قال الدكتور القس أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، تعريفنا ورؤيتنا للسلام، إن معالجة أي قضية يجب أن تبدأ أولًا بتعريف مصطلحاتها؛ فبتعريف المصطلح تتكشف أمامنا كافة الأبعاد، ويتكون لدينا إدراكٌ لمحتوى القضية التي نناقشها، وإدراك الفرق بين المصطلحات التي قد تبدو مترادفةً أو يتم استخدامها في غير سياقها.

 
وأضاف"زكي" خلال الكلمة التي القاها مساءاليوم، بلقاء مؤتمر “نحو سلام مجتمعي : الدين ورسالة السلام”، والمنعقد بالعين السخنة،  بان تعريف السلام ينطوي على العديد من الأبعاد والمستويات؛ فإن كان التعريف اللغويُّ يشير إلى غياب العنف، فأعتقد أن احتياجات مجتمعنا في هذه الآونة تتجاوز هذا التعريف، من حيث فهمنا لمعنى العنف.
وتابع زكي : ويجب أن نضع في اعتبارنا أن معنى العنف يشمل العنف اللفظي والمعنوي إلى جانب العنف البدني. 
واستطرد زكي : وعلى المستوى المجتمعي يمكن تعريف خطاب الكراهية باعتباره شكلًا من أشكال العنف اللفظي. لهذا فإن فهمنا لمعنى السلام يجب أن يشتمل على أبعاد أخرى؛ مثل الاستقرار  والاتفاق المجتمعي واحترام القانون وتحقيق الرفاهة الاجتماعية. كل هذه الأبعاد لا غنى عنها في تعريفنا لمفهوم السلام. 
تابع “زكي ” : الدين وبناء السلام.. الفرص والتحديات لقد ترك لنا تراكمُ خبرات العقود الماضية وعيًا شاملًا وإدراكًا جامعًا لدور الدين في المجتمع. فالدين مكوِّن رئيس من مكوِّنات المجتمع، ويشكِّل عنصرًا مهمًّا من عناصر هوية أي مجتمع.

وتابع : لكن هذا لا يعني الدعوة إلى تديين المجال العام أو تحويل الدين إلى أيديولوجية أو استخدامه سياسيًّا، أو توظيفه بأي شكل من الأشكال؛ فهذا من شأنه أن يُبعِد الدين عن أهدافه الأساسيَّة السَّامية.

ودعا  “زكي ”باننا  نفرق أيضًا بين "الدين" و"الفكر الديني"؛ فالدين منظومة إيمانية جاءت في نصوص مقدَّسة يؤمن بها الإنسان ويكوِّن من خلالها علاقةً مع الخالق،
  أما الفكر الديني فهو اجتهادات وتأويلات تحاول تفسير النصوص الدينية؛ وهذه نشاطات فكرية بشرية، خاضعة للمراجعة واختلاف الآراء والرؤى والتوجهات الفكرية، ولا ينبغي -بأي حال من الأحوال- أن تكون هذه الاختلافات مدعاةً للصراع أو النزاع أو التقليل من شأن الآخر، ولهذا فمن حيث المبدأ، فإن جميع الأديان تدعو إلى السلام، والمحبة، وتماسك المجتمع، واحترام الآخر، وجميع هذه القيم المجتمعية.

وبناءً على هذا فالنصوص الدينية المقدسة نقطة انطلاق عظيمة لبناء السلام المحليّ والدوليّ. لكن تكمن المشكلة الحقيقيَّة في هذا الشأن في صناعة الفكر الديني المتطرف بما يتضمنه من تفسيرات للنصوص المقدسة تكون إما مُوجَّهة أو مبتورة من سياقها أو تحمل أيديولوجيَّةً.

وتابع رئيس الطائفة الإنجيلية: بينما الفكر الديني المتسامح هو ما يعكس القِيَمَ الحقيقيَّةَ الأصيلة للأديان. وهذا دور المؤسسات الدينية في الاهتمام بالتعليم الديني الذي ينشئ عقليةً تستوعب الاختلاف وتحترمه، وتسعى دائمًا لبناء الجسور مع الآخر.

ومن إحدى إشكاليات صناعة الفكر الديني وتقديمه في وقتنا هذا أنه لم يعد مقتصرًا على المتخصصين من دارسي الفقه واللاهوت، لكنه امتد أيضًا لصنَّاع المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي، وربما يحظى صناع المحتوى بتأثير كبير بين النشء والشباب من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.

