انتحار جماعي وموت عنيف، ذلك ما يعنيه حدوث كارثة نووية يكون البشر مسؤولين عنها كلية، حسب مقال لمجلة "لوبس" الفرنسية، التي قالت إنه لن يكون بعد الحرب النووية سوى الدمار والخراب، أيًا كان من يطلقها.

وأوضحت المجلة في مقالها بأن الحرب في أوكرانيا وتهديدات روسيا باستخدام الأسلحة الذرية، والتجارب الصاروخية بكوريا الشمالية، والأزمات الكامنة بين الصين والولايات المتحدة حول تايوان، وتسليح إيران المحتمل، والتوترات الدائمة بين الهند وباكستان، ما هي إلا إرهاصات مرعبة لاحتمال وقوع صراع نووي.

وسلط المقال الضوء على الآثار المدمرة للحرب الذرية، بدءًا من الإشعاع المميت والحرارة وموجة الصدمة، ومرورًا بكارثة "الشتاء النووي"، وما سيلحق بالمحيطات وطبقة الأوزون من ضرر يستغرق عقودًا، وانتهاء بسنوات المجاعة الطويلة، والصراعات الإقليمية وما يرافقها من عواقب عالمية بالغة التأثير.


الإشعاع وموجة الصدمة

وذكرت المجلة -في مقال بقلم جان بول فريتز- أن الإشعاع المباشر المميت للانفجار النووي سيمتد لمسافة ميل تقريبًا إذا كان الانفجار بقوة 10 كيلو طن، أو نصف قنبلة ناغازاكي، مع أن هذه الإشعاعات التي يمكن أن تشكّل عاصفة نارية، تتضاءل أمام التأثيرات الأخرى للانفجار في القنابل الحديثة، حيث تكون موجة الصدمة "مسؤولة عن معظم الدمار المادي"، حسب قوة القنبلة وتضاريس المكان.

لكن تأثيراتها تختلف سواء انفجرت القنبلة على الأرض أو في الهواء، وتكون الطريقة الأخيرة أكثر فاعلية إذا كان الهدف هو تدمير مدينة.

بعد ذلك يبدأ التساقط الإشعاعي، وهو تأثير خاص بالأسلحة النووية، ويمكن أن يستمر تأثيره لسنوات أو عقود، إلا أن الآثار المميتة تستمر من أيام إلى أسابيع فقط.

وتوصيات الدفاع المدني الحالية –حسب دليل المواطن للكاتبين أستاذ الفيزياء ريتشارد ولفسون، وفيرينك دالنوكي فيريس، الباحث المقيم في مركز جيمس- تنص على بقاء الناجين في منازلهم لمدة 48 ساعة على الأقل، وهو الوقت الذي يقل فيه الإشعاع، خاصة أن المواد المشعة تشكّل سحابة ترتفع إلى طبقة الستراتوسفير، ويستغرق سقوطها على الأرض شهورًا وأحيانًا سنوات.

ومن التأثيرات التي لا تُذكر كثيرًا "النبض الكهرومغناطيسي" الناتج عن طرد الإلكترونات من الهواء بواسطة أشعة "غاما" أثناء الاحتراق النووي، وهو يؤثر في الدوائر الإلكترونية، بحيث إن إطلاق "سلاح واحد كبير على بعد 200 ميل -تقريبًا- فوق مركز الولايات المتحدة، يمكن أن يغطي الدولة بأكملها في نبضة كهرومغناطيسية شديدة تكفي لإتلاف أجهزة الحاسوب وأنظمة الاتصالات والأجهزة الإلكترونية الأخرى".

ويمكن أن يؤثر -كذلك- في الأقمار الصناعية المستخدمة في الاتصالات العسكرية والاستطلاع والإنذار بالهجوم، حسب قول العالِمين.


كارثة الشتاء النووي

كنا نتحدث -كما يقول الكاتب- عن سلاح نووي واحد، غير أنه في حالة وجود نزاع محلي أو معمّم، سيكون من الضروري حساب عشرات أو مئات أو حتى آلاف الرؤوس الحربية المنفجرة في المنطقة المعنية، أو على الكوكب بأسره.

علمًا أن الحروق الناجمة عن انفجار واحد سيكون لها تأثير مرعب، بحيث يؤدي انفجار نووي واحد إلى آلاف حالات الحروق الخطيرة تتطلب علاجًا طبيًا متخصصًا، ومن ثم سيكون العدد بالملايين خلال حرب شاملة، ناهيك عن انهيار المباني وقطع جميع سلاسل التوريد، مما يمكن أن تؤدي إلى المجاعة على نطاق واسع.

وسيكون البرد أحد التهديدات التي يتعين على الناجين مواجهتها؛ لأن الحرب الذرية على نطاق عالمي سترسل كميات هائلة من الغبار والمواد الكيميائية إلى الغلاف الجوي، وسيرتفع السخام الناتج من الحرائق الهائلة التي أشعلتها النيران النووية، وذلك ما من شأنه أن يحجب أشعة الشمس على الأرجح لسنوات عدة، وهذا ما يسميه المتخصصون بالشتاء النووي.

وقد أشارت الدراسات إلى أن حربًا شاملة بين روسيا والولايات المتحدة، ستدفع 165 مليون طن من السخام إلى الغلاف الجوي، بحيث تصبح مستويات سطوع الشمس ستكون 40% فقط من مستواها الطبيعي عند خط الاستواء، و5% عند القطبين.

وبالإضافة إلى درجات الحرارة المتجمدة هذه، سيكون هناك انخفاض حاد في هطول الأمطار ​​بمقدار النصف في جميع أنحاء العالم.

ومن ثم فإن الشتاء النووي يمكن أن يكون إشارة لاحتمال انقراض للجنس البشري؛ لأنه -وفقًا لريتشارد ولفسون وفيرينك دالنوكي فيريس- ستنخفض درجات الحرارة العالمية بمقدار 8 درجات، وهذا أكثر مما يفصلنا عن العصر الجليدي الأخير.


المحيطات وطبقة الأوزون

وعلى هذا الأساس ستدفع الأنظمة البيئية للمحيطات ثمنًا باهظًا، بحيث ستنخفض درجات حرارة الماء بسرعة، مما يؤدي إلى إغلاق المواني الرئيسة؛ مثل: تيانجين بالصين وكوبنهاغن وسانت بطرسبرغ، حسب توقعات هؤلاء العلماء.

كما سينتشر الجليد البحري إلى المناطق الساحلية، مما يعوق النقل البحري في نصف الكرة الشمالي، ويجعل من الصعب الحصول على الطعام والمعدات في مدن؛ مثل: شنغهاي غير المجهزة للتعامل مع الجليد.

وسوف تعاني الأعشاب البحرية من التبريد وتموت الطحالب، مما يعني موت العديد من الأنواع البحرية التي تتغذى عليها، ومن ثم "سيوقف ذلك معظم الصيد وتربية الأحياء المائية"، كما يقول العلماء، ولن تعود درجات حرارة المحيط إلى طبيعتها بمجرد زوال الدخان.

وكان رد فعل طبقة الأوزون على الدخان المنبعث من الحرب النووية موضوع دراسة مفصلة في "مجلة البحوث الجيوفيزيائية"، ويصف تشارلز باردين من المركز الوطني الأميركي لأبحاث الغلاف الجوي وزملاؤه، طبقة الأوزون بـ "المدمرة"، مما يعرض صحة الإنسان والإمدادات الغذائية للخطر.

ويؤكد العلماء أن التأثيرات الناتجة عن الأشعة فوق البنفسجية ستكون واسعة الانتشار، و"ستؤثر فينا جميعًا".

وباستخدام عمليات المحاكاة المعقدة، قام هؤلاء الباحثون بنمذجة دخان الحرائق النووية وأفعالها في الغلاف الجوي، وكانت النتيجة أن معظم طبقة الأوزون سيختفي خلال 15 عامًا، لتنتشر الحروق والمزيد من سرطان الجلد بين البشر، وحتى "الاضطرابات المناعية"، على الرغم من أن السخام قد يحجب بعض الأشعة فوق البنفسجية في السنوات الأولى، كما ستعاني النظم "الإيكولوجية" الأرضية والمائية، بما في ذلك الموارد الزراعية والسمكية.


سنوات من المجاعة

وحسب لوبس، فمن المؤكد أن الزراعة على وجه التحديد سوف تتأثر بالقنابل النووية، وقد حذّرت دراسة نُشرت العام الماضي في مجلة "نيتشر فود" من أن أكثر من 5 مليارات شخص قد يموتون جوعًا، في أعقاب الحرب النووية بين الولايات المتحدة وروسيا.

وحسب العلماء، ففي حالة اندلاع حرب شاملة سينخفض ​​متوسط ​​إنتاج السعرات الحرارية العالمية بنسبة 90% بعد 3 إلى 4 سنوات من الصراع، وهذا يشمل صيد الأسماك والثروة الحيوانية، وهذا الرقم قريب من الرقم الذي اقترحه باحثان آخران قدّرا أن الإنتاج الزراعي سينخفض ​​ بنسبة 90% خلال السنة الأولى وربما لفترة أطول، محذّرين من أن "التأثيرات على الإمدادات الغذائية العالمية ستكون مدمرة".

وسيكون الانخفاض في الإنتاج أكبر في دول خطوط العرض المتوسطة والعليا التي تشمل: روسيا والولايات المتحدة وأوروبا، بالإضافة إلى البلدان التي تعتمد عليها في استيراد المواد الغذائية في أفريقيا والشرق الأوسط على وجه الخصوص، بل إن القوى النووية؛ مثل: الولايات المتحدة وروسيا وحتى فرنسا، فستقول وداعًا للإنتاج الزراعي.

ومع ذلك، حدّد هؤلاء الباحثون 247 نوعًا من الأطعمة التي قد تكون متاحة للبشر الباقين على قيد الحياة في الغابات المطيرة، ورأوا أن 33 حيوانًا يمكن تربيته في الغابات المطيرة في ظلّ ظروف ما بعد الحرب النووية القاسية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الحرب النوویة الغلاف الجوی یمکن أن

إقرأ أيضاً:

كوريا الشمالية تبلغ الأمم المتحدة أنها تسرع برنامجها للأسلحة النووية

نوفمبر 5, 2024آخر تحديث: نوفمبر 5, 2024

المستقلة/- قال مبعوث كوريا الشمالية لدى الأمم المتحدة إن بيونج يانج ستسرع من بناء برنامجها للأسلحة النووية بعد أيام فقط من تجربتها لإطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات لأول مرة هذا العام في وقت من التوترات المتصاعدة مع الغرب.

وقال كيم سونج سفير كوريا الشمالية لدى الأمم المتحدة خلال اجتماع لمجلس الأمن يوم الاثنين إن بيونج يانج ستسرع من البرنامج “لمواجهة أي تهديد من جانب الدول المعادية التي تمتلك أسلحة نووية”.

وفي وقت مبكر من يوم الثلاثاء، قال رؤساء الأركان المشتركة لكوريا الجنوبية إن الشمال أطلق عدة صواريخ باليستية قصيرة المدى باتجاه البحر شرق شبه الجزيرة الكورية. وقال خفر السواحل الياباني إن المقذوف يعتقد أنه صاروخ باليستي، وذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية أنه يبدو أنه هبط خارج المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان في المحيط.

وعقد اجتماع مجلس الأمن لمعالجة اختبار بيونج يانج لصاروخ باليستي عابر للقارات يوم الخميس بهدف إظهار براعة كوريا الشمالية المتزايدة في تطوير الصواريخ التي يمكن أن تحمل رؤوسًا نووية أكثر قوة إلى البر الرئيسي للولايات المتحدة.

