خليفة بن عبيد المشايخي
khalifaalmashayiki@gmail.com
يُقدَّر لك أحياناً أن تكون وسط جماعة متعددي السلوك والفطرة والأخلاق، فيغريك أحدهم بجمال مظهره ونظافة هندامه ورقي ملبسه، وتعتقد أنه أوتي خلقا وفيرا ونصيبا كبيرا في الأخلاق والآداب والفهم والثقافة والتواضع وصنائع المعروف، وتكتشف بعد حين أنه مفلس من كل ما ذكر، وأنه من الذين ينتظرون المديح كل وقت على شكله وفعله، وإذا لم يجد ذلك منك، صرت عدوه ولا تروق له واستبدلك بآخرين، فهذا في حضرتك هكذا ويحدث ذلك منه، فكيف لو تباعدتم وفرقتكم الأيام لظرف ما، وذهب كل منكما في طريق، فماذا عساك أن تجد أو تسمع منه.
البعض يعاني من جنون العظمة ولا خير فيه مطلقا، إلا ما ندر، تراه متصنع الابتسامة ومدعي الفضيلة وهو شر خلق الله. ويحدث أن تجد امرءًا بسيطًا ليس لديه مؤهل علمي أو دراسي يذكر وليس صاحب منصب ولا جاه، إلا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، لكنه شهم وكريم محب، يحفظ لك الود والعهد ما حيي، فهو لين الجانب سهل الطباع حلو المراس والمعشر.
وقيل إنَّ المظاهر خدَّاعة وهذه حقيقة، إذ تجد إنسانًا في حياتك به شخصية تزدان باللبس وفي المظهر، ولكن ذاك ليس به أدنى خير ولو أنت عكسه، فلن تتوافقا.
فما يحويه جوهر الإنسان ومضمونه من جمال في إنسانيته، هو الراجح والمقبول عند الكثيرين. هناك من تذكر له ودا وإن غاب عنك أو غبت عنه، وهناك من يذكر لك طيبتك وحسن معاملاتك ومعاشرتك وإن حدث ما حدث، وهناك من ينكر عليك ذلك ولو أعطيته ماء عيونك، ولو كنت معه كل الوقت محسنا.
وسبحان الله، أصابع اليد الواحدة ليست واحدة في استقامتها، فكيف في وظائفها ومهامها وواجباتها. والله يصطفي من الناس فمن يرزقه أخلاقا وتواضعا، ومن يذكر الود ولو كان ود لحظة، والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول : آية المنافق ثلاث منها إذا خاصم فجر، أي بالغ في الخصومة والهجر والتعالي، وإن كنتم إخوة وأصدقاء وجيرانا، وإن جمعتكم علاقة أو أخوة أو أو سكن، وحتى وإن كنت تلقمه في فمه ذهبًا.
والإمام الشافعي يقول "الحر من راعى وداد لحظة"، فكيف بالذي ربيته وتعبت عليه ومن أجله ومكنته وقويته حتى قوي عوده وكبر، ألا يفترض أن يراعي وداد تلك السنوات وتعبك عليه وتربيتك له، وكذلك الذي زاملته في العمل والوظيفة وماشيته وآخيته وأكلت معه وأكل معك وعاشرته، كيف له أن ينسى ذلك، ويفجر في خصامه وهجره وزعله وبعده ونسيانك، ينسى عهده، ويتنكر للأصول والفروع والمباديء والقيم والإنسانية.
نعم الحر من يُراعي وداد لحظة ويتذكر تلك الأيام الجميلة التي جمعتكم وكانت بينكم، وإن كانت أيام العمل أو السكن أو الالتقاء في مهمة عمل أو دراسة، فالحر من يكون نقياً تقياً وفياً من الداخل على كل حال، يعيش بحب وسلام وتسامح، لا يرى نفسه على ذاك، ولا يخصص تعاملاً طيباً لذاك.
والإنسان إذا ما أراد أن يكون جميلا في تعامله، عليه أن يتأسى بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأن ينظر إلى حاجته لمن يتعامل معه بالطيب ويبتسم في وجهه ويكون دوما باشا له، فالبشاشة خير من العطاء فكيف إذا حاز المرء البشاشة والعطاء، فذلك أدوم وابقى وأيسر.
والمؤمنون إخوة، ومن الإخوة من يكون عضدك وسندك وشريكك ومعك، حتى في عسرك وفي أشد حالاتك وأحلك أيامك، وقال قائل "رب أخ لم تلده أمك"، وهذا قد تجده أنفع لك وأدوم وأبقى وأصلح، يذكرك ولو بعد حين، ويتذكر لقاؤكما وبقاؤكما كيف كان، ويبقى وفيا لك في غيابك وحضورك.
يأتي عليك أن تقدم خدمة لأحدهم ويظل متذكرا لها طوال عمره، وكلما راك يرتاح لك ويشعر بسعادة كبيرة لشخصك، ويتفانى في إكرامك ويتعاظم معه صنيعك له يوما، إن سمع سيئًا عنك دافع عنك وتذكر مناقبك وآثارك وجميلك، فيشيع بين الناس حسناتك ويظل محافظا على الود والعلاقة الطيبة التي جمعت بينكما يومًا مهما كان.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حانت لحظة الخلاص من قبضة الحوثيين
منذ سنوات عجاف، رزحت اليمن تحت نير انقلاب الحوثيين، الذين عبثوا بمقومات الدولة والنظام، وقوضوا أسس الحضارة والديمقراطية، في وجه محاولات يائسة للمقاومة والصمود. لكن اليوم، تلوح في الأفق فرصة سانحة قد تعيد لليمن عافيته المسلوبة. فالحوثيون، الذين طالما استعرضوا قوتهم، يواجهون الآن ضربات موجعة من الطيران المسيّر الأمريكي، وعمليات اغتيال وتصفية تطال قياداتهم الميدانية والعسكرية، وتدميرًا هائلًا لمخازن أسلحتهم ومعسكراتهم، بينما يلوذ من تبقى من قادتهم بالفرار والاختباء.
في هذا الظرف الدقيق، يصبح التحرك الجاد والفاعل من قبل القوات الشرعية ضرورة ملحة. سواءً بالزحف من الساحل الغربي نحو الحديدة، أو بالتقدم من مأرب باتجاه نهم وصنعاء، يجب استغلال هذه اللحظة التاريخية لاقتلاع السرطان الخبيث الذي استشرى في جسد اليمن وأنهكه.
إن المسؤولية الوطنية تقع على عاتق جميع التشكيلات العسكرية المنضوية تحت لواء الشرعية، بكافة مكوناتها السياسية، للانتفاض وفتح الجبهات بتنسيق وتواصل وتخطيط مشترك، بهدف استعادة الدولة والنظام. لا يجب بأي حال من الأحوال أن تتحول هذه الفرصة إلى ساحة اقتتال داخلي من أجل مكاسب حزبية ضيقة أو بسط نفوذ.
كما يجب أن يقتصر الدور العربي للدول الفاعلة على تقديم الدعم العسكري اللازم لعودة الدولة الشرعية، لا استبدال ميليشيات بأخرى، وهو ما يخشاه الكثيرون.
إن النداء موجه اليوم بوضوح إلى القادة الميدانيين والسياسيين: هشام الأحمر في الحد الجنوبي، وسلطان العرادة وصغير بن عزيز في مأرب، وطارق عفاش في الساحل الغربي، من أجل تحرير الحديدة وصنعاء، ومكونات الإصلاح وحلفائهم في تعز لتحرير ما تبقى من مناطق تعز الأسيرة. يجب أن تنتفض جميع الجبهات والمحاور في وجه الحوثيين، الذين صنفهم المجتمع الدولي جماعة إرهابية، وتم تفعيل القرارات الأممية لملاحقة داعميهم والمتعاملين معهم.
هذا هو الوقت الأمثل، فالفرصة مواتية والدعم الدولي يبدو قائمًا.
نتذكر جميعاً كيف كادت القوات المشتركة في عام 2017 أن تسيطر على الحديدة لولا التدخل الأممي بحجة حماية الأرواح والكثافة السكانية. والجميع يعلم حجم الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها الميليشيات بحق أبناء الحديدة من التهابيين وغيرهم ممن يعيشون فيها. وبعد تلك الفرصة الضائعة، لم نشهد تحركًا حقيقيًا، بل مجرد حسرة وندم على ما كان بالإمكان تحقيقه.
اليوم، المفارقة تكمن في أن من حذر بالأمس من الاقتراب من الحديدة – الولايات المتحدة الأمريكية – هي ذاتها التي تتحرك اليوم وتسعى لتحييد الميليشيات وتقويضها. وعلى الشرعية أن تستثمر هذا التحرك وتُكمله بعملية استئصال وتطهير شاملة.
يجب أن نؤكد بوضوح أن معركتنا الآن ليست مع التحرك الإسرائيلي. الحرب الدائرة في فلسطين المحتلة قضية إنسانية وقومية، ونتعاطف بشدة مع الضحايا الفلسطينيين وندين جرائم الاحتلال، لكن معركتنا الأساسية الآن يجب أن تنصب على إنهاء حكم الميليشيات التي تسلب حريتنا وأمننا وحضارتنا واستقرارنا. الحوثيون هم من حولوا حياتنا إلى جحيم لا يطاق.
لسنا معنيين بالدخول في حرب إقليمية لسنا طرفًا فيها. نحن معنيون بالخلاص من ميليشيات تريد أن تدوس على كرامتنا وتحكمنا حكمًا شموليًا سلاليًا عنصريًا مناطقيًا بقوة السلاح.
على كل يمني غيور، كلٌ حسب قدرته ومهارته وتخصصه، أن يساهم في هذه اللحظة الفارقة من أجل التحرر الوطني والخلاص من هذه البؤرة السرطانية الحوثية البغيضة. هذا هو الوقت الأنسب لتحقيق هذا الهدف.
ختامًا، وأقولها بصدق: إن لم نستغل هذه الفرصة الذهبية، فإننا لا نستحق الحرية، وبالتالي لا نستحق الحياة الكريمة.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق التفريط في السيادة 23 أبريل، 2025 الأخبار الرئيسيةيلعن اب#وكم يا ولاد ال&كلب يا مناف&قين...
نقدرعملكم الاعلامي في توخي الصدق والامانه في نقل الكلمه الصا...
نشكركم على اخباركم الطيبه والصحيحه وارجو المصداقيه في مهنتكم...
التغيرات المناخية اصبحت القاتل الخفي ، الذي من المهم جدا وضع...
اللهم انفع بنا وأنا هنا واجعلنا ومن معنا ذخرا لإعمار الأرض و...