د. محمد بشاري يكتب: بين العقل والفكرة.. موضع تأمل
تاريخ النشر: 31st, October 2024 GMT
لم يتوقف الإعجاب بأصحاب العقول الخلاقة ومتفوقة الذكاء يوما ما، حيث يستطع في كل مجتمع نخبة من الأفذاذ الضالعين في المجالات والتخصصات المختلفة والذين عرفوا ليس بمجالهم وإنما من خلال الإبداع الذي قدمه من خلال التفوق الفكري والنتاج العملي.
وفي ذات السياق لا يمكن إخفاء الرغبة العارمة لدى مختلف شرائح المجتمع في تكون من ضمن تلك النخبة المتميزة، وهو الأمر غير الممكن تطبيقه بشكل متساوي الأمر الذي يمكن تفسيره من خلال النظرة التحليلية للعقل الإنساني والوقوف على نقاط التشابه والاختلاف والمشتركات والمفترقات، سيما أن التشابه بين العقول الإنسانية لا يتجاوز البنية البيولوجية.
وأما فيما يتعلق بتفسير المفارقة النوعية بالإنتاج الفكري والمعرفي الإنساني، فإنهم يمكن ارجاعه إلى التنوع الوظيفي الخاص بالدماغ الإنساني، حيث أن القدرات العقلية والوظائف التي يمكن إنجازها لا تتشابه بين شخص والآخر، وبخاصة أن إتقان المهارات المسؤولة عن الإبداع والابتكار في مجال معين تختلف من شخص إلى آخر عند مقارنة ذلك بشخصين على سبيل المثال في نفس الفئة العمرية، حيث أن التكوين البيولوجي لدماغ الإنسان يتشابه في عمر ال(35) سنة مثلاً، ولكنه يختلف في ممتلكاته من الأدوات الدافعة بمستوى الإنتاج العقلي من مهارات وخبرات، وبالتالي لا يمكن المساواة في مستوى الإدراك والمعرفة لاختلاف التنوع الوظيفي .
وبالإضافة إلى كل ما سبق فإن هناك حزمة من التأثيرات التي لا يمكن استثنائها عند الحديث عن الفروقات والتشابهات في المستوى الفكري الإنساني وقدرته على إنتاج المعارف وما يتصل بذلك من مهارات تحليلية ونقدية وغيرها، حيث أنه لا يمكن إنكار الأثر الاجتماعي والتربوي والبيئي والثقافي والقيمي والديني على البنية العقلية وتكوين الفكر الإنساني وبالتالي القدرة العقلية.
كما أن الحديث عن القدرة العقلية وبالتحديد الإنتاج المعرفي يتداخل مع العديد من الخصوصيات والشروط والمحددات حيث أن ما يسميه العلماء ب: " الفروق الفردية"، لا هو أثر بارز أيضاً على طبيعة التكوين المعرفي، سيما إنه هناك العديد من هل الفروقات التي يتميز بها شخص عن الآخر، مثل الفروق في القدرة الحركية، التي يمكن ملاحظتها عند لاعبين القوى، حيث تختلف القوة البدنية والمهارات الحركية المكتسبة ومستوى المرونة من جسد إلى آخر، وكذلك الحال في الفروق العرقية التي تميز كل عرق بصفات مختلفة عن غيره، وهذا هو الحل أيضا التي يذكر عنده المقارنة بين التحصيل العلمي بين الطلبة حيث أن أطفال فرق التحصيل أو الإنجاز يختلف في الأداء الأكاديمي من شخص إلى آخر، وكذلك الحال بالفروق المتعلقة بشخصية الإنسان نفسه مثل توجه الفكر عنده نحو الإيجابية أو السلبية، وأخيرا الفروق الفكرية التي تعبر عن مستوى القدرة العقلية أو مستوى الذكاء الذي يتفاوت بين مستوى الذكاء العادي، و المتوسط، و الشديد، وما يتجاوز ذلك وصولاً إلى العبقرية.
وعليه، فإن تأثير العقل في اكتساب المعرفة وتطوير الأفكار، يتعلق بطبيعة البنية العقلية البشرية ، التي تجعلنا نقف مطولاً بين العقل والفكرة، لنلمس الخيط الذي يربط بينهما والعلاقة التكاملية والتأسيسية المطردة.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
الحوار صوت العقل
محمد بن رامس الرواس
"إن سلطنة عُمان تُمثّل صوت الحكمة في الشرق الأوسط، وهي أحد الأماكن القليلة التي يمكن للسلام أن يبدأ منها دون ضوضاء" الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون.
***********
في زمن اشتعلت فيه فتائل الحروب أبقت مسقط على مكانتها الدولية كأرض للسلام ومكان مناسب للكلمة والحوار والإنصات لصوت العقل؛ فالعاصمة مسقط لا تصنع ضجيجًا دبلوماسيًا حول المفاوضات؛ بل تحترم هذا اللقاء غير المُباشر بين أي طرفين.
وفي ذلك تعمل عُمان على تهيئة المكان والبيئة المواتية لنجاح أي مفاوضات أو مباحثات بين خصمين، ولذلك استحقت العاصمة مسقط أن تكون صوت العقل والحكمة ومقر السلام والحوار، وهي اليوم تستعد لتفتح من جديد بابًا للحوار الذي يُستأنف في زمن التوترات الدولية وفي عالمٍ كثر به الهرج والمرج وازدادت فيه الأبواب إغلاقًا؛ فشرَّعت مسقط بوابتها من جديد لاستضافة حوار بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية حول الملف النووي الإيراني.
هذه ليست المرة الأولى لعُمان في صناعة سلام ينزع فتيل الحرب بالمنطقة، لكنها تأتي في لحظة فارقة؛ حيث تتقاطع التهديدات وتتزاحم الاحتمالات، وتصبح الكلمات أكثر أهمية من الصواريخ.
والعاصمة مسقط مدينة السلام اعتادت أن تكون ملاذًا دبلوماسيًا آمنًا؛ حيث إنها لا تصدر الأحكام ولا ترفع الرايات؛ بل تمنح الجميع الفرصة للحديث بين اروقة قاعات اجتماعاتها يجد فيها فرقاء السياسةُ متنفسًا، ويجد المتخاصمون مساحة للإنصات والتواصل والتفاهم فيما بينهم.
لقد كانت عُمان ولا تزال، تُتقِن فن الحياد دون غياب عن المشهد الإقليمي والعالمي، والتواجد والحضور الإيجابي؛ لما من شأنه أن يُحدث التوازن والحوار والتفاهم بين الأطراف؛ لذلك عندما قررت الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية العودة إلى طاولة الحوار حول الملف النووي الإيراني الشائك، اختارتا مسقط؛ لما تمثله من ثقة دولية وتاريخ لصناعتها للحوار الجاد والسلام.
والملف النووي الإيراني يُعد اليوم واحدًا من أكثر الملفات الشائكة بالعالم، وبداية حوار أمريكي إيراني سيكون بمثابة خطوة مهمة لإيجاد توازن يُجنِّب المنطقة اشتعال فتيل الحرب؛ فالحوار بلا شك سيفتح الباب نحو خطوات تكبح التصعيد الذي تقوده إسرائيل بالمنطقة، والتي تسعى لدفع الولايات المتحدة نحو توجيه ضربة للمفاعل النووي الإيراني، ما قد ينتُج عنه تداعيات لا تُحمد عقباها.
لكن اليوم يُفتح بابٌ جديد للحوار بين واشنطن وطهران في عالمٍ يتسابق فيه الرصاص مع العقل، ولا زالت مسقط تمضي وحدها بخطى ثابتة على رصيف الحكمة، لا ترفع شعارات، ولا تتباهى بدبلوماسيتها، لكنها تبني بصمتٍ ما تعجز عنه العواصم الكبرى، ومع كل خطوة نحو مسقط يعود العالم إلى رُشده قليلًا، يعود ليتذكر أن ما بين الحرب والسلام، يكفي أن يُصغي طرفان لبعضهما، والآن مسقط تقول إنِّه آن الأوان لكي يستمع كل طرف للآخر من أجل التوصل لحلٍ يُسهم في نشر السلام والاستقرار في هذه البقعة من العالم المضطرب.
رابط مختصر