يطل المسرح الملكي بالرباط على نهر أبي رقراق، ويقابله على الضفة الأخرى صومعة حسان الموحدية التي تجاوز عمرها 8 قرون، في تناغم بين الجانب التاريخي والحديث للعاصمة المغربية.

وينضاف هذا المسرح -الذي يعد أكبر مسرح في العالم العربي وأفريقيا- إلى العديد من البنيات الثقافية التي أُنشئت في الـ20 سنة الماضية ضمن برنامج الرباط مدينة الأنوار وعاصمة المغرب الثقافية.

ودشنت شقيقة العاهل المغربي الأميرة للا حسناء وزوجة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الثلاثاء المسرح، الذي بدأت أشغال بنائه رسميا عام 2014 واكتمل بناؤه في عام 2021 إلا أن التداعيات التي تلت جائحة كورونا حالت دون افتتاحه.

الأميرة للا حسناء وزوجة الرئيس الفرنسي خلال تدشين المسرح (مواقع التواصل)

وكانت هذه المعلمة الثقافية آخر أعمال المهندسة المعمارية العراقية البريطانية زها حديد التي توفيت عام 2016، وعرفت بتصميماتها العالمية المبهرة مثل دار الأوبرا في غوانغجو بالصين وفي كارديف عاصمة ويلز، والمتحف الوطني لفنون القرن الحادي والعشرين في روما ومركز حيدر علييف في باكو، وأيضا ملعب الوكرة في قطر الذي احتضن مباريات كأس العالم عام 2022.

المسرح الملكي خلال فترة بنائه (الجزيرة) تحفة معمارية

بُني المسرح الملكي أو المسرح الكبير على قطعة أرضية تمتد على مساحة تقدر بنحو 7 هكتارات، منها 25 ألفا و400 متر مربع مبنية، وكلف بناؤه حوالي 1677 مليون درهم.

وأضفى التصميم الفريد والمبتكر للمبنى ومختلف مرافقه مظهرا عصريا للعاصمة، إذ يشكل تحفة معمارية انضافت إلى تحف أخرى تزخر بها الرباط مثل برج محمد السادس و متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر والمحطة الطرقية ومحطة القطارات أكدال.

ويتكون المبنى من قاعة عروض كبيرة تتسع لأزيد من 1800 مقعد، مجهزة بأحدث التقنيات السينوغرافية والتقنيات العازلة للصوت، وبسقف متحرك يأخذ شكلَ عاكس صوتيّ.

واستمد تصميم هذه القاعة روحه من العمارة الإسلامية للقرون الوسطى، وهي مخصصة لاحتضان تظاهرات فنية وثقافية متنوعة مثل المسرح والباليه والأوبرا والمسرحيات الموسيقية والحفلات السيمفونية بالإضافة إلى أنواع أخرى من العروض الحية.

ويضم المسرح الملكي قاعة عروض أخرى تتسع لـ250 مقعدا، مفتوحة لعرض مختلف التعبيرات الثقافية، وقاعة للفنانين وأخرى مخصصة للنجوم، كما يتوفر على مطعم بانورامي يطل من جهة على برج محمد السادس ومن جهة ثانية على صومعة حسان التاريخية وضريح محمد الخامس.

أما الفضاء الخارجي للمسرح، فيضم مدرجا يتسع لحوالي 7 آلاف شخص، مخصصا لاحتضان المهرجانات والفعاليات الكبرى.

نقلة في المشهد الثقافي

ينظر فاعلون مسرحيون إلى هذا الحدث الفني والثقافي بفخر، إذ سيعزز البنيات الثقافية في البلاد ويشكل نقلة كبرى في المشهد الثقافي والفني.

ويرى المخرج المسرحي أمين ناسور أن المسرح الملكي بالرباط سيسهم في الرفع من قيمة المنتوج الإبداعي المغربي، خصوصا وأن المملكة تراهن على الثقافة والفنون باعتبارها واجهة حضارية للمجتمع ورافعة للتنمية.

وقال ناسور للجزيرة نت إن هذه المعلمة سيكون لها تأثير قوي على الساحة الفنية الوطنية لأنها ستتيح للمهنيين والفنانين المغاربة مشاهدة عروض عالمية حية واللقاء بفنانين عالميين، كما ستتيح لهم إنتاج عروض من مستوى عالمي كبير.

القاعة الرئيسية للمسرح (وكالة تهيئة أبي رقراق)

وأضاف "تدشين هذا المسرح سيرفع سقف طموحنا، ونتوقع أن تضع الآلة الإنتاجية في حسبانها أن هذه الفضاءات الضخمة تحتاج إلى إمكانيات كبيرة وإبداع عال يتناسب مع قيمة مثل هذه المعلمة الفنية".

بالنسبة للمخرج المسرحي ورئيس النقابة المغربية لمهنيّي الفنون الدرامية مسعود بوحسين، فإن هذا المسرح سيجعل الرباط عاصمة الفن المسرحي، وإحدى المرجعيات الثقافية في العالم العربي وأفريقيا والعالم.

ولفت في حديثه مع الجزيرة نت إلى الاهتمام الكبير الذي أعطاه الملك محمد السادس لمؤسسات العروض الفنية وهو ما يظهر في بناء مسارح كبيرة في عدد من المدن مثل المسرح الكبير في الدار البيضاء وطنجة والمسرح الكبير في أكادير وغيرها من المدن.

ودعا لأن تواكب الحكومة هذا التوجه بتشجيع المسرح والاهتمام بالجانب البشري ليستفيد المواطنون من هذه الفضاءات ويتابعوا عروضا فرجوية في مستوى عال حتى لا تظل مجرد بنايات دون أن أدنى استغلال فني حقيقي لها.

المسرح الملكي بالرباط من الخارج (الجزيرة)

ومقابل هذا المجهود المبذول على مستوى توفير الفضاءات الفنية من مستوى احترافي، أكد بوحسين على ضرورة بذل مجهود من أجل تطوير السياسات الثقافية في مجال المسرح والفنون الحية.

بدروه، أكد أمين ناسور على ضرورة الرفع من الاستثمار في الثقافة والفن، وأوضح أن مشروع الصناعة الثقافية والإبداعية الذي جاءت به وزارة الثقافة والعقلية الاستثمارية في المسرح التي نهجتها في الآونة الأخيرة من شأنها أن تدفع الفاعل الفني والثقافي لأن يقدم أعمالا بجودة عالية سيكون لها وقع وتأثير كبير على الجمهور خصوصا إذا تم عرضها في مسارح بإمكانات عالمية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات محمد السادس

إقرأ أيضاً:

تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي ضمن إصدارات قصور الثقافة

أصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة كتاب "تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي" للمؤرخ الدكتور جمال الدين الشيال، ضمن مجموعة كتب التاريخ التي تطرحها الهيئة بمناسبة معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السادسة والخمسين، المقرر انطلاقها في الفترة من 23 يناير الحالي إلى 5 فبراير المقبل بمركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس، ضمن برامج وزارة الثقافة، تحت شعار "اقرأ.. في البدء كان الكلمة".

حركة محمد علي للترجمة 

ويستعرض الكتاب حركة الترجمة في عصر محمد علي باشا منذ خطواتها الأولى في إعداد المترجمين من خريجي المدارس والبعثات، مرورا باختيار الكتب وترجمتها ومراجعتها، وحتى مراحل الطباعة والنشر، ليبرز أهمية هذه الوسيلة في تحقيق النهضة؛ حيث أدرك محمد علي أن نهضة الدولة المصرية الحديثة لن تتحقق دون الاستفادة من منجزات الحضارات الأخرى ومعارفها المتقدمة، فكانت الترجمة ركيزة أساسية في مشروعه لبناء الدولة.

وقد تميزت حركة الترجمة في تلك الفترة بالتنوع الكبير، حيث شملت مجالات عديدة كالطب والهندسة والتاريخ والفلسفة، وغطت لغات متعددة. هذا التنوع ساهم بشكل كبير في تطور الدولة وتحقيق أهدافها النهضوية.

وتشارك هيئة قصور الثقافة في دورة هذا العام من المعرض بأكثر من 165 عنوانا جديدا تم اختيارها بعناية وصدرت ضمن سلاسل الهيئة ومجموعة أخرى تم إصدارها بمناسبة المعرض، وتقديمها بأسعار مخفضة للجمهور، وقد تنوعت موضوعات الكتب لتشمل التاريخ والتراث والأدب الشعبي والتراجم العالمية وكتب أعلام الفكر والأعمال الرائدة، بالإضافة إلى إصدارات متنوعة في سلاسل: السينما، السير الذاتية، أدب الرحلات، الفلسفة، والدراسات الشعبية، الفن التشكيلي، النقد الأدبي، المسرح، والموسيقى، والعبور، وكذا الأعمال الإبداعية في القصة والشعر والرواية، بجانب الركن الخاص بكتب الأطفال وركن في جناح الهيئة للكتب المخفضة.

ويشرف على إصدارات الهيئة في المعرض الإدارة المركزية للشئون الثقافية، برئاسة الشاعر د. مسعود شومان، والإدارة العامة للنشر الثقافي، برئاسة الكاتب الحسيني عمران، والإدارة العامة للتسويق والمبيعات، برئاسة تغريد كامل، وصمم غلاف الكتاب وسام سامي.

ويشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب 80  دولة و1300 دار نشر و6 آلاف عارض، وتحل عليه سلطنة عمان ضيف شرف هذه الدورة، وتم اختيار اسم الدكتور الراحل أحمد مستجير، شخصية المعرض، والكاتبة فاطمة المعدول، شخصية معرض كتاب الطفل.

مقالات مشابهة

  • تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي ضمن إصدارات قصور الثقافة
  • خبير: البشت الذي ارتداه ولي العهد بالعلا زاد الطلب عليه بالعالم العربي.. فيديو
  • نجيب الريحاني.. “الضاحك الباكي” الذي خطف القلوب في العصر الذهبي للفن المصري (تقرير)
  • في ذكرى ميلاده.. قصة كلبة نجيب الريحاني الذي مات حرنا عليها
  • من حمص إلى المسرح العربي... وداعاً فرحان بلبل
  • الذايدي: سالم هو اللاعب العربي والآسيوي الوحيد الذي سجل في أهم 4 بطولات عالمية.. فيديو
  • أبطال أفريقيا. الجيش الملكي يعود بصدارة المجموعة من جنوب أفريقيا والرجاء يغادر المنافسات بأداء كارثي
  • مجاناً.. قصور الثقافة تقدم 11 عرضا مسرحياً بنوادي مسرح وسط الصعيد غداً
  • محمد جمعة يكشف موعد طرح مسرحية بني أدم بموسم الرياض
  • مسرح فرنسي يواجه شبح الإفلاس بسبب مجموعة لاجئين.. احتلوه ورفضوا الخروج