الشيخ قاسم: مساندة غزة واجبة ومستمرون في تنفيذ خطة الحرب التي وضعها السيد نصرالله
تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT
الثورة نت/
أعلن الأمين العام لحزب الله اللبناني الجديد الشيخ نعيم قاسم، أن برنامج عمله هو “استمرارية لبرنامج عمل القائد السيد حسن نصر الله رضوان الله تعالى عليه في كل المجالات، السياسية والجهادية والاجتماعية والثقافية”.
وقال الشيخ قاسم في أول كلمة له اليوم الاربعاء، بعد تعيينه أمينًا عامًا لحزب الله خلفاً للشهيد السيد حسن نصرالله: “سنستمر في تنفيذ خطة الحرب التي وضعها مع قيادة المقاومة، وسنبقى في مسار الحرب ضمن التوجهات السياسية المرسومة”.
وأضاف: “نتعامل مع تطورات هذه المرحلة بمراحلها.. من هنا سأتناول بعض القضايا كمحطة لتبيانها وتحديد موقفنا منها.. أولا، مساندة غزة، كانت واجبة لمواجهة خطر إسرائيل على المنطقة بأسرها من بوابة غزة.. ولحقّ أهل غزة علينا وعلى الجميع أن ينصروهم، لهم حق إنساني وعربي وإسلامي وديني وقومي.. لا يقال لنا لماذا ساندتموهم.. بل يقال للآخرين لماذا لم تساندوا أهل غزة؟.
وتابع: وُجدت مقاومتنا لمواجهة الاحتلال ونواياه التوسعية ومن أجل تحرير الأرض، بعضهم يعتبر أن “إسرائيل” استفزت، وهل تحتاج “إسرائيل” إلى ذريعة؟ هل نسينا 75 سنة من قتل الفلسطينيين وتهجيرهم وسلب الأرض والمقدسات والأملاك والقدرات وارتكاب المجازر، ورأينا فقط ما حصل في طوفان الأقصى كتعبير حقيقي عن هذا الرفض لهذا الاحتلال لمدة 75 سنة؟.
وأردف بالقول: في لبنان قبل أن يكون حزب الله موجوداً اعتدت “إسرائيل” سنة 1978 ودخلت إلى جزء من الأرض ولم تخرج، رغم القرار الدولي 425.. اجتاحت “إسرائيل” لبنان سنة 1982 ولم يكن حزب الله موجوداً بحجة ضرب المقاومة الفلسطينية والمقاومة الوطنية اللبنانية.. بقيت من سنة 1982 إلى سنة 2000.. لماذا؟ لأنها كانت تريد أن تؤسس لشريط حدودي يهيئ لها التوسع في المستوطنات وتستغل وجودها في الداخل اللبناني كي تضمن أن لا يعارضها أحد.
وأكد الشيخ قاسم أن “مقاومة حزب الله، مقاومة حركة أمل، مقاومة الأحزاب الذين اجتمعوا جميعاً على المستوى اللبناني في مواجهة العدو الإسرائيلي هي التي أخرجت إسرائيل.. القرارات الدولية لم تخرج “إسرائيل”.. المقاومة هي التي أخرجت “إسرائيل” في تضافر جهود بين المقاومة والجيش والشعب”.
وأكمل: بعد عدوان يوليو (تموز) سنة 2006 كان القرار 1701، وانتهى العدوان بناءاً للطلب الصهيوني وبناءاً لقناعتنا بأن هذا العدوان يجب أن يكون له حد.. ماذا كانت النتيجة؟
وقال: من 2006 إلى أكتوبر 2023 أي 17 عاماً والعدو الصهيوني يعتدي يومياً على لبنان.. اسألوا الجيش اللبناني واسألوا الأمم المتحدة واسألوا قوات الطوارئ الدولية، 39 ألف خرق جوي وبحري، ماذا كانوا يفعلون؟ كانوا يصورون وكانوا يرصدون تحركاتنا وكانوا يجمعون داتا للمعلومات، حتى حصل ما حصل في هذا الوقت.. اذاً، لا تقولوا كانت “إسرائيل” ملتزمة ونحن تحرشنا بها، لم تكن “إسرائيل” ملتزمة، 39 ألف خرق هذا يعني أنهم كانوا يعتدون.
