التكنولوجيا تعمل على أفضل وجه في مجالات جيدة التحديد. فهي لم تكن تملك قدرة البشر على اكتشاف المجال الذي يعملون فيه والتحول بين المجالات المختلفة حسب الحاجة.
تغير كل هذا مع ظهور النماذج اللغوية الضخمة والذكاء الاصطناعي التوليدي في عموم الأمر. النماذج اللغوية الضخمة قادرة على فهم اللغة، كما تبدو قادرة على اكتشاف المجالات والتحول بينها بشكل مستقل، وربما يقربها هذا خطوة أخرى أقرب إلى الذكاء الاصطناعي العام. ومن الواضح أن إمكانية تحسين الإنتاجية على نطاق واسع جديرة بالاعتبار في هذا الصدد. تعمل النماذج اللغوية الضخمة كمنصات للأغراض العامة لبناء التطبيقات لاستخدامات محددة في مختلف قطاعات اقتصاد المعرفة. ولأنها تفهم وتنتج لغة عادية، فإن أي شخص يستطيع استخدامها. يُـقال إن تطبيق ChatGPT اجتذب 100 مليون مستخدم في أول شهرين تاليين لإصدارة للجمهور. علاوة على ذلك، يجري تدريب النماذج اللغوية الضخمة على كمية هائلة من المواد الرقمية، وعلى هذا فإن نطاق الموضوعات التي يمكنها معالجتها هائل. وتعني هذه التركيبة التي تتألف من إمكانية الوصول والتغطية أن النماذج اللغوية الضخمة تنطوي على مجموعة أوسع كثيرا من التطبيقات المحتملة مقارنة بأي تكنولوجيا رقمية سابقة، بل وحتى الأدوات السابقة القائمة على الذكاء الاصطناعي. لقد بدأ بالفعل سباق تطوير مثل هذه التطبيقات المرتبطة بمجموعة واسعة من القطاعات والفئات الوظيفية. فقد أنشأت شركة OpenAI، وهي الشركة التي طورت ChatGPT، واجهة تطبيق لبرمجة التطبيقات (API) التي تسمح لآخرين ببناء حلول الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم على قاعدة النماذج اللغوية الضخمة، وإضافة البيانات والتدريب المتخصص للاستخدام الذي يستهدفونه بعينه. تقدم لنا دراسة حالة أجراها مؤخرا الباحث الاقتصادي إيريك برينجولفسون وزملاؤه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إشارة مبكرة إلى الإمكانات المتاحة في ما يتصل بالإنتاجية. بفضل التوصل إلى إنشاء أداة قائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي مدربة على التسجيلات الصوتية للتفاعلات مع خدمة الزبائن ومقاييس الأداء أصبح من الممكن زيادة الإنتاجية بنحو 14% في المتوسط، قياسا على عدد القضايا التي يتم حلها كل ساعة. كان وكلاء خدمة الزبائن الأقل خبرة هم الأكثر استفادة من هذه الأداة، وهذا يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي ــ الذي يلخص ويصفي التجربة المتراكمة لنظام بأكمله بمرور الوقت ــ من الممكن أن يساعد العمال على «التحرك مع منحنى التجربة» بسرعة أكبر.
وسوف يكون تأثير «التسوية» هذا في الأرجح سِـمة شائعة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وخاصة تلك التي تلائم «نموذج المساعد الرقمي». يأتي هذا النموذج في نسخ عديدة، وقد يستفيد من قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي والذكاء المحيط على تتبع وتسجيل النتائج. في حالة الأطباء الذين يفحصون المرضى، أو يقومون بجولات في المستشفى، من الممكن أن تنتج أدوات الذكاء الاصطناعي مسودة أولى للتقارير المطلوبة، والتي لن يحتاج الطبيب بعد ذلك إلا إلى تحريرها. وتتفاوت تقديرات توفير الوقت، لكنها جميعها كبيرة للغاية. من المؤكد أن الذكاء الاصطناعي قد يعمل أيضا على تمكين أتمتة (تشغيلها آليا) عدد كبير من المهام والحلول محل العمال البشريين. لكن أدوات الذكاء الاصطناعي هي في الأساس آلات تنبؤ؛ وهي ترتكب الأخطاء، وتختلق أشياء من الخيال، وتعمل على إدامة التحيزات التي تدربت عليها. وعلى هذا فمن غير المرجح أن تستبعد التطبيقات الحكيمة البشر في أي وقت قريب. لتحقيق إمكانات الذكاء الاصطناعي في تعزيز الإنتاجية، يتعين على صناع السياسات أن يعملوا في مجالات عديدة. بادئ ذي بدء، يعتمد الإبداع، والتجريب، وتطوير التطبيقات على انتشار القدرة على الوصول إلى النماذج اللغوية الضخمة.
وربما تنشأ المنافسة الكفيلة بضمان تمكين أكبر عدد ممكن من المستخدمين على الوصول إليها بتكلفة معقولة. ولكن بسبب قِـلة الشركات التي تمتلك القدرة الحاسوبية اللازمة لتدريب النماذج اللغوية الضخمة، يجب أن يظل القائمون على التنظيم يقظين على هذه الجبهة. علاوة على ذلك، يجب أن تتعاون الحكومات مع الصناعة والباحثين لترسيخ مبادئ مقبولة على نطاق واسع للإدارة المسؤولة واستخدام البيانات، وتنفيذ الضوابط التنظيمية لدعم هذه المبادئ. ويُـعَـد إيجاد التوازن الصحيح بين الأمن والانفتاح ضرورة أساسية؛ فلا يجوز أن تكون القواعد تقييدية إلى الحد الذي يجعلها تعيق التجريب والإبداع. أخيرا، يحتاج الباحثون في مجال الذكاء الاصطناعي إلى الوصول إلى قدرة حاسوبية كبيرة لاختبار وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة. سوف تؤدي الاستثمارات الحكومية في أنظمة الحوسبة السحابية إلى تحقيق تقدم طويل الأمد في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وسوف يصاحب ذلك فوائد اقتصادية بعيدة المدى. في الواقع، قد تكون الإدارة الفَـعّالة المتطلعة إلى المستقبل لتطوير الذكاء الاصطناعي، إلى جانب الالتزام المتجدد بالتعاون العالمي، المفتاح إلى مستقبل أكثر ازدهارا وشمولية واستدامة.
مايكل سبنس حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، وهو أستاذ الاقتصاد الفخري والعميد السابق لكلية الدراسات العليا للأعمال في جامعة ستانفورد. وهو زميل أول في مؤسسة هوفر، ومستشار أول في جنرال أتلانتيك، ورئيس معهد النمو العالمي للشركة.
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
الأحد المقبل.. سلطنةُ عُمان تستضيف مؤتمرًا دوليًّا حول الذكاء الاصطناعي
تستضيف سلطنة عُمان ممثلة بجامعة السُّلطان قابوس أعمال المؤتمر الدولي الرابع (الاتِّصال والإعلام وثورة الذّكاء الاصطناعي: الحاضر والمستقبل)، في الـ 17 من نوفمبر الحالى وتستمر ثلاثة أيام، تحت رعاية الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصي، وزير الإعلام العمانى .
ويُعدُّ المؤتمر منصَّة للباحثين والأكاديميين والمتخصِّصين لمناقشة وتبادل المعارف والخبرات والتَّجارِب العربية والدولية ذات الصِّلة باستخدامات الذَّكاء الاصطناعي في حقل الاتِّصال والإعلام، وما تُفرزه هذه التَّجارب من ظواهر إعلاميَّة مختلفة.
ويسعى المؤتمر إلى التركيز على تغيُّرات البيئة الإعلامية والاتصالية والمشتغلين فيها، والمهارات اللازمة لمواكبتها، والتحديات الأخلاقية والقانونية المرتبطة بتوظيف الذَّكاء الاصطناعي في الإنتاج الإعلامي.
ويتناول المؤتمر الذي يُشارك فيه أكثر من 70 متحدثًا وباحثًا محليًّا ودوليًّا، يقدِّمون أكثر من 60 ورقة علمية، عددًا من المحاور؛ أهمها: الأُطُر الفلسفيَّة والمفاهيميَّة في استخدامات الذَّكاء الاصطناعي في الاتِّصال والإعلام، وتجارب تطبيق الذَّكاء الاصطناعي في صناعات الاتصال والإعلام عربيًّا ودوليًّا، وإشكالات وتحدّيات الاتِّصال والإعلام في ظلِّ الذَّكاء الاصطناعي، وبرامج التَّعليم والتَّدريب الإعلامي في حقل الاتِّصال والإعلام في ظلِّ تطبيقات الذَّكاء الاصطناعي، ومستقبل الصَّناعة الإعلامية في ظلِّ ثورة الذَّكاء الاصطناعي.
وأعلن المؤتمر الدولي الرابع لقِسم الإعلام بالتعاون مع مؤسسة صحافة الذَّكاء الاصطناعي للبحث والاستشراف (AIJRF)، عن إطلاق مسابقة تمثِّل أول تحدٍّ من نوعه، بعنوان: (تحدِّي مبتكري المحتوى بالذَّكاء الاصطناعي شباب GEN AI) بمشاركة أكثر من 50 متدربًا، لتعزيز مهارات الذَّكاء الاصطناعي لدى طلبة جامعة السُّلطان قابوس، والصحافيين في المؤسسات الصحفية العُمانية.