حلف شمال الأطلسي وكوريا الجنوبية يبديان قلقهما.. وكندا وفلندا تحذران من تصعيد الصراع
تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT
عواصم " وكالات": يبدو أن الحرب الروسية المستمرة منذ عامين ونصف العام في أوكرانيا اتخذت منعطفا جديدا مهما، إذ عبر حلف شمال الأطلسي وكوريا الجنوبية عن قلقهما من احتمال انضمام قوات من كوريا الشمالية قريبا إلى جانب موسكو الى ذلك حذرت فلندا وكندا من تدخل كوريا الشمالية في الحرب كطرف جديد في النزاع بين موسكو وكييف.
من جهتها، ذكرت وكالة الاستخبارات العسكرية في كوريا الجنوبية اليوم الأربعاء أن فريقا متقدما من القوات الكورية الشمالية ربما تم نشره على الخطوط الأمامية في الحرب الروسية ضد أوكرانيا.
وأبلغت الوكالة المشرعين بالمعلومات خلال مراجعة برلمانية منتظمة، حسبما قال النائب لي سونج كويون من حزب قوة الشعب الحاكم والنائب بارك سون وون من الحزب الديمقراطي وهو حزب المعارضة الرئيسي، طبقا لما ذكرته وكالة يونهاب الكورية الجنوبية للأنباء اليوم الأربعاء.
وردا على سؤال حول تقارير إخبارية أجنبية تشير إلى نشر قوات كورية شمالية على الخطوط الأمامية في الحرب، قالت الوكالة: "لا توجد معلومات دقيقة حتى الآن تفيد بأن القوات الكورية الشمالية المنتشرة موجودة على الخطوط الأمامية". لكنها أضافت: "هناك احتمال أن تكون بعض الوحدات المتقدمة قد تم إرسالها إلى الخطوط الأمامية".
وأضافت الوكالة أن "حشد القوات باتجاه ساحات القتال، بما في ذلك منطقة كورسك الحدودية في غرب روسيا، يبدو وشيكا".
ومن جهة أخرى نقلت وكالة أسوشيتيد برس اليوم لأربعاء عن وكالة الاستخبارات العسكرية في كوريا الجنوبية قولها إن كوريا الشمالية أنهت الاستعدادات لإجراء تجربة نووية، في موقع الاختبار في بلدة بونجي ري، شمال شرق البلاد، ومن المرجح أن يتم التفجير في النفق رقم3، طبقا لما ذكره لي سيونج-كويون، أحد المشرعين الذين حضروا الجلسة. وكانت كوريا الشمالية قد أجرت تجربتها النووية السادسة والأخيرة في عام 2017.
وأضافت الوكالة أنها رصدت مؤشرات، بما في ذلك وضع مركبات إطلاق، تشير إلى أن كوريا الشمالية تستعد لإطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات للوصول إلى البر الرئيسي الأمريكي، طبقا لما ذكره لي سيونج-كويون وبارك سون-وون وهو مشرع آخر. وتعتقد الوكالة أن اختبار الصاروخ الباليستي العابر للقارات يمكن أن يحدث في وقت ما في نوفمبر.
وكان الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول قد قال لوكالة أسوشيتد برس في وقت سابق من هذا الشهر إنه يتوقع أن تقوم كوريا الشمالية باستفزازات كبرى، مثل تجارب نووية وأخرى لصواريخ باليستية عابرة للقارات، قبل الانتخابات الأمريكية، لزيادة الضغوط على واشنطن وحلفائها.
كما تباهى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون أيضا ببرنامجه النووي العسكري، في الأشهر الأخيرة، حيث اختبر أنظمة صاروخية مختلفة وكشف عن منشأة سرية لإنتاج يورانيوم من النوع المستخدم في صناعة الأسلحة في سبتمبر.
يون وزيلينسكي يدينان بشدة التعاون العسكري بين كوريا الشمالية وروسيا
في هذه الاثناء، أجرى الرئيس الكوري الجنوبي، يون سيوك-يول، ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي محادثة هاتفية اليوم، حيث أدانا بشدة إرسال كوريا الشمالية قواتها إلى روسيا، واتفقا على تبادل المعلومات حول ساحات القتال بشكل نشط لتنسيق التدابير المضادة.
وجاء ذلك في ظل إرسال كوريا الشمالية قواتها إلى منطقة كورسك الروسية القريبة من الحدود مع أوكرانيا، بهدف نشرها المحتمل على الخطوط الأمامية، مما يمثل تصعيدا كبيرا في حرب روسيا في أوكرانيا، حسبما ذكرت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية للأنباء.
وقال المكتب الرئاسي في كوريا الجنوبية، في بيان، "أدان الرئيسان بشدة التعاون العسكري غير القانوني بين كوريا الشمالية وروسيا، بما في ذلك نقل الأسلحة ونشر القوات، واتفقا على السعي لإجراء مشاورات استراتيجية من أجل استجابة مشتركة".
وقال الرئيس يون إن كوريا الجنوبية لن تتغاضى عن تعميق العلاقات العسكرية بين بيونج يانج وموسكو، متعهدا باتخاذ إجراءات تدريجية استجابة للتهديدات الأمنية المتزايدة.
وأضاف يون "تتخذ كوريا الشمالية خطوات غير مسبوقة وخطيرة من خلال نشر قوات خاصة في روسيا، متجاوزة مجرد تقديم الدعم العسكري"، مؤكدا على ضرورة التواصل الوثيق والاستجابة المنسقة بين كوريا الجنوبية وأوكرانيا.
وأعرب يون عن قلقه إزاء احتمال قيام موسكو بنقل تكنولوجيا عسكرية حساسة إلى بيونج يانج مقابل نشر القوات، وحصول القوات الكورية الشمالية على خبرة قتالية من الصراع في أوكرانيا، مما قد يشكل خطرا أمنيا كبيرا ضد كوريا الجنوبية.
وبدوره، قال زيلينسكي إنه اتفق مع يون على تعزيز التواصل على جميع المستويات لبناء استراتيجيات وتدابير مضادة للرد على التصعيد الناتج عن تورط كوريا الشمالية في الحرب في أوكرانيا.
وقال زيلينسكي، في منشور على منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، إن الجانبين اتفقا على تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية والخبرات، وتكثيف الاتصالات على جميع المستويات، وخاصة على أعلى المستويات، من أجل تطوير استراتيجية عمل وإجراءات مضادة لمعالجة هذا التصعيد، وإشراك الحلفاء المشتركين للبلدين في التعاون.
وأضاف زيلينسكي "كجزء من هذا الاتفاق، ستقوم أوكرانيا وكوريا الجنوبية قريبا بتبادل الوفود لتنسيق الإجراءات".
وذكر زيلينسكي أنه شارك بيانات حول نشر ثلاثة آلاف جندي كوري شمالي في منشآت تدريب روسية بالقرب من ساحة المعركة، مع توقعات بزيادة العدد إلى نحو 12 ألف جندي.
وأضاف زيلينسكي أنه تقدم بالشكر إلى يون على الدعم المستمر الذي تقدمه كوريا الجنوبية لبلاده، وعلى المساعدات المالية والإنسانية التي قدمتها وتعهدت بها.
أوكرانيا تبحث مع أمريكا المساعدات ومشاركة كوريا الشمالية في الحرب
من جهة اخرى، ناقش كبير مساعدي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الدعم المقدم لأوكرانيا والتدخل الكوري الشمالي المزعوم في الحرب الروسية ضد كييف مع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين.
وقال أندريه يرماك، رئيس مكتب زيلينسكي، على منصة إكس بعد اجتماعه مع سوليفان أمس "ناقشنا خطة النصر الأوكرانية، وتنفيذ صيغة السلام، والخطوط الأمامية، والأسلحة، والجنود الكوريين الشماليين الذين تعدهم روسيا للحرب".
وأضاف "المساعدات العسكرية لأوكرانيا، والعقوبات ضد روسيا، وزيادة الضغوط على حلفاء موسكو أمور ضرورية".
وفي زيارة لواشنطن قبل أسبوع واحد فقط من الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في الخامس من نوفمبر، تحدث يرماك أيضا مع بلينكن عن المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية، وفقا لبيان على موقع وزارة الخارجية الأمريكية.
وأضاف البيان "الوزير أكد مجددا دعم الولايات المتحدة الدائم لسيادة أوكرانيا وسط كفاحها ضد حرب التي تشنها روسيا ودعمها للسلام العادل والدائم على أساس ميثاق الأمم المتحدة".
والولايات المتحدة حليف قوي لأوكرانيا في عهد الرئيس جو بايدن، وقدمت واشنطن أكثر من 50 مليار دولار من المساعدات العسكرية منذ عام 2022 عندما شنت روسيا تدخلا واسع النطاق على أوكرانيا.
وعلى الارض، قال مسؤولون أوكرانيون اليوم الأربعاء إن تسعة أشخاص على الأقل أصيبوا بينهم فتاة تبلغ من العمر 11 عاما واشتعلت النيران في عدة شقق بعد هجوم روسي بطائرات مسيرة على العاصمة كييف.
وقال رئيس بلدية المدينة فيتالي كليتشكو على تطبيق تيليجرام للتراسل إن الحطام المتساقط من طائرة مسيرة مدمرة أشعل حريقا في مبنى سكني متعدد الطوابق في منطقة سولوميانسكي في غرب كييف.
وأضاف كليتشكو "حتى الآن أصيب تسعة أشخاص. وعولج جميعهم من قبل مسعفين على الفور".
ونشرت الإدارة العسكرية في كييف صورة لألسنة لهب تندلع من شقة في مبنى سكني.
وقالت أيضا إن حريقا آخر اندلع في مبنى إداري متعدد الطوابق في منطقة سولوميانسكي.
وقال شهود من رويترز إنهم سمعوا سلسلة من الانفجارات يبدو أنها صادرة عن وحدات دفاع جوي أثناء تصديها للهجوم.
فلندا و كندا تحذران من تصعيد الصراع في أوكرانيا
وفي السياق ايضا، قال مكتب الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول اليوم الأربعاء إن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أبلغه في مكالمة هاتفية أن نشر قوات كورية شمالية في الصراع في أوكرانيا سيؤدي على الأرجح إلى تصعيد الحرب التي تشنها روسيا.
ونقل مكتب يون عن ترودو قوله إن الحرب سيكون لها تأثير أكبر على المناخ الأمني في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادي.
من جهته، قال رئيس فنلندا ألكسندر ستوب إن إرسال كوريا الشمالية قوات إلى روسيا يعد تصعيدا في الحرب الروسية الأوكرانية، ويتعارض مع موقف المعلن للصين، وذلك بعد محادثات امس مع الرئيس الصيني شي جين بينج في بكين، تناولت النزاع والتجارة.
وأشار ستوب إلى أن النشاط الكوري الشمالي، سواء في مجال تصدير الأسلحة أو إرسال القوات إلى روسيا،يعد استفزازا.وذلك بعد إعلان أمريكا الاثنين أن كوريا الشمالية أرسلت 10 آلاف جندي إلى روسيا.
وأضاف ستوب أن نشر القوات يتعارض مع موقف الصين الذي يدعو إلى "عدم التصعيد، وعدم التوسع، وعدم الاستفزاز" في ساحة المعركة. وكانت الصين والبرازيل قد أعلنتا عن خطة سلام مشتركة في وقت سابق من هذا العام تدعو إلى عدم توسيع ساحة المعركة.
كما أعرب ستوب عن قلقه من إمكانية نشر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للأسلحة النووية في سياق الحرب، وأكد على أهمية أن تستمر الصين في جهودها لدفع السلام في أوكرانيا.
وبدوره، أعرب شي عن استعداد الصين للعمل مع جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك فنلندا، لتعزيز الحل السلمي للأزمة، بحسب التلفزيون الرسمي الصيني.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: على الخطوط الأمامیة کوریا الشمالیة کوریا الجنوبیة الیوم الأربعاء الحرب الروسیة فی أوکرانیا بما فی ذلک إلى روسیا فی الحرب
إقرأ أيضاً:
العقوبات على روسيا: تحليل نقدي يكشف خفايا الصراع الاقتصادي
نشر موقع "جيوبوليتيكا" الإيطالي موقعا سلّط فيه الضوء على تأثير العقوبات الاقتصادية على روسيا وسط الأزمات السياسية والاقتصادية العالمية، مشيرا إلى اقتراب انتهاء حزمة العقوبات الرابعة عشرة وتحديات تجديدها مع تغييرات القيادة في الولايات المتحدة وتولي ترامب الرئاسة.
وقال الموقع، في الموقع الذي ترجمته "عربي21"، إنه خلال الآونة التي يُنتظر فيها تنصيب دونالد ترامب في 20 كانون الثاني/يناير 2025، يتعين على المؤسسات الأوروبية اتخاذ قرار بشأن سياسة العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، كون الحزمة الرابعة عشرة من العقوبات ستنتهي في بداية العام المقبل.
وأضاف تقرير الموقع، أنه سيكون من المثير معرفة كيف وإلى أي مدى سيؤثر تغيير القيادة في الولايات المتحدة، مع اقتناع ترامب بقدرته على الترويج على الأقل لوقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، مستفيدًا من إجماع داخلي يبدو أكثر وضوحًا في ولايته الثانية للابتعاد عن حرب مكلفة للغاية على موقف منطقة اليورو تجاه الكرملين.
ووفقا للموقع فإن قضية الحرب الروسية-الأوكرانية، لا تتعلق فقط بزاوية العقوبات الاقتصادية على روسيا، بل أيضا من ناحية المساعدات، سواء الاقتصادية (تمويلات مباشرة، أو تعليق أو إعادة هيكلة الديون) أو العسكرية (تسليح، أو دعم لوجستي)، تم التعامل معه بشكل مختلف في الدول الأوروبية وكان سببا للنقاش، بل وحتى للأزمات على المستوى الداخلي.
وفي بداية تشرين الثاني/نوفمبر 2024، انهار بشكل نهائي التحالف الهش المكون من الديمقراطيين الاجتماعيين وحزب الخضر والليبراليين في ألمانيا، حيث سحب الحزب الديمقراطي الحر دعمه للحكومة بسبب الخلاف الواضح مع خطة أولاف شولتز لزيادة الإنفاق العام والضرائب، وكذلك تقديم تمويل إضافي لأوكرانيا.
وفي الأزمة الألمانية؛ كانت العقوبات ضد روسيا والمساعدات المقدمة لأوكرانيا عوامل مترابطة بشكل وثيق، وساهم كلاهما في الانقسام السياسي؛ حيث إن حزم العقوبات المفروضة على روسيا، إلى جانب تدمير خط أنابيب نورد ستريم، زادت من تفاقم أزمة الطاقة في ألمانيا، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وتقليل الطلب العالمي على الصادرات الألمانية، وزاد من انهيار الإنتاج بسبب الصعوبات التي تواجهها الصناعة الألمانية في التكيف مع متطلبات التحول البيئي.
وأشار الموقع إلى أن هذا التسارع في الأزمة زاد من استياء قطاعات واسعة من السكان، الذين أصبحوا أقل اقتناعًا بضرورة مساهمة ألمانيا المكلفة جدًا في القضية الأوكرانية، وبالتالي تثير الأزمة السياسية في ألمانيا قلقًا كبيرًا بشأن استقرار منطقة اليورو، لأنها تمس ما يُعتبر تقليديًا المحرك الاقتصادي والنقطة المرجعية السياسية لأوروبا. بالإضافة إلى ذلك، تتبعها أزمة أخرى في فرنسا، ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، والتي ما زالت مستمرة، مع استقالة ميشيل بارنييه، وهو ثالث رئيس وزراء فرنسي "يسقط" خلال عام واحد.
وذكر الموقع أنه في غضون ذلك، اتخذت الإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها برئاسة جو بايدن بعض القرارات في اللحظات الأخيرة (تحت ضغط، ربما، من بعض مستشاريه "الصقور") مما ساهم في زيادة حدة التوترات العسكرية بين الغرب والشرق، مما غذى مناخًا من عدم الاستقرار الجيوسياسي المتصاعد. أول هذه القرارات كان السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ "أتاكمز" (نظام الصواريخ التكتيكية للجيش) لضرب الأراضي الروسية.
من جهته، وربما إدراكًا منه للتكلفة البشرية الهائلة للصراع (رغم أن القوات الروسية منذ أشهر تتقدم ببطء ولكن بثبات)، وافق بوتين على نشر 10,000 جندي أرسلهم كيم جونغ أون، في إشارة واضحة إلى الإرهاق الذي يعانيه الكرملين في دعم المجهود الحربي. علاوة على ذلك، فإن برميل البارود في الشرق الأوسط على وشك الانفجار، مع سقوط الرئيس السوري بشار الأسد وهروبه من دمشق إلى موسكو تحت ضغط تقدم الميليشيات المتمردة.
وسيكون من الضروري متابعة التطورات حتى نهاية كانون الثاني/يناير، حيث ستتضح الصورة بشكل أكبر حول كيفية حل الأزمات الداخلية في الدول الأوروبية الرئيسية، سواء على الجبهات العسكرية التي تشهد مواجهة بين الكتلة "الأطلسية" و التقارب الروسي-الصيني.
وأكد أنه في الوقت نفسه، يمكن دراسة موضوع العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا من منظور اقتصادي، وذلك لفهم ما إذا كانت، بعد أكثر من ألف يوم على بداية الصراع، قد لعبت دورا حاسمًا في مجريات الحرب، وكيف تمكنت روسيا من التكيف مع هذه الإجراءات. قد تُشكل أي تغييرات في السياسة المتعلقة بالعقوبات عاملاً حاسمًا في إدارة التوتر الجيوسياسي المتزايد بين الغرب والشرق، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن نهاية سريعة للصراع الروسي-الأوكراني تبدو غير محتملة، رغم الوعود التي قدمها ترامب خلال حملته الانتخابية.
الحزمة الرابعة عشرة من العقوبات واستجابات سوق الطاقة
وجاء في الموقع أن آخر موافقة على الحزمة الرابعة عشرة من العقوبات ضد روسيا من قبل الاتحاد الأوروبي تعود إلى 24 حزيران/يونيو الماضي، حيث أعيدت مراجعة استراتيجيات الحد من حركة الطاقة. جاء ذلك بعد إدراك أن سقف السعر المحدد بـ 60 دولارًا للبرميل، والذي تقرر في كانون الأول/ديسمبر 2022، لم يحقق النتائج المرجوة. فقد تمكن "الأسطول الخفي" الروسي من تجاوز هذا الحد، كما يتضح من تحليل أسعار البيع مقارنة بأسعار خام برنت. في الواقع، تم احترام هذا الحد فقط خلال الأشهر الأولى التي تلت قرار العقوبات الأوروبية.
وأشار الموقع إلى أن هذه الظاهرة ليست مفاجئة عند النظر إلى تطور سوق مشتري النفط الروسي، الذي شهد بمرور الوقت استبدالًا كاملاً للطلب القادم من دول الكتلة الغربية لصالح الصين، وكذلك الهند وتركيا ودول أخرى، معظمها أعضاء في رابطة الدول المستقلة (CSI) التي تضم أرمينيا، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وتركمانستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان.
ميزان المدفوعات الروسي وتأثير العقوبات على الصادرات
وبيّن الموقع أن مرونة صادرات النفط والغاز الروسية تظهر بوضوح من خلال بيانات ميزان المدفوعات، التي أعادت البنك المركزي الروسي نشرها مؤخرًا. تسلط البيانات الضوء على استمرار نمو الميزان التجاري في الربع الأول من عام 2024. وتُظهر الأرقام أن قطاع الطاقة، على الرغم من حزم العقوبات، يزداد وزنه في الصادرات الروسية، ومن المفارقات أن القيود التجارية أثرت بشكل أكبر على صادرات السلع الأخرى من الاتحاد الروسي.
أما على صعيد الواردات، فقد سجلت انخفاضًا طفيفًا، لكن الرقم لا يزال مرتفعًا بشكل ملحوظ رغم العقوبات. ويعكس هذا الاتجاه إعادة توجيه حركة التجارة نحو دول رابطة الدول المستقلة (CSI) ومن هناك إلى روسيا. وتتيح البيانات المعاد تصنيفها لفقرات الحساب الجاري في ميزان المدفوعات فهمًا أفضل للتأثيرات الناتجة عن الصراع الروسي-الأوكراني.
وكشف الموقع عن شيء أقل أهمية، ولكن ذو مساهمة إيجابية في رصيد الحساب الجاري، يتعلق بالعوائد المالية الناتجة عن أكثر من 190 مليار دولار من الاستثمارات التي قامت بها البنوك والشركات الروسية في الخارج منذ بداية الأزمة العسكرية. هذه الاستثمارات قادرة على ضمان تدفقات مالية بالعملة الأجنبية، ولم تتأثر على ما يبدو بأي قيود فرضتها العقوبات حتى الآن.
أما النقطة الثانية ذات الأهمية فتتعلق بمصادر الدخل التي تعود إلى "الشركات الأم" من فروع الشركات متعددة الجنسيات الأجنبية التي تعمل على الأراضي الروسية. هذه المساهمة كانت سلبية على رصيد الحساب الجاري وتعرضت لانخفاض حاد تجاوز 70 بالمئة بسبب الإغلاقات أو المصادرات التي قامت بها الحكومة لهذه الأنشطة التجارية.
مليون روسي يهربون من التجنيد الإجباري: العواقب المالية
ونوه الموقع إلى نقطة أخرى ذات أهمية كبيرة وهي تتعلق بهجرة أكثر من مليون روسي، توجه معظمهم إلى الدول المجاورة الأعضاء في رابطة الدول المستقلة (CSI) لتجنب "التجنيد الإجباري". هذا التدفق الهجري يسبب آثارًا سلبية على رصيد الحساب الجاري نتيجة التحويلات المالية إلى الخارج، الرواتب المدفوعة، ونفقات النقل.
ولا يقتصر الأمر على ذلك؛ إذ تُعتبر هذه الهجرات مسؤولة عن تدفق كبير لرؤوس الأموال إلى الخارج، سواء على شكل أموال نقدية يحملها المهاجرون، أو تحويل الحسابات الجارية إلى بنوك أجنبية وبالطبع بعملات أجنبية، وفقا للتقرير.
وذكر أن تحليل البيانات المتعلقة بالاحتفاظ بالعملات الأجنبية عبر الحسابات البنكية يظهر هذه الظاهرة بوضوح، مع تطابق شبه كامل بين إغلاق الحسابات البنكية في روسيا، بقيمة تقارب 60 مليار دولار منذ اندلاع الصراع، والتحويل اللاحق لهذه الأموال إلى أرصدة نقدية وفتح حسابات مصرفية في الخارج.
وعلى الصعيد المالي، فإن حزم العقوبات المختلفة أثرت بشكل كبير على موارد "روسيا الحصينة"، التي تعتمد بشكل كبير على الاحتياطيات الهائلة للبنك المركزي الروسي والقوة المالية الكبيرة للصندوق السيادي الروسي. ومن الجدير بالذكر أيضا أنه تم تجميد حوالي 300 مليار دولار من احتياطيات البنك المركزي الروسي، بينما تم تقليص السيولة النقدية للصندوق السيادي الروسي إلى أقل من النصف منذ بداية الحرب.
النظام المراوغ لروسيا بالتعاون مع الصين
وشرح الموقع أنه يمكن اعتبار فعالية العقوبات على الجبهة المالية مرضية، مع الأخذ في الاعتبار أنه تم رصد محاولة أولية فقط للالتفاف على تجميد الاحتياطيات، نجحت على الأقل في تحويل حوالي 50 مليار دولار، ولكن يمكن إعادة بناء هذا الحدث المراوغ من خلال تحليل تطور بيانات الودائع الخارجية للبنوك الروسية جنبًا إلى جنب مع ديناميكيات احتياطيات البنك المركزي الروسي (CBR).
وأفاد الموقع إنه في بداية الصراع، برزت زيادة غير عادية في ودائع البنوك الروسية في بلجيكا، مقر يوروكلير، بلغت حوالي 50 مليار دولار.
وتزامنت هذه الزيادة مع انخفاض مكافئ في احتياطيات البنك المركزي الروسي. تعكس هذه التدفقات المشتركة تحويل الأموال من البنك المركزي لدعم الفروع الأجنبية للبنوك الروسية العاملة في قطاع الطاقة (مثل بنك غازبروم)، والتي تمكنت لاحقًا، من خلال تسوية الإمدادات الطاقوية لدول خارج نطاق العقوبات (مثل الصين)، من تحقيق هذه المناورة المالية الثلاثية التي استعاد بها البنك المركزي الروسي احتياطياته في الأشهر اللاحقة، لكنها أصبحت حرة من القيود المفروضة بالعقوبات.
ووفقا للموقع تدعم هذه الرواية ليس فقط الاتجاه الفريد لبيانات احتياطيات البنك المركزي الروسي، ولكن أيضًا زيادة وجود اليوان في الموارد المتاحة للبنك المركزي، والتي بلغت الآن أكثر من 100 مليار دولار، حيث يشكل ثلثها جزءًا من الصندوق السيادي الروسي.
وبالتالي يظهر دور اليوان كـ"عملة ظل" لدعم الاقتصاد الروسي بوضوح من خلال التزامن الكامل بين تحركات اليوان والروبل مقابل الدولار، وكذلك من خلال الانفصال عن بيانات التغيرات (مقارنة بالعام السابق) في الناتج المحلي الإجمالي الروسي. وهذا الانفصال ينتهك القاعدة العامة التي تنص على أن بيانات النمو غير المتوقعة للناتج المحلي الإجمالي يجب أن تنعكس في زيادة قيمة الروبل، والعكس صحيح.
وأكد الموقع إنه بالنظر إلى المرونة المدهشة التي أظهرتها روسيا في التكيف مع العقوبات من خلال التحالفات مع دول "رابطة الدول المستقلة" (CSI) والصين، ينبغي تعزيز إستراتيجية الضغط الاقتصادي بشكل أكبر. فيما يتعلق بسقف الأسعار، بالإضافة إلى تكثيف أنشطة الإنفاذ ضد "الأسطول الخفي" الروسي، سيكون من المناسب النظر في إدخال سقف أسعار أكثر صرامة، ربما يصل إلى حوالي 30 دولارًا للبرميل، مما قد يحدّ بشكل أكبر من عائدات النفط الروسية.
وشدد الموقع على أن هذا النهج ضروري لأنه برغم من كل العقوبات، تمكنت روسيا من الحفاظ على نمو كبير في الصادرات إلى دول مثل الصين والهند، متجاوزة جزئيًا القيود الاقتصادية المفروضة. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى رقابة أكثر صرامة على الواردات من دول رابطة الدول المستقلة، لمنع وصول السلع الاستراتيجية والمكونات الحيوية للصناعة العسكرية الروسية عبر هذه القنوات.
ومع ذلك، قد يكون التغيير الحقيقي في قواعد اللعبة هو تغيير سياسة الصين، التي تلعب حاليا دورا أساسيًا في دعم الاقتصاد الروسي، سواء على الصعيد التجاري أو المالي، من خلال اعتماد اليوان كـ"عملة ظل" في روسيا لتسوية المعاملات. قد يؤدي أي تراجع إضافي في العلاقات بين موسكو وبكين، التي ليست مثالية رغم المظاهر، إلى إعادة رسم التوازنات الاقتصادية والجيوسياسية المرتبطة بالحرب بشكل كامل.
وختم التقرير قائلا، بينما تستمر العقوبات الأوروبية في كونها أداة ضغط مهمة، يتضح أن اتخاذ إجراءات أكثر استهدافًا وتكاملًا، تشمل تدابير أكثر صرامة مثل تعزيز سقف الأسعار والرقابة الدقيقة على حركة التجارة مع دول رابطة الدول المستقلة (CSI)، أمر لا غنى عنه لإضعاف قدرة روسيا على مواصلة الصراع بشكل جدي.