#مبتدأ_وخبر
د. #هاشم_غرايبه
المبتدأ: يحكى أن كلبا اختطف قطعة لحم، وهرب بها ليأكلها بعيدا عن العيون، وجد في طريقه جدول ماء رقراق، نظر فرأى صورته منعكسة، فظن أن في الماء كلبا آخر يحمل قطعة لحم أخرى، هجم عليه ليخطفها منه نابحا بشدة ليرهبه، لكنه نسي ما يطبق بفمه عليه، فسقطت قطعة اللحم وغاصت في الماء، وبالطبع تكدرت الصورة، فخسر الواقع والخيال.
الخبر: كان تأسيس الكيان اللقيط على أرض فلسطين أكبر نجاح حققه الغرب الطامع في تاريخ صراعه على الهيمنة والإستحواذ على الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي ظل الإستيلاء عليها حلما يداعبه منذ القدم.
لا شك أن الحظ ابتسم لهم عندما وجدوا في اليهود متطوعين ليتولوا إدارة وتشغيل هذا المخفر المتقدم الواقع في مركز الأمة العربية، التي طالما ظلت الحارس العنيد لهذه المنطقة الإستراتيجية، والتي منذ أن دخلت الإسلام وانتهجته عقيدة، فأقامت به أنجح دولة وأطولها عمرا في تاريخ البشرية، لم يتمكن أحد منها وما جرؤت أمة على غزوها وأفلحت، فبعضها رد على أعقابه خاسئا كالأوروبيين، وبعضها كالمغول والفرس انهزم ثقافيا فتحول الى عقيدتها، وبات جزءا منها.
لذلك لا يمكنهم التخلي عن هذا الكيان بعد أن حقق حلمهم، ومكن لهم في هذه المنطقية العصية عليهم، فهل بعد إدراك هذه البديهية يبقى عندنا أبله ينتظر من الغرب أن يحتكم الى العدالة أو معايير الإنسانية أو الأخلاق في تعامله تجاه قضية فلسطين؟.
خاصة وأنها فرصة لاحت ولن تتكرر، إذ تحقق ما كان ليتحقق اعتمادا على القوة فقط، بل بدعم من ثلاث فئات من بني جلدتنا:
الفئة الأولى هي إما عميلة مأجورة لدى مؤسسات الغرب الإمبريالية، أو كانت متبرعة لتنال دعمهم لحكمها.
وفئة أخرى مبهورة بما حققه الغرب لشعبه من رفاه وتقدم، لكنها عميّة عن رؤية أن ذلك الغنى ناجم عن احتكاره القوة والتسلط على الأمم الأخرى، وسرقة خيرات الشعوب المستعمرة، فتعتقد بسذاجة أن ذلك بسبب صوابية منهجه، فتسعى للإلتحاق به واتباعه.
أما الفئة الثالثة فهي موجودة في كل الأمم والعصور، تكون حاقدة على الشعب بسبب اتباعه عقيدة لا يقتنع بها، وموتورة على الأمة لاختيارها دين الإسلام بصفته الرسالة الخاتمة لكل الرسالات، وبالتالي فهي التي دعا الله الناس جميعا لاتباعها، سواء كانوا متبعين للرسالات السابقة أو غير مؤمنين.
هذه الفئات الثلاث التقت بغير تنسيق فيما بينها على التمكين لأعداء الأمة، الأولى طمعا والثانية حمقا والثالثة حقدا.
فأما الفئة الأولى فهي التي سكتت عن دخول المهاجرين اليهود أربعين عاما رغم أنها تعلم النية والخطة، وظلت تُعمي على تسللهم الى فلسطين وتخذل الناس عن مقاومتهم، حتى مكنت لهم في الأرض، رغم أنه كان من السهل تنبيه الناس الى نواياهم وبالتالي منع تشكيلهم عصاباتهم الإرهابية.
وأما الثانية فهي التي ساعدت الغرب على طرد العثمانيين بوهم الإستقلال والتحرر، وروجت للتحول من الدولة الإسلامية الى القومية، وسهلت تنفيذ مؤامرة التقسيم بحجة الواقعية والتعقل.
وأما الثالثة فهم يمثلون المنافقين تاريخيا، ويتعاونون مع كل من يعادي منهج الأمة، ومثال على ذلك، تحالف حاكم أنطاكية مع الصليبيين، وخيانة موارنة لبنان ليوسف العظمة، ثم مطالبتهم ببقاء الفرنسيين، وقيام الكنيسة الأرثوذوكسية في القدس ببيع بعض أراضي الوقفية لليهود.
في بداية احتلال فلسطين، كان قصارى أحلام الغرب الإعتراف الدولي بذلك الكيان الذي تأسس بإرهاب المجازر والتهجير، واعتباره دولة، ولما تم ذلك بقرار التقسيم، طمعوا أكثر فاعترفت به الدول المجاورة من خلال اتفاقيات الهدنة، ثم طمعوا أكثر بالإستيلاء على ما تبقى في عام 67، وأطمعهم تنازل منظمة التحرير عن الجزء الأول، فماطلوا بإرجاع المحتل الجديد، وعندما عرضوا إقامة إدارة حكم ذاتي هزيل قبله العرب فورا وتبنوه فيما سمي المبادرة العربية، فطمعوا أكثر فرفضوها أيضا.
ربما أراد الله بذلك أن يضلهم ولا ينجح مساعيهم، فلو نجحت خطتهم فيما يسمى (حل الدولتين)، فأقاموا ذلك الكيان المنزوع الدسم المسمى دولة فلسطينية، ربما ماتت القضية وضاعت فلسطين، لكن طمعهم سيودى بهم، ومثلما أضاع طمع ذلك الكلب ما كان بحوزته، سوف يخسر الغرب الطماع أيضا جميع ما اختطفه.. وستعود فلسطين الى أمتها. مقالات ذات صلة الاحتلال يرتكب 5 مجازر في قطاع غزة خلال يوم 2024/10/30
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
محمد العزيزي:العرب فرحون أن اليهود يقتلونهم!
ظل العرب طوال سبعين عاما وهم ينسجون حكايات وبطولات نضالهم ومعارك حروبهم في الليل الحالك السواد وانتصارات لا وجود لها، حاولوا ويحاولون استعادة الأرض المغتصبة من قبل الكيان الإسرائيلي في فلسطين وسوريا (الجولان)ولبنان (مزارع شبعا) في 1948 وما بعدها، كان العرب والعالم الإسلامي يضج ويتظاهر ويعقد المؤتمرات والندوات الإقليمية والدولية تنديدا بالاحتلال الغاصب الصهيوني لأراضي العرب في الستينيات و السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات ولكن كل تلك المحاولات الخجولة وعنفوان المظاهرات الشعبية، لم تعد لهم ما وقع تحت يد العدو الإسرائيلي، رغم المقاومة والانتفاضات الفلسطينية المدعومة عربيا بالخطابات منذ منتصف القرن العشرين الماضي وحتى نهايته والصراع العربي الإسرائيلي على أشده ولم ينته، تعالت الأصوات حينا والحمية عند الشعوب العربية حينا آخر ، دفاعا عن فلسطين والقدس.
منذ أن دنس الصهاينة الأرض العربية بدعم أوروبي وأمريكي والأنظمة والحكام العرب في مقامرة وتخاذل مستمر وكل يزايد على الآخر بالقضية الفلسطينية والذي وصل حد تقديم المبادرات والتنازلات للتخلص من قضية قضّت مضاجع الحكام العرب وسط حماسة الشارع العربي التواق للانتصار لمظلومية الشعب الفلسطيني وتحرير الأراضي العربية المحتلة والمغتصبة من قبل الكيان المحتل.
طوال ثلاثة أرباع القرن الماضي والعرب شعوبا وحكاما لم يغيروا من الأمر شيئا رغم القرارات الدولية والأممية والمبادرات وهدير وهيجان الشعوب العربية، وبالمقابل زاد العداء والفرقة والخيانات بين العرب وصولا إلى التطبيع مع الكيان الإسرائيلي والاعتراف بحق إسرائيل الوجودي والتعايش معه خوفا من تآمر “علي عربي من علي عربي” والمتاجرة والبيع والشراء للمواقف وخيانة القضية.
ذلك الوضع الذي ظهر عليه العرب والمسلمون مكن الاحتلال من تحقيق أطماعه التوسعية وفق طموحه بأن دولته من المحيط إلى الخليج في ظل حالة التخبط وضعف الموقف العربي، بدأ النزيف العربي للأرض والدم والمال والكرامة والشرف والمقدسات يزداد من مطلع القرن الحالي وحتى يومنا هذا، وتزداد معه توسع الفجوة والهوة والصراع البيني العربي وتراخي الحماسة عند المواطن العربي للدفاع عن الأرض والمقدسات والذي انزلق في أتون الصراع العربي العربي وارتفاع نسبة الكراهية والبغضاء بين المسلمين وفرقهم المذهبية التي زرعها الغرب في المجتمعات العربية.
والمثير للدهشة والتندر أن العرب والمسلمين يفرحون عندما يقتل الصهاينة والعالم الغربي المجرم أخاهم العربي والمسلم وكأن العدو الغربي المتحالف يقدم خدمة الخلاص من غريمه المسلم المخالف له بالنهج أو المذهب أو لحالة العداء والحقد الذي يتغلغل بين الحكام والمجتمع، ومن خلالهم تأثرت وجرحت حماسة وعنفوان الشعوب العربية المتحررة والمناصرة للقضية الفلسطينية و المناهضة للاحتلال.
الوهن الذي أصاب العرب شجع الغرب المتحالف مع الكيان الصهيوني التمادي أكثر في اقتحام حاجز النخوة العربية في تغذية الصراع العربي العربي وحالة الانقسام والاختلاف والمماحكات البينية، وإذكاء الصراع الديني والتيارات المذهبية والآيدلوجيات لتفريق الجمع والإجماع للشعوب العربية حول القضايا المصيرية ومقاومة الاحتلال لتتحقق خطط وبرامج الغرب في قضم وضم الأرض ونهب المال وتدمير مقدرات الشعوب العربية وقتل وذبح العرب والمسلمين بدم بارد بل قتل عشرات الآلاف من الغزاويين واللبنانيين وهدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها دون أن يحرك العرب والمسلمين وحكامهم ساكنا وسط صمت العالم مدعي الإنسانية.
ومن سخرية التاريخ والقدر أن العرب والمسلمين ليس بمