وداعاً «الوسيم» مصطفى فهمى..البرنس
تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT
رحل النجم الوسيم الفنان مصطفى فهمي، عن عالمنا أمس الأربعاء وسط حالة حزن شديدة للوسط الفنى على فقيد الزمن الجميل الذى شيعت جنازته بأحد مساجد منطقة الدقى بالجيزة، وتعرض الراحل خلال الفترة الأخيرة بعدة أزمات صحية ابتعد على إثرها عن الأضواء والكاميرات خضع خلالها إلى جراحات دماغية فى فرنسا والقاهرة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة بوعكة مفاجئة أمس.
رغم المشكلات الصحية التى تعرض لها الراحل مصطفى فهمى فى الفترة الأخيرة من عمره، يبقى إرث «فهمي» حاضرًا فى قلوب الجماهير بعد تقديم أعمال ارتبطت بالروح الوطنية ورسالة الفن القيمة، رحل «الوسيم» وترك أدوارًا تتحدث عنه وسيتذكره الجميع بابتسامته وعطائه الفنى الذى دائمًا ما يرتبط بالشغف والحياة.
تمتع «الفتى الوسيم» مصطفى فهمى بمظهر الشباب حتى بعد بلوغه سن الثمانينيات، فهو عاشق للرياضة منذ الطفولة، حيث سبق ومارس العديد من الرياضات مثل السباحة والهاند بول والباسكت بول والإسكواش، فضلًا عن أنه ينتمى لعائلة أرستقراطية فوالده محمود باشا فهمى كان يشغل سكرتيرا لمجلس الشورى، وجده محمد باشا فهمى كان رئيسا لمجلس الشورى، أما والدته خديجة هانم، خريجة جامعة السوربون وتعمل ضابطة فى الجيش المصري، كل هذه العوامل العائلية والرياضية والفنية جعلت «الوسيم» مصطفى فهمى علامة فارقة فى تاريخ السينما المصرية.
يُعد النجم الأنيق مصطفى فهمي، واحدًا من أبرز النجوم فى الوسط الفنى لما له من أداء وشخصية مختلفة تنوع بها من خلال أعماله الدرامية والسينمائية، حيث شارك فى أكثر من 160 عملاً على مدار حياته الفنية التى دخلها بـ «الصدفة» كمساعد تصوير بفيلم «أميرة حبى أنا» عام 1974 ثم بدايته التمثيلية بفيلم «أين عقلي؟» فى نفس العام، لينطلق نحو النجومية بأربعة أعمال فى عام 1976 «قمر الزمان، لمن تشرق الشمس، وجهًا لوجه، نبتدى منين الحكاية» لتتوالى بعدها أعماله ما بين السينما والدراما.
وعن الأعمال الدرامية، كان لـ«الفتى الوسيم» مصطفى فهمى دور محوري فى حياته الفنية، فلم يقتصر دوره فى الأعمال السينمائية والترفيه بل لعب أدوارًا درامية تسلط الضوء على الوقائع التاريخية والتحديات التى واجهها الوطن، حيث تمكن من إيصال رسالة قوية تعكس أهمية وتاريخ مصر وتراثها العريق فى المنطقة العربية والعالم.
فمن شخصية «شريف هاشم» بمسلسل الحفار بعد حرب 1967 وظهور دور الدولة المصرية المحورى فى الحفاظ على أراضيها لـشخصية «أبو دواد» بمسلسل دموع فى عيون وقحة، وشخصية رئيس المخابرات بفيلم السرب التاريخي، جسد فهمى دور الفنان الوطنى الذى يقدر قيمة رسالة الفن للعالم.
وعلى الرغم من موهبته الكبيرة، لم يخضع مصطفى فهمى لتجربة البطولة المطلقة بشكل متكرر، حيث ذكر فى لقاءات سابقة أنه لم يجد الأدوار التى تجعله بطلًا رئيسيًا، وفضل بذلك تقديم أدوار ثانية مميزة إلى جانب كبار النجوم، ومع ذلك فإن دوره فى العمل يستحوذ على الضوء الأخضر من المشاهدين وذلك لقوة الشخصية والأداء المتميز.
استطاع النجم مصطفى فهمي، أن يجذب الجمهور العربى لمتابعة مسلسل «الحفار» بدوره المحورى فى المسلسل الذى يُعد من أهم الأعمال الدرامية المصرية، كونه يدور حول ملحمة واقعية من ملفات المخابرات المصرية، تتحدث القصة عن جهود الدولة فى مواجهة محاولة الكيان الصهيونى التنقيب عن البترول فى سيناء فى عام 1968، القصة لصالح مرسى والمخرج وفيق وجدى.
وعن أهمية دور رسائل الفن خاصة فى الأزمات التى تمر بها الدولة، دموع فى عيون وقحة، قدم «فهمي» عملا دراميا من المسلسلات الريادية فى تناول الأنشطة الاستخباراتية الذى يروى قصة جمعة الشوان ودوره فى حرب أكتوبر 1973، ذلك العمل الذى يعتبر من أيقونات الدراما المصرية.
وبعد مرور 27 عاما من مسلسل «حياة الجوهري»، نجح مصطفى فهمى فى شخصية «سيد غنيم» أن يخطف الأضواء ويقدم عملا دراميا مميزا سكنت مشاهده ذاكرة المصريين، ذلك العمل الذى يدور حول حياة الجوهرى (يسرا)، سيدة مثالية لا تقبل الرشوة بالرغم من أنها تشغل منصبًا كبيرًا، ولكنها تتعرض لضغوط كبيرة هذه المرة لقبول رشوة، وتواجه ضغوطًا تمتد إلى زوجها «مصطفى فهمي».
ومن الأعمال الدرامية الحديثة التى أثبت خلالها «فهمي» أن الفنان المجتهد لا يستند إلى عصر أو جيل معين وانه قادر على ان يقدم أقوى الأدوار مع مختلف الأجيال الفنية، مشاركته فى مسلسل «مأمون وشركاه» مع القدير عادل إمام ولبلبة ومجموعة من الفنانين الشباب، حيث كان للراحل مصطفى فهمى دور محوري بشخصية «نشأت» التى لاقت تفاعلا كبيرا من الجمهور.
تُعد هذه الأعمال جزءًا صغيرًا من الأدوار الدرامية التى تألق فيها مصطفى فهمى ومنها: «محمد رسول الله، دموع فى عيون وقحة، زائر الليل، قصة الأمس، حياة الجوهري، الضابط والمجرم، نار ودخان، أبيض وأسود، بنت سيادة الوزير، امرأة وثلاثة وجوه، الصياد والأفعى، القلب يخطئ أحيانا، قضية معالى الوزيرة، نكدب لو قلنا ما بنحبش، مأمون وشركاه».
شارك فى 46 فيلماً.. مائتا جنيه أول أجر له
شارك الفنان مصطفى فهمي، بالعديد من الأعمال السينمائية، وساعده فى ذلك وسامته، حيث كان يتعرض للمعاكسات فى الطريق من المعجبات اللاتى كانت تنادى عليه: «يا مز»، وسامته جعلت صناع السينما والجمهور يطلقون على لقب «دنجوان السينما المصرية»، وقدم ما يقارب 46 فيلمًا سينمائيًا، وكان أول أعماله السينمائية من خلال مشاركته فى بطولة فيلم أين عقلي، بطولة سعاد حسنى ورشدى اباظة ومحمود ياسين، سيناريو وحوار السيناريست الكبير رأفت الميهي، فبعد أن اختار المخرج عاطف سالم كل أبطال الفيلم وكان يتبقى دور فنان يجسد شخصية خطيب الفنانة سعاد حسنى وكان مرشحا وقتها للدور الفنان حسين فهمى، ولكن الفنان حسين فهمى كان وقتها نجما كبيرا على الدور، فاقترح المخرج عاطف سالم أن من يقوم بالدور شقيق حسين فهمى الشاب المصور مصطفى فهمى وحينئذ قال عاطف سالم «بالبلدى كده يفرق إيه حسين عن مصطفى فالتنين عيونهم ملونة وبعدين مصطفى مش هياخد كتير»، وبالفعل ينضم مصطفى فهمى لفريق عمل الفيلم وتقاضى 200 جنيه فقط عن أول أدواره على الإطلاق فى السينما.
لعب الفنان مصطفى فهمى دور البطولة فى فيلم «أيام فى الحلال» للمخرج حسين كمال عام 1985 عن قصة إحسان عبد القدوس، وسيناريو وحوار مصطفى محرم، بجانب كل من نبيلة عبيد، محمود ياسين، رجاء الجداوي، وحمدى الوزير، وتدور أحداثه حول سميحة الشابة الجميلة فى صباح ليلة ارتباطها بالشاب ضعيف الشخصية مدحت وظهور مجدي، الرجل مكتمل الرجولة، فى حياة سميحة ليجعلها لا تحصل على أى فرصة لتحب زوجها.
ويعد فيلم «أيوب» أيضا من الأفلام المصرية التى شارك بها الفنان الراحل، من إنتاج عام 1983 وإخراج هانى لاشين عن قصة للأديب العالمى نجيب محفوظ وسيناريو وحوار محسن زايد، وبطولة: عمر الشريف ومحمود المليجى وفؤاد المهندس ومديحة يسرى.
كما شارك فى فيلم «قمر الزمان»، إخراج وتأليف حسن الإمام، بطولة نجلاء فتحى وسعيد صالح، ثم شارك فى فيلم «لمن تشرق الشمس؟» بطولة ناهد شريف ورشدى أباظة، وشارك مصطفى فهمى فى بطولة فيلم «آدم يعود للجنة» للمخرج عبد المنعم شكرى والذى صدر عام 1982 عن قصة الكاتب الدكتور حسين مؤنس وسيناريو وحوار مصطفى بركات، بطولة شويكار، حمدى أحمد، محمد السبع وصلاح نظمي، وتدور أحداثه فى قرية للصيادين حيث يسعى شيخ الصيادين عبد التواب للسيطرة على سوق السمك، وتقوم عزيزة هانم بمساعدته على الشيخ إبراهيم الذى يساعد الصيادين للاستقواء على لطفى بك واستغلاله للصيادين.
ثم شارك الفنانة سهير رمزي، والفنان محمود عبدالعزيز، بطولة فيلم «وجها لوجه» ثم فيلم «نبتدى منين الحكاية» بمشاركة الفنانة سهير رمزي، والفنان سعيد صالح، الفنان عمر الحريري، وشارك بعدها فى فيلم «قمر الزمان»، مع النجمة الكبيرة نجلاء فتحي، وفيلم «هكذا الأيام» بطولة فريد شوقى ونورا، ومن إخراج عاطف سالم، وفيلم «عذراء.. ولكن» القصة والسيناريو والحوار سيد موسى، بطولة نيللي، سمير صبري، هادى الجيار، وفيلم «قصر فى الهواء» من بطوة يسرا، ويوسف شعبان، وجورج سيدهم، محسن سرحان. ومن الأفلام الهامة التى قدمها فيلم «لصوص خمس نجوم» بمشاركة الفنان صلاح ذو الفقار، والفنانة دلال عبد العزيز، ومن إخراج أشرف فهمي، وفيلم «المليونيرة النشالة» من إخراج وسيناريو وحوار سيف الدين شوكت وتأليف السيد بدير، وشاركته فى البطولة الفنانة نورا، والفنان يونس شلبي، والفنانة مريم فخر.
وشارك فى بطولة فيلم «السرب» الذى عرض مؤخرًا بالسينمات، وحقق نجاحًا كبيرًا على مستوى الإيرادات، من بطولة كل من أحمد السقا، دياب، شريف منير، عمرو عبدالجليل وكوكبة من النجوم، من تأليف عمر عبد الحليم وإخراج أحمد نادر جلال.
ومن آخر أعمال الفنان مصطفى فهمى فى السينما، فيلم «أهل الكهف»، الذى عرض فى دور العرض السينمائية المختلفة خلال الفترة الماضية، ويشارك فى بطولته: خالد النبوى، غادة عادل، محمد ممدوح، محمد فراج، ريم مصطفى، أحمد عيد، صبرى فواز، بسنت شوقي، بيومى فؤاد، هاجر أحمد، أحمد وفيق، رشوان توفيق، أحمد فؤاد سليم، جميل برسوم، وعدد من الفنانين الذين يظهرون كضيوف شرف، وتأليف أيمن بهجت قمر، وإخراج عمرو عرفة.
«راح فين زمن الشقاوة» تاريخ فنى جمع الشقيقين مصطفى وحسين
تلقى الفنان حسين فهمى، خبر وفاة شقيقه مصطفى فهمى، ليعود من فعاليات مهرجان الجونة السينمائى، متوجها لإلقاء نظرة الوداع على شقيقه الراحل.
وقال الفنان حسين فهمى، فى أحد تصريحاته، إنه على الرغم أن مصطفى فهمى، هو الشقيق الأصغر له، إلا أنه كان يستعين به دائمًا، سواء على المستوى الشخص، أو الفنى.
واجتمع الشقيقان مصطفى وحسين فهمى، فى عدد قليل من الأعمال الفنية والتى تركت أثرا طيبا فى أذهان الجمهور.
باكورة تعاونهما فى فيلم «أميرة حبى أنا» وكان حسين بطل الفيلم ومصطفى مساعد مدير تصوير، وجاء مسلسل الحفار ليجمعهما معا فى مجال التمثيل، ويعد أحد أهم الأعمال الجاسوسية التى تتناول ملفات المخابرات المصرية، وعرض فى عام 1996، وحقق نجاحًا كبيرًا وشهرة واسعة وأصبح أحد الكلاسيكيات فى الدراما المصرية.
وتعاون حسين فهمى ومصطفى فهمى مرة أخرى خلال مسيرتهما من خلال المسرحية الكوميدية «يا ناس الموضوع حساس»، والتى عرضت عام 2022 ضمن فعاليات موسم الرياض.
لم يجتمع الشقيقان فى أعمال فنية فقط، بل تعاونا معًا فى حملة دعائية فى رمضان 2015 بجانب مجموعة كبيرة من النجوم، وقدما أغنية ضمن الحملة الدعائية واشتهر بالمقطع «راح فين زمن الشقاوة».
بعد غياب 26 عامًا، عن العمل معًا عاد مصطفى فهمى وشقيقه حسين فهمى للعمل معًا مرة أخرى فى مسلسل «ولاد الهلالية»، والذى كان من المقرر عرضه فى موسم رمضان 2022، لكن تم تأجيله إلى موسم 2023 لارتباط حسين فهمى بأعمال أخرى ومن ثم لم يعرض لأسباب غير معروفة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى فهمي البرنس الفنان مصطفى بطولة فیلم مصطفى فهمی حسین فهمى عاطف سالم فهمى دور شارک فى فى فیلم
إقرأ أيضاً:
العملاق مصطفى بيومي.. أديب عشق الكتابة وموسوعي أدمن القراءة وناقد يزن حروفه بميزان الذهب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
فقيرة تلك اللغة التى لا تٌنبت صبارًا أو ريحانًا على قلوب تآلفت، تحابت، انصهرت واندمجت حتى صارت قلبًا واحدًا ثم تفتتت على صخرة يسمونها سنة الحياة، مزقها جبروت الذى يطلقون عليه "الحقيقة الوحيدة" فى هذه الدنيا! أحببت الأستاذ مصطفى بيومى كما لم أحب أحدًا بعد والدي، واستمعت إليه بشغف، تتلمذت على يديه دون أن يقصد هو ذلك أبدًا. أستمع إليه عبر الهاتف فأدون ما يقول بالحرف، اجتمع معه فى صحبة دون ثالث، يشاطرنا المحبة والأنس والسمر، فتتحول ذاكرتى الهشة إلى حافظة واعية لكل كلمة نبس بها أستاذي، فأعود إلى بيتى ناثرًا كل ما رٌزقت به من اللآلئ والنفائس على صفحات أجندتى الأثيرة فلا تضيع هذه الكنوز أبدًا.
الأستاذ مصطفى بيومى هو الإنسان البسيط؛ "إنسان" بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان عظيمة وسمو جعل الله الملائكة تسجد له! إنسان لا حد لوضوحه، لا نهاية لعطائه، أديب عشق الكتابة، موسوعى أدمن القراءة، ناقد يزن حروفه بميزان الذهب، جاد حد الصرامة، متواضع دون ابتذال، اعتاد السكينة، يعشق الجمال، معطاء، ربما يجور على نفسه وحقه كثيرًا!
يقرأ ويكتب فى خلوته المقدسة، ناسكًا متعبدًا، لا يروم إلا الصفاء والهدوء، لا يرجو من دنياه إلا أن يظل ممسكًا بقلمه، ليكتب حتى يلقى ربه! الكتابة شغفه، عشقه الأول والأخير، لا يسعى إلى مجد أو شهرة، يحترف الصمت، ينصت باهتمام، ينصح بإخلاص، لا يريد جزاءً ولا شكورًا.
لا أستطيع أن أضع "كان" فى جملة على شرفها يتربع الأستاذ هادئًا مطمئنًا. فليس إنصافًا أن نتجاوز فى حق مَن أعطى كل سنوات عمره للفكر والإبداع والثقافة والوطن دون انتظار لمردود أو مكاسب أبدًا فنعده من "الأموات" وننكر خلوده!
"ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون".. وأنا "على حسن" أشهد الله على أن هذا الإنسان العظيم جاهد فى سبيل الكلمة، بذل جٌل ماله من أجل الكتاب والثقافة، عمل بكل طاقته من أجل أمة يؤمن إيمانًا راسخًا بأنها "الأمة المصرية" تستحق كل ما هو أفضل وأعظم مما هى فيه.
لم يكتف العملاق مصطفى بيومى بطاقاته الجبارة فى المثابرة والمداومة المذهلة على القراءة والكتابة فى صومعته، فإذا به يتجاوز طاقته هذه إلى الحد الذى لم يحتمل بنيانه الضعيف وجسده الضئيل وعزوفه عن الطعام لساعات طويله، واكتفائه بالتدخين والكافايين من شاى وقهوة فانهار هذا الجسد ولم يصمد طويلًا أمام أحلام جبارة ورغبات مهولة يريدهما صاحبه الجبار، ويطوق إلى تحقيقهما!
إنه الأستاذ مصطفى بيومي؛ الذى كتب الله لى أن أصبح أحد تلاميذه المخلصين، وهو ينكر أن له تلاميذ!
ليس لأنه لم يكن أستاذًا لكل الذين اقتربوا منه، ينهلون من علمه وأدبه وثقافته الموسوعية، وإنما لتواضعه، حد إنكاره أنه أستاذ، له حواريون!
ينكر أستاذيته فيقول: (.... ليس لى تلاميذ أبدًا. لم أفكر يومًا فى هذا، بل ليست مطروحة فى مخيلتى نهائيًا، بل العكس صحيح، لو أن هناك علاقة تجمع بينى وبين شخص، يصغرنى بثلاثين عامًا فى المجال الثقافي، فإنى أتعلم منه، التعليم المتبادل هو الأصح والأهم. إذا تفوقت على هؤلاء الشباب بالقراءة والثقافة بحكم السن، فإن هؤلاء الصغار على وعى عظيم بإيقاع الحياة، لأنهم الأصغر سنًا، والأقدر على التكيف، وهى ميزة مهمة، ربما لا نستفيد منها. إن فكرة الأستاذية فى المجال الأدبى أو النقدي، غير جيدة؛ ربما تكون مقبولة فى المجال الأكاديمي، حين تناقش رسالة الماجستير أو الدكتوراة مع أستاذك، فتتأثر به وبفكره، مثل شكرى عياد، لويس عوض، عز الدين إسماعيل، عبد المحسن طه بدر، كل هذه الأسماء العظيمة، تستطيع بحكم وظيفتها الأكاديمية، أن تمارس الأستاذية على طلابها داخل الجامعة، لكن نجيب محفوظ مثلًا، وهو مَن هو فى الأدب والرواية، هل له تلاميذ؟ الحقيقة أن نجيب محفوظ أب كبير، والحقيقة أيضًا أنه يُخَرِّج لنا أبناء كثر، لكنهم مختلفون عنه، وهذا أعظم ما فيه. الخراب العظيم حين يحب الابن والده فيقلده؛ الأستاذ يعلم تلاميذه منهجًا، أساسه هو أنك لابد أن تكون مختلفًا عني. هذه هى تجربتى مع الأستاذ نجيب محفوظ، الذى أحبه جدًا، ولكن لم أفكر لحظة واحدة فى تقليده.).
هذا هو فكر الأستاذ؛ الملتزم دائمًا بالإنسان، والمهموم بقيمته وإعلاء شأنه، لم يكن يومًا ملتزمًا بنظرية سياسية، أو قضية دينية، أو مذهب أخلاقي، أو شعارات، إن التزامه الوحيد ككاتب هو التزامه بالإنسان، ويؤمن أشد الإيمان بأن الإنسان مخلوق عظيم، فى قوته وضعفه، جدير بالتعاطف أيًا كان وضعه.
تكمن عظمة الإنسان فى هذا المزيج الفذ، خليط القوة والضعف، فلا يوجد بشر معقمون، ماكينة ألمانية تمشى على قدمين دون خطأ أو عيب، فإذا أردت هذه النوعية من البشر، فأنت تسطح الشخصية الإنسانية!
هذا الأديب العاشق للكتابة، هو فى الحقيقة عاشق للتطهر؛ يرى الأزمات التى يحياها تفجر مجالًا للكتابة الجيدة، هذه الكتابات "الجيدة" تُعد نوعًا من العلاجات زهيدة الثمن. اندماج الكاتب فى عمل أدبى جديد، هو نوع من التطهر، يحدث بالاندماج والكتابة. ربما هذه الكتابة لن تأتى بالمال والشهرة، لكنها تحدث إشباعًا لا مثيل له، يجعل الكاتب متوافقًا مع الحياة، قادرًا على المواصلة. التطهر الحادث بالكتابة، هو حائط صد ضد الأمراض النفسية، ونعمة عظيمة منحها الله لعدد قليل جدًا من الناس، هم الكتاب الحقيقيون، أما هؤلاء الذين لا يكتبون ولا يقرأون، هم مشغولون دائمًا بما يتعرضون له من أزمات، وشعور بالضعف وعدم القدرة على الصمود، على التأثير، على الاستيعاب والتحقق والاستمتاع بالحياة.
كيف سيقضى راهب الفكر والأدب حياته السرمدية دون أن يمارس الشيء الوحيد الذى عشقه فى حياته؟ كيف سيصبر مصطفى بيومى على فراق كتابه وقلمه؟ كيف ستمر عليه الساعات والأيام دون أن يعيد قراءة "المسيح يصلب من جديد" و"الإخوة الأعداء"؟.. أنا على يقين أن اللحظة الأولى للأستاذ مصطفى بيومى فى عالمه الجديد الرحب السماوي، سوف يفتش عن أحبابه وأصدقائه، سوف ينادى على كازانتزاكيس، نجيب محفوظ، تشيخوف، يحيى حقي، النفري، يوسف إدريس، البحتري، صلاح جاهين. سوف يعيش معهم فى صومعتهم، جنتهم، عالمهم السحري، سوف يقدمون إليه نخب الترحيب وسلامة الوصول، والانعتاق من عالم دنيوى أنوى مشوه!
أكاد أجزم بأن هؤلاء الأنبياء الأفذاذ يقودهم "أبو العلاء المعري" سوف يرقصون رقصة "زوربا" ترحيبًا بصديق لهم طال انتظارهم له. إنه حفل استقبال أسطورى لهذا الإنسان الوديع الفذ "مصطفى بيومي"، فى أجواء شتوية يعشقها الأستاذ، وكم تمنى أن يكون العام كله "ديسمبر".
أرى الآن بعينى الدامعتين "الأستاذ" بين أيديهم مرحبين به، يسألونه: "ماذا تحب أيها الصديق الذى طال انتظارنا له وتمنينا قدومه؟".
وها أنا أسمع "الأستاذ" يجيبهم فى خجله المعتاد قائلًا: لنبدأ بسورة "الجن" بصوت صديقى الأثير الشيخ "محمد رفعت" ثم نستمع إلى طقطوقة "يمامة بيضا" التى وضع فيها صديقى المصرى اليهودى "داوود حسني" كل عصير الشجن الممكن تخيله، أسمعها بصوته إن أمكن، أو بصوت الست "منيرة المهدية" أو لصاحب الصوت الأجش الصادق الشيخ "زكريا أحمد".. فأنا أحب "يمامة بيضا" لأنها تعبر عن الفقد الجميل، وأنا تركت فى الدنيا أناس أحببتهم وأحبوني، أعتقد أنهم مثلكم يا رفاق، يشتاقون إليً كما كنتم تشتاقون إليً وزيادة!.