الأوضاع في الجزيرة والحرب السودانية- دور الجماعات الإسلامية ومشروع التقسيم
تاريخ النشر: 31st, October 2024 GMT
تشهد ولاية الجزيرة، وهي واحدة من أبرز الولايات السودانية تاريخيًا وزراعيًا، تصعيدًا خطيرًا في سياق الحرب السودانية الحالية، حيث تغرق البلاد في دوامة من العنف المتجدد والانقسامات العرقية والإثنية المتصاعدة. أضحت الجزيرة مسرحًا للمؤامرات السياسية ولحرب النفوذ، وسط تفاقم دور الجماعات الإسلامية، أو ما يطلق عليهم "الكيزان"، في محاولاتهم الاستحواذ على السلطة وتعزيز سيطرتهم السياسية عبر استغلال هذه النزاعات.
دور قوات الدعم السريع والمخططات الكيزانية انخراط دون سند شعبي
بدأت الأوضاع في الجزيرة تأخذ منحىً حادًا مع دخول قوات الدعم السريع إلى الولاية، وهو دخول يُعتقد أنه قد تم بتيسير وتخطيط من بعض عناصر الجيش السوداني الموالية للجماعات الإسلامية، أو من يُطلق عليهم "الكيزان". كان من المتوقع، بناءً على السلوك العنيف والمتكرر لقوات الدعم السريع، أن ترتكب انتهاكات جسيمة في الولاية. واستندت هذه الجماعات إلى فرضية أن العنف الممارس سيؤدي إلى استثارة المواطنين، مما يدفعهم للالتحاق بقتال دعم الجيش، وتوفير قاعدة شعبية مساندة لتحركات العناصر المسلحة التابعة لهذه الجماعات.
غير أن هذه الخطة قد باءت بالفشل، حيث أبدى سكان الجزيرة رفضًا واضحًا للانخراط في الحرب، معتبرين أن الصراع الحالي لا يمثل قضية وطنية حقيقية بقدر ما هو نزاع على السلطة. اتجه عدد كبير من مواطني الجزيرة نحو النزوح إلى ولايات أخرى، بينما آثر البعض البقاء دون المشاركة الفعلية في المعارك. كانت النتيجة أن الكيزان خاضوا معركتهم في غرب الجزيرة دون التأييد الشعبي المتوقع، وهو فشل يعكس نفور السودانيين العام من الانغماس في صراع لا يخدم إلا الطموحات السلطوية.
مشروع تقسيم السودان- خطة تدمير اجتماعي وتفريغ بشري
تدفع التطورات الحالية نحو استهداف وحدة السودان عبر خطاب تعبئة عرقي وقبلي عنيف. فقد شهدت الجزيرة، كغيرها من المناطق السودانية، تصعيدًا في التحريض على أساس عرقي وقبلي، يتمثل في دعم مسلحين تحت لافتة "المقاومة الشعبية" من قِبل عناصر الكيزان، وإثارة العداوات بين القبائل المختلفة في الجزيرة. وفي ظل الانتهاكات العنيفة التي تمارسها قوات الدعم السريع ضد المدنيين، وتصاعد النزوح الجماعي، تتضح محاولة استهداف مشروع الجزيرة الذي يُعد من أكبر المشاريع الزراعية في إفريقيا، والذي يسيل لعاب سماسرة الداخل والخارج على حد سواء.
تهدف هذه المؤامرة الخبيثة إلى إفراغ الجزيرة من سكانها، في خطوة ترمي إلى الاستحواذ على مواردها وزعزعة استقرارها بما يخدم مخططات التقسيم وتفكيك السودان. تأتي هذه التحركات المدروسة لخلق حاضنة شعبية وهمية تستند على تعبئة عنصرية، عبر الإشارة إلى سكان الكنابي، وهم في الغالب من قبائل دارفور، بطرق تحريضية تحاول رسمهم كأعداء للقبائل المحلية.
النزوح الجماعي - رفض شعبي للتجنيد والحرب
إن تدفق الشباب السوداني إلى مكاتب استخراج جوازات السفر والتوثيقات الرسمية يعكس رغبة واضحة في الهروب من البلاد بدلاً من الانخراط في الصراع. ملايين من السودانيين صوتوا بأقدامهم ضد الحرب، مفضلين النزوح إلى الدول المجاورة على البقاء في ساحات قتال تعاني من فقدان البعد الوطني وتغذيها مصالح ضيقة.
استغلال الجماعات الإسلامية للسلطة: مخطط لاستدامة السيطرة
تراهن الجماعات الإسلامية على إمكانية الحفاظ على جزء من السودان تحت سلطتهم بعد التقسيم، إذ يعتقدون أن وجود كيان محلي صغير سيمنحهم القدرة على فرض نظام سلطوي مستدام. ومع ذلك، يبدو أن هذه الرؤية قاصرة وتفتقد إلى قراءة واقعية للتاريخ السوداني الحديث، فالتجربة السابقة بعد انفصال جنوب السودان أظهرت هشاشة هذه الأنظمة وتسببها في ثورة ديسمبر التي أطاحت بها.
مستقبل مظلم- مخاطر التطهير العرقي وصراعات ما بعد التقسيم
تلوح في الأفق سيناريوهات مفزعة لما قد يحدث في السودان إذا استمر هذا التصعيد العرقي، إذ سيكون التقسيم مصحوبًا بموجة من التطهير العرقي والمجازر، خاصة في المناطق التي تتنوع فيها التركيبة السكانية. دخول حركتي مناوي وجبريل إلى الحرب وتصاعد المعارك في دارفور يسلط الضوء على إمكانية أن تتحول هذه المنطقة إلى ساحة حرب أهلية دموية بعد الانفصال، ما يفاقم الكارثة الإنسانية والاجتماعية.
كما أن أبناء دارفور وكردفان المنتشرين في مناطق أخرى كالخرطوم والشمالية والجزيرة قد يتعرضون إلى مخاطر التصفية العرقية، في ظل خطاب كراهية موجه ضد سكان الأحزمة الفقيرة حول المدن وضد سكان الكنابي. هذه السياسة العدائية التي يروّج لها النظام الحالي تهدد بجر البلاد إلى دوامة من المجازر لا تنتهي، مما يجعل فكرة العيش المشترك تزداد استحالةً.
أين دور المثقفين وأصحاب الرأي في مواجهة هذا المخطط؟
أمام هذا المشهد المأساوي، يقف السودان على مفترق طرق يتطلب وقفة جادة من قبل جميع الفئات المجتمعية، بدءًا من الفنانين والشعراء والأدباء، وصولاً إلى قادة الإدارات الأهلية وشيوخ الطرق الصوفية. إن رفض خطاب الكراهية والمساهمة في استنهاض وشائج الوصال بين السودانيين هي مسؤولية ملحة، لكنها تفتقر إلى الحضور الفعلي.
أين تلك الخطط الواقعية التي يمكنها أن تتصدى لمخططات التقسيم؟ أين الوعي الشعبي الذي يجب أن يتنامى لمواجهة التضليل والتعبئة العرقية؟ بات من الضروري أن يتكاتف السودانيون لبناء خطاب فكري قوي ومتوازن، يُبعدهم عن دوامة الاستقطاب المقيت ويحمي وحدة البلاد، فالخطر لا يهدد السودانيين في مناطق الحرب فقط، بل يعرضهم جميعًا للدمار الذي ستستحيل معه استعادة أي استقرار.
سوف تتجه الأزمة السودانية، وخاصة في ولاية الجزيرة، نحو انقسام خطر يستند إلى مخططات التفرقة العرقية والسياسية. إن ترك المجتمع الدولي والإقليمي لهذا الصراع دون ضغط حقيقي لإنهائه، فضلاً عن استغلال الجماعات الإسلامية له، يعزز من احتمالية دخول السودان في دوامة من التطهير العرقي والانقسامات الداخلية. إن مشروع تقسيم السودان هو أكثر من مجرد صراع على السلطة؛ بل هو تهديد حقيقي لوجود السودانيين ككيان موحد، ما لم يتم التحرك بسرعة لتفعيل وعي شعبي يدعو إلى الوحدة ويقف ضد استغلال العنف لأغراض سياسية.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الجماعات الإسلامیة الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
سلفاكير يحث مواطني دولة الجنوب على ضبط النفس وعدم الإنتقام من السودانيين
دعا رئيس دولة جنوب السودان، سلفا كير ميارديت، مواطنيه إلى التزام الهدوء وضبط النفس، على خلفية تعرض عدد من الرعايا السودانيين لاعتداءات في جوبا، ردًا على مزاعم انتهاكات بحق مواطنين من جنوب السودان في ولاية الجزيرة. جوبا ـــ التغيير وقال سلفاكير في خطاب موجّه إلى الشعب الجنوب سوداني “إنني أشعر بألمكم وعدم رضائكم إزاء الفظائع التي تُرتكب ضد مواطنينا في السودان، وخاصة ما يحدث في ولاية الجزيرة، ود مدني”، وشدد على أن عمليات القتل الوحشية وغير الإنسانية للمدنيين الأبرياء من جنوب السودان، والتي ورد أن القوات المسلحة السودانية ارتكبتها بحسب توصيفه تثير ذكريات ومشاعر سيئة وحزينة، و أضاف “إن هذه الأعمال الشنيعة غير مقبولة ولا يمكن مقارنتها إلا بالإرهاب”.
و أكد سلفاكير أن مواطن دولة جنوب السودان لا يزال يعتبر السودان وطنه، وبالمثل فإن العديد من المواطنين السودانيين يعتبرون جنوب السودان وطنهم وقال “يرجع هذا إلى تاريخنا المشترك. ولذلك فإن حكومة السودان ملزمة بحماية مواطني جنوب السودان المحاصرين في مناطق الحرب الخاضعة لسيطرتها”.
وأوضح سلفاكير أنه منذ أن علم الفظائع ضد مواطنيه في ود مدني أصدر تعليمات لوزارة الخارجية بالإتصال بالسفارة السودانية في جوبا للتوضيح والمطالبة بإجراء تحقيق فوري وشامل في مقتل المدنيين العزل، ومشاركة المنظمات الدولية لحقوق الإنسان لضمان الشفافية في مثل هذا التحقيق، وشدد على أن على الحكومة السودانية عليها ضمان محاسبة الذين ارتكبوا هذه الفظائع.
وقال سلفاكر “عليه أحث جميع مواطني جنوب السودان على التزام الهدوء والامتناع عن الانتقام”، و أضاف “من الأهمية بمكان ألا نسمح للغضب والعواطف بأن تطغى على حكمنا وننقلب ضد الإخوة والأخوات السودانيين، دعونا نحمي ممتلكاتهم وأعمالهم، فنحن شعب مضياف، ومن واجبنا أن نقدم الحماية والدعم للاجئين السودانيين الذين فروا من الحرب في السودان”، وتابع “دعوهم يجدون الراحة وسطكم، وعلينا أن نثق في عمليات السلام والحوار لحل هذه الأزمة بدلا من أن يأخذ المواطنون زمام الأمور بأيديهم. ويجب محاسبة أي شخص يتبين أنه يقوم بنهب أو اقتحام أي من الممتلكات والشركات”.
ووجّه سلفاكير رئيس قوات الدفاع والمفتش العام للشرطة والمديرين العامين لجهاز الأمن الوطني لضمان عدم قيام أي شخص بأخذ القوانين بيده، وضمان الحماية لجميع المواطنين السودانيين داخل أراضي جمهورية جنوب السودان، وأمر جميع القوات النظامية الاحتياطية بالتبليغ لدى وحداتهم وثكناتهم للحصول على مزيد من التوجيهات.
الوسومأحداث الجزيرة إنتقام جنوب السودان دولة سلفاكير