حين دخل مالكوم إكس السجن، كان شابًا لا يعرف الكثير عن القراءة أو الكتابة، لكنه كان يحمل في داخله تساؤلات ورغبةً حقيقية في التغيير. عُزلته بين جدران السجن أشعلت طموحًا لملء الفراغ الكبير الذي كان يملأ روحه وعقله، فقرر أن يجعل من وقته في السجن رحلةً لتغيير مسار حياته. بدأ يتعلم القراءة ببطء، ثم أصبح قارئًا نهمًا، يستغل كل لحظة للغوص في عوالم الكتب، حتى وصل به الشغف إلى أن يقرأ لمدة تصل إلى 18 ساعة يوميًا.
كان يتسلل إلى الممرات تحت ضوء خافت، محاولًا اقتناص أي فرصة للقراءة، مما أضعف بصره، لكنه لم يبالِ، فقد وجد في القراءة نافذةً للخروج من قيود الجهل إلى عالم المعرفة الفسيح.
كل كتاب قرأه كان بمثابة نافذة جديدة فُتحت في حياته، حيث اكتشف مالكوم أفكارًا ورؤى لم يكن يعرفها من قبل. قرأ في الفلسفة والتاريخ والعلوم والدين، وتعرف على تجارب قادة ومفكرين واجهوا تحديات الحياة بشجاعة. كانت الكتب تضع أمامه دروسًا حول العدالة والمساواة، وتجعله يدرك أن النضال من أجل حقوق الإنسان مسؤولية، وليس مجرد خيار. هذه الرحلة مع الكتب جعلته يرى الحياة بشكل مختلف، وأصبح يدرك قيمة كل لحظة وكل معلومة.
لم تكن القراءة مجرد تجربة معرفية بالنسبة له، بل كانت ولادة جديدة لذاته. أعطته الكتب الثقة بالنفس والقوة ليصبح قادرًا على التعبير عن أفكاره، وصقلته ليصبح مفوهًا في التعبير عن آرائه، وجعلته قادرًا على التأثير في الناس. خرج مالكوم من السجن وقد تحول إلى إنسان آخر، قادرا على الحديث أمام الجماهير بكل ثقة، وصوته يحمل رسالة قوية للعدالة والمساواة، مما جعله أحد أعظم الخطباء في التاريخ. أصبحت كلماته كالسيف، تتحدى الظلم وتنادي بالحرية، مستندةً إلى المعرفة التي اكتسبها في ساعات القراءة الطويلة في غياهب السجن.
هذه القوة التي اكتسبها من قراءة الكتب لم تقتصر على تحسين مهاراته في الإلقاء أو الخطابة، بل غيّرت مسار حياته بالكامل. لم يكن مالكوم يبحث عن مجد شخصي أو شهرة، بل أراد أن يكون صوتًا لمن لا صوت له. أراد أن يكون جسرًا يوصل رسالة الحق إلى جميع الناس، وأن يستخدم تجربته الخاصة ليُلهم الآخرين بأن التغيير يبدأ من الداخل، وأن سجن الجهل أشد قسوة من سجن الطوب والحديد.
القراءة ليست مجرد كلمات على صفحات، بل هي رحلة نحو الذات، وفرصة للتأمل العميق واكتشاف العالم من زوايا مختلفة. تجربة مالكوم إكس تذكرنا بأن الكتب قادرة على تغيير الإنسان، على صقل شخصيته، ومنحه القوة ليواجه الحياة بشجاعة وثقة، وأنها تفتح للإنسان آفاقًا جديدة، تجعله أكثر وعيًا بأهمية تقرير مصيره، وتتيح له فهم نفسه والعالم من حوله، وتمنحه رؤية متوازنة للحياة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية مقالات
إقرأ أيضاً:
كارثة الرسوب الجماعي: إلى أين يتجه التعليم؟
يعقوب الخنبشي
حين يرسب 12 ألف طالب في امتحانات الشهادة العامة، فالأمر لا يعدو كونه مجرد إحصائية باردة، بل هو ناقوس خطرٍ يدق أبواب المستقبل، مشيرًا إلى خللٍ جسيمٍ في جسد المنظومة التعليمية.
هذا الرقم المفزع لا يعكس فشل الطلبة فحسب، بل يكشف عن أزمة أعمق تتشابك فيها الأسباب التربوية، والاجتماعية، والاقتصادية، والإدارية؛ حيث لا يُمكن تفسير هذا العدد الهائل من الراسبين على أنه مجرد تقصير فردي، بل هو مؤشرٌ صارخٌ على اختلال المنظومة التعليمية.
حين يكون السقوط جماعيًا، فالمشكلة لم تعد في اجتهاد الطالب وحده، بل في المناهج، وطرق التدريس، وآليات التقييم وضعف المعلم المؤهل وضعف المسؤول والمشرف، وجميعها عوامل تؤدي إلى وأد الطموح وإضعاف الدافعية لدى المتعلمين.
ولا يمكن فصل الواقع التعليمي عن البيئة المجتمعية، إذ إن الفقر، وغياب الدعم الأسري، وضعف البنية الأساسية، جميعها أسباب تساهم في تفاقم الأزمة؛ فالطالبٌ الذي يواجه تحديات معيشية صعبة لن يجد في المدرسة مكانًا محفزًا؛ بل سيرى في التعليم عبئًا لا طائل منه، مما يدفعه إلى الهروب من الفصول، وحتى التسرب من التعليم نهائيًا.
واستمرار هذه الظاهرة يعني مستقبلًا غير إيجابي؛ حيث يتحول التعليم من أداة للنهوض إلى عائق أمام التنمية. وفي ظل هذه الأوضاع، قد نجد أنفسنا أمام أجيال فاقدة للكفاءة، غير مؤهلة لسوق العمل، وغير قادرة على الإبداع والتطوير، مما يؤدي إلى مزيدٍ من البطالة والانحدار الاقتصادي والاجتماعي.
ولا يمكن معالجة هذه الأزمة بحلول سطحية، كتعديل نسبة النجاح أو تخفيف صعوبة الامتحانات، بل يجب إعادة هيكلة المنظومة التعليمية بالكامل، بدءًا هيكلة الوزارة وتحديث المناهج، وتأهيل المعلمين، وتطوير أساليب التقييم، ودمج التكنولوجيا في التعليم، وليس انتهاءً بإصلاح البنية التحتية وإعادة النظر في السياسات التعليمية.
لا بُد من ثورة تعليمية حقيقية، تجعل من المدرسة بيئة جاذبة للطلاب، ومن المعلم قائدًا معرفيًا، ومن المناهج أدوات لبناء العقول لا مجرد تحصيل دراسي موقت.
ختامًا.. إن رسوب 12 ألف طالب ليس مجرد رقم، بل كارثة تعليمية تستوجب وقفة جادة من المسؤولين وأصحاب القرار. التعليم ليس ترفًا، بل هو أساس نهضة الأمم، وحين ينهار، ينهار معه المستقبل. فإما أن نعيد بناءه على أسس سليمة، وإما أن نستعد لمجتمعٍ تسوده الأُمِّية المُقنَّعة، والعجز عن مواكبة العالم، والتخلف عن ركب الحضارة.