والإشكالية الحقيقية في هذا الأمر هو احتمالية انحراف بعضهم في الفكر إلى مهاجمة العقائد والأديان، وخلق حالة من الاحتقان والعنف اللفظي وشيوع خطاب الكراهية، والتي قد تشكِّل خطورةً على التسامح والتماسك المجتمعي.

ويخلط مثيرو دعاوى الكراهية بين ترويج خطاب الكراهية والاستهزاء بمعتقدات الآخرين وبين حرية الرأي والتعبير؛ لهذا يقتضي الأمر خلق حالة من التوازن وإدراك التعريف الدقيق والفرق الواضح بين حرية التعبير واحترام العقائد ومواجهة خطاب الكراهية حتى لا يُستَخدم أيٌّ من هذه المصطلحات خارج سياقه.
وتابع “زكي ”وفي هذا السياق، أودُّ أن أشجب وأدين كل محاولات الازدراء بمقدسات الآخرين؛ بأي شكل أو أي طريقة. ومع احترامي لحرية التعبير؛ فالحرية تقف حدودها عند حرية الآخرين واحترام مقدساتهم ومعتقداتهم، لهذا أعلن رفضي القاطع لكل دعاوى حرق الكتب المقدسة لما فيها من إساءة للمقدسات وتعدٍّ وعنفٍ ضد معتقدات الآخرين، لذا دعونا نؤكد مرارًا وتكرارًا: إن خطاب الكراهية هو نوعٌ من العنف اللفظي ولا يمكن أن يكون حرية تعبير، يمكن للدين إذن -بل ويجب- أن يشكِّل جسرًا بين أفراد المجتمع من خلال التمسك بالقِيَمِ الإنسانية الراقية التي نادت بها الأديان وتعزيز الحوار البنَّاء بين أتباع الأديان والذي من شأنه أن يخلق حالة من السلام والتماسك المجتمعي. 
 والحوار هنا ليس حوارًا فقهيًّا- لاهوتيًّا،  إنما يمتد إلى حوار الحياة المشتركة والاتحاد سويًّا في مواجهة التحديات التي يواجهها المجتمع، فالمؤسسات الدينية (الجامع والكنيسة) ليست جزيرة منعزلة عن المجتمع إنما هي جزء منه لا تقدر أن تنفصل عنه. والحوار والتعاون بين المؤسسات الدينية سيكون له دور كبير في تحقيق السلام المجتمعي، على أن تكون ثمار هذا الحوار واضحة لرجل الشارع.

وقال: ثمة عوامل عديدة تسهم في إنجاح الحوار وتعزِّز تأثيره خاصةً لدى رجل الشارع؛ أهم هذه العوامل:
-  قراءة النص الديني قراءة معاصرة؛ بمعنى الاهتمام بقراءة النصوص الدينية في إطار خلفياتها التاريخية والتعرف على المتلقي الأول للنصوص، 
- ثم محاولة استكشاف ما يقوله النص الديني في الوقت الحالي. مما يشكل بدوره توجهات فقهية ولاهوتية داعمة للحوار. 
- وهذا أحد الأدوار الأهم المنوطة بها المؤسسات الدينية. يسهم هذا في تمهيد أرضية مشتركة للحوار والتعاون في التعامل مع قضايا مشتركة، كالمواطنة والتعددية والعيش المشترك، كما يسهم في مواجهة فاعلة لخطاب الكراهية، سعيًا إلى تحقيق السلام المجتمعي والإنساني.    
وهنا يأتي دور الإعلام
-  في توسيع المجال أمام الأفكار المعتدلة، خاصةً أن منابر الإعلام أصبحت عديدةً وذات فاعلية وتأثير كبيرين على الأغلبية العظمى من المواطنين، مع انتشار منصات التواصل الاجتماعي بمختلف تطبيقاتها ومواقعها، 
- وما لمسناه خلال العقد الماضي من قدرة فائقة على نقل توجهات الشارع والآراء السياسية والتطورات الاجتماعية داخل المجتمع، بل والأبعد من ذلك لعب دور المحرك للمجتمع. 
وأخيرًا، إن بناء السلام -محليًّا ودوليًّا- عملية تحتاج إلى وقت:
-  فعلى المستوى الدولي تتسم الظروفُ العالميَّةُ الراهنةُ بعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي.
-  وعلى المستوى المحلي، أرى أن خلال العقد الماضي ساهمت الدولة المصرية بخطوات كبيرة في دعم السلام المجتمعي،
-  لكن لا يزال أمامنا الكثير لإنجازه في هذا المجال، والدين -باعتباره مكونًا رئيسًا له مكانة راقية في وجدان المصريين- هو أحد الفرص العظيمة لدفع بلادنا إلى الأمام والتعامل مع مختلف التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها بلادُنا،
-  وتعظيم الفرص والإمكانات المتاحة للتنمية المستدامة.

