«الروع».. جدليّة صراع الوعي والخرافة
تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT
شهور قليلة تفصل بين عرض (الروع) الذي قدّمته فرقة تواصل المسرحيّة، فـي مهرجان (الدن المسرحي الدولي)، و(الروع) الذي شارك فـي مهرجان المسرح الخليجي للفرق المسرحية الأهلية بمجلس التعاون لدول الخليج العربية، فـي الرياض، ممثّلا سلطنة عمان، لكن المسافة الإبداعية واسعة، بين العرضين، فمؤلفه ومخرجه الفنان طاهر الحراصي وضع لمسات جديدة لتطوير شكل العرض، مستفـيدا من آراء الفنانين الذين شاهدوا العروض الخمسة السابقة، وأبرزها اختزال زمن العرض من 90 إلى 75 دقيقة، وبذلك حافظ على تماسك إيقاع العرض، وترابط أجزائه، مطورا الرؤية الإخراجية للعرض الذي يناقش جدلية الصراع بين نور العلم وظلام الجهل، بين العقل والخرافة عبر صيغ فنية تستل من الموروث الشعبي مادته، وهو موروث مشترك فـي مناطقنا، يروي حكايات تُنسج عن كائن خرافـي من ابتكار المخيّلة الجماعيّة الشعبية، وكلّ يوظّف تلك الحكايات لأغراضه، وأهدافه، وخصوصا الأشخاص الذين يمرّرون شرورهم فـي أوساط جاهلة، ففـي مثل هذه الأوساط يجدون مرتعا لهم، فمن منّا لم يروّعه (الروع)، وهو الوحش الذي يرد فـي الخرافات بأسماء متعدّدة، وهو الشمّاعة التي يعلّق عليها الفاسدون جرائمهم متّخذين من جهل عامة الناس وسيلة لتمرير صورة مرعبة عن (الروع)، ويسبغون عليه صفات مخيفة من خيالهم، فهو طويل بشكل شاهق، اعتاد على امتصاص دماء ضحاياه، وابتلاع أرواحهم، وإصابة أجسامهم بالأمراض، بل وحتى سرقة الدجاج وكذلك الماشية، كما جرى مع بائعة المواشي التي سرق منها (الروع) حسب اعتقادها - الكثير من الخراف، رغم يقينها أن الخراف التي عرضها (خدوم) للبيع تشبه خرافها تماما ! ولا يستطيع أحد إبطال عمل (الروع) سوى الشيخ والمعلّم صالح، عن طريق الرقى، وترديد بعض الأذكار، وهكذا تستمرّ الحكاية فـي عرض يبدأ من حيث انتهى الحدث، فهو نص يعتمد البناء الدائري، فـيبدأ بالفزع الذي سبّبه (الروع) لأهالي الحارة، وينتهي بذات الفزع، فتغييب العقل مستمر، منذ أن أطلق (وارث) صرخته، مدعيا أنه رأى (الروع) فـي (السيح) فهرب منه واختفى بعد ذلك صديقه (غصن)، ويعيدنا المخرج، بشكل خاطف، ورشيق، بمشهد استرجاعي إلى طفولة (غصن) و(وارث)، الذي قيل له أن (الروع) قتل والده، لكنّ(غصن) يبدو غير مصدق، وتتفق معه (زوينة) أخت صديقه (وارث) المتنوّرة، التي تجمعها بـ(غصن) الكثير من المشتركات، لذا يحبها ويسعى للارتباط بها، رغم اعتراض والده (المعلّم صالح) بسبب خلافه مع والدها شيخ الحارة هذا الرفض غير المبرّر والخلاف غير الواضح جعل الشك يتسلل إلى قلب (غصن)، و(زوينة)، فلم يكن (الروع) سوى وهم صنعه (المعلم صالح) ليتستّرعلى (الشيخ) الذي قَتَل شقيقه قبل سنوات طويلة، وانطلت الكذبة على الجميع، فرأوا فـي (المعلم صالح) المنقذ والقادر على إبطال أعمال (الروع) الشرّيرة، ودفع الأذى عنهم، ونال (الشيخ) ثروة شقيقه التي استحوذ عليها وفـي النهاية تتكرّر الثيمة ويقتل (وارث) صديقه (غصن) بتحريض من أبناء الحارة، الذين أوغروا صدر (وارث) عليه بسبب علاقته بـ(زوينة) فـيقتله فـي (السيح) ثم يعود إلى سكّان الحي مدّعيا أن (الروع) قتله.
اهتم المخرج (طاهر الحراصي) بالمشهدية البصرية (السينوغرافـيا) وحركة المجاميع، فالبطولة كانت، وقد أدارها باقتدار، وكانت أجساد الممثلين تتحرّك بشكل يتناغم مع العزف الحيّ، فأضفى جمالًا على الأداء، فأحيانا يكون مفسّرا، وأحيانا يعمد إلى تعميق الحدث، كذلك كانت الأزياء جاءت منسجمة مع أجواء العرض، وشخصياته المغيّبة تحت ستر ظلام الجهل أنها متجانسة ومتلائمة مع الشخصيات التي أدّى أدوارها: سرور الخليلي وسليمان الرمحي ونوح الحسني وحامد الجميلي وأسماء العوفـية التي نالت جائزة أفضل ممثلة فـي دور أول فـي المهرجان، ومحمد النيادي وعمار الجابري ولطيفة العزيزية، إضافة إلى مشاركة محمد المبسلي، ومازن السليماني، وعامر الوهيبي، والجلندى البلوشي، ومحمد البلوشي، ومحمد الندابي، ومحمد العجمي. وشدّ أداء الطفلين (محمد الريامي، وعز الهنائي) أنظار الحضور، فنجحا فـي انتزاع إعجاب الجمهور، وتصفـيقه وحصل عز الهنائي على جائزة تشجيعية عن دوره (غصن) فـي العرض الذي نال ثناء الدكتورة جميلة الزقاي فـي الجلسة التطبيقية التي أعقبت العرض، ورأت أن المخرج «نجح فـي إيجاد توازن بين الأسطورة الشعبية والتعبير الفني الحديث، مما جعل (الروع) تجربة مسرحية متميزة»، وهو ما أكّد عليه الكثير من الذين شاهدوا العرض الذي أدان الجهل؛ ليعلي ضمنا قيمة العقل. |
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تقرير: صراع النفوذ الإقليمي يعمق الشرخ الطائفي في لبنان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ذكرت قناة “سي بي سي” الكندية أن لبنان، المعروف بتنوعه الديني والطائفي الغني، بات يعاني من أزمة سياسية واجتماعية، تؤدي إلى تفاقم الانقسام بين مجتمعيه الإسلاميين الرئيسيين، الشيعة والسنة.
وبينت القناة في تقرير مصور أنه على الرغم من أن التوترات الطائفية كانت جزءا من تاريخ لبنان منذ فترة طويلة، إلا أن التطورات الأخيرة داخل لبنان ومحيطها، زادت من الشرخ، مما يثير مخاوف بشأن استقرار النسيج الاجتماعي الهش في البلاد.
ولفتت القناة إلى أن الانقسام بين الشيعة والسنة في لبنان لا يعدان ظاهرة جديدة، فجذوره متأصلة في صراعات النفوذ السياسي، والتأثيرات الإقليمية، والاختلافات الدينية. منذ تأسيس لبنان الحديث عام 1943، واجهت الأمة انقسامًا طائفيًا عميقًا، تفاقم بسبب الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) وقد شرّع اتفاق الطائف لعام 1989، الذي أنهى الحرب، الطائفية، وأرساها في الإطار السياسي للبلاد، وقد ترك ذلك التوترات الكامنة تتصاعد، على استعداد للعودة إلى السطح خلال أوقات الأزمات الوطنية.
تبين القناة أنه في الأشهر الأخيرة، أصبح هذا الانقسام أكثر وضوحًا. أدت أحداث مثل الاشتباكات في معقل السنة في طرابلس إلى تجدد المخاوف من اضطرابات أوسع نطاقًا.
واتهمت الجماعات السنية الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله، الفصيل الشيعي المهيمن، مما زاد من سوء الثقة والعداء كما سلطت الهجمات على وسائل الإعلام، مثل الهجوم على محطة تلفزيون "الجديد" بعد بثها انتقادات لحزب الله، الضوء على صعوبة تعزيز الحوار المفتوح والبناء بين المجتمعات.
تتابع القناة بالقول إنه وراء حدود لبنان، غذت الديناميات الإقليمية نيران الفتنة. أدى النفوذ المتزايد لإيران في لبنان من خلال حزب الله إلى استياء العديد من أبناء الطائفة السنية، الذين يرون في الجماعة وكالة مصالح إيرانية.
في الوقت نفسه، أدى دعم السعودية للفصائل السنية إلى إضافة طبقة أخرى من التعقيد، وتحويل لبنان إلى ساحة معركة للتنافس الجيوسياسي الأوسع بين طهران والرياض.
وقد تفاقم هذا الانقسام بسبب الانهيار الاقتصادي المستمر في البلاد. أدى انخفاض قيمة الليرة اللبنانية وارتفاع معدلات البطالة وانهيار الخدمات العامة إلى انتشار اليأس في جميع المجتمعات.
ومع ذلك، يشعر العديد من السنة بأنهم متضررون بشكل غير متناسب، معتقدين أن حزب الله يستفيد من الدعم المالي الخارجي بينما يكافحون مع الفقر المتزايد وعدم المساواة، وفق القناة.
يقوض هذا الوضع المتقلب الثقة ليس فقط بين القادة السياسيين ولكن أيضًا بين المواطنين العاديين.
يتزايد انعدام الثقة الطائفي، مما يؤدي إلى زيادة وتيرة العنف، خاصة في الأحياء المختلطة. كما أصبح تسييس الدين عقبة كبيرة، حيث غالبًا ما تطغى الهويات الطائفية على المصالح الوطنية وتعوق الجهود المبذولة لإيجاد حلول شاملة لتحديات لبنان.
تنوه القناة أنه رغم هذه التحديات، هناك جهود مبذولة لرأب الصدع، إذ يعمل الزعماء الدينيون ومنظمات المجتمع المدني على تعزيز الحوار والتأكيد على الهوية اللبنانية المشتركة، ففي حين أن هذه المبادرات تبعث على بعض الأمل، إلا أن الطريق نحو المصالحة لا يزال محفوفًا بالصعوبات.
واختتمت القناة بالقول إن لبنان يواجه اختبارًا حاسمًا لمرونته ووحدته. إن الانقسام المتزايد بين الشيعة والسنة أكثر من مجرد مسألة طائفية؛ إنه يعكس فشلًا نظاميًا أوسع في معالجة الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في البلاد بدون تدخلات ذات مغزى والتزام جماعي بالتماسك الوطني، فإن لبنان يواجه خطر الانزلاق أكثر في عدم الاستقرار، مما يهدد مستقبله كدولة ذات سيادة وموحدة.