لجريدة عمان:
2025-04-27@06:01:31 GMT

«الروع».. جدليّة صراع الوعي والخرافة

تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT

شهور قليلة تفصل بين عرض (الروع) الذي قدّمته فرقة تواصل المسرحيّة، فـي مهرجان (الدن المسرحي الدولي)، و(الروع) الذي شارك فـي مهرجان المسرح الخليجي للفرق المسرحية الأهلية بمجلس التعاون لدول الخليج العربية، فـي الرياض، ممثّلا سلطنة عمان، لكن المسافة الإبداعية واسعة، بين العرضين، فمؤلفه ومخرجه الفنان طاهر الحراصي وضع لمسات جديدة لتطوير شكل العرض، مستفـيدا من آراء الفنانين الذين شاهدوا العروض الخمسة السابقة، وأبرزها اختزال زمن العرض من 90 إلى 75 دقيقة، وبذلك حافظ على تماسك إيقاع العرض، وترابط أجزائه، مطورا الرؤية الإخراجية للعرض الذي يناقش جدلية الصراع بين نور العلم وظلام الجهل، بين العقل والخرافة عبر صيغ فنية تستل من الموروث الشعبي مادته، وهو موروث مشترك فـي مناطقنا، يروي حكايات تُنسج عن كائن خرافـي من ابتكار المخيّلة الجماعيّة الشعبية، وكلّ يوظّف تلك الحكايات لأغراضه، وأهدافه، وخصوصا الأشخاص الذين يمرّرون شرورهم فـي أوساط جاهلة، ففـي مثل هذه الأوساط يجدون مرتعا لهم، فمن منّا لم يروّعه (الروع)، وهو الوحش الذي يرد فـي الخرافات بأسماء متعدّدة، وهو الشمّاعة التي يعلّق عليها الفاسدون جرائمهم متّخذين من جهل عامة الناس وسيلة لتمرير صورة مرعبة عن (الروع)، ويسبغون عليه صفات مخيفة من خيالهم، فهو طويل بشكل شاهق، اعتاد على امتصاص دماء ضحاياه، وابتلاع أرواحهم، وإصابة أجسامهم بالأمراض، بل وحتى سرقة الدجاج وكذلك الماشية، كما جرى مع بائعة المواشي التي سرق منها (الروع) حسب اعتقادها - الكثير من الخراف، رغم يقينها أن الخراف التي عرضها (خدوم) للبيع تشبه خرافها تماما !

ولا يستطيع أحد إبطال عمل (الروع) سوى الشيخ والمعلّم صالح، عن طريق الرقى، وترديد بعض الأذكار، وهكذا تستمرّ الحكاية فـي عرض يبدأ من حيث انتهى الحدث، فهو نص يعتمد البناء الدائري، فـيبدأ بالفزع الذي سبّبه (الروع) لأهالي الحارة، وينتهي بذات الفزع، فتغييب العقل مستمر، منذ أن أطلق (وارث) صرخته، مدعيا أنه رأى (الروع) فـي (السيح) فهرب منه واختفى بعد ذلك صديقه (غصن)، ويعيدنا المخرج، بشكل خاطف، ورشيق، بمشهد استرجاعي إلى طفولة (غصن) و(وارث)، الذي قيل له أن (الروع) قتل والده، لكنّ(غصن) يبدو غير مصدق، وتتفق معه (زوينة) أخت صديقه (وارث) المتنوّرة، التي تجمعها بـ(غصن) الكثير من المشتركات، لذا يحبها ويسعى للارتباط بها، رغم اعتراض والده (المعلّم صالح) بسبب خلافه مع والدها شيخ الحارة هذا الرفض غير المبرّر والخلاف غير الواضح جعل الشك يتسلل إلى قلب (غصن)، و(زوينة)، فلم يكن (الروع) سوى وهم صنعه (المعلم صالح) ليتستّرعلى (الشيخ) الذي قَتَل شقيقه قبل سنوات طويلة، وانطلت الكذبة على الجميع، فرأوا فـي (المعلم صالح) المنقذ والقادر على إبطال أعمال (الروع) الشرّيرة، ودفع الأذى عنهم، ونال (الشيخ) ثروة شقيقه التي استحوذ عليها

وفـي النهاية تتكرّر الثيمة ويقتل (وارث) صديقه (غصن) بتحريض من أبناء الحارة، الذين أوغروا صدر (وارث) عليه بسبب علاقته بـ(زوينة) فـيقتله فـي (السيح) ثم يعود إلى سكّان الحي مدّعيا أن (الروع) قتله.

