ذكرى "تصريح بلفور" ومسؤولية بريطانيا عن مأساة فلسطين
تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT
د. عبدالله الأشعل **
في الثانى من نوفمبر 1919، كتب اللورد آرثر بلفور خطابا نيابة عن حكومته التى كان يرأسها لويد جورج وهربرت صمويل الوزير في وزارته هو صاحب فكرة تصريح بلفور وطرحه في الحكومة السابقة عام 1914 ووافقت عليه. وكل حكومة لويد جورج من الصهاينة التى استمرت من 1916 إلى 1922 .
وكان بلفور نفسه صهيونيًا متعصبًا واستاذًا للفلسفة في جامعة لندن، وكان في وقت من الأوقات رئيسا للوزراء وكانت العقيدة البريطانية منذ القرن التاسع عشر تركز علي تنفيذ النظرية الصهيونية ومعنى ذلك أن تصريح بلفور لم يكن وليد اللحظة وإنما كان نتيجة تفكير طويل استغرق عدة سنوات.
هذا الخطاب تضمن تعهدًا من الحكومة البريطانية بإنشاء وطن قومى لليهود في فلسطين وكلمة وطن قومى معناها الموافقة على أن اليهود كانوا في فلسطين وهى الرواية الكاذبة التى تمسكت بها الحركة الصهيونية حتى الآن ولكن الحكومة البريطانية تحفظت في التصريح على أن حقوق الأقليات غير اليهودية لا ينال منها إنشاء وطن قومى لليهود في فلسطين ومعنى ذلك أن الوطن القومى لليهود يقام فقط في جزء من فلسطين وليست فلسطين كلها كما طلبت الحركة الصهيونية وأظن أن هذا هو الأساس الذى بنيت عليه فكرة تقسيم فلسطين بين اليهود والعرب بعد هذا التاريخ بعدة عقود . على ألا يخل ذلك بالحقوق المدنية والدينية للجاليات غير اليهودية في فلسطين أو يخل بالوضع السياسى الذى يتمتع به اليهود في أى دولة أخرى وختم بلفور خطابه برجاء إبلاغ هذا التصريح للاتحاد الصهيونى في بريطانيا. وهذا الاتحاد الصهيونى تكون عام 1899 في بريطانيا عقب المؤتمر الصهيونى الأول في بازل عام 1897 ومهمة الاتحاد إنشاء وطن قومى دائم في فلسطين للشعب اليهودى ومعنى ذلك أن الاتحاد والوكالة اليهودية كانوا أدوات بريطانيا في إنجاز مشروعها الصهيونى في فلسطين.
وبريطانيا العظمي مسؤولة عن زرع إسرائيل في فلسطين ومساندة توحشها عبر المحطات الآتية:
المحطة الأولى: هى اتفاق "سايكس- بيكو" في 19 مايو 1916 بتقسيم الشرق الأوسط بين فرنسا وبريطانيا، وعين بريطانيا لم تفارق فلسطين هذا الاتفاق السرى كشفته الثورة البلشفية عندما قامت في نوفمبر 1917 في روسيا.
المحطة الثانية: هى أول تعهد رسمي من الحكومة البريطانية بإنشاء إسرائيل في صورة التصريح ولذلك هذا التصريح يعقد المسؤولية كاملة على الحكومة البريطانية حيث كانت في ذلك الوقت تحتل فلسطين والمحتل وفقا للقانون الدولي الاوروبي لا يملك التصرف في المستعمرات تماما كما وافقت بريطانيا على أن تتنازل فرنسا عن ميناء الاسكندرونه السورى لتركيا ترضية لها عن تحلل الامبراطورية العثمانية ودور فرنسا في ذلك.
المحطة الثالثة: مؤتمر فرساي الذى درس الفكرة البريطانية وهي الانتداب وتحويل المستعمر إلى مُنتدَب، وإمعانًا في الاحتيال زعمت بريطانيا أن هذه النقلة من الاستعمار إلى الانتداب يعنى أن الدولة المنتدبة تحاسبها الدول الأخرى في مجلس العصبة وكلهم عصابة واحدة.
وفي مؤتمر فرساي تم وضع المادة 22 في عهد عصبة الأمم الخاصة بالانتداب وترك لبريطانيا أن تحدد الاقاليم التى تنتدب عليها فاختارت فلسطين تطبيقا لنظريتها القديمة في تمكين اليهود من فلسطين فكأن نظام الانتداب الذى اخترعته بريطانيا كان أداة قانونية لاشراف بريطانيا على فلسطين ولعبت الدور المشبوه التى قامت به مع الصهاينة فلما أصبحت بريطانيا الدولة المنتدبة على فلسطين قامت بتسهيل هجرة اليهود المتسللين من روسيا وأوكرانيا إلى فلسطين حتى قبل الانتداب وفي هذه الحالة قمعت بريطانيا التى كانت جيوشها في فلسطين أيضا رغم الانتداب قمعت ثورات الفلسطينيين ضد التسلل الصهيوني الذى رعته بريطانيا.
المحطة الرابعة: مؤتمر لندن الذى خدعت فيه بريطانيا العرب فقررت تقنين الهجرة اليهودية وذلك يعد اقرارا من العرب بالموافقة على هجرة اليهود إلى فلسطين ومقابل ذلك حصلت بريطانيا على مكسبين من العرب: المكسب الأول هو إنهاء ثورة القسام في فلسطين التى استمرت من 1936 إلى 1939 .والمكسب الثانى أن بريطانيا ضمنت مساندة العرب لها في الحرب العالمية الثانية، وكانت بريطانيا قد أعدت للأمر عدته في مصر، فأبرمت مع حكومة الوفد معاهدة أغسطس 1936 التي تضمنت انسحاب بريطانيا من مصر مقابل تعهد الحكومة المصرية بتقديم خدمات للقوات البريطانية، ومما يذكر أن حكومة الوفد هي التي مزقت الاتفاقية في 31 اكتوبر 1951. وقال مصطفي النحاس أنه لمصلحة مصر أبرم الوفد المعاهدة ولمصلحة مصر مزقها.
المحطة الخامسة: تدريب وتسليح العصابات الصهيونية في فلسطين مع القوات البريطانية في ساحات القتال تمهيدا للاستيلاء على فلسطين بالقوة .
المحطة السادسة: تقديم بريطانيا لمشروع قرار التقسيم. وقد تذرعت بريطانيا في ذلك الوقت باستحالة التعايش بين اليهود والعرب وهى تعلم أن تقسيم فلسطين بين اليهود والعرب مستحيل ببساطة لأن اليهود بمساعدتها يخططون للاستيلاء على كل فلسطين والطريف أنه عند التصويت على مشروع القرار الذى صدر في 29 نوفمبر 1947 امتنعت بريطانيا عن التصويت علي القرار رغم أن القرار كان شراكه بين بريطانيا وإسرائيل قبل قيامها والولايات المتحدة واستماتت الولايات المتحدة لكى يصدر القرار بالاغلبية المطلوبة وقد بذلت محاولات كبيرة مع كوبا والفلبين على اساس أنها كانت تحتلهما ولكن الدول العربية السبعة رفضت مشروع القرار.
المحطة السابعة: انسحاب بريطانيا من طرف واحد وخلافا لعهد العصبة وميثاق الأمم المتحدة وتخليها عن الانتداب في ابريل 1946، علما بأن هذا القرار من اختصاص مجلس الأمن فكأن بريطانيا كانت تفكر في خيوط المؤامرة في نفس اللحظة وكان رئيس وزراء بريطانيا في الثانى من نوفمبر 2017 صريحًا عندما استقبل بنيامين نتنياهو في مقر رئاسة الوزراء البريطانية احتفالا بالذكرى المئوية الأولى لتصريح بلفور. وتحدث عن أدوار بريطانيا في زرع إسرائيل ورعايتها؛ بل أضاف أن بريطانيا سعت إلى ترتيب أوضاع الدول المجاورة لإسرائيل وكان يقصد بذلك مصرحيث ازيح الملك واطمع الضباط في السلطة لصالح اسرائيل، والأردن.
المحطة الثامنة: عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة؛ حيث أدّت بريطانيا دورًا مشهودًا في ادخال إسرائيل عضوا في الأمم المتحدة في 9 مايو 1949؛ وهي تعلم علم اليقين أن إسرائيل ليست دولة وانما هى مجموعة لصوص صهاينة جمعتهم في فلسطين ولا تستوفي شروط العضوية في الميثاق.
المحطة التاسعة: تطويع مصر، فعندما وجدت بريطانيا أن الملك فاروق ملك مصر اتخذ موقفًا عنيفًا من إسرائيل، قدرت بريطانيا أن الوليد الجديد لا يُمكن أن يستمر وأن المشروع الصهيوني سوف ينتهى ما دامت مصر صخرة في وجه إسرائيل والمشروع؛ فسعت بريطانيا إلى ازاحة الملك وترتيب أوضاع السلطة، بحيث تزدهر إسرائيل، إلى أن تولت واشنطن المسؤولية أيام الرئيس الراحل أنور السادات، وصولًا إلى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في أعقاب حرب أكتوبر 1973.
المحطة العاشرة: مؤامرة بريطانيا في العدوان الثلاثى على مصر عام 1956؛ لتمكين إسرائيل من المشاركة في العدوان دون مبرر واحتلال سيناء بالكامل للمرة الأولى، ثم المشاركة مع الولايات المتحدة في تمكين إسرائيل من مصر عام 1967 واحتلال سيناء.
المحطة الحادية عشرة: مشاركة بريطانيا لإسرائيل في المؤامرة لإبادة الشعب الفلسطينى عن طريق مدها بالأسلحة والمعونات ومشاركة الغرب عمومًا في هذه المؤامرة؛ مما كان يوجب تقديم دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة.
هذه المحطات تحتاج إلى متابعة قانونية ووضعها في صورة دعوى أمام المحاكم البريطانية لادانة بريطانيا عن دورها المعترف به رسميًا في زرع إسرائيل ومسؤوليتها عن توحشها في المنطقة بحيث أصبحت كائنا ضد الانسانية.
والمطلوب رفع دعوى لتصحيح الموقف الاعلامي في القضية والمطالبة بتعويضات عادلة من بريطانيا للشعب الفلسطينى. وحبذا لو تشكلت لجنة لمقاضاة الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا أيضًا عن أدوارهم الاجرامية في الملف الفلسطيني.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
استطلاع: 37 بالمئة من المراهقين اليهود في أمريكا يتعاطفون مع حماس
أظهر استطلاع رأي رسمي، أن 42 بالمئة من المراهقين اليهود في الولايات المتحدة، يعتقدون أن جيش الاحتلال ارتكب إبادة جماعية في قطاع غزة.
ونشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" نتائج استطلاع رأي أجرته "وزارة الشتات" الإسرائيلية، أظهرت أيضا أن 42 بالمئة من اليهود ينتقدون إسرائيل، مقارنة بـ7٪ فقط من نظرائهم حول العالم.
وذكر الاستطلاع أن هذه الأرقام تعد "تحولاً خطيراً" و"تراجعاً لتأثير التربية اليهودية".
واللافت في الاستطلاع، أن 37 بالمئة من المراهقين اليهود الأمريكيين يتعاطفون مع حماس، حسبما ذكرت "جيروزاليم بوست".
وبحسب الاستطلاع، فإن هذا الرقم يزيد عند حصر الفئة في سن 14 عاما، حيث أن 60 بالمئة من هذه الفئة العمرية في أمريكا تتعاطف مع "حماس".
وقال تقرير "جيروزاليم بوست" إن ارتفاع المعارضة لإسرائيل بين المراهقين اليهود الأمريكيين هو أمر متأثر بالظروف الثقافية والاجتماعية والتعليمية المختلفة، وذلك مقلق.
وحتى بين أولئك الذين لديهم خلفية تعليمية يهودية قوية، فإن 6 بالمئة يتعاطفون معها حماس.
وفي الوقت نفسه، يقول التقرير إن المراهقين اليهود في الخارج الذين يحضرون اليهودية المعسكرات أو المدارس النهارية أو المدارس التكميلية ويكون لها اتصال شخصي بها من غير المرجح نسبياً أن يكون لدى الإسرائيليين آراء مناهضة لإسرائيل.
هذه النتائج أثارت حفيظة وزير شؤون الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي، والذي دعا إلى مزيد من التركيز على الشباب اليهودي في الولايات المتحدة.