هل الإبداع وسيلة تحرر أم موهبة فقط؟
تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT
سالي علي
الإبداع ليس مجرد موهبة؛ بل هو بمثابة وسيلة للتحرر؛ إذ يمنح الأفراد القدرة على التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بشكلٍ فريد؛ مما يساعدهم على اكتشافِ هويتهم وتجاوزِ القيود الاجتماعية أو الثقافية.
وهنا يطرحُ السؤال نفسه، كيفَ يُسهم الإبداع في التحرر؟
يسهم من خلال تعبير الذات حيث يُمكن للإبداع أن يكون وسيلة للتعبير عن الأفكار والمشاعر التي قد تكون غير مقبولة في بعض المجتمعات، مما يساعد الأفراد على التحرر من القيود المفروضة عليهم، ومن خلال استكشاف الناس للهوية وذلك من خلال فهم أنفسهم بشكلٍ أفضل مما يعزّز الشعور بالتحررٍ الداخلي.
لذا يُمكن اعتبار الإبداع أداة قوية للتحرر من القيود والضغوط، ويساهم في تحقيق الذات وتطوير المجتمعات.
وأحد أهم الكتاب الذين تناولوا فكرة الإبداع يحرر الإنسان من عقده هو الفيلسوف النمساوي سيجموند فرويد، مؤسس علم النفس التحليلي، في نظرياته حول التحليل النفسي اعتبر فرويد أنّ الأنشطة الإبداعية مثلَ الفن والأدب تعملُ كآليات دفاعية، حيث يمكن للفرد من خلالها التعبير عن رغباته المكبوتة وصراعاته الداخلية بطرقٍ مقبولة اجتماعيًا.
ويُشير فرويد إلى أنّ الإبداع يسمحُ للإنسان بتحويل طاقاته النفسية إلى مخرجاتٍ فنية أو أدبية، وبالتالي تحررهُ من الضغوطِ والصراعات النفسية.
وهنا كارل يونغ عالم النفس الشهير وتلميذ فرويد السابق، والذي أشار في نظرياته إلى أن الإبداع هو وسيلة لتحقيق التكامل النفسي، حيث يمكن للأفراد التعبير عن اللاوعي الجمعي من خلال الرموز والإبداع، مما يساعدهم في التحرر من الصراعات الداخلية وتحقيق التوازن النفسي.
أيضًا، تناول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه هذه الفكرة، فهو رأى أن الإبداع والتحول الذاتي بمثابة وسائل أساسية للتحرر من القيود الاجتماعية والأخلاقية التقليدية، والوصول إلى تحقيق الذات
وفي الأدب يمكن أيضًا الإشارة إلى هربرت ماركوز في كتابه "الإنسان ذو البعد الواحد"؛ حيث تناول فكرة أن الإبداع هو طريقة للتحرر من المجتمع الرأسمالي الصناعي والقيود التي يفرضها على الفرد، وهو يرى بأن الإبداع يمكن أن يكون أداة للمقاومة والتحرر الشخصي والاجتماعي.
ومن هنا فإن الكثير من الكتاب والفلاسفة، تناولوا مفهوم الإبداع كوسيلة للتحرر من القيود النفسية والاجتماعية، فمنهم من ركز على الجانب النفسي ومنهم من ركّز على الجانب الفلسفي أو الاجتماعي.
سيجموند فرويد تناول فكرة الإبداع وتحرير الإنسان من عقده في عدة أعمال، ومن أبرزها كتاب "مستقبل وَهْمٍ"، وفي هذا الكتاب يشير فرويد إلى أن الأنشطة الإبداعية وبما في ذلك الفنون والكتابة تُعبر عن محاولة الإنسان للبحث عن السعادة والهروب من الواقع القاسي. ويوضح فرويد كيف يمكن للإبداع أن يكون متنفسًا للرغبات المكبوتة ويُساهم في تخفيف التوترات النفسية.
وهناك كتاب "التعبير الفني والتحليل النفسي"، وفي هذا الكتاب، يناقش فرويد كيف يمكن للأعمال الفنية والأدبية أن تكون بمثابة تنفيس عن الرغبات المكبوتة والأفكار المكبوحة في اللاوعي. ويرى أنّ الإبداع يتيحُ للإنسان التعامل مع التوترات والضغوط النفسية من خلال تحويلها إلى أشكالٍ رمزية في الفن أو الأدب مما يُحرره من هذه الصراعات.
كما إن نظريته عن التحويل (Sublimation) في إطار التحليل النفسي، طرحت مفهوم التحويل وهي عملية يوجه فيها الفرد رغباته المكبوتة والطاقة النفسية الناجمة عنها إلى أنشطة مقبولة اجتماعيًا، مثل الفن أو العلم. ويعتبر فرويد أن هذه العملية تُمكّن الإنسان من تحويل الطاقة النفسية المكبوتة إلى إبداعات مفيدة، مما يساعد في تقليل الصراعات الداخلية.
وفي دراسته عن ليوناردو دافنشي، يقدم فرويد تفسيرًا نفسي لسيرة الفنان ليوناردو دافنشي، موضحًا كيف أنّ إبداع ليوناردو يمكن تفسيره كعملية تحويل لرغباته المكبوتة وطاقته النفسية إلى إبداعات فنية، مما يُظهر الجانب العلاجي للإبداع في التغلب على الصراعات الداخلية.