وهذا هو دور مثل هذه اللقاءات التي يجتمع فيها قادة الفكر والمسؤولون لتبادل الأفكار والرؤى والوصول إلى توصياتٍ تساهم في دعم السلام المجتمعي.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: احترام القانون الطائفة الانجيلية بمصر بناء السلام نحو سلام مجتمعي خطاب الکراهیة رئیس ا فی هذا

إقرأ أيضاً:

محافظ بني سويف يتابع مستجدات حملة " الـ 16 يوم" لمناهضة العُنف ضد المرأة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

 ناقش الدكتور محمد هاني غنيم، محافظ بني سويف، البرنامج الزمني لحملة "16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة"، التي تُطلقها المحافظة غدًا الاثنين 25 نوفمبر وتستمر حتى 10 ديسمبر المقبل، حيث تأتي هذه الحملة ضمن برنامج الحكومة في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030 في محاورها الأربعة، لدعم حقوق المرأة وتعزيز دورها في المجتمع.

 حيث ناقش المحافظ آليات وإجراءات تنفيذ الحملة وتوزيع المهام والأدوار الخاصة بكل جهة من الجهات المشاركة في الحملة التي سيتم تنفيذها "تحت رعاية المحافظ د.محمد هاني غنيم"،وبإشراف وحدة شؤون المرأة بالديوان العام، وتتضمن تنظيم حزمة من الفعاليات والأنشطة مثل الحملات الإعلامية وعقد لقاءات وندوات لنشر الوعي عن أهمية دور المرأة وكونها تشكل نصف المجتمع ولا يجوز ممارسة أى شكل من أشكال العنف عليها أو التمييز ضدها.

 وأكد المحافظ على  أهمية الحملة في رفع الوعي بقضية العنف ضد المرأة، والعمل على القضاء على جميع أشكاله، مشيرًا إلى أن المرأة تمثل شريكًا أساسيًا في بناء المجتمع، ولا بد من توفير بيئة آمنة تدعم تمكينها ومشاركتها الفاعلة في مختلف المجالات.

 فيما أعربت مدير وحدة شؤون المرأة بديوان عام محافظة بني سويف" د. شيماء كرم " عن شكرها الكبير للدعم غير المحدود من المحافظ  للحملة وغيرها من الجهود التي تمس قضايا المرأة  في مختلف النواحي الحياتية ، موضحة أن حملة "16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة" تمثل خطوة مهمة في رفع  وعي المجتمع بأهمية احترام حقوق المرأة وحمايتها من جميع أشكال العنف والتمييز.

 وأوضحت أن الحملة تستهدف نشر ثقافة المساواة وتعزيز دور المرأة كشريك أساسي في التنمية، من خلال سلسلة من الفعاليات التوعوية التي تشمل ندوات وحملات إعلامية ولقاءات مجتمعية، مؤكدة أن الحملة تأتي في إطار تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030، التي تسعى لتعزيز دور المرأة في جميع المجالات وضمان مشاركتها الفاعلة في بناء الوطن، مؤكدة على تنفيذ تكليفات المحافظ  بالحرص على التنسيق الفعال مع الجهات المختلفة لإنجاح الحملة، وضمان تحقيق أهدافها في الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المستفيدين بمختلف فئات المجتمع.

مقالات مشابهة

  • بعثة الأمم المتحدة تبحث سبل مكافحة خطاب الكراهية السائد في ليبيا
  • محافظ بني سويف يتابع مستجدات حملة " الـ 16 يوم" لمناهضة العُنف ضد المرأة
  • العنف الأسري: الأسباب والآثار والحلول
  • العنف الأسري: مشكلة تهدد المجتمع والأسرة
  • «المصريين»: نعيش معركة وعي.. والحل حماية المجتمع من الفكر المتطرف والشائعات
  • القومي لحقوق الإنسان ينعى المستشار عادل قورة رئيس محكمة النقض الأسبق
  • رئيس الطائفة الإنجيلية يشهد فعاليات حفل «احتفل بالحياة» بحضور كنسي كبير
  • رئيس الإنجيلية : نؤمن بوعد الله القادر على تغيير العالم وتحقيق المستحيلات
  • أمانة الطائف تنفذ مبادرة “المراقب المجتمعي” لتعزيز التفاعل الإيجابي بين الأمانة والمجتمع المحلي
  • نادى به الرئيس.. أمينة خيري: المجتمع يحتاج تطوير محتوى الخطاب الديني ومفهوم التدين