زورابيشفيلي.. سيدة جورجيا التي تحمل الحلم الأوروبي على عاتقها
تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT
لا تزال مخلصة لـ"الحلم الأوروبي" منذ دخولها عالم السياسة عام 2005 حتى اليوم. تدافع عنه بشراسة، وأحدث مظهر لذلك عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات التشريعية، واتهام روسيا بالتلاعب بأصوات الناخبين.
إنها رئيسة جورجيا سالومي زورابيشفيلي، التي حثّت الدول الأوروبية على التدخل لمنع "انزلاق" بلادها نحو روسيا، وقالت في مقابلة مع راديو "أوروبا الحرة"، الثلاثاء: "يعتمد الكثير الآن على ردود أفعال شركائنا، ومدى دقة رد فعلهم، ومدى قوة ضغوطهم على السلطات، لأنني أعتقد أن لا أحد يستطيع أن يتحمل خسارة جورجيا أمام روسيا بهذا الشكل".
زورابيشفيلي (72 عاماً) اعتبرت أن "شركاء جورجيا الأوروبيين والغربيين، بحاجة إلى ممارسة ضغوط شديدة على السلطات حتى تعيد النظر في نتائج الانتخابات، وتراجع عدد الأصوات التي سُرقت".
"الحلم الجورجي" هو اسم الحزب الحاكم، الذي يتهمه حلف المعارضة في البرلمان المؤيد لانضمام جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي، بإعادة البلد إلى محور روسيا.
وفي الجمهورية الديمقراطية الواقعة غرب آسيا إلى الجنوب من روسيا، يظهر شعار "القوة في الوحدة" بأعلى علمها الرسمي، وذلك في ظل انقسام سياسي حاد بين أبنائه لتحديد حليفهم: الغرب أم وروسيا؟
نتائج انتخابات جورجيا وليتوانيا تكشف تحركات خفية لـ"يد روسية" مع خروجهما من انتخابات نهاية الأسبوع، برز نقاش حول التهديدات والتدخلات الروسية في اثنتين من دول الاتحاد السوفييتي سابقا، هما جورجيا ولتوانيا.أوروبا البعيدة
بعد اتهامات التزوير التي طرحتها زورابيشفيلي وتحالف أحزاب المعارضة الموالي لأوروبا والولايات المتحدة، أعلنت النيابة العامة في جورجيا فتح تحقيق سيتم خلاله استدعاء رئيسة البلاد غداً الخميس، كي توضح تفاصيل هذا الاتهام.
وبحسب النتائج شبه النهائية، نال الحزب المسيطر على البرلمان منذ 2012، حوالي 54% من أصوات الناخبين، مقابل نحو 38% لتحالف المعارضة.
تقول زورابيشفيلي إن نتائج الانتخابات "غير شرعية"، وتعتبرها "عملية روسية خاصة"، وهو ما يرفضه الكرملين، وحتى التحقيق في قضية "التزوير والتلاعب بأصوات الناخبين"، يرفض حلفاء أوروبا في جورجيا الاعتراف بالنتائج.
وتقدمت جورجيا بطلب رسمي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2022، وتم تعليق الطلب هذا العام 2024، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على مسؤولين جورجيين، على أثر إقرار قانون "العملاء الأجانب" في مايو الماضي، الذي أثار جدلاً واحتجاجات عارمة ضده داخل البلاد.
ويُلزم القانون المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام التي تتلقى أكثر من 20% من تمويلها من جهات خارجية، بالتسجيل في سجل خاص تحت مسمى "منظمات تسعى لتحقيق مصالح قوة أجنبية". قالت الحكومة إن هدفه "تحقيق الشفافية في التمويل الأجنبي"
بينما رآه المعارضون سبيلاً "لقمع المعارضة ووسائل الإعلام المستقلة" معتبرين أنه مستوحى من قانون روسي أقرّ سنة 2012 بنفس الاسم، تقول موسكو إنه تهدف منه إلى "منع التدخل الأجنبي وحماية الأمن القومي".
"لا تخسروا جورجيا لروسيا".. رئيستها توجه نداء للغرب وتوجه اتهامات في جورجيا، خاصة من المعارضة، لروسيا، وتتهمها بالـ"تدخل" في الانتخابات الأخيرة التي جرت السبت الماضي.من هي زورابيشفيلي؟
ولدت سالومي زورابيشفيلي في 18 مارس 1952 في العاصمة الفرنسية باريس، لعائلة لاجئة سياسياً فرّت من جورجيا بعد الغزو السوفييتي للبلاد عام 1921، وضمها إلى الاتحاد الذي انهار عام 1991.
تزوجت مرتين، استمر الزواج الأول بين 1981 و1992، والثاني بين 1993 و2012 وانتهى بوفاة زوجها، ولديها من الأبناء اثنان.
زورابشفيلي أول امرأة تتولى رئاسة جورجيا، وخامس من يشغل المنصب، كان والدها ليفان زورابيشفيلي، شخصية بارزة في الشتات الجورجي، بينما كان جدها الأكبر من جهة الأم، نيكو نيكولادزه، سياسياً واجتماعياً بارزًا في أواخر القرن التاسع عشر.
درست في معهد العلوم السياسية في باريس، ثم التحقت بمدرسة الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا الأميركية بمدينة نيويورك.
بدأت زورابيشفيلي مسيرتها الدبلوماسية مع وزارة الخارجية الفرنسية عام 1974، حيث شغلت مناصب مختلفة بما في ذلك مهام في إيطاليا وتشاد والولايات المتحدة. وفي عام 2003، عُينت سفيرة لفرنسا في بلد آبائها وأجدادها، جورجيا.
وبعد حصولها على الجنسية الجورجية، تولت زورابيشفيلي منصب وزيرة الخارجية بين عامي 2004 و2005، وفي هذه الفترة القصيرة، لعبت دوراً محورياً في التفاوض على انسحاب القواعد العسكرية الروسية من بلادها.
بقيت في جورجيا، لتقود الحزب السياسي "طريق جورجيا" بين الأعوام 2006 و2011، وتعمل في التدريس الجامعي، ثم عملت في مركز للدراسات السياسية في باريس عام 2015، كما ورد في ملف السيرة الذاتية المنشور على الموقع الرسمي للرئاسة.
وعام 2016 حازت على مقعد في البرلمان الجورجي كمرشحة مستقلة، وبعدها بعامين ترشحت للرئاسة لتفوز بنسبة 59% من أصوات الناخبين، وتصبح أول امرأة تقود البلد القوقازي الذي يخضع لنظام شبه رئاسي.
جورجيا.. فصل آخر في "معركة الديمقراطية والديكتاتورية"؟ أدلى الجورجيون بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 26 أكتوبرهذه الانتخابات ينظر إليها كثيرون على أنها حاسمة لمستقبل جورجيا المنقسمة بين معارضة مؤيدة لأوروبا وحزب حاكم موال لروسيا ومتهم بالانحراف نحو السلطوية. وليس خافيا الجهود الروسية للتأثير على هذه الانتخابات.
تميزت فترة ولاية زورابيشفيلي بمحاولاتها لتوجيه جورجيا نحو مستقبل أوروبي، مما وضعها في كثير من الأحيان في مواجهة مع الحزب الحاكم، الذي اتهمته بتبني أساليب روسية، وفق ما أورد تقرير لرويترز نُشر الاثنين الماضي.
وقبل أشهر استخدمت حق النقض الفيتو لإبطال قانون "العملاء الأجانب" المذكور سابقاً، إلا أن البرلمان كان يملك أغلبية تتعدى تأثير قرارها.
وفي بداية أكتوبر، رفضت زورابيشفيلي المصادقة على قانون "القيم الأسرية وحماية القاصرين". الذي سعى "الحلم الجورجي" لإقراره، بعد تصويت أغلبية البرلمان في 17 سبتمبر الماضي عليه.
وقالت جماعات حقوقية وقوى معارضة عن هذا القانون إنه يحد بشكل كبير من حقوق مجتمع الميم في جورجيا.
ومن أبرز تصريحاتها، ما قالته حول مسيرة "الفخر" لمجتمع الميم في العاصمة تبليسي عام 2019: "أنا رئيسة للجميع، بغض النظر عن التوجه الجنسي أو الانتماء الديني. لا ينبغي التمييز ضد أي إنسان".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فی جورجیا
إقرأ أيضاً:
هل تكفي الذكريات لملء فراغ الغياب؟!
لا أستطيع أن أنسى اليوم الذي رحلوا فيه، كان الوداع مفاجئًا، وكأن الزمن قد قرر أن يسحب من بين يديّ أجمل لحظات العمر، تلك اللحظات التي كانت مليئة بابتساماتهم وأصواتهم التي لا تبارح مسامعي، هل غاب الأجداد حقًا؟ أم أن غيابهم مجرد وهمٍ يتسلل إلى القلب، فتلتقيه الذكريات لتملأ الفراغ الذي خلّفوه؟ تلك اللحظات التي ضمّت وجودهم، والتي تطرّزت بعباراتهم وحكمتهم، تصبح كالنغمة التي تتكرر في قلب المكان، فتذكرنا أن حضورهم كان طيفًا لا يموت، رغم غيابهم الجسدي.