يشير فرويد إلى أنّ الإبداع ليسَ مجرد موهبة؛ بل وسيلة للإنسان للتعبير عن صراعاته الداخلية والتخفيفِ من عقده النفسية عبر تحويل طاقاته ورغباته المكبوتة إلى أعمال إبداعية.
وختامًا يمكن القول إنّ الإبداع ليس مجرد نشاط فني أو فكري؛ بل هو أداة نفسية فعّالة يستخدمها الإنسان للتعبير عن صراعاته الداخلية وتجاوز قيوده النفسية من خلال تحويل الرغبات المكبوتة والصراعات إلى أشكال إبداعية مقبولة اجتماعيًا، يحقق الفرد نوعًا من التحرر الداخلي يعزز من توازنه النفسي ويدفعه نحو تحقيق ذاته
ولقد رأى فرويد في الإبداع عملية تنفيس وتحرير؛ حيث يمكن للفرد عبره أن يتصالح مع رغباته المكبوتة ويعيد تشكيل عالمه النفسي؛ مما يجعل الإبداع في نهاية المطاف وسيلة جوهرية للتحرر النفسي والإنساني.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الصيام المتقطع: وسيلة فعالة لمرضى السكري في إدارة مستويات سكر الدم
عتبر داء السكري من النوع 2 حالة مزمنة تتسم بارتفاع مستويات الغلوكوز في الدم، مما يعرض المصابين به لمخاطر صحية جسيمة مثل أمراض القلب، وفشل الكلى، ومشاكل الرؤية. ولإدارة نسبة الغلوكوز في الدم، يُعد النظام الغذائي عنصرًا محوريًا إلى جانب ممارسة الرياضة والأدوية.
أهمية النظام الغذائي لمرضى السكري
أثبتت الدراسات أن النصائح الغذائية الفردية من أخصائي تغذية معتمد تُساهم في تحسين مستويات الغلوكوز، لكن قد تكون هذه النصائح معقدة وصعبة التنفيذ أحيانًا. في هذا السياق، توصلت دراسة جديدة أجراها باحثون من الجامعة الكاثوليكية الأسترالية وجامعة كوينزلاند إلى أن تناول الطعام المقيد بالوقت يمكن أن يكون له تأثيرات إيجابية مشابهة لتلك التي يوفرها النظام الغذائي المخصص، بل وأكثر سهولة في الالتزام.
ما هو تناول الطعام المقيد بالوقت؟
يُعرف تناول الطعام المقيد بالوقت، الذي أصبح شائعًا منذ عام 2015، أيضًا باسم نظام 16:8 الغذائي. يركز هذا النظام على تحديد فترات تناول الطعام بدلًا من الانشغال بما يتم تناوله. مثلاً، يمكن تناول الطعام بين الساعة 11 صباحًا و7 مساءً، مع الصيام خلال الساعات المتبقية، مما يسهل تقليل كميات الطعام المتناولة.
فوائد تناول الطعام المقيد لمرضى السكري
تساعد هذه الطريقة في تناول الطعام على تنظيم تناول الوجبات بما يتماشى مع الإيقاعات اليومية الطبيعية للجسم، مما يحسن الصحة العامة ويعزز عملية التمثيل الغذائي. بالنسبة لمرضى السكري من النوع 2، فإن تأخير الإفطار إلى منتصف الصباح يساعد في تقليل مستويات الغلوكوز المرتفعة التي عادة ما تكون في ذروتها في الصباح. كما أن ممارسة النشاط البدني في هذه الأثناء يمكن أن يسهم في تحسين مستويات الغلوكوز قبل تناول الوجبة الأولى.
تحسين السكر التراكمي وفقدان الوزن
كشفت دراسة أولية أجريت عام 2018 أن المشاركين في نظام تناول الطعام المقيد تمكنوا من الالتزام به بسهولة على مدار أربعة أسابيع، مما ساهم في تحسين مستويات الغلوكوز لديهم. كما أشارت الأبحاث إلى أن تقليل الوقت بين الوجبات يمكن أن يعزز فعالية هرمون الأنسولين في تقليل تركيزات الغلوكوز.
أظهرت دراسات لاحقة أن المشاركين شهدوا تحسنًا ملحوظًا في مؤشر HbA1c، الذي يُستخدم لتقييم مستويات الغلوكوز في الدم على مدى ثلاثة أشهر، حيث فقد بعضهم من 5 إلى 10 كغم خلال فترة الدراسة. وتبين أن المشاركين تكيفوا بشكل جيد مع هذا النظام، وبدأوا في البحث عن المزيد من النصائح لتحسين صحتهم.
تحذيرات هامة
مع ذلك، حذر الباحثون من أن نظام الصيام المتقطع قد لا يكون مناسبًا للجميع، خاصةً للأشخاص الذين يتناولون أدوية لا تتناسب مع الصيام. لذا يُنصح بالتحدث مع أخصائي تغذية أو طبيب مختص قبل تجربة هذا النوع من النظام الغذائي.
في النهاية، يبدو أن تناول الطعام المقيد بالوقت يُعد خيارًا فعالًا لمرضى السكري من النوع 2، حيث يسهم في تحسين مستويات الغلوكوز ويسهل الالتزام بالنظام الغذائي الصحي.