جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-24@23:34:31 GMT

صناعة الحروب واختلاق الأزمات

تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT

صناعة الحروب واختلاق الأزمات

 

حمد الناصري

 

قرون مضت على الحروب التقليدية التي كانت تسبقها منازلة بين أقوى فرسان الطرفين لتعطي الدافع للقتال بحماس وشجاعة، ويتحدد من خلالها تفوق وهيمنة طرف على حساب الآخر، أما حروب اليوم فقد تغيرت المعايير ولم يعد للشجاعة والقوة والحماس تأثيرات كبيرة وأصبحت تلك الحروب تعتمد بنسبة كبيرة جدًا على التفوق التكنولوجي وكفاءة وقوة الأسلحة وتتوقف عليها في حسم المعارك وكسر إرادة الطرف الآخر.

وقد كتب الصحفي والإعلامي كمال الذيب في صحيفة الوطن البحرينية بتاريخ 9 يونيو 2022 مقالًا حول نظرية الحروب الدائمة وصناعة الأزمات، وقال فيه: "إن نظرية الحرب الدائمة تقوم على فبركة وافتعال المخاطر والتهديدات والأزمات الدولية، لتبرير التدخل في شؤون الدول الأخرى، ولتبرير التمويل العسكري والاستثمار فيه، ليكون في ظاهره دفاعًا عن الأمن القومي، وفي حقيقته تكريسًا لمنطق الربح في صناعة السلاح والاتجار فيه. وهذا ما نراه اليوم في تضخم الترسانات العسكرية والعسكرة المفرطة في العالم، حتى أصبح اقتصاد الحرب أحد أهم الطرق لتكريس هيمنة المجمع الصناعي العسكري. ومن هنا يمكننا فهم ما يجري من حروب".

وأتفقُ مع وجهة نظر الكاتب كمال الذيب، وأعتقد أن حروب وأزمات الوقت الحاضر تدار بمبدأ الربح المادي بغض النظر عن المعايير الانسانية والأخلاقية.

ويضيف الكاتب الذيب "من هنا جاءت نظرية ’الحرب الدائمة‘ التي تتبعها عدد من الدول الرأسمالية الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي يكاد يكون تاريخها هو تاريخ الحروب الدائمة، استجابة لضغط المصالح التي يمثلها ’المجمع العسكري الصناعي‘ الذي يتعامل مع الحروب باعتبارها استثمارًا مربحًا، حتى أصبح القطاع العسكري ليس المولد الرئيسي للثروة فحسب، بل والمولد الرئيسي للتقدم العلمي والتكنولوجي وأحد أهم مستهلكي ثماره".

ونجد الكاتب يؤكد بعقلانية، ما قام به أعضاء في الكونغرس الأمريكي من الديمقراطيين والجمهوريين، حين اتهموا الإدارة الامريكية الحالية بعجزها التام عن قيادة العالم؛ لأن القيادة الحقيقية لا تفرضها المواجهات العسكرية وثقافة الحرب الدائمة. أما محاولات فرض العملقة بالقوة وجر العالم إلى منازعات ساخنة لإخفاء المشكلات الحقيقية التي خلقها نظام الرأسمالي.

وكما هو معروف من أساليب التعامل مع الأزمات فهناك مصطلحان مهمان ورئيسيان هما "إدارة الأزمات" و"الإدارة بالأزمات"، والأول واضح وجلي وله أساليبه واستراتيجياته، أما الثاني وهو ما نشهده في أغلب الصراعات والحروب في العقود الخمسة الأخيرة؛ حيث تبدأ الحرب بافتعال أزمة مخطط لها لتنتهي بصراع قد لا ينتهي. وخلال ذلك الصراع تتدخل "الأطراف المفتعلة المستفيدة" لتأجيج نيران الحروب وجني ثمارها المادية والعسكرية والسياسية ويتم بنفس الوقت إشغال الشعوب عما يتم حياكته من دسائس ومؤامرات تجري في الخفاء ليصحو العالم على أزمات وكوارث كبرى تهز كيانه وتدمر ما تبقى من نسيج اجتماعي وأخلاقي.

ورغم كل التهويل الاعلامي لأزمات صغيرة وبنفس الوقت التعتيم على كوارث كبرى، فقد بدأت أغلبية الشعوب بإدراك هذه اللعبة الدموية وتعالت أصوات كثيرة في كل أنحاء الأرض فاضحة تلك الممارسات ومطالبة بإنهاء كل أشكال الحروب والصراعات في العالم.

وحول استراتيجية القوة الذكية في إدارة الازمة الدولية ودورها في التعامل مع أزمات العصر، تحدث الصحفي محمد وائل القيسي في مجلة "دراسات إقليمية"، عن أن الازمة الدولية الحالية ظاهرة سياسية متجددة بصورة مستمرة في عالم السیاسة المتغیر بمدخلات سریعة التدفق، طبقًا لتقاطع المصالح والنفوذ وحرکة الأداء، ونطاق الفعل للقوى الدولیة وسواها من الإقلیمیة، الأمر الذی یتطلب معها اعتماد استراتيجية محکمة التطبیق لمواجهتها، وإدارتها أحیانًا، أو الإدارة بها في أحیان أخرى، وهذا ما یتوائم مع أنموذج الدراسة المعتمد "استراتيجية القوة الذکیة".

وكنتيجة لتطور فكر التعامل مع الأزمات الدولية، نرى تلك المعادلة الجامعة بين صناعة الحروب وبين اختلاق الأزمات، يمكن حلها بتبني ثقافة السلام، ومعالجة الأحداث السياسية التي تسبق الازمات والحروب بحكمة وتروي لوأد الفتنة قبل حدوثها وتطويق الأزمات بمختلف مستوياتها وأنواعها لمنع انتشار تأثيراتها وتخفيف أضرارها؛ فأغلب بؤر الصراعات الناشئة عبارة عن بؤر مرحلية وتوترات مرتجلة، وهي في المحصلة عبارة عن أزمات ظاهرة في مراحل تتنامى حدتها وتنشط أحداثها وتتطور إلى أزمة أكبر ثم صراع وحرب، وبذلك تكون صناعة الحروب هو في الأساس أمر مختلق ومخطط له وتم رسم مساراته بعناية حتى وإن تخللتها حلول وسطية أو مؤقتة لحين إيجاد حلول جذرية تنهي الصراع وهذا ما لا يرضي مفتعلي الأزمات والحروب فيلجؤون إلى تأجيج النيران بأزمات أخرى لكي لا يعطوا أي فرصة للحلول المستدامة.

خلاصة القول.. إن ترسيخ ثقافة السلام وإدراك الشعوب والحكومات بعبثية الحروب وأضرارها المدمرة في كل نواحي الحياة قد يفتح آفاقًا جديدة لإنهاء كل الصراعات والحروب من جذورها وحسم النهايات السائبة وإلى الأبد، كما إن التوصل إلى فكر ذي ثقافة خالية من التوترات والتهديدات يقوم على دعم قوي وإصلاحات جذرية في هيئة الأمم المتحدة وأخواتها من المنظمات الأممية والقارية؛ لهو حاجة ملحة لتحقيق عالم جديد تتناغم فيه المعتقدات والأفكار، لكل الشعوب ضمن ثقافة التعايش بسلام واستقرار طال انتظارهما.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

قلب الكون..كيف غيّرت قناة بنما التي يرغب دونالد ترامب بالإستيلاء عليها العالم؟

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- قناة بنما ليست غريبة عن الاهتمام العالمي.

وأدّت تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ"المطالبة بإعادة قناة بنما إلى الولايات المتحدة الأمريكية بالكامل وبسرعة، ومن دون تساؤلات"، وربما باستخدام القوة العسكرية، إلى المزيد من الإعجاب الدولي بهذا الإنجاز الهندسي البشري.

قالت المديرة التنفيذية والمسؤولة الرئيسية عن متحف قناة بنما، آنا إليزابيث جونزاليس إنه كان بمثابة مشروع هندسي ضخم  غيّر العالم بمساعدة 97 جنسية.

وأضافت: "نحن جسر العالم، ولكننا أيضًا قلب الكون، كوننا بمثابة مكان صغير، ومركزي، ومحطة للتواصل الدولي".

تتيح مناطق المراقبة في مركز زوار ميرافلوريس للأشخاص مشاهدة السفن خلال مرورها عبر قناة بنما.Credit: Danny Lehman/The Image Bank RF/Getty Images

ووفقًا لما ذكرته جونزاليس، جاء حوالي 820 ألف زائر إلى ميرافلوريس، وهو مركز الزوار الرئيسي للقناة، لمشاهدة التجارة البحرية أمام أعينهم في عام 2024، مع قيام الآلاف بجولات على طول القناة.

ومن المقرّر أن يرتفع هذا العدد، بحسبما ذكرت هيئة قناة بنما (ACP).

لماذا تحمل قناة بنما أهمية كبرى؟ سياح يلتقطون الصور أثناء عبور قناة بنما وهم على متن قارب في عام 2014.Credit: Rodrigo Arangua/AFP/Getty Images

يتدفق حوالي 5% من إجمالي التجارة العالمية عبر القناة البالغ طولها 80 كيلومترًا سنويًا، وتُشكّل البضائع المتجهة بين الساحل الشرقي للولايات المتحدة وآسيا الجزء الأكبر منها.

تدير هيئة قناة بنما، وهي كيان حكومي مستقل، الطريق السريع المائي الذي يربط 170 دولة عبر 1،920 ميناء.

وقبل افتتاحها في عام 1914، اضطرّت القوارب التي أرادت العبور بين المحيطين الأطلسي والهادئ أن تٌبحر أسفل أمريكا الجنوبية، وحول "كيب هورن" عند طرف باتاغونيا التشيلية في رحلة خطرة للغاية، وتستغرق وقتًا طويلاً. 

وتسبب هذا الممر بمقتل ما يقدر بنحو 10 آلاف بحار منذ أن استكشفه البحارة الهولنديون لأول مرة في عام 1616، وحتى افتتاح المسار البنمي.

تُعتبر القناة اليوم نسخة مطوَّرة عن القناة الأصلية، إذ خضع الممر المائي لتوسعة كلّفت مليارات الدولارات انتهت في عام 2016، لاستيعاب سفن الحاويات الضخمة.

في عام 2024، بلغت إيرادات القناة حوالي 5 مليارات دولار.

وأكّد لويس بينتو ريوس، وهو مرشد سياحي في "Panama Canal Tours" أن "القناة بمثابة الذَهَب لنا".

كيف يمكن زيارة القناة؟ يشاهد هؤلاء الزوار سفن الشحن الدنماركية خلال مرورها عبر قناة بنما في عام 2024. Credit: Arnulfo Franco/AFP/Getty Images

إذا كنت ترغب في رؤية هذه الأعجوبة التي صنعها الإنسان، فهناك ثلاث طرق للزيارة من خلال البر، والماء، والجو.

ويمكن للأشخاص التوجه إلى مراكز الزوار بشكلٍ مستقل أو الانضمام إلى جولة إرشادية تديرها العديد من شركات الرحلات المستقلة.

أما المسافرين الذين يفضلون الهواء الطلق، وأولئك الذين يرغبون بتجنب الحشود، فإن حدائق "سوبرانيا"، و"كامينو دي كروسيس"، و"تشاجريس" الوطنية توفر مسارات للمشي لمسافات طويلة على طول حوض القناة. 

ويتوفر أيضًا خيار أمام الزوار متاح لركوب قارب وزيارة القناة بنفسك.

كما تبحر مئات السفن السياحية عبر القناة كل عام.

وتقدم شركات الرحلات أيضًا فرصة ركوب الطائرات المروحية، ليتمكن الزوار من مشاهدة إطلالة شاملة للقناة.

تاريخ طويل سفينة "Brilliance of the Seas" السياحية أثناء عبورها لقناة بنما في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2024.Credit: Martin Bernetti/AFP/Getty Images

تعود مساعي شق قناة عبر أمريكا الوسطى لربط محيطات العالم إلى أوائل القرن الـ16، عندما قام المستكشفون الإسبان بمسح الطرق على طول نهر "تشاجريس"، واستنتجوا آنذاك أن الأمر مستحيل.

ونشأ الاهتمام الأمريكي ببداية "حمّى الذهب" في منتصف القرن الـ19، عندما بحث الأمريكيون المتلهفون عن طرق أفضل وأسرع للتوجه إلى كاليفورنيا. 

وكان المهندسون الفرنسيون، بقيادة مطوري قناة السويس، هم من قاموا في النهاية بالخطوات الأولى لبناء القناة، وبدأوا العمل عليها في عام 1881.

لكن فشلت المحاولات الفرنسية في النهاية بسبب وفاة أكثر من 22 ألف شخص نتيجة الأمراض، وحوادث البناء، والمشاكل المالية، والفساد الداخلي.

واشترت الولايات المتحدة الحقوق من الفرنسيين في بداية القرن العشرين.

تم الانتهاء من بناء القناة في عام 1914، ولكن أُلغي حفل الافتتاح الكبير المخطط له بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى، وكان مرور أولى السفن حدثًا صامتًا. 

لم يتم استخدام الممر بشكل كافٍ طوال الحرب، ولكنه اعتُبِر ممرًا حاسمًا لجهود الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية.

وتفككت العلاقة بين الولايات المتحدة وبنما ببطء بسبب الخلافات، التي أدت إلى العنف أحيانًا.

تمحورت الخلافات حول السيطرة على القناة، وعدم المساواة في معاملة البنميين، والجنسيات الأخرى مقارنة بالعمال الأمريكيين.

في مرحلةٍ ما، قطعت بنما العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة.

وكان الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر هو الذي توسّط في شروط نقل الممر المائي إلى السيطرة البنمية في ليلة رأس السنة الجديدة عام 1999.

القناة اليوم

رُغم القلق العالمي من أنّ بنما لن تكون قادرة على إدارة القناة بشكل مناسب بعد تسليمها في عام 1999، إلا أنّ الممر المائي ازدهر تحت السيطرة المحلية. 

بعد خمس سنوات فقط من توليها المسؤولية، أعلنت القناة عن مضاعفة دخلها، وخفض معدل الحوادث، وتولي مشروع التوسع الطموح.

وبينما أنّ القناة عُرِفت في السابق بالعمالة والإدارة الأجنبية، فإن حوالي 92% من القوة العاملة اليوم تُعتبر من بنما.

مع ذلك، اعتبر ترامب أنّها بمثابة ملك له، وهي الفكرة التي رفضتها حكومة بنما على الفور، إذ قال رئيس بنما خوسيه راؤول مولينو، ببيان في ديسمبر/كانون الأول: "كرئيس، أريد أن أعبر بدقة عن أن كل متر مربع من قناة بنما والمنطقة المجاورة لها تُعتبر ملكًا لبنما، وستبقى كذلك".

مقالات مشابهة

  • الحرب النفسية أشد إيلامًا وأقل تكلفة
  • مسئول روسي: التنافس الجيوسياسي على الساحة الدولية يزيد مخاطر الصراع العسكري بين القوى النووية
  • صحفية معتمدة بالأمم المتحدة: «دافوس» يُعقد في ظروف عالمية دقيقة
  • قلب الكون..كيف غيّرت قناة بنما التي يرغب دونالد ترامب بالإستيلاء عليها العالم؟
  • ما أسباب تفاقم الأزمات الصحية في العالم مع بداية عام 2025؟
  • من غزة إلى إيران.. 5 أهداف لترامب لإنهاء الأزمات عبر العالم
  • هذه الدول التي لديها أطول وأقصر ساعات عمل في العام 2024 (إنفوغراف)
  • الهجرة الدولية: أكثر من 15 مليون نازح جرّاء الحرب في السودان
  • الكاتب الصحفي أحمد أيوب: الدولة المصرية قادرة على صناعة السلام في العالم
  • لغز اليمن... في ظلّ فشل الحروب الإيرانيّة