حذرت الولايات المتحدة وأوكرانيا من أن كوريا الشمالية لديها ما يقرب من 8000 جندي متمركزين في منطقة كورسك في روسيا والذين قد يخوضون قتالا في أوكرانيا في الأيام المقبلة، وحذرت الدولتان من أن هذه القوات ستصبح أهدافا عسكرية مشروعة إذا شاركت في القتال.

وقال كيم: “لقد وصل التهديد النووي للولايات المتحدة ضد [كوريا الشمالية] بالفعل إلى نقطة حرجة من حيث نطاقه وخطورته. بسبب التحركات المتهورة للولايات المتحدة، يقترب الوضع المحتمل من شفا الحرب”.

خلال الاجتماع، اتهمت الولايات المتحدة الصين وروسيا بحماية بيونج يانج “بلا خجل” في الأمم المتحدة من “التدقيق الدقيق في أنشطتها التي تنتهك العقوبات”، وقالت إن بيونج يانج “شجعت على مواصلة تطوير برامجها غير القانونية للصواريخ الباليستية والنووية وأسلحة الدمار الشامل”.

ويعتقد أن كوريا الشمالية تسعى للحصول على تكنولوجيا الصواريخ والفضاء الروسية كجزء من صفقة لتوفير القوات في حرب روسيا ضد أوكرانيا. لكن المسؤولين الأميركيين لم يذكروا ما يعتقدون أن فلاديمير بوتين قدمه لكوريا الشمالية في المقابل.

وقال روبرت وود نائب السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة “لقد حموا روسيا والصين بلا خجل بيونج يانج من أي رد انتقامي أو حتى إدانة لأفعالها”.

استقبل بوتين وزير خارجية كوريا الشمالية في اجتماع مفاجئ في الكرملين بعد التحذيرات الأميركية بشأن اقتراب جنود كوريين شماليين من أوكرانيا.

تم بث لقطات تظهر لقاء بوتن مع تشوي سون هوي المبعوث الكوري الشمالي، الذي صافحه لمدة دقيقة كاملة. وعقد الاجتماع في يوم الوحدة الوطنية في روسيا، وهو عطلة وطنية، وقال تشوي إنه جلب “تحيات صادقة ودافئة ورفاقية” من الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون.

لم يكن الاجتماع مقرر مسبق وربما كان مدفوعاً بتحذيرات الغرب بشأن استعداد القوات الكورية الشمالية للقتال.

أعلنت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية عن مذكرة تفاهم جديدة لتطوير التعاون في مجال الطاقة النووية المدنية، وتعزيز “إدارة ضوابط التصدير على التكنولوجيا النووية المدنية”، حسبما ذكرت وزارة الطاقة الأميركية في بيان.

وزعمت الوزارة أن هذا الإعلان من شأنه أن يساعد في مكافحة أزمة المناخ وحماية سلاسل التوريد الحيوية، مع “خلق فرص اقتصادية جديدة بقيمة مليارات الدولارات”.

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: نقص التمويل يعيق جهود التكيف مع تغير المناخ
  • الأمم المتحدة تحذّر: نقص التمويل يعيق التكيف مع تغير المناخ
  • لوبس: 6 أشياء قد لا تعرفها عن نائب ترامب
  • هناك فرق – منى أبوزيد – مهزلة العقل البشري!!!
  • شيخ الأزهر لرئيس إستونيا: المجازر في غزة لا يمكن تخيلها أو وصفها
  • شيخ الأزهر: ما يحدث في غزة من مجازر لا يمكن تخيلها ولا وصفها
  • هل تتحول الحرب في أوكرانيا إلى حرب نووية "بالصدفة"؟
  • كوريا الشمالية تبلغ الأمم المتحدة أنها تسرع برنامجها للأسلحة النووية
  • الثلاثاء الأميركي الكبير.. هل يمكن الرهان عليه لطيّ صفحة الحرب؟!
  • الانتخابات الأمريكية.. البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الأعظم