كما أعلن الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أنه “في السابع من أكتوبر حصل طوفان الأقصى، في 11 أكتوبر، أي بعد أربعة أيام، كان هناك نقاش جدي في داخل الكيان الصهيوني مع الأمريكيين أن يخوضوا حربا ضد حزب الله في لبنان، بمعنى أنهم قد دخلوا في حرب ضد غزة يجب أن يدخلوا بمثيلتها ضد لبنان، طالما أن الولايات المتحدة فتحت مخازنها وإمكاناتها وتعطي الأموال وعندها الدعم السياسي والعالمي والإعلامي”.
واستدرك الشيخ قاسم: “لكن لم تقتنع الولايات المتحدة أنها فرصة، وكان هناك خلاف بين داخل الحكومة الصهيونية، وإلا كان لديهم فكرة أن يعتدوا على لبنان بـ 11 أكتوبر.. إذاً، النوايا موجودة”.
وأضاف: إنه قبل ذلك عودوا إلى النقاشات، عودوا إلى التصريحات القديمة، كل الإعلام الصهيوني وكل النقاشات كانت تقول يمكن أن تكون الحرب في لبنان في صيف 2023، أو في صيف 2024 أو في ربيع 2024، ما يعني أنهم كانوا يستعدون لفكرة حرب مفاجئة في وقت معين، وكانوا يدرسون كل خطواتها بمعزل عن حصول طوفان الأقصى.. وهذا الكلام كان قبل طوفان الأقصى.
وتابع: “عندما بدأت الحرب عقب طوفان الاقصى ووصلوا إلى لبنان، ماذا قال بنيامين نتنياهو؟ قال هذا من أجل الشرق الأوسط الجديد.. أعضاء في حكومته قال أحدهم أنه يريد أن ينشئ مستوطنات في داخل لبنان.. وغالانت اعتبر أن وجه الشرق الأوسط سيتغير من لبنان”.
وتساءل.. “كل هذه المعطيات ألا تبين النوايا العدوانية الصهيونية؟ هل يجب ان ننتظرهم لكي ينجزوا مشروعهم بالتوقيت الذي يريدونه؟”..
وقال: “الحمد لله أنه ألهمنا وتوفقنا بأن دخلنا بجبهة مساندة بقلب طيب وعن نية صادقة من أجل دعم غزة، ولكننا كسرنا مجموعة من الأفكار ومجموعة من المباغتات التي كان يمكن أن تحصل في وقت معين”.
وشدد بالقول: إنه “بالمقاومة نعطل مشروع “إسرائيل”، ونحن قادرون على ذلك.. أما بالانتظار بحجة عدم إعطاء الذريعة نخسر كل شيء، لأنه يمكن أن يباغتوننا في أوقات معينة، ويمكن أن يكونوا يعدّون إعدادات غير عادية”.
ووجه كلمته للذين يقولون لا تعطوا العدو الصهيوني الذريعة لبدء حرب على لبنان، وقال: “إسرائيل” ليست بحاجة لذريعة، ومن الأفضل أن يكون عندنا مقاومة ذات هجوم دفاعي، على من أن نكون من المنتظرين لا نفعل شيئا بانتظار أن تهجم علينا “إسرائيل” وتباغتنا بطريقة أو بأخرى.
وأضاف: نحن اعتبرنا أنفسنا في إطار الدفاع الاستباقي والجهوزية، وهذا هو مسار الحماية والتحرير.
وتابع الأمين العام لحزب الله: إننا “اليوم في غزة وفي لبنان وفي المنطقة، نواجه مشروعاً كبيراً، هذه ليست حرب صهيونية على لبنان وغزة، هذه حرب صهيونية أمريكية أوروبية عالمية.. فيها كل الإمكانات على مستوى العالم حتى تقضي على المقاومة وتقضي على شعوبنا في المنطقة”.