حينما أكتب عن الأجداد، لا أستطيع أن أتجاهل الكم الهائل من المشاعر التي تُثار في قلبي، هم ليسوا مجرد أفراد مرّوا في حياتنا، بل كانوا علامات فارقة، شوارع راسخة في خريطة الذاكرة، عندما كنت صغيرًا، كانت لحظاتهم مليئة بحكايات يروونها عن الزمن البعيد، وعن الأجداد الذين سبقوهم، وعن أيام الطفولة التي عاشوها في زمن آخر، كان كل حديث منهم يبعث في روحي طمأنينة، وكل كلمة تحمل بداخلها عطر الماضي، وكل نصيحة تحمل بريق حكمة مفقودة في زماننا المعاصر.
«إذا أردت أن تعرف كيف تكون قويًا، فتذكر كيف كنا نعيش أيام الشدة...» هكذا كان يقول لي جدي، في كلمات بسيطة لكنها تحمل أثقالًا من تجارب الحياة.
لكن عندما غابوا، لم يعد للصوت نفسه وقعٌ في المكان، أصبحت كل زاوية في البيت فارغة، كما لو أن الزمن قد اختطف معه جزءًا من روح المكان، غيابهم لم يكن غيابًا عن الأجساد فحسب، بل عن طيفهم الذي كان يعطر الأوقات، وعن بصماتهم التي كانت تشكل هوية الأسرة، كيف للذاكرة أن تحمل كل هذا العبق؟ كيف للمكان أن يبقى حيًا دون حضورهم؟
المفارقة العجيبة أن الأجداد لا يموتون كما يموت الآخرون، فهم لا يرحلون إلا في أجسادهم، يظلون حاضرين في كل زاوية من حياتنا، في كل خطوة نخطوها، وفي كل لحظة صمت نعيشها، نراهم في كل مكان، في ابتسامة طفل، في طريقة كلامنا، في الحكمة التي ننقلها لأبنائنا وأحفادنا، هل يكفي هذا؟ هل تكفي الذكريات لتغطي الفراغ الذي خلفوه؟ هل تكون الأجيال الجديدة قادرة على فهم المعاني التي زرعوها فينا؟ أم أن الزمن، كما في كل شيء آخر، ينسى شيئا فشيئا حتى يغيب المعنى عن الأعين؟
في لحظات الضياع، في لحظات الحيرة، ندرك أن غياب الأجداد هو غيابٌ لا تعوضه الأيام ولا الأوقات، نحن أمام حقيقة واحدة: لا يمكن للزمن أن يعيد لنا ذلك الحضور العميق، ذلك المعنى الكبير الذي كان في قلوبهم، لا يمكن للذكريات أن تملأ الحيز الذي خلفوه، ولا يمكن لنا أن نرثَ سوى ما زرعوه فينا من حب، من حكمة، ومن صبر.
ولكن، في كل ذلك، هناك شعاع من الأمل، شعاع ينبعث من تواصلنا مع إرثهم، من تمسكنا بتلك القيم التي زرعوها فينا، مهما مرَّ الزمان، تظل آثارهم حية فينا، إن نحن حملناها في قلوبنا وطبّقناها في حياتنا، الأجداد علمونا كيف نواجه الحياة بكل صعوباتها، كيف نتمسك بالأمل حينما يعصف بنا اليأس، علمونا أن الفقد ليس نهاية، بل هو بداية لفهم أعمق للحياة، وكيف أن الموت ليس إلا نقطة انتقال من عالم إلى آخر. لا نملك سوى أن نعيش على ذكراهم، وأن نحيي إرثهم بما في ذلك من تربية، وحكمة، وقيم، الأجداد هم الحافز الذي يدفعنا للمضي قدمًا في الحياة بكل ما فيها من تحديات، في كل مرة نعيش لحظة فرح، نتذكرهم، وفي كل مرة نتعثر، نتذكرهم، وجودهم في ذاكرتنا يجعلنا نرسم خطانا بثقة، وتظل حياتهم مثالًا نحتذي به.
في غيابهم، قد يكون الفرح أقل سطوعًا، ولكن الذكريات ستظل تلوّن حياتنا بألوانهم الطيبة، وها نحن اليوم، نعيش وسط هذه الذكريات، نحتفظ بكل كلمة قالوها، بكل دعوة كانوا يرفعونها إلى السماء من أجلنا، وفي كل مرة ندعو لهم بالرحمة، نجد أنفسنا جزءًا من تلك الحلقة التي لا تنتهي.
اللهم اجعلهم من أهل الجنة، وارزقهم الراحة الأبدية، ونسألك أن تكون أرواحهم في طمأنينة، وأن تظل دعواتهم تحفظنا في الدنيا، كما حفظنا حضورهم في قلوبنا.