اهتم المخرج (طاهر الحراصي) بالمشهدية البصرية (السينوغرافـيا) وحركة المجاميع، فالبطولة كانت، وقد أدارها باقتدار، وكانت أجساد الممثلين تتحرّك بشكل يتناغم مع العزف الحيّ، فأضفى جمالًا على الأداء، فأحيانا يكون مفسّرا، وأحيانا يعمد إلى تعميق الحدث، كذلك كانت الأزياء جاءت منسجمة مع أجواء العرض، وشخصياته المغيّبة تحت ستر ظلام الجهل أنها متجانسة ومتلائمة مع الشخصيات التي أدّى أدوارها: سرور الخليلي وسليمان الرمحي ونوح الحسني وحامد الجميلي وأسماء العوفـية التي نالت جائزة أفضل ممثلة فـي دور أول فـي المهرجان، ومحمد النيادي وعمار الجابري ولطيفة العزيزية، إضافة إلى مشاركة محمد المبسلي، ومازن السليماني، وعامر الوهيبي، والجلندى البلوشي، ومحمد البلوشي، ومحمد الندابي، ومحمد العجمي.

وشدّ أداء الطفلين (محمد الريامي، وعز الهنائي) أنظار الحضور، فنجحا فـي انتزاع إعجاب الجمهور، وتصفـيقه وحصل عز الهنائي على جائزة تشجيعية عن دوره (غصن) فـي العرض الذي نال ثناء الدكتورة جميلة الزقاي فـي الجلسة التطبيقية التي أعقبت العرض، ورأت أن المخرج «نجح فـي إيجاد توازن بين الأسطورة الشعبية والتعبير الفني الحديث، مما جعل (الروع) تجربة مسرحية متميزة»، وهو ما أكّد عليه الكثير من الذين شاهدوا العرض الذي أدان الجهل؛ ليعلي ضمنا قيمة العقل.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الوحدة و صراع التيارات الاتحادية إلي إين؟

عندما كنت طالبا في كلية الإعلام جامعة بغداد، كان استاذ النقد و الأدب العالمي الدكتور محمد كمال الدين، هو شاعر و قاص درس تعليمه الجامعي و فوق الجامعي في موسكو، و عندما عرف أنني سوداني سألني من جيلي عبد الرحمن إذا كنت أعرفه قلت له اعرفه كشاعر، طلب مني أن أكتب عنه بحث نقدي على أعماله الشعرية أعتذرت بسبب نقص المصادر لإنتاج الرجل المعرفي، و بعد يومين التقيت الدكتور على باب مدخل الكلية سألني من أين جئت؟ حيث كنت أتصبب عرقا، قلت له؛ من محاضرة للأستاذ ناجي علوش، تحدث فيها عن القراءات الجديدة للفكر الماركسي.. و علوش هو فلسطيني كان قياديا في منظمة التحرير العربية التي كانت قد انشقت من المنظمة الأم.. طلب مني كمال الدين أن أذهب معه للمكتب أشرب الشاي، و بالهجة العراقية " شايات" سألته و نحن على باب مكتبه عن الجبهة التحالفية في العراق، ضحك و قال بلكنة عراقية هذه ورطه يازين...! و الحديث عنها في الهواء الطلق إما نفاقا، أو مغامرة دون التعقل في حساباتها..
سألت الدكتور كمال الدين عن ظاهرة التحولات السياسية وسط النخب و المفكريين الفلسطينيين و الشوام من الفكر القومي إلي الماركسي منهم جورج حبش و جورج طرابيشي و ناجي علوش و غيرهم؟ قال كمال الدين أن الأحزاب في الوطن العربي للتمييز و ليست حمولات فكرية، و الانتقال ظاهرة تفرضها التعارض بين المصالح الخاصة و المصلحة العامة، و أغلبية هؤلاء ينتمون للطبقة الوسطى، و معلوم هي طبقة متمردة، و التمرد هو الصفة الغالبة، لذلك تصبح حالة الثبات نسبية، و أنظر إلي أغلبية التغييرات التي تحدث في النظم السياسية العربية لا تعتمد على الجماهير بقدر ما تعتمد على القوى المنظمة داخل الجيوش، مما يدل على أن المصالح الخاصة هي التي وراء التغييرات، و ليس سبب أفكار يراد تطبيقها.. عندما طرق أحد باب المكتب استأذنت لمعرفتي أن مثل هذا النقاش يضر بأصحابه، و لا اريد أعرض أستاذي لمضايقات..
تذكرت حديثي مع الدكتور محمد كمال الدين، و هو كان نقاشا طويلا عن ظاهرة لتململ وسط الطبقة الوسطى في المجتمعات العربية، و هي التي قادت للانقلابات العسكرية المتكررة في المنطقة... في الأسبوع الماضي، كانت هناك ظاهرة الدعوات بين التيارات الاتحادية للوحدة، و هو شعار أشواق القاعدة الاتحادية، و فكرة الوحدة يتحكم فيها الشعار المرفوع دون أن يكون لها تأسيس معرفي لمشروع يمكن الحوار حوله.. و في حوار مع محمد توفيق أحمد عن وحدة الاتحاديين قال منذ دخول الشعبوية في 1965م في الوطني الاتحادي، و بموجبها طرد أعضاء في البرلمان بدأت تتغلب على تيار الوسط الذي ترتكز عليه عملية البناء الديمقراطي، و تراجع دور النخب ذات الاستنارة.. و كان الأمين العام للجبهة المعادية للاستعمار عبد الوهاب زين العابدين قاريء جيد للواقع عندما كانت رؤيته المخالفة لفكرة عبد الخالق محجوب في الجبهة أن يشكل اليسار تيارا تنويريا داخل لاتحاديين حتى يستطيع أن ينتصر للديمقراطية.. و أيضا قد اعاد ذات الرؤية عوض عبد الرازق في بداية الخمسينات.. فاشواق الوحدة تعد دافعا و لكنها لا تستطيع أن تجرد عناصر الطبقة من المصالح الذاتية الضيقة..
عندما كنت في مصر في ديسمبر 2024م حضرت حوارا بين قيادات اتحادية تتبع لتيارات مختلفة، جاء البعض خاصة قيادات من كردفان و الجزيرة بفكرة " فدرالية التنظيم" و هي فكرة مقنعة لا تؤسس على مركزية التنظيم، فكل أقليم ينتخب قياداته من القاعدة إلي الهرم، و قيادات الأقليم المختلفة تشكل اللجنة المركزية للحزب، و هي التي تنتخب المكتب السياسي " التنفيذي" يراع فيه حضور كل الأقاليم.. هذه التنييظم يعطي القيادات مساحات واسعة على الحركة، الكل سوف يشارك في قرارات الحزب، و سوف يحجم مسألة الكارزمة و سطوتها، لكن الدعوات الأخيرة تجاوزت " فدرالية التنظيم" و عادت مرة أخرى للحوار بين قيادات المجموعات المختلفة و هي في حد ذاته سبب تعثر الوحدة، لآن كل فرد في هذه القيادات يريد أن يكون له مقعدا في القيادة..
أن واحدة من إشكالية النخب التي تريد أن تقود بنفسها عملية الوحدة، لا تستطيع أن تتحدث عن القضايا المسكوت عنها، و هي جوهر المشكل، لآن مسألة القناعات في الأجيال الجديدة تتطلب المعرفة، و المشاركة في صناعة المشروع السياسي، و أيضا المشاركة الفاعلة في اختيار القيادات.. فالقبول بمبدأ الولاءات السالبة بدأ يضيق في المجتمع، لذلك لابد من فتح الحوار مع القاعدة بدلا من الاحتفاظ به داخل موائد شبه مغلقة.. و هناك من يخطط لإعادة الكارزمة لكي تخطط له و تقود لوحدها عملية الوحدة، هذه تتعارض تماما مع مبدأ الحرية، و في نفس الوقت العودة إلي لاحتكارية القرار... أن الوحدة التي يريد أصحابها أن تنجح أن يطرح أصحابها رؤيتهم للقاعدة للحوار و الوصول ألي توافق حوله.. كما يقول المفكر البناني علي حرب " أن القيادات السياسية العاجزة عن إنتاج معرفة جديدة و أفكار جديدة لا تستطيع المساهمة في التغيير..
أن عملية الوحدة الاتحادية يستطيع أن يقوم بها فصيل واحد دون الفصائل المتعددة المطروحة في الساحة السياسية، إذا كان لديه قيادة مؤمنة بالوحدة، و ما تفرزه عملية الاختيار من قيادات، و دون التعدى على حرية القاعدة في اختيارها، و يملك أدوات العمل و الاتصال، و القدرة المالية على قيام انتخابات عامة من القاعدة إلي القمة، دون الدخول في أية صراعات جانبية مع الفصائل الأخرى حتى لا تصرفه عن الهدف. و دون أية إقصاء مادام القاعدة وحدها لها حق اختيار القيادة.. و أن تكون القيادة مدركة للتحديات التي سوف تواجهها، و أن تكون هناك فكرة واحدة " قيام انتخابات لتنظيم اتحادي من القاعدة إلي القمة" هي الرؤية التي سوف تستقطب الأجيال الجديدة القادرة على حمل المسؤولية. نسأل الله حسن البصيرة..


zainsalih@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • محمد كاظم: المشاركات الدولية تزيد الوعي بالفن الإماراتي
  • الصرخةُ.. سلاحُ الوعيِ الذي أرعبَ الأساطيلَ
  • أمير منطقة حائل يرعى فعالية “امشِ 30” لتعزيز الوعي الصحي والمجتمعي
  • الوحدة و صراع التيارات الاتحادية إلي إين؟
  • جامعة أبوظبي تنظم فعالية حول تعزيز الوعي بالأمن السيبراني
  • الوعي: كلمة الرئيس بمناسبة ذكرى تحرير سيناء رسالة استراتيجية لاستكمال البناء
  • حزب الوعي: كلمة الرئيس بذكرى تحرير سيناء رسالة لاستكمال معركة البناء
  • برلماني: توجيهات الرئيس السيسي باستغلال المساجد في التعليم يعزز الوعي والانتماء
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • محافظ جدة يرعى بعد غدٍ انطلاق فعالية “امشِ 30” لتعزيز الوعي الصحي والمجتمعي