وقال الشيخ قاسم: “هذا مشروع بالحد الأدنى، أمريكي صهيوني، كامل التبني من قبل أمريكا.. تُستخدم في هذا المشروع كل الوحشية والإبادة والإجرام”، وتساءل قائلاً: هل من الممكن أن 43 ألف شهيد في غزة ألا يهز العالم؟ 100 ألف جريح لا يهز العالم.؟ مجزرة جباليا أكثر من مائة شهيد دفعة واحدة لا يهز العالم؟ قتل الأطفال الذين يلعبون على الأرض وكل الصور التي تعرض على شاشات التلفزة ووسائل التواصل لا يهز العالم؟ قصف الخيام حيث ينام الناس لا يهز العالم؟
وأضاف الشيخ قاسم: إننا ”أمام بشاعة ووحشية وإجرام، ولا يجوز على الإطلاق أن نقف ونتفرج، بل يجب أن نواجهه.. وصحيح ان هذه المواجهة فيها ألم وتضحيات، لكن تصوروا انه لو لم يكن يوجد مواجهة، ماذا كان حصل؟ هم يريدون أن نصبح خانعين مستسلمين يتحكمون بحياتنا ومستقبلنا ومستقبل أجيالنا”.
وتابع: “هذه المواجهة في كل الأحوال، ستكشف أن القيم الغربية، من يحدثنا عن حقوق الإنسان والطفولة والمرأة، هم كذابين.. هذه القيم كلها سقطت، لأنها تقف الى جانب المتوحشين، هذه القيم هي فقط لمن يؤمن بهم ويؤمن بأنهم هم سادة العالم على مستوى التوجيه والتربية.. هؤلاء الجماعة هم حثالة البشر بالتصرفات الشريرة التي يرتكبونها”.
وأكد أن صمود المقاومة الأسطوري في غزة وفي لبنان، ملحمة العزّة، وهي ستصنع مستقبل أجيالنا إن شاء الله تعالى.
وتوجه الامين العام لحزب الله في كلمته للأمين العام الشهيد السيد حسن نصرالله.. قائلا: إنه كان وسيبقى راية المقاومة.. مضيفاً: “سيدي أبا هادي سماحة السيد حسن نصر الله رضوان الله تعالى عليه، 32 عاماً وأنت تضخّ الإيمان والولاية والمقاومة في قلوب الشباب والنساء والشيوخ والأطفال”.
وأضاف: “كنا ننتظر إطلالتك تعبئنا بالصبر والأمل بالنصر.. صدقناك في كل كلمة كنت تقولها، وهكذا سقط الكذابون الدجالون”.
وتابع: “أحببناك حتى عندما نرى طيفك والمعادون مأزومين.. كنت وستبقى راية المقاومة المنصورة وحبيب المقاومين وخزان الأمل وبشير النصر ومعشوق التواقين إلى الحياة العزيزة.”
وفي جانب آخر من كلمته، أكد الشيخ نعيم قاسم، أن القائد الشهيد السيد هاشم صفي الدين “أحد أبرز الذين اتكأ عليهم سيدنا الشهيد السيد حسن نصرالله”.
وتحدّث الشيخ قاسم عن الشهيد القائد يحيى السنوار وعن خصاله وعمله في مواجهة الاحتلال الصهيوني طوال حياته.. قائلاً: إن الشهيد الكبير يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، هو أيقونة البطولة والمقاومة لفلسطين وأحرار العالم.
وأضاف: إن السنوار استشهد في المواجهة حتى آخر رمق، هو صلب شجاع مؤمن مستقيم عزيز وحر.. وأخاف العدو في سجنه وفي حريته، وسيبقى مخيفا للعدو بعد شهادته. واعتبر أن أمة أنجبت يحيى ستحيا في قلوب الفلسطينيين، عشاق التحرير وأسطورة الصمود ومفخرة الثبات”.
وتابع: “لقد التحق بأخيه الشهيد رئيس المكتب السياسي السابق الحاج إسماعيل هنية منارة وقدوة للأحرار”.
وشكر الشيخ نعيم قاسم “ثقة قيادة حزب الله، قيادة الشورى الموقرة، المؤتمنة من المجاهدين والناس على هذه المسيرة، لاختياره لهذا الحمل الثقيل”.. معتبراً أن هذا دليل ثقة. وقال: “أطلب العون من الله تعالى أن أكون خادماً لهذه المسيرة، مسيرة المجاهدين والشهداء، وأن أتحمل هذا الحمل الثقيل إن شاء الله تعالى”.
وأضاف الشيخ قاسم: إن هذه الأمانة هي أمانة السيد عباس الموسوي رضوان الله تعالى عليه الذي قال لنا “الوصية الأساس حفظ المقاومة”.
وتابع: إن “هذه الأمانة هي أمانة القائد الكبير السيد حسن نصر الله رضوان الله تعالى عليه.. وهنا استحضرت كلمته عندما استشهد سماحة الأمين العام السيد عباس الموسوي وخطب السيد حسن فقال: “أرادوا من قتلهم أميننا العام أن يهزموا فينا روح المقاومة وأن يحطموا إرادة الجهاد، ولكن دماءه سوف تبقى تغلي في عروقنا وستزيدنا عزما على المضي في هذه الطريق”.
وأردف: هذه الأمانة هي أمانة السيد هاشم صفي الدين، والشيخ راغب حرب، والشيخ نبيل قاووق.. والقادة الشهداء عماد مغنية، مصطفى بدر الدين.. فؤاد شكر، إبراهيم عقيل، علي كركي، حسان اللقيس.. مؤكداً أن “هؤلاء القادة الشهداء وغيرهم كثير، هي أمانتهم.. أسأل الله تعالى أن يعينني لحفظ الأمانة وأن أعمل مخلصا في طريق الجهاد والمقاومة”.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: الشیخ نعیم قاسم العام لحزب الله طوفان الأقصى الشیخ قاسم على لبنان السید حسن فی لبنان حزب الله
إقرأ أيضاً:
عملية الصنوبرة الكبيرة التي تحلم بها إسرائيل
هل تشبه الحرب الإسرائيلية الحالية على لبنان بظروفها وسياقاتها مرحلة الاجتياح الإسرائيلي عام 1982؟ سؤال يتبادر كثيرًا إلى أذهان المراقبين والمتابعين في الداخل اللبناني، لا سيّما بعد الضربات القوية التي تلقّاها حزب الله، خاصةً اغتيال قادته، وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصر الله.
وعلى الرغم من استعادة المقاومة بشكل ملحوظ زخمَ عملياتها العسكرية، والتي تمثّلت بتكثيف وتيرة ونوعية ضرباتها الصاروخية، وتوسيع نطاقات الاستهداف عبر مسيّراتها، فإن المشروع الإسرائيلي ما يزال يشكّل خطرًا كبيرًا ليس فقط على حزب الله، بل على مستقبل لبنان ككل، وعلى دوره.
في مراجعة سريعة لسياق الأحداث بين التاريخَين، أي بين 1982 و2024، من السهل والبديهيّ ملاحظة أن إسرائيل ما تزال تعتمد العناوين نفسها، والمنهجية نفسها، وإن أدخلت عليها تعديلات حول كيفية تطبيقها.
في عام 1982، أعلنت إسرائيل عملية "الصنوبرة الكبيرة"، وهو الاسم العسكري لعملية "سلامة الجليل" حيث ادعت آنذاك أنها تهدف إلى القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة أمن المستوطنات الإسرائيلية في الشمال.
وللمفارقة، فقد شارك آنذاك وزير الدفاع السابق آرييل شارون خطته باجتياح لبنان قبل عام من تطبيقها مع فيليب حبيب الذي كان يشغل منصب المبعوث الخاص للرئيس الأميركي رونالد ريغان، تمامًا كما بدأ نتنياهو تصعيده الكبير أو حربه الموسّعة ضد لبنان، وهو ما يزال في الولايات المتحدة الأميركية.
وكما في 1982، أعلن نتنياهو أنّ العدوان على لبنان يهدف إلى القضاء على البنية العسكرية لحزب الله وإبعاده عن منطقة جنوب الليطاني لتأمين؛ عودة المستوطنين إلى الشمال، وتحقيق ما يعتبره "الأمن المستدام في الشمال، وإبعاد خطر صواريخ حزب الله".
نتنياهو المأزوم في الداخل الإسرائيلي، والذي كان قاب قوسين أو أدنى من الذهاب إلى المحاكمة الداخلية، ليس فقط بسبب فساده، بل أيضًا بسبب إخفاقه في "طوفان الأقصى"، وفي تحقيق الأهداف المعلنة في غزة ولبنان، أي استعادة المختطفين من غزة وإعادة المستوطنين إلى الشمال، يكاد أن يتحوّل إلى رمز في المشروع الصهيوني بعد سلسلة من الضربات العسكرية المباغتة التي نجح فيها ضد حزب الله وحركة حماس، على رأسها اغتيال نصر الله في لبنان ومعظم قادة الحزب، واغتيال هنية وقتل يحيى السنوار، وعدد آخر من قادة حماس.
وعلى الرغم من الأسئلة التي ما تزال تشكك في فاعلية سياسة نتنياهو، لا سيّما ما يقال حول عدم امتلاكه أي خطة "لليوم التالي" في غزة والآن في لبنان، ثمة قناعة في الشارع الإسرائيلي أن الأخير نجح بشكل كبير في تكريس الإجماع الشعبي حوله، خاصةً فيما يتعلّق بالحرب على لبنان، وهو مطلب إسرائيلي شعبيّ بالدرجة الأولى منذ دخول حزب الله الحرب في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
رغم الدعم الشعبي الكبير للحرب على لبنان، فإن أي اجتياح برّي طويل الأمد سيزيد من الخسائر البشرية الإسرائيلية، ما قد يفاقم الضغط الشعبي ضد نتنياهو ويعمّق الانقسام الداخلي
يعتقد الخبراء في إسرائيل أن قوات الاحتلال نجحت بشكل كبير في ضرب قوة حزب الله في لبنان، وقد ظهر ذلك جليًّا بالنسبة إليهم فيما يصفونه "بالردود المقيّدة نسبيًا" للحزب، مقارنة بالخسائر التي مني بها. هذا النجاح سوف يفتح "شهية إسرائيل" للتوسع أكثر في عمليّاتها، واغتنام هذه الفرصة التي قد لا تتكرر في ضرب ما يعرف بمحور المقاومة، بحيث يشكّل لبنان إحدى ساحاته الرئيسية.
يقول المحللون الإسرائيليون، لا سيما من يؤيّدون الحرب على لبنان، إن إسرائيل "لا تعرف أي حدودٍ ولا توقيتٍ للتوقف عن اعتماد الخيارات العسكرية، وبالتالي تثبيت مكاسبها لفترة طويلة من خلال القنوات الدبلوماسية".
بل على العكس، فهم يعتبرون أن "تاريخ إسرائيل المليء بالنجاحات في العمليات العسكرية، يفتح شهيتها على طلب المزيد"، وللأسف، تثبت مجريات الحرب على غزة، التي هي بالحقيقة إبادة جماعية بكل ما للكلمة من معنى، كما مجريات الحرب على لبنان، صحة هذه النظرية.
وفي مناقشة "شهيّة إسرائيل" في لبنان، لا بد من العودة إلى عام 1982 والإضاءة على عدد من النقاط التي تساعد في فهم سياقات وخطورة المرحلة التي يمرّ بها لبنان.
أولًا، من البديهيّ التذكير بأنه لا يمكن تشبيه حزب الله بمنظمة التحرير الفلسطينية، ذلك أن الحزب هو مكوّن لبناني، ورجاله هم أبناء القرى في الجنوب وفي البقاع وفي مختلف الأراضي اللبنانية. بالتالي، إن ادعاء قوات الاحتلال بأنها تريد القضاء على حزب الله ليس واقعيًا، بل على العكس، فحتى وإن استطاعت إسرائيل إضعاف القوة العسكرية لدى حزب الله، فإن أي عدوان عسكريّ من خلال القصف الجويّ أو الاجتياح البرّي لن ينجح في القضاء عليه.
من هنا، لا يمكن، بحسب العقلية الإسرائيلية، تأمين المستوطنات في الشمال من خلال عملية بريّة أو اجتياح بريّ محدود ومؤقّت، بل هم يعتبرون أنه في ظلّ رفض نتنياهو التوصل إلى تسوية سياسية، يجب إعادة التموضع في جنوب لبنان، وخلق منطقة عازلة قد تمتدّ إلى مناطق واسعة في لبنان.
ثانيًا، على المستوى العسكري، من الصعب أن تتمكن إسرائيل (أقلّه حتى كتابة هذه السطور) من تطبيق عملية "الصنوبرة الكبيرة" التي أطلقتها في عام 1982 لعدة اعتبارات، منها عدم وجود العدد الكافي من الألوية لاجتياح الأراضي اللبنانية بشكل واسع، لا سيّما بعد إنهاك القوات الإسرائيلية في غزة، والعدد الكبير من القتلى والجرحى في صفوفها.
أيضًا، رغم الدعم العسكري الكبير والمستمرّ لإسرائيل من الدول الغربية بشكل عام، ومن الولايات المتحدة بشكل خاص، فإن عددًا من المسؤولين في قوات الاحتلال صرّحوا أكثر من مرة بوجود نقص متزايد في الأسلحة التي يرون أنها ضرورية لاجتياح لبنان بريًّا بشكل كليّ.
ومن جهة أخرى، وعلى الرغم من الدعم الشعبي الكبير للحرب على لبنان، فإن أي اجتياح برّي طويل الأمد، إذا ما حصل، من شأنه أن يزيد عدد الخسائر البشرية الإسرائيلية، الأمر الذي سيعيد زخم الضغط الشعبي الإسرائيلي ضد نتنياهو، ويزيد من الانقسام الداخلي الإسرائيلي. من هنا، فهم يعتبرون أن على إسرائيل أن تبحث عن صيغة للسيطرة على جنوب لبنان؛ لإبعاد خطر حزب الله دون تدخّل مباشر منها.
إن شكل وطبيعة الاعتداءات الإسرائيلية على قرى ومناطق جنوب لبنان يؤشران بوضوح إلى الهدف الأساسي للاحتلال الإسرائيلي، وهو سياسة الأرض المحروقة؛ لجعل هذه المساحة الجغرافية المستهدفة غير قابلة للحياة، وبالتالي إقامة منطقة عازلة.
في عام 1982، بعد انسحاب قوات الاحتلال من بيروت، ثمّ من صيدا ولاحقًا عام 1983 من المناطق الجبلية، أقامت إسرائيل منطقة أمنية أو عازلة في الجنوب، غير أنّها ولكي تحدّ من خسائرها آنذاك عمدت إلى استغلال ما عرف "بجيش لبنان الجنوبي" وهو مليشيا عسكرية مؤلفة من مجموعة من العملاء اللبنانيين.
اليوم، وحتى كتابة هذه السطور، يمكن القول إن جيش الاحتلال لم يبدأ بعد الاجتياح البرّي للجنوب، بل إن عمليّاته حتى الساعة تشي بأنه ما يزال في مرحلة استطلاع، واستكشاف لقدرات المقاومة، وأماكن إطلاق الصواريخ، بمعنى تحضير الأرضية لبدء الاجتياح البرّي الفعلي.
يظلّ لبنان وسط تحديات داخلية كبرى، منها الانقسام حول الحرب والانهيار الاقتصادي، وهي عوامل قد تستغلها إسرائيل والولايات المتحدة للضغط على حزب الله والدولة اللبنانية بأكملها
في سياق متصل، لا يمكن إغفال معارضة إسرائيل للتجديد لقوات اليونيفيل منذ أشهر عدة، ولاحقًا الاستهدافات المتكررة لها كوسيلة ضغط لإبعادها عن المنطقة التي تريد احتلالها، أو لتغيير طبيعة مهامها في الجنوب.
من هنا، فإن إسرائيل، إذا ما نجحت في إقامة منطقة عازلة في الجنوب في المدى القريب أو المتوسط، فإنها إما تهدف إلى نشر قوات دولية تحت الفصل السابع تؤمّن مصالحها، أو إلى احتلال مباشر لهذه المنطقة.
وتفتح فرضية احتلال منطقة جنوب الليطاني النقاش والأسئلة، وإن ما تزال نسبيًا مبكرة، حول الإستراتيجية التي ستتبعها إسرائيل، وما إذا كانت ستعيد مشهد عام 1982 من خلال تشكيل قوة عسكرية مؤقتة تتألف من أبناء وعائلات العملاء السابقين الذين فرّوا من لبنان إلى إسرائيل، والذين عبّروا في أكثر من مناسبة عن رغبتهم في الانتقام من حزب الله.
في هذا الإطار، ثمة تفصيل لا يمكن تجاوزه، وهو ظهور أحد العملاء في القرى الحدودية التي دخل إليها جيش الاحتلال منذ أيام، بالإضافة إلى سماع تردّد إذاعي في الجنوب بشكل مفاجئ باسم "جيش الدفاع الجنوبي"، أي إذاعة العملاء منذ مدة قصيرة.
ثالثًا، يصعب في لبنان فصل الأحداث السياسية عن السياقات الإقليمية، وهي مسلّمة أثبتها التاريخ منذ حكم السلطنة العثمانية، مرورًا بدولة لبنان الكبير عام 1920، ثم الاستقلال عام 1943 وحتى يومنا هذا. وكما يصعب الفصل عن الإقليم، تعمد القوى الإقليمية والدولية إلى استغلال الجبهة الداخلية لتحقيق أهدافها.
يعاني لبنان من تحديات كبيرة على المستوى الداخلي، بدءًا من الانقسام حول الحرب، إلى الانقسام الطائفي وإعادة استحضار مشروع التقسيم على المستوى الإعلامي، بالإضافة إلى الانهيار الاقتصادي والمالي والسياسي.
هذه التحديات الداخلية، قد تشكّل "العدّة" التي ستستخدمها كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية للضغط أكثر ليس فقط على حزب الله، بل أيضًا على الدولة اللبنانية. وبالفعل، فقد بدأ العدوّ الإسرائيلي بمحاولة زيادة الانقسام الداخلي حول الحرب من خلال استهداف مناطق لا تقع ضمن ما يعرف ببيئة حزب الله، ومن خلال التهديد بشكل مستمرّ باستهداف أي منطقة يتواجد فيها عناصر من الحزب.
هذا الأمر خلق حالة من البلبلة والخوف عند المواطنين اللبنانيين، والأخطر أنه أدى إلى بعض الإشكالات والتوترات في مختلف المناطق اللبنانية.
في ثمانينيات القرن الماضي، كان الأميركيون يصرّحون بأنهم يدعمون سيادة لبنان، ويدعمون إنهاء كل المظاهر المسلّحة في لبنان، ودعم الجيش اللبناني. يكرّر الأميركيون اليوم هذه الشعارات بدعم من معظم الدول العربية والدول الأوروبية التي لطالما كانت حليفة للبنان، لا سيّما فرنسا.
وفي السنوات القليلة الماضية، تمّ بشكل ممنهج الربط بين انهيار الوضع الاقتصادي في لبنان، تحديدًا منذ 2019، والفشل في بناء مؤسسات الدولة، وبين سلاح حزب الله وهيمنته على السياسة الداخلية. وفي حين أن هذا الربط يغفل بشكل كبير عوامل أساسية للانهيار السياسي والاقتصادي، فإن سياسة الحزب في حماية مكوّنات الطبقة السياسية التقليدية، ومنع المحاسبة من جهة، وبعض فائض القوة الذي انعكس بمحطات عدة من جهة أخرى، ساهما بتكريس هذه الفكرة عند شريحة كبيرة لا بأس بها من اللبنانيين.
هذا الأمر تلقفته الولايات المتحدة الأميركية وعدد من الدول العربية، إذ عمدوا إلى اشتراط تحقيق المحاسبة والإصلاحات ونشر الجيش كسلطة وحيدة في لبنان، قبل تقديم الدعم والمساعدة الفعلية للخروج من حالة الانهيار.
من هنا، إن فشل حزب الله، أو بمعنى آخر انغماسه في اللعبة السياسية الداخلية، وتحميله مسؤولية الانهيار من قبل قسم من اللبنانيين الذين أعلنوا مرارًا عن رفضهم الحرب، بالإضافة إلى ازدياد التحديات الاقتصادية والاجتماعية كلما طالت الحرب في ظلّ توسّع الاعتداءات الإسرائيلية لتطال مناطق لبنانية مختلفة، كل هذه العوامل قد تقلب حرب الاستنزاف التي يريدها الحزب ضده، وبالتالي تزيد من خطر فقدانه للحصانة الداخلية أو تماسك الجبهة الداخلية، والالتفاف الشعبي حوله عبر زيادة الانقسام الداخلي.
في عام 1982، أعلنت إسرائيل أنها لا تريد احتلال لبنان، بل اتخاذ إجراءات أمنية لحماية حدودها وتطبيع العلاقات. آنذاك، عقدت الحكومة اللبنانية تحت الضغط الأميركي اجتماعات مع الاحتلال؛ لمناقشة مطالبه في محاولة لوقف إطلاق النار. فشلت المفاوضات، وغرق الإسرائيلي في مستنقع لبنان لسبعة عشر عامًا قبل أن ينسحب في عام 2000، دون أن يحقق أهدافه في القضاء على المقاومة.
أما حرب يوليو/ تموز في عام 2006، فيمكن اعتبارها المرحلة الأولى التي أسّست للحرب القائمة اليوم، حيث أعلن الإسرائيلي والأميركي عن "مشروع الشرق الأوسط الجديد" الذي يهدف إلى القضاء على المقاومة، وتطبيع العلاقات مع لبنان. لم تكتمل ملامح هذه المرحلة، ومني الإسرائيلي بخسارة كبيرة بشرية واقتصادية دفعته إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، فكان اتفاق 1701 الذي أوقف الحرب.
وعلى الرغم من صورة النصر التي يروّجها نتنياهو في الداخل الإسرائيلي، كما لدى راعيته الولايات المتحدة الأميركية، فإن نجاح المقاومة في لبنان في تهجير المستوطنين في الشمال لأكثر من عام، وعدم إمكانية إعادتهم حتى هذه اللحظة، يعتبر الفشل الإستراتيجي الأكبر في تاريخ إسرائيل.
حتى كتابة هذه السطور، وفي ظلّ غياب أي مسعى جدّي لوقف الحرب، إن الكلمة الفصل هي لمجريات الميدان، بحيث يقف لبنان ومعه المنطقة أمام خيارين: إما توجيه ضربات موجعة بشكل مكثّف ومتتالٍ إلى الاحتلال من قبل حزب الله تدفعه إلى الجلوس إلى طاولة التفاوض الجدي، وبالتالي إنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن، أو حدوث تطوّر إسرائيلي شبيه بعملية التصعيد المباغتة ضد الحزب في استكمال لانكشاف المقاومة بعد خرق أجهزة الاتصال الخاص بها، وبالتالي دخول مشروع نتنياهو حيّز التنفيذ، ولو لمرحلة قصيرة.
بين سيناريو 1982 و2006، أين يقف لبنان اليوم؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية