جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-27@01:05:24 GMT

الذكاء الاصطناعي.. حجرٌ لا يتعاطف!

تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT

الذكاء الاصطناعي.. حجرٌ لا يتعاطف!

 

 

مؤيد الزعبي

أغلب تطبيقات الذكاء الاصطناعي تعجبني شخصيًا، وأنتظر المزيد منها لتسهل حياتنا وأعمالنا وتقدم لنا نموذج جديد لحياتنا، ولكن ما لا يعجبني أن الذكاء الاصطناعي كما نقولها في العامية "مثل الحجر" لا يتعاطف مع ما يُعرض أمامه أو ما نطلبه منه، فحتى لو قام الذكاء الاصطناعي بتوليد صورة رومانسية فلن يتعاطف معها، وبنفس الدرجة لن يتعاطف مع مظلوم أو يكون لديه موقف من دولة معينة تقتل أطفال فيتبنى قضيتهم.

وماذا لو كان الذكاء الاصطناعي مكان الضابط السوفيتي ستانيسلاف بيتروف الذي شكك في صحة التهديد النووي الأمريكي فرفض الرد الفوري مما جنّب العالم كارثة نووية محتملة وتبين لاحقًا أنه كان تهديد خاطئ وعاطفته هي من أنقذت البشرية، وهنا أجد أن إشكالية تعاطف الذكاء الاصطناعي من عدمه إشكالية يصعب تحديد فيما إذا كانت إيجابية أم سلبية، ولهذا سوف أحاول أن اتناول هذا الجانب بشقيه من خلال هذا الطرح.

إشكاليتنا اليوم بسيطة طالما هي على ورق أي إنها لم تتحول لتطبيق عملي، وبما أننا نستعد لأن نوجد قاضي ذكاء اصطناعي فلن يأخذ هذا القاضي في حسبانه أن القاتل قد يكون بريئًا فبالنسبة له كل الأدلة ضده، بينما القاضي البشري قد يتعاطف مع أطروحة معينة فيأمر في المزيد من التحقيقات لتحقيق العدالة، وأيضًا لن تتعاطف السيارة الروبوت بأن تختار أن تصطدم هي بشجرة لحماية أروحا أبرياء يعبرون الشارع، ولن يتعاطف الذكاء الاصطناعي مع إنسان يريد حلًا لمشكلته العاطفية يتكلم عنها بحرقة قلب أو بوجع يفوق تصورات هذا الذكاء الاصطناعي وما تم برمجته عليه، وأيضًا لن تذرف له دمعة على مشاهد أطفال تقتل تحت ألة حرب جاثمة فبالنسبة له المعادلة مغايرة، وأيضًا لن يتعاطف مع مريض يتعذب من العلاج فيقرر أن الرحمة تستوجب عدم المحاولة مرة أخرى، ولن يتعاطف مع محاول للانتحار أو مريضًا نفسيًا بحاجة لم يتغلغل عاطفته؛ صحيح أن كل هذه السيناريوهات مازالت بعيدة إلا أننا يجب أن نفكر بها الآن ونحن نستعد لعصر الذكاء الاصطناعي لكي نأخذها بعين الاعتبار ونحن نبرمجه ونحن ندخله مجالاتنا وحياتنا وأنظمتنا ومدننا ومستشفياتنا وحتى قلوبنا وعقولنا.

في كثير من الأحيان يكون قرارنا المصيري كبشر مبني على عاطفة تجذبنا نحو طريق أو خيار معين، فالتفكير العاطفي جزء من مكوننا البشري وأجد أنه كان ومازال وسيظل نهجًا قويًا يحافظ على استمرارية بقاؤنا، في حين أننا نتطلع اليوم لأن نستبدل أنظمتنا الحالية بأنظمة ذكاء اصطناعي تعتمد على عقلانية خوارزمية إن صح التعبير لتكون بديلًا عن نظام إنساني عاش ملايين السنين، وفي الحقيقة لقد سألت الذكاء الاصطناعي نفسه فيما إذا كانت إشكالية طرحنا اليوم إيجابية أم سلبية فكانت هذه هي إجابته.

الجانب الإيجابي: عدم امتلاك الذكاء الاصطناعي للتعاطف يعني قدرته على تقديم قرارات وتحليلات موضوعية دون تأثير المشاعر الشخصية، مما يساعد في مجالات كالتشخيص الطبي، تحليل المخاطر، أو اتخاذ القرارات التجارية. التزام الذكاء الاصطناعي بالحياد في مثل هذه الحالات يقلل من احتمالية التحيز العاطفي الذي قد يؤثر على القرارات، مثل توجيه علاج معين أو اتخاذ خطوات استباقية في إدارة الأزمات، أما الجانب السلبي: ففي السياقات التي تحتاج إلى تفاعل إنساني وحساسية عالية، مثل دعم الصحة النفسية أو التواصل مع الأفراد المتأثرين بالكوارث، قد يبدو عدم وجود تعاطف لدى الذكاء الاصطناعي نقطة ضعف. التفاعل مع الأفراد الذين يمرون بصعوبات نفسية أو عاطفية يتطلب تفهمًا وتعاطفًا قد يعجز الذكاء الاصطناعي عن محاكاته بشكل كافٍ، وهذا يمكن أن يجعل الردود التي يقدمها باردة أو غير مناسبة.

نعم عزيزي القارئ الذكاء الاصطناعي قدم لنا إجابة نموذجية ولكنها هي الأخرى ليست عاطفية ولا تحمل أي تفكير عاطفي، وهناك ملايين الأسئلة التي نريد للعاطفة أن تكون جزء من إجاباتها، بينما نحن البشر سنحتاج لأن يتخلل الذكاء الاصطناعي جانبًا من التفكير العاطفي لأننا سنحتاجه كثيرًا في قادم الأيام خصوصًا وأن هناك الملايين من البشر ممن سيعتبرونه صديقًا وطبيبًا ومعلمًا وربما سيجد فيه البعض أمًا وأبًا وأخًا ومن الواجب أن يكون عاطفيًا في جزيئات معينة ليقدم لنا ما نحن بحاجة إليه في قادم الأيام، وبنفس الوقت يحافظ على العقلانية والحيادية المطلوبة منه والتي لا يمكننا نحن كبشر أن نصل لها، ولهذا أجد أنه على المطورين أن يطوروا وعي الذكاء الاصطناعي ليفهم الطبيعة التي هو بها ويختار ما يناسبها من عقلانية وعاطفة أو لأي درجة يكون عقلانيًا مقابل العاطفة ففي مواقف كثيرة قد نحتاج لأن تكون نسبة العقلانية هي الطاغية وفي أحيانًا كثيرة يجب أن تكون نسبة العاطفة هي الطاغية، والإنسان بخبراته وعلومه استطاع أن يُدرك هذه النسبة ويُجيد استخدامها وبهذه النقطة نحن كبشر نتفوق على الذكاء الاصطناعي ما لم يتم تطويره ليحقق هذه المعادلة بطريقة أفضل منا كبشر.

في النهاية عزيزي القارئ يجب أن أصارحك أن إشكالية اليوم هي واحدة من بين إشكاليات كثيرة يجب أن نضعها في الحسبان عندما نطور الذكاء الاصطناعي لما هو قادم، وهناك نماذج أعقد من الأمثلة التي ذكرتها تستوجب أن يكون الذكاء الاصطناعي عاطفيًا لدرجة عقلانية حتى يساعدنا ولا يقضي علينا.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حين يرى الذكاء الاصطناعي ما لا يراه الطبيب.. قفزة في تشخيص قصر النظر

في عالم تتزايد فيه التحديات الصحية، يبرز قصر النظر كواحد من أكثر اضطرابات الرؤية شيوعًا وانتشارًا.

هذه الحالة، التي تُعرف بعدم قدرة العين على رؤية الأجسام البعيدة بوضوح، باتت تمثل أزمة صحية عالمية، إذ تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من ملياري شخص حول العالم يعانون منها، ومن المتوقع أن يصل عدد المصابين بحلول عام 2050 إلى ما يقارب نصف سكان الأرض. الأمر لا يتوقف عند مجرد ارتداء نظارات، فالحالات المتقدمة من قصر النظر قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة، منها تلف الشبكية أو حتى فقدان البصر الدائم.

اقرأ أيضاً.. العين نافذة الذكاء الاصطناعي للكشف المبكر عن الخرف

 


ذكاء اصطناعي يغيّر قواعد اللعبة



وسط هذا القلق المتزايد، يبرز الذكاء الاصطناعي كأداة واعدة تغير قواعد اللعبة في الوقاية والتشخيص المبكر. باستخدام تقنيات التعلم الآلي والتعلم العميق، أصبح بإمكان أنظمة الذكاء الاصطناعي تحليل صور العين بدقة فائقة، والتعرف على أدق التغيرات في الشبكية التي قد تشير إلى بدايات قصر النظر. هذه القدرة تمنح الأطباء فرصة التدخل في الوقت المناسب قبل تفاقم الحالة.

 

اقرأ أيضاً.. أعين إلكترونية تقود الطريق.. نظام ذكي يمنح المكفوفين حرية التنقل بأمان



تشخيص فائق الدقة بأدوات ذكية



أحد أبرز الأمثلة على هذا التقدم هو استخدام صور الشبكية وصور التصوير المقطعي للعين (OCT)، حيث تُغذى النماذج الذكية بآلاف الصور لتتعلم التمييز بين العين السليمة والعين المتأثرة. أجهزة مثل "SVOne"، وهي أجهزة محمولة تعتمد على مستشعرات موجية دقيقة، تستفيد من الذكاء الاصطناعي في الكشف عن عيوب الإبصار بشكل سريع ودقيق. ووفقًا لما أورده موقع AINEWS، تستخدم أدوات مثل "Vivior Monitor" خوارزميات ذكية لمراقبة السلوك البصري لدى الأطفال، مثل الوقت الذي يقضونه أمام الشاشات أو في القراءة، مما يساعد في رصد علامات قصر النظر قبل أن تتطور.


 

 

ولا يتوقف الأمر عند التشخيص، إذ تسهم النماذج الذكية أيضًا في تحليل عوامل الخطر المرتبطة بالمرض. عبر تحليل بيانات ضخمة تشمل التاريخ الوراثي والعوامل البيئية والسلوكية، تستطيع هذه النماذج التنبؤ بمستوى الخطورة لدى كل فرد، مما يسمح بوضع خطط وقائية مخصصة.

 

 

كما تمتد قدرات الذكاء الاصطناعي لتشمل التنبؤ بمستقبل الحالة المرضية. فبفضل تحليل بيانات عشرات الآلاف من المرضى، باتت الأنظمة قادرة على التنبؤ بكيفية تطور قصر النظر لدى المريض، واستباق مراحل التدهور. هذا النوع من التنبؤات يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في تحسين فعالية العلاج وتخصيصه.



أخبار ذات صلة مسؤول هندي: تجربة الإمارات في الذكاء الاصطناعي نموذج عالمي يحتذى قادة شركات تكنولوجيا: الذكاء الاصطناعي سيرتقي بتجارب العملاء في قطاعات حيوية

تحديات ومعوقات



لكن هذه التقنيات، رغم تطورها، لا تزال تواجه تحديات كبيرة. جودة البيانات تمثل التحدي الأول، إذ إن أي خطأ أو تحيز في البيانات قد يؤدي إلى نتائج خاطئة. كما أن معظم النماذج تُبنى على بيانات مأخوذة من مستشفيات كبرى، مما يجعلها أقل دقة عند تطبيقها في عيادات أو مجتمعات صغيرة. هناك أيضًا صعوبة في قبول التشخيصات التي لا تكون مدعومة بتفسير سريري واضح، ولا يمكن تجاهل أهمية حماية خصوصية المرضى، خاصة في ظل استخدام كميات هائلة من البيانات الطبية الحساسة.

 




الأمل في الأفق




مع ذلك، يرى الباحثون أن المستقبل يحمل الكثير من الأمل. فمع تحسين جودة البيانات، وتطوير نماذج أكثر شفافية وتفاعلية، يمكن أن يصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا من الفحوصات البصرية الروتينية. إن دمج الذكاء الاصطناعي في طب العيون لا يعني الاستغناء عن الطبيب، بل يمثل خطوة نحو جعل الطب أكثر دقة وتوقعًا وإنسانية.

في النهاية، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي لا يفتح فقط أعين الأجهزة على تفاصيل العين، بل يفتح أيضًا أبواب الأمل لملايين البشر في الحفاظ على نعمة البصر.

 


إسلام العبادي(أبوظبي)

 

 

مقالات مشابهة

  • "إكسترا نيوز" تبرز مخاطر الذكاء الاصطناعي على الأطفال
  • الرئيس الصيني: الذكاء الاصطناعي سيغير أسلوب الحياة البشرية بشكل جذري
  • كيف أصبحت غزة ساحة لتطوير الاحتلال قدرات الذكاء الاصطناعي وتجريبه؟
  • محمد جبران: الذكاء الاصطناعي دخل سوق العمل .. وبعض الوظائف ستندثر
  • لطافتك تكلف الذكاء الاصطناعي الملايين!
  • جهاز ذكي يساعد المكفوفين على التنقل باستخدام الذكاء الاصطناعي
  • تحذيرات من تصاعد خطر الذكاء الاصطناعي في هجمات التصيد الاحتيالي
  • كيف تعمل من المنزل باستخدام الذكاء الاصطناعي؟
  • حين يرى الذكاء الاصطناعي ما لا يراه الطبيب.. قفزة في تشخيص قصر النظر
  • يساعدك في اتخاذ القرار.. كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي صورة الإنسان عن نفسه؟