ها نحن ألقينا نظرة خاطفة على العالم القادم
تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT
في قمة عالمية فخمة عقدت الأسبوع الماضي في مدينة كازان الروسية، تحدث رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد الذي كان مدللًا لدى الغرب -والفائز بجائزة نوبل في السلام والحليف القوي سابقا للولايات المتحدة- فصب الثناء صبا على مستضيفه فلاديمير بوتين، عدو النظام القائم على القواعد. قال أبيي «اسمحوا لي أن أهنئكم على الحفاظ على المرونة الاقتصادية في فترة عصيبة.
قد يبدو هذا للأذن التي لا تألفه إطراء أجوف مما نعهده في كلمات الزعماء العالميين. ولكن بالنسبة لي، كان ذلك دالا على مفترق طرق خطير أمام عالمنا الذي مزقه انعدام المساواة وحاصره من الأزمات ما لا نهاية له. كان ذلك لمحة لعالم قادم ومثالًا لتوازن القوى المتغير الذي يفلت زمامه أكثر فأكثر من قبضة الغرب. أبيي أحمد رجل طموح يبني أمة ويرأس أحد أسرع الاقتصادات الإفريقية نموا. وهو أيضا في خلاف متزايد مع الغرب، وما كان ذكره للمرونة الروسية في مواجهة العقوبات شديدة القسوة إلا تحذيرا غير خفي تماما. ففي حال محاولة الغرب احتواء خطوات أبيي العدوانية في منطقته الاستراتيجية الحيوية، فإن لبلده في روسيا بوتين حليفا وقدوة. كان أبيي يتحدث أمام قمة دول بريكس السنوية، وهي أكبر تجمع لزعماء العالم في روسيا منذ بدء حربها على أوكرانيا سنة 2022. ولقد كان القصد من تلك الفعالية شديدة الفخامة هو الاستعراض أمام الغرب بأن محاولته لعزل بوتين عقابًا له على غزو أوكرانيا قد أخفقت. بدا بوتين وهو في زمرة من زعماء أكثر من ثلاثين بلدًا أشبه بالقط الذي التهم العصفور، فهو الرجل الذي تحتوي قائمة اتصالاته السريعة أغنى رجل في العالم أي إيلون ماسك، وهو الذي تردد أنه أجرى اتصالات خاصة مع رئيس الولايات المتحدة السابق وربما القادم دونالد ترامب. حضر أمين عام الأمم المتحدة أيضا فأثار العجب بأولى زياراته إلى روسيا منذ أكثر من سنتين. وفي مؤتمر صحفي بنهاية القمة مضى بوتين يسخر من معذبيه الغربيين. قال بوتين وهو يستعرض إحصاءات نمو روسيا التي يقول صندوق النقد الدولي إنها سوف تتفوق على اقتصادات متقدمة أخرى في هذا العام «مثلما ترون، لا نزال نعيش ونعمل على نحو طبيعي، واقتصادنا يتطور». وعليه في هذا أن يوجه شكرا غير قليل للصفقات التي أبرمها مع زملائه من أعضاء بريكس، وأحقهم بالشكر الهند والصين، فكلتاهما من أكبر مستوردي النفط في العالم وكلتاهما مصدر حيوي للتجارة بالنسبة لروسيا في مواجهة العقوبات. بدا أن بوتين يقول (حظًا سعيدًا لكم، أنتم ونظامكم القائم على القواعد. أما أنا وأصدقائي فنقيم مستقبلًا آخر). كان الطريق طويلا من قمة بريكس الأولى، وكلمة بريكس اختصار نحته جولدمان ساكس ليشير به إلى الدول الصاعدة المستفيدة من العولمة والترابط في العالم والصانعة لهذا العالم. اجتمعت هذه القوى -البرازيل وروسيا والهند والصين، مع إضافة جنوب أفريقيا في وقت لاحق- للمرة الأولى في عام 2009 في ظل الأزمة المالية العالمية مطالبة بنصيب من السلطة في العالم الخاضع للسيطرة الغربية بما يتناسب مع قوتها الاقتصادية والجيوسياسية المتزايدة. وفي ذلك الوقت كان هذا يمثل -بالنسبة لأغلب القوى المعنية- مجموعة من المطالب العاجلة والمقبولة نسبيا. بدا الغرب من جانبه مستعدًا للترحيب بهذه التغييرات، ولكن وفقًا لجدوله الزمني وشروطه. فقال أوليفر ستونكل، أستاذ العلوم السياسية البرازيلي الألماني والخبير في تحالف بريكس «كان ثمة دائمًا إجماع على أن التعددية القطبية محتومة ومرغوبة في آن واحد وأنها لن تؤدي إلى تفكك النظام. ولم يكن من حديث عن حرب باردة جديدة». بعد خمسة عشر عاما، يبدو العالم شديد الاختلاف. إذ اجتاحت كوكب الأرض حروب ووباء وأزمة مناخية وما هو أكثر من ذلك. ولقد ولت منذ أمد بعيد روح العولمة التفاؤلية التي سادت فترة نهاية الحرب الباردة، وحلت بدلا منها في أماكن كثيرة من العالم عودة مناقضة إلى القومية المنكفئة على النفس بدافع المصلحة الذاتية الضيقة غير القابلة لربح مشترك. وسط هذه الاضطرابات، مضت المطالبة بالإصلاح إلى حد كبير دونما استجابة. فيبقى الدولار الأمريكي هو العملة المهيمنة على التجارة العالمية ومجموعة الاقتصادات السبعة المتطورة الثرية تلعب دورًا أكبر في صياغة الاقتصاد العالمي يثير استياء الدول الأفقر. والمؤسسات المالية العالمية القوية التي تسيطر على حياة المليارات من البشر، من قبيل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مستمرة على ما درجت عليه من الخضوع لقيادة أوروبا والولايات المتحدة. والمؤسسات التي نشأت عند نهاية الحرب العالمية الثانية للمساعدة في ضمان السلام العالمي تبقى خاضعة للغرب. في الوقت نفسه ابتعدت روسيا والصين عن الغرب ابتعادًا حادًا ووحدتا قواهما توحيدًا كبيرا سعيًا إلى توحيد العالم النامي ضد أنانية الهيمنة الغربية التي لا تفسح مجالا يذكر لصعود الآخرين. ويزعم البلدان أنهما ينطقان بصوت «الأغلبية العالمية»، وذلك مصطلح بدأ بوتين في الآونة الأخيرة يستعمله بشيء من الإفراط، ولو أنه يشير في حالته إلى مسألة انتهازية لا مسألة تضامن. ولكنه يتفق مع مجموعة حقيقية تماما من الاستياءات التي ظللت أسمعها بمزيد من الغضب والإحباط من زعماء وباحثين ومواطنين عوام في أرجاء الجنوب العالمي. فهم يسمعون من الشمال العالمي مجموعة من الرسائل الموجهة إلى العالم الفقير: لا تتجاوزوا حدودنا، ولا تتاجروا إلا بشروطنا. (والعولمة انسوها، سنركز على البناء في الداخل). أسهموا في تحمل عبء تقليل الانبعاثات ولا تنتظروا الكثير من العون في التعامل مع تغير المناخ، برغم حقيقة أننا تاريخيًا الذين تسببنا في الضرر كله تقريبا. ساندونا فيما يتعلق بسيادة أوكرانيا وفي إدانة اللامبالاة الروسية بالضحايا المدنيين. أنصتوا إلى عظاتنا فيما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية والقانون الدولي، وإياكم والتساؤل عن دعمنا لحرب إسرائيل الدموية في غزة. ثمة بالطبع فوارق دقيقة، وحجج تعارض هذه التصورات. لكن من الصعب على أحد أن يجحد حقيقة أساسية مفادها أن توازن القوى العالمي لا يعكس الشكل الفعلي للقوة الاقتصادية والسياسية بل ولا يميل في الاتجاه الحتمي لانتقال تلك القوة -وهو جنوب العالم وشرقه- في العقود القادمة. وهكذا، على هذه الخلفية، جمع بوتين أعضاء كتلة بريكس التي توسعت حديثًا لتضم مصر وإيران والإمارات بالإضافة إلى إثيوبيا، وكثيرا من البلاد المفاجئة وأبرزها تركيا، وهي عضو في حلف شمال الأطلنطي وكانت ذات يوم طامحة إلى عضوية الاتحاد الأوروبي. من المؤكد أن هذه الكتلة أقرب إلى جمع من البلاد المتباينة التي تتفاوت مصالحها وتتعارض في كثير من الأحيان. فبالنسبة لبعض الأعضاء الجدد والبلاد الطامحة، من قبيل إيران وفنزويلا، تتمثل الجاذبية بوضوح في الانضمام وربما السعي إلى حماية محور الصين وروسيا المناهض للغرب. لكن الأعضاء الأصليين في الكتلة منقسمون حيال الهدف من التحالف. بالنسبة لبعض أقوى أولئك اللاعبين، يتمثل الهدف في التحوط، والعثور على ميزة في أي مجال ممكن، وتذكير الغرب بأن ثمة خيارات أخرى متاحة. وبرغم كل حديث بريكس عن إيجاد مؤسسات بديلة للمؤسسات الخاضعة لسيطرة الغرب، لم تحرز الكتلة تقدما كبيرا. فبنكها التنموي الذي أقيم لمنافسة البنك الدولي ضئيل نسبيا. ولم تقترب الكتلة من إيجاد عملة بديلة للدولار، برغم أن التبادلات التجارية بالعملات المحلية بين الأعضاء في صعود. وترفض الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا الميل الصريح المناهض للغرب وتسعى إلى نهج أكثر مرونة وتعددية. وللهند بالطبع منافسة جيواستراتيجية عميقة مع الصين. وتشكل حدود جبال الهيمالايا التي تتنازعان عليها نقطة اشتعال نووية خطيرة، على الرغم من أنهما توصلتا عشية القمة إلى اتفاق من شأنه أن يخفف التوترات في الوقت الحالي. ومع ذلك، يخوض البلدان معركة ضارية على مكانة القوة الأكثر بروزا في آسيا. فالهند هي أكثر دول العالم سكانًا ولديها أسرع الاقتصادات الكبيرة نموا، ولديها تراث طويل في رسم مسارها متعدد الأطراف في الشؤون العالمية، مدركة لقوتها في تشكيل الأحداث. قال لي كومفورت إيرو، رئيس مجموعة الأزمات الدولية ورئيسها التنفيذي «إن دول مجموعة بريكس واجهت صعوبة في تبني خطوط مشتركة بشأن الأزمات الكبرى في العام الماضي بسبب ما بينها من خلافات سياسية عميقة». والواقع أن مشاهدة أحداث القمة من بعيد أظهرها وكأنها ليست جهدًا لقيادة العالم في اتجاه جديد بقدر ما هي سعي إلى إضعاف القوى التي تقود النظام الحالي من خلال استغلال أنانية ونفاق قادتها. وقد وفرت أزمة غزة، بصفة خاصة، قدرا كبيرا من الغذاء للرؤساء المستبدين... لكن انتهازيتهم الكريهة لا تخفف من تهمة ازدواج المعايير الغربي. وهذا ما يرجع بي إلى إثيوبيا، وهي البلد الذي يعرف جيدا عدم ثبات الغرب على مبادئه المعلنة. ففي عام 1935، غزت إيطاليا الفاشية إثيوبيا وهي من الدول القليلة في إفريقيا التي لم تخضع قط للاستعمار. فسعى زعيم إثيوبيا، الإمبراطور هيلا سيلاسي، إلى الحصول على دعم وحماية عصبة الأمم وهي سلف الأمم المتحدة. قال في خطاب ألقاه أمام الزعماء المجتمعين: «إذا حدث ووجدت حكومة قوية أنها تستطيع أن تدمر شعبا ضعيفا دونما عقاب، فقد حان الوقت لأن يناشد هذا الشعب الضعيف عصبة الأمم لكي تصدر حكمها بكل حرية. وسوف يتذكر الله والتاريخ حكمكم». فلم يلق نداؤه آذانا مصغية. وساعد عدم حماية عصبة الأمم لإثيوبيا في تسريع المسيرة نحو حرب عالمية مدمرة. وكان سيلاسي محقا: فقد تذكر التاريخ بالفعل حكم عصبة الأمم، ولم يتذكره بلطف شديد. قد يبدو من المفارقات أن يصطف أبيي في تصريحاته إلى جانب المعتدي في صراع معاصر يشكل تهديدا مماثلًا للنظام العالمي الحالي. لكن أبيي، شأن بوتن، دارس لتاريخ بلده الإمبراطوري وشغوف به. وإن كان سيلاسي قد توسل إلى الأقوياء لحماية الضعفاء، يبدو أن أبيي عازم على ألا يكون الضعيف في المقام الأول. ومع ذلك، لا أعتقد أن إثيوبيا تريد أن تكون في جانب المنبوذين. فثمة فارق بين الشكوى من الدولار وأسعار الفائدة المرتفعة وبين التذمر من محاضرات الديمقراطية وحقوق الإنسان من الغرب الذي يبدو إما متعاميا عن معاييره المزدوجة أو متغطرسًا لدرجة أنه لم تعد لديه القوة الكافية لفرض نفاقه. لكنني أستبعد على كثير من هذه الدول، وهي موطن لما يقترب من نصف البشرية، أن تفصل نفسها عن النظام العالمي القائم طوعًا لصالح نظام تهيمن عليه الصين، وهي قوة اقتصادية واستراتيجية عظمى في طور التكوين، وشريكتها الصغيرة روسيا. لقد كان من الصعب على الوفود في كازان أن تغفل عن علامات عزلة روسيا، برغم كل البذخ. إذ طولبت الوفود بإحضار كميات كبيرة من النقود بالدولار الأمريكي أو اليورو لأن بطاقات الائتمان الخاصة بأعضائها لن تعمل في روسيا، وذلك بسبب العقوبات. ولو أن نسخة التعددية الراهنة تبدو في شكل مساعدة قوات كورية شمالية لروسيا في استعمار دولة مستقلة، فهي إذن أشبه بمذاق كوكاكولا مزيفة، ومن الصعب أن نتخيل العالم الصاعد راضيا بغير الأصلي. فلماذا تريد دولة ناشئة سريعة النمو أن ترمي بثقلها مع مظالم روسيا، حتى لو فعلت الصين ذلك؟ والخبر السار هو أن الوقت لا يزال متاحًا لتغيير النظام القائم وأن الكثير من الشركاء المهمين على استعداد للمشاركة في هذا الجهد. ففي غضون أسابيع قليلة، سوف تجتمع مجموعة العشرين، وهي نادٍ يضم أكبر اقتصادات العالم، في البرازيل. وسوف يتوجه العديد من الزعماء الذين اجتمعوا في كازان إلى ريو دي جانيرو إلى جانب قوى صاعدة أخرى في جنوب العالم، للقاء مع القوى الكبرى في شمال العالم يقام على أرض أكثر توازنا. والزعيم الذي لن يحضر هو فلاديمير بوتن: بسبب مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، وهي رمز منهك ولكنه دائم من رموز النظام القائم على القواعد وطموحاته مهما اعتوره من النقص إلى بناء عالم أعدل. ومن الصعب أن نتخيل لحظة أكثر ملاءمة، في غيابه، لكي يغتنم الغرب الفرصة ويبدأ، بصدق، في التنازل عن سلطة لبقية العالم. |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: عصبة الأمم فی العالم من الصعب أکثر من
إقرأ أيضاً:
حلم البيت الأبيض.. كيف يخطط ماسك ليكون الرئيس القادم؟
في كواليس السياسة العالمية والتكنولوجيا المتطورة، تتصاعد التكهنات بشأن تحركات مدروسة تجمع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والملياردير التكنولوجي إيلون ماسك. هذا الثنائي غير التقليدي قد يعيد تشكيل النظام العالمي بطرق غير مسبوقة، وسط تقارير عن محاولات لاحتكار الإنترنت وطموحات سياسية جريئة.
التطور الأبرز في هذا السيناريو هو أن إيلون ماسك أصبح الآن جزءًا من حكومة ترامب، حيث يتولى دورًا محوريًا في رسم السياسات التكنولوجية والاقتصادية. يُقال إن ماسك يشغل منصبًا استشاريًا رفيع المستوى يتيح له الوصول المباشر إلى دوائر صنع القرار، مما يمنحه نفوذًا سياسيًا غير مسبوق. هذا الدور الجديد يعكس تحالفًا استراتيجياً بين الرجلين، حيث يجمع بين رؤية ترامب السياسية ونفوذ ماسك التكنولوجي.
تشير مصادر مطلعة إلى أن قطع الإنترنت التقليدي قد يكون جزءًا من خطة مدروسة يديرها ماسك بالتعاون مع إدارة ترامب لتوسيع سيطرة “ستارلينك”، الشبكة التي توفر الإنترنت عبر الأقمار الصناعية. هذه الخطة قد تتيح التحكم في البنية التحتية الرقمية العالمية، مما يهدد حرية الوصول إلى المعلومات ويحول الإنترنت إلى سلعة محتكرة تحت هيمنة واشنطن.
التقارير تحذر من أن "ستارلينك" ليست مجرد شبكة إنترنت، بل أداة متقدمة لجمع البيانات ومراقبة العالم، وهو ما قد يمنح ماسك نفوذًا عالميًا يتجاوز الحكومات. وإذا أضيف هذا النفوذ إلى القوة السياسية التي يمثلها ترامب، فإن العالم قد يواجه نظامًا رقميًا جديدًا يُدار من واشنطن عبر المال والتكنولوجيا.
العلاقة بين ترامب وماسك تبدو أكثر من مجرد شراكة سياسية. فكلاهما يمتلك رؤية تستهدف تعزيز النفوذ الأمريكي بطرق غير تقليدية. ترامب، الذي يسعى دائمًا لفرض سيطرته على الإعلام والسياسة، قد يجد في ماسك شريكًا مثاليًا لتحقيق أجندته. في المقابل، يمنح ترامب لماسك غطاءً سياسيًا ودعمًا تشريعيًا في الكونغرس، مما يفتح الباب أمام تمرير سياسات تخدم مصالح ماسك الاقتصادية.مع منصبه الجديد داخل إدارة ترامب، تتزايد التكهنات حول طموحات ماسك السياسية. التقارير تشير إلى أن ماسك قد يسعى لترسيخ نفوذه عبر تعديل الدستور الأمريكي، الذي يمنعه حاليًا من الترشح للرئاسة بسبب مولده خارج الولايات المتحدة. دور ماسك داخل الحكومة قد يكون الخطوة الأولى نحو تحقيق هذا الهدف.
ماسك، الذي يرى نفسه كقائد عالمي، يمتلك بالفعل قاعدة جماهيرية واسعة بفضل مشاريعه الرائدة مثل "تسلا" و"سبيس إكس". كما يعتمد على تقديم نفسه كمخلّص رقمي قادر على حل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية عبر التكنولوجيا، مما يعزز شعبيته داخليًا وخارجيًا.
العلاقة بين ترامب وماسك تبدو أكثر من مجرد شراكة سياسية. فكلاهما يمتلك رؤية تستهدف تعزيز النفوذ الأمريكي بطرق غير تقليدية. ترامب، الذي يسعى دائمًا لفرض سيطرته على الإعلام والسياسة، قد يجد في ماسك شريكًا مثاليًا لتحقيق أجندته. في المقابل، يمنح ترامب لماسك غطاءً سياسيًا ودعمًا تشريعيًا في الكونغرس، مما يفتح الباب أمام تمرير سياسات تخدم مصالح ماسك الاقتصادية.
بينما تُعاد صياغة النظام العالمي في واشنطن، تجد أوروبا نفسها في موقف هش، حيث تبدو عاجزة عن اللحاق بالسباق التكنولوجي والسياسي. الدور الجديد لماسك داخل حكومة ترامب يعزز من مركزية القوة الأمريكية ويضع أوروبا على هامش المشهد الدولي.
الدول الأوروبية، التي كانت تمثل سابقًا صوت التوازن العالمي، تواجه الآن تحديًا وجوديًا. احتكار الإنترنت عبر “ستارلينك” قد يُجبرها على الاعتماد على واشنطن، مما يزيد من تبعيتها ويعمق شعورها بالتهميش في النظام العالمي الجديد.
تحركات ماسك وترامب لا تهدد العالم فقط، بل تعيد تشكيل موازين القوى على حساب دول بأكملها. الدول النامية ستجد نفسها في موقف ضعف أمام احتكار الإنترنت، وأوروبا التي كانت تمثل ركيزة القوة العالمية قد تدخل مرحلة التراجع التدريجي.
إذا صحت هذه التكهنات، فإن العالم مقبل على مرحلة جديدة تُدار فيها السياسة والاقتصاد عبر تحالفات بين رجال السياسة والأعمال. أوروبا تبدو وكأنها تحتضر، وأمريكا بقيادة ترامب وماسك تمضي في سحق أي مقاومة دولية. يبقى السؤال: هل يستطيع العالم مواجهة هذا التحالف غير التقليدي؟ أم أن الديمقراطية ستُختزل إلى أداة تخدم قلة قوية تدير العالم؟
وفي الختام، دعوني أقول: إلى من أحب… جهزوا الحمام الزاجل، لأننا قد نصبح يومًا بلا تواصل!