بات الحديث عن الاحتباس الحراري من الأمور المستهلكة خلال العقد الماضي، ولا يخفى على الكثير القلق المتزايد حيال مستقبل الأرض المهدَد بفعل تغير المناخ، إلا أن تقريرا جديدا صادرا عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة يرسم صورة أكثر سوداوية، مؤكدا أن الوتيرة الحالية للانبعاثات تدفع الكوكب نحو كارثة مناخية عاجلة.

ويوضح التقرير الذي اتسمت لغته بحدة غير معهودة، حجم التهديد الداهم الذي يواجهه كوكب الأرض بفعل التغيرات المناخية المتسارعة، كاشفا بشكل صارخ عن الفجوة المتسعة بين الوعود التي أطلقتها الدول للحد من الانبعاثات والواقع الفعلي الذي تشير إليه الأرقام.

ذلك أن فشل الدول في خفض الانبعاثات بشكل عاجل قد يؤدي إلى ارتفاع حرارة الأرض بمقدار 3.1 درجات مئوية بحلول عام 2100، وهو ما يزيد على ضعف الهدف المحدد والمتفق عليه في اتفاقية باريس لعام 2015، التي وضعت سقفا لتجنب الكوارث المناخية بحد أقصى 1.5 درجة مئوية.

ومنذ تبني اتفاقية باريس، يُنظر إلى حد 1.5 درجة مئوية على أنه الحد الفاصل الذي يجنّب النظم البيئية والمجتمعات البشرية آثارا كارثية قد يصعب التكيف معها مستقبلا.

وقد صرّح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عبر منصة يوتيوب بعد نشر التقرير، قائلا: "نحن نسير على حافة هاوية كوكبية"، في الوقت الذي سجلت فيه الانبعاثات زيادة بنسبة 1.3% العام الماضي، أشار إلى أن الحاجة إلى اتخاذ إجراءات صارمة وسريعة باتت أمرا ملحّا أكثر من أي وقت مضى.

تعني زيادة الانبعاثات زيادة تالية في كل شيء آخر، ليس فقط معدلات درجة الحرارة، بل كذلك زيادة في تردد وشدة وطول الظواهر المناخية المتطرفة مثل موجات الجفاف الشديد والموجات الحارة.

مستقبل مقلق ونذير شؤم

وضع التقرير أرقاما مروعة حول معدلات الانبعاثات، حيث وصلت إلى 63 غيغاطن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون عام 2023، بزيادة 0.8 غيغاطن عن العام السابق، ويعكس هذا الارتفاع استعادة الأنشطة الصناعية والنقل زخمها بعد فترة التباطؤ التي شهدها الكوكب خلال جائحة كوفيد-19 في نهاية عام 2019.

وقد أشار غوتيريش إلى التكاليف الباهظة التي تسببها الكوارث المناخية المتزايدة، وهو الثمن الذي يدفعه العالم نتيجة تباطؤ التحرك لخفض الانبعاثات، ومع اقتراب موعد مؤتمر المناخ السنوي للأمم المتحدة في باكو مطلع الشهر المقبل، تزداد آمال المجتمع الدولي في وضع التزامات جديدة وفعالة.

وبموجب التقرير، يتطلب الوصول إلى أهداف اتفاقية باريس خفض الانبعاثات بشكل جماعي بنسبة 42% بحلول عام 2030، و57% بحلول 2035، مما يشكل تحديا ضخما خصوصا مع تباطؤ التقدم الذي تحققه بعض الدول الكبرى، خاصة دول مجموعة العشرين التي تمثل أكبر اقتصادات العالم.

وضع التقرير أرقاما مروعة حول معدلات الانبعاثات (غيتي إيميجز) اتفاقية باريس: التزام عالمي لمواجهة التغير المناخي

تعد اتفاقية باريس للمناخ، التي أبرمتها 196 دولة عام 2015، بمثابة التزام عالمي للحد من ارتفاع درجات الحرارة، وتهدف إلى وضع سقف لتغير المناخ بحيث لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية كسقف آمن للحد من المخاطر المناخية الشديدة.

وارتكزت الاتفاقية على مبادئ تضمن للدول النامية الحصول على دعم مالي وفني، مع اعتماد "المسؤولية المشتركة والمتباينة"، إذ تتحمل الدول المتقدمة مسؤولية أكبر في مساعدة الدول الأقل نموا في جهودها للتكيف مع التغير المناخي.

وأحد الجوانب البارزة في اتفاقية باريس هو "المساهمات المحددة وطنيا"، وهي الأهداف الطوعية التي تحددها كل دولة لنفسها لخفض الانبعاثات، وبموجب الاتفاقية، يتعين على الدول مراجعة هذه الأهداف وتحديثها كل 5 سنوات للتأكد من ملاءمتها مع الأهداف العالمية، وسيكون موعد التحديث المقبل في فبراير/شباط 2025.

غير أن التنفيذ الفعلي لهذه المساهمات يواجه تحديات كبيرة، من بينها ضغوط اقتصادية، واستمرار الاعتماد على الوقود الأحفوري، ونقص التمويل اللازم للتحول نحو مصادر الطاقة النظيفة، وتشجع الاتفاقية على زيادة الالتزامات لتقليص الفجوة بين الأهداف المناخية وما هو مطلوب فعليا لوقف ارتفاع درجات الحرارة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات اتفاقیة باریس

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة: غزة موطن لليأس و«الجوع المتعمد»

أحمد مراد (غزة، القاهرة)

أخبار ذات صلة «الفارس الشهم 3» تطلق مشروع حفر آبار مياه في غزة الوسطاء يقدمون مقترحاً جديداً لوقف الحرب

ندد المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» فيليب لازاريني، أمس، بما أسماه «الجوع الذي يتفاقم بشكل متعمد» في غزة، بعد 50 يوماً من منع إسرائيل دخول المساعدات إلى القطاع.
وقال لازاريني: «إن غزة أصبحت موطناً لليأس، فالجوع يتمدد ويتفاقم بشكل متعمد وبدفع من الإنسان». وبعد 18 شهراً من حرب مدمرة وحصار إسرائيلي يمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة منذ الثاني من مارس، حذرت الأمم المتحدة من وضع إنساني كارثي على سكان القطاع الذين يبلغ عددهم نحو 2.4 مليون نسمة.
وندد لازاريني على «إكس» بما قال إنه «عقاب جماعي» أنزل بسكان غزة، مشيراً إلى أن المصابين والمرضى والمسنّين يحرمون من الإمدادات الطبية والعلاجات.
كما شجب استخدام المساعدة الإنسانية عملة مقايضة وسلاح حرب، مطالباً باستئناف إدخال المساعدات الإنسانية، والإفراج عن الأسرى وإقرار وقف لإطلاق النار من جديد.
في السياق، قال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، ينس لايركه، أمس، إن قطاع غزة يشهد «أسوأ وضع إنساني» منذ بداية الحرب بسبب منع إسرائيل إدخال المساعدات الإنسانية.
ولفت لايركه خلال مؤتمر صحفي في مكتب الأمم المتحدة بجنيف، إلى أن 50 يوماً مرت على عدم وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، منبهاً إلى أن البضائع التجارية لم تصل غزة منذ فترة أطول.
وأضاف: «في غزة، يمكنكم أن تشاهدوا اتجاهاً واضحاً نحو كارثة كاملة، في الوقت الحالي، ربما يكون الوضع الإنساني في غزة هو الأسوأ منذ بداية الحرب».
وأوضح مستشار الرئيس الفلسطيني، الدكتور محمود الهباش، أن القصف الإسرائيلي المستمر لغزة تسبب في تدمير غالبية المباني السكنية، والمنشآت العامة، وشبكات الطرق والكهرباء والمياه والصرف الصحي، ما جعل القطاع منطقة منكوبة بالكامل.
وذكر الهباش لـ«الاتحاد»، أن مئات آلاف الأسر تعاني أزمات إنسانية حادة وأوضاعاً معيشية حرجة، وقد تستمر المعاناة لعدة سنوات قادمة؛ نظراً لحجم الدمار الهائل الشامل، لافتاً إلى أن  تكلفة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية تقدر بنحو 29.9 مليار دولار على الأقل.
وقال إن العدوان خلف آثاراً إنسانية كارثية على الشعب الفلسطيني في غزة، بلغ حجم الدمار مستويات غير مسبوقة، إذ تضرر نحو 90% من المباني والبنية التحتية، مع نقص حاد في الموارد المالية لإعادة الإعمار، حيث يقيم النازحون في خيام فوق الأنقاض، من دون كهرباء أو وقود، مضيفاً أن المعاناة شديدة، والتنقل صعب للغاية، حيث تستغرق الرحلة بين مدينة غزة والمنطقة الوسطى عدة ساعات بسبب الطرق المدمرة.
وبدوره، أوضح الخبير في الشؤون الفلسطينية وأستاذ العلوم السياسية، الدكتور أيمن الرقب لـ«الاتحاد»، أن الحرب دمرت كل مقومات الحياة في غزة، داعياً إلى تحرك إقليمي ودولي وأممي سريع لإصلاح شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء، والسماح بدخول المساعدات.

مقالات مشابهة

  • "أوتشا": مليوني شخص محاصرون ويتضورون جوعًا في قطاع غزة
  • الأمم المتحدة: غزة موطن لليأس و«الجوع المتعمد»
  • المملكة تعلن استعدادها لتعزيز قدرة الدول على التصدي للمخاطر المناخية
  • الصين تتوعد الدول التي تسير على خطى أمريكا لعزل بكين
  • الأمم المتحدة: (إسرائيل) تمنع دخول المساعدات لغزة منذ 50 يوماً
  • الأمم المتحدة تحذر من توسع عمليات الاحتيال الآسيوية عبر الإنترنت عالميًا بفعل تشديد الإجراءات الأمنية
  • الأمم المتحدة: مرور 50 يوما على منع الاحتلال دخول الإمدادات إلى غزة
  • الصين تحذّر الدول من إبرام صفقات تجارية مع الولايات المتحدة على حسابها
  • 22 مليار دولار قيمة الصادرات العربية التي تهددها رسوم ترامب وهذه هي الدول المتضررة
  • ‏الأردن يرحب بالتوافق الذي توصّلت إليه واشنطن وطهران خلال الجولة الثانية من المباحثات التي عُقِدَت في العاصمة الإيطالية روما