تجنبت السلطات الجزائرية الإعلان عن مقتل سائحة سويسرية بمدينة جانت جنوب شرق البلاد، قبل ثلاثة أسابيع، ولم تشر وسائل الإعلام المحلية إلى فحوى الجريمة التي ارتكبها "شخص من شمال البلاد"، وفق ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.

وطلبت السلطات من السكان المحليين "عدم نشر" أي معلومات بشأن الحادثة على منصات التواصل الاجتماعي، حسب المصدر نفسه، إلا أن وسائل إعلام أجنبية وعربية تداولت الخبر.

ويشكل الاغتيال سابقة منذ 2014 تاريخ مقتل السائح الفرنسي، إيرفيه غورديل، بعد اختطافه من قبل جماعة إرهابية بمنطقة القبائل (شمال)، موالية لتنظيم داعش.

وعرفت الجزائر، خلال التسعينيات، مواجهات مسلحة بين الإسلاميين والحكومة خلفت عشرات الآلاف من الضحايا، عقب إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ في ديسمبر 1991.

وتطرح هذه التطورات تساؤلات بشأن تعامل الحكومة مع الأحداث والإعلام، وسط انتشار واسع لوسائل التواصل الحديثة التي لم تعد سياسات التكتم تجدي معها نفعا.

حزمة من قوانين الإعلام

وأصدرت الحكومة العام الماضي حزمة قوانين، بدأتها بالقانون العضوي للإعلام، والصحافة المكتوبة والإلكترونية والسمعي البصري، لإعادة تشكيل المشهد الإعلامي بما يتلاءم والدستور الذي عدل في استفتاء نوفمبر 2020.

ودافعت الحكومة عن القانون بأنه "أساسي لضمان الممارسة الحرة للعمل الإعلامي بموجب ضوابط قانونية"، لكن منظمة مراسلون بلا حدود ذكرت أنه يتضمن "فصولا سلبية تشكل انتهاكا لحرية الصحافة"، ويمنع مزدوجي الجنسية من حق امتلاك أو المساهمة في وسيلة إعلامية جزائرية، كما يلزم الصحفي بالكشف عن مصادره أمام القضاء.

"تزايد التهديدات"

وفي توصيفها للوضع الإعلامي، ترى المنظمة أن الإطار التشريعي الجزائري يميل إلى "تقييد العمل الصحفي أكثر فأكثر"، مضيفة أنه إذا كانت المادة 54 من الدستور تكفل حرية الصحافة، فإنها تفرض على وسائل الإعلام احترام "ثوابت الأمة وقيمها الدينية والأخلاقية والثقافية".

وأشارت المنظمة في بيان على موقعها الإلكتروني إلى "تزايد التهديدات وأساليب الترهيب في حق الصحفيين باستمرار، في ظل غياب تام لآلية من شأنها أن توفر لهم الحماية اللازمة".

وصنفت مراسلون بلا حدود الجزائر ضمن المرتبة الـ 129 عالميا لمؤشر حرية الصحافة لسنة 2024، وقالت "اعتقلت أو احتجزت السلطات خلال 2021/2022 نحو 12 صحفيا وعاملا في وسائل الإعلام"، وحسب المنظمة فإنه تمت محاكمة "خمسة صحفيين، وإغلاق شركتين إعلاميتين على الأقل، وتوقيف وسيلة إعلامية واحدة لمدة 20 يوما"، خلال النصف الأول من 2023.

صحفيون وراء القضبان

ويتواجد صحفيون في السجون بالجزائر، ما يثير حفيظة المنظمات الحقوقية، ويعد مدير مؤسسة "أنترفاس ميديا"، القاضي إحسان (65 سنة)، أشهر الصحفيين الذين خلّف سجنهم جدلا واسعا بسبب كتاباته الناقدة للحكومة.

و"أنترفاس" شركة إعلامية ناشرة لـ"راديو أم"، وموقع "مغرب ايماغجون"، أغلقت بعد الحكم الصادر بحقها في 13 يونيو الماضي، القاضي بحلها ومصادرة جميع أصولها المحجوزة.

وكان القاضي إحسان أوقف في 2022، وأدين لاحقا بسبع سنوات سجنا، منها خمس سنوات نافذة، كما استفاد مؤخرا من عفو رئاسي بتخفيف عقوبته إلى سنتين سجناً، بينما اعتقلت السلطات في يونيو الماضي، مدير موقع "الجزائر سكوب"، عمر فرحات، ورئيس تحريره، سفيان غيروس، وأودعتهما الحبس الاحتياطي، عقب نشرهما تصريحات لسيدتي أعمال تحتجان فيه على "التهميش".

"جهل بدور الإعلام"

ويجمع العديد من المختصين في السياسة والإعلام على التحول المحوري الذي طرأ على تعامل السلطة مع الإعلام في الجزائر، وفي هذا الصدد يرجع الصحفي الجزائري المخضرم، محمد إيوانوغان، الواقع الإعلامي في الجزائر إلى "الجهل بدور وسائل الإعلام".

ويؤكد إيوانوغان في حديثه لـ"الحرة" أن التكتم على أخبار ذات بعد دولي، "يقدم خدمة لخصومك وأعدائك وتناوله وفق رؤية تضرك"، مشيرا إلى أن هذا وارد الحدوث "لأن وسائل الإعلام العالمية لم تجد روايتك للحدث"، مضيفا أن الصحافة الجزائرية "ظلت متفتحة" على الأخبار الأمنية في التسعينيات، و"لم يكن لأي وسيلة إعلام أجنبية السبق في تناولها قبلها".

واعتبر أن تلك التجربة "شكلت نقطة قوة استطاعت الجزائر بفضلها التغلب على الإرهاب وكل المخططات التي كانت تحاك من وراء ذلك".

بينما يرى أستاذ العلوم السياسية، محمد هناد، أن وسائل الإعلام "لم تعد للإعلام، بل للدعاية للنظام"، منتقدا أداءها الحالي، مشيرا إلى أنها تعمل على "تغطية نقائص الحكومة بالنبش في مشكلات الآخرين وصرف الرأي العام عن المشكلات المحلية".

ويفسر هناد في حديثه لـ "الحرة" أسباب تعامل الحكومة مع الإعلام بـ"التكتم والتعتيم" برغبتها في "تفادي تجربة الحراك الشعبي الذي فضحها" مضيفا أن الحكومة "لا تريد أن تسمح بحرية التعبير التي تنال منها".

وعاشت الجزائر احتجاجات بدأت في 22 فبراير 2019 للمطالبة بتراجع الرئيس الراحل، عبد العزيز بوتفليقة، عن الترشح لولاية خامسة، وأطلق عليها اسم "الحراك الشعبي" الذي شهد استقالته تحت ضغط الشارع، وتولي، عبد المجيد تبون، رئاسة البلاد بعد فوزه في رئاسيات 12 ديسمبر 2019.

ويسجل محمد هناد "تراجعا كبيرا" لحرية الصحافة والتعبير خلال فترة ما بعد الحراك قائلا: "إنها أسوأ بكثير مما كانت عليه من قبل"، وفق تعبيره، مضيفا "في زمن العصابة (فترة حكم بوتفليقة) كانت هناك حرية الرأي والتعبير...".

"تعليمات"

وفي قضية السائحة السويسرية، يؤكد الناشط الإعلامي، عبد الوكيل بلام، أن عدم تفاعل وسائل الإعلام العمومية والخاصة، يشير إلى "تلقيها تعليمات كما هو الشأن في كل القضايا الحساسة، فضلا عن عدم تفاعل أدوات السلطة معها، وهي وكالة الأنباء الرسمية والتلفزيون العمومي". لكن لماذا حدث ذلك؟".

ويشير الصحفي بلام في حديثه لـ "الحرة" إلى أهم الأسباب التي وقفت وراء ذلك، وهي "التخوف من أن يتسبب الحادث في ضرب السياحة الصحراوية التي تسعى الحكومة لانتعاشها، وطريقة الاغتيال البشعة عن طريق الذبح، وعدم إعلان السفارة السويسرية في الجزائر عن مقتل رعيتها".

ويرى المتحدث أن هذه القضية وغيرها "لا تستدعي التكتم والتخوف"، مشيرا إلى أنها "لا تسيئ للوضع الأمني لأي بلد"، مضيفا "حدث أن تعرضت سائحتين اسكندنافيتين للذبح في المغرب سنة 2018، والمنطقة المغاربية برمتها ليست بمنأى عن هذه الهجمات".

ووجهت "الحرة" أسئلة إلى وزارة الاتصال الجزائرية عبر بريد إلكتروني رسمي، الأربعاء، بغرض تضمين موقفها من الآراء التي وردت في هذا التقرير إلا أن الوزارة لم ترد.

وكان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، رد خلال لقاء دوري مع صحفيين في وقت سابق، على انتقادات ساقتها منظمات دولية بشأن وضعية حرية التعبير، مؤكدا أنها "مضمونة" للجميع، مضيفا أن"الدستور يضمن حرية التعبير، ووجود قنوات تلفزيونية وإذاعية تعمل دون سند قانوني ولم يتم غلقها دليل على أننا لم نضيق على الحريات".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: وسائل الإعلام حریة الصحافة فی الجزائر

إقرأ أيضاً:

ما الرسائل التي حملها ممثل الرئيس الروسي للجزائر؟

الجزائر– حملت زيارة نائب وزير الخارجية والممثل الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف إلى الجزائر دلالات عدة عن طبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة مع ظهور مؤشرات توتر غير معلن خلال الأشهر الماضية على خلفية وجود قوات فاغنر الروسية ونشاطها في مالي.

ووصف بوغدانوف علاقات بلاده بالجزائر بالجيدة وعلى مستوى إستراتيجي، مؤكدا أن اللقاء الذي جمعه رفقة نائب وزير الدفاع الروسي إيونوس بيك إيفيكوروف، بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس أركان الجيش الفريق أول السعيد شنقريحة، ووزير الخارجية أحمد عطاف، لم يناقش فقط العلاقات الثنائية بل الأحوال في المنطقة ومنطقة الساحل إلى جانب تبادل الرؤى والنصائح، مشيرا إلى استعداد روسيا لمواصلة اللقاءات والتعاون مع الجزائر بما في ذلك النقاش السياسي.

وتأتي زيارة المسؤول الروسي إلى الجزائر بالتزامن مع تقارير إعلامية حول سحب روسيا عتاد عسكري متطور من قواعدها في سوريا ونقله إلى ليبيا بعد أيام من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وعقب تجديد الجزائر دعوتها بمجلس الأمن إلى انسحاب القوات الأجنبية والمقاتلين والمرتزقة الذين يفاقم وجودهم حدة التوترات ويهدد سيادة ليبيا.

الجانبان الجزائري والروسي ناقشا العلاقات الثنائية وعددا من الملفات الإقليمية والدولية (الخارجية الجزائرية) تنشيط بعد فتور

يقول أستاذ العلاقات الدولية والخبير في القضايا الجيوسياسية محمد عمرون إن زيارة ممثل الرئيس الروسي إلى الجزائر تُعد "مهمة" إذا ما وضعت في سياقها الإقليمي والدولي الذي يشهد عدة تطورات، منها سقوط نظام الأسد، والأوضاع في غزة، والحرب الأوكرانية الروسية المتواصلة، إلى جانب الوضع المتأزم في منطقة الساحل الأفريقي.

ويؤكد عمرون، في حديثه للجزيرة نت، أن الزيارة تعد مهمة أيضا بالنسبة للعلاقات الثنائية بين البلدين كونها اتسمت بالفتور الأشهر الماضية لاعتبارات عديدة، من بينها وجود قوات فاغنر الروسية في شمال مالي.

وتطرق إلى العلاقات التاريخية التقليدية بين الجزائر وروسيا في جميع المستويات السياسية والدبلوماسية وحتى العسكرية، مما يجعل روسيا "بحاجة إلى التشاور مع شركائها الموثوقين مثل الجزائر بخصوص التطورات في سوريا، وهو ما سيرفع حالة البرودة والفتور عن العلاقات الجزائرية الروسية".

إعلان

واعتبر أن انعقاد الدورة الرابعة للجنة المشتركة الجزائرية الروسية فرصة لترميم الثقة بين الجانبين بعد فترة من الفتور، والتباحث حول واقع منطقة الساحل، ورفع التنسيق والتشاور وتبادل الرؤى في ما يتعلق بمجمل الملفات.

رسائل وتوضيحات

وأشار أستاذ العلاقات الدولية والخبير في القضايا الجيوسياسية إلى أن ممثل الرئيس الروسي قد حمل دون شك مجموعة من الرسائل من الرئيس بوتين إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تضاف إلى قضايا التعاون وكيفية تقريب وجهات النظر، وتتعلق بتقديم تفسيرات وتوضيحات من الجانب الروسي، خصوصًا فيما يتعلق بمنطقة الساحل، والاستماع للرؤية الجزائرية في هذا السياق.

وبخصوص إذا ما حملت هذه الزيارة تطمينات للجزائر، يقول إن الجزائر أثبتت عدة مرات أنها قادرة على حماية أمنها القومي بنفسها، مما يجعل مسألة التطمينات الروسية فيها نوع من المبالغة.

وأشار إلى أن الجزائر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تُستبعد من ترتيبات منطقة الساحل لاعتبارات كثيرة، كما أن الرؤية الجزائرية القائمة على ضرورة الحوار والتعاون، ورفض التدخلات العسكرية، ورفض اللجوء إلى القوة لحل الأزمات، تعتبر في كثير من الأحيان رؤية صائبة، مما يجعل روسيا مطالبة بالتنسيق بشكل أكبر مع الجزائر.

من جانبه، توقع الخبير في القضايا الجيوسياسية والأمنية وقضايا الهجرة، حسان قاسمي، أن يكون ملف فاغنر قد طوي نهائيا بعد ردود الفعل القوية للطرف الجزائري على نشاط القوات الروسية في مالي، مؤكدا أن روسيا بلد حليف للجزائر، ولو كان هناك عدم توافق في بعض الأحداث التي تطورت على حدود الجزائر.

قواعد روسية بليبيا

واعتبر قاسمي، في حديثه للجزيرة نت، أن الأخبار المتداول لوسائل إعلام غربية حول نقل القواعد العسكرية الروسية بسوريا إلى ليبيا هي محاولات مغرضة لنقل الصراع إلى ليبيا، لعدم وجود لتهديد مباشر للقواعد العسكرية الروسية في سوريا، مع إمكانية تطور الصراعات الجيوسياسية في المستقبل.

إعلان

ومع ذلك، اعتبر أن نقل روسيا المحتمل لقواعدها العسكرية من سوريا إلى ليبيا لا يمكن أن تشكل تهديدا لأمن الجزائر كونها ليست عدوا لها، مما يفرض التنسيق والتشاور مع الجزائر بالموضوع إلى جانب الأطراف الأخرى على غرار السلطة الليبية ومصر.

وقال الخبير حسان قاسمي إن التطورات التي حدث في مالي مع وجود قوات فاغنر الروسية هناك لا يمكن أن تتكرر في ليبيا.

ويرى المحلل السياسي علي ربيج أن موقف الجزائر واضح جدًا فيما يخص القواعد العسكرية في منطقة الساحل أو في منطقة المغرب العربي بشكل عام، كونها رفضت أن تكون هناك قواعد عسكرية على ترابها، أو في ليبيا أو تونس أو مالي، لتأثير مثل هذه التجارب على أمن البلدان بتحولها لمدخل مباشر للانتشار العسكري للقوات الأجنبية.

ويقول ربيج، في حديثه مع الجزيرة نت، إن موقف الجزائر ثابت فيما يتعلق بالقواعد العسكرية، مما قد يجعله أحد النقاط الخلافية بينها وبين روسيا، التي ربما ترغب في إقامة قاعدة عسكرية في ليبيا، معتبرا أن هذا قد يزيد التوتر بين الجزائر وروسيا، وبين أي دولة أخرى تريد إقامة قواعد عسكرية في المنطقة.

بالنسبة للرسائل التي قد يحملها الطرف الروسي بالنسبة للجزائر في القضية الليبية، اعتبر أنها لن تخرج عن محاولة إقناع الجزائر لتغيير موقفها، فروسيا لا يمكنها التنازل عن وجودها في ليبيا.

وأشار إلى أن الجزائر ستبقى صامدة ومتمسكة بموقفها كونها تؤمن بنظرية واحدة، وهي أنه "لا يمكن الخروج من الأزمة الليبية إلا عن طريق جلوس الأخوة الليبيين معًا، والليبيين فقط، لإجراء حوار ومفاوضات وتقديم تنازلات فيما بينهم من أجل التوصل إلى حل يفضي إلى إجراء انتخابات دون تدخل أجنبي".

مقالات مشابهة

  • المؤتمر الإعلامي الثاني للتصلب المتعدد: تعزيز التوعية وتكامل الجهود
  • وزيرة الداخلية الألمانية: منفذ هجوم ماغديبورغ مُعاد للإسلام
  • ما الرسائل التي حملها ممثل الرئيس الروسي للجزائر؟
  • مسلسل ساعته وتاريخه يفتح ملف الدارك ويب.. ما المخاطر التي يسببها؟
  • مراهق ينفذ هجوماً بسكين في مدرسة بزغرب
  • "صناع التأثير".. إطلاق برنامج معسكر الابتكار الإعلامي
  • وعد من البرهان بشأن المؤسسات الإعلامية المتضررة
  • نادي قضاة اليمن يدين قرار مجلس القضاء الأعلى الذي يحظر على القضاة النشر والتعليم في وسائل الإعلام
  • عبدالمحسن سلامة: الصحافة المصرية تواجه تحديات كثيرة ولدينا خطط للتطوير
  • هيئة الإعلام تحدد معايير المحتوى الإعلامي بشأن أحداث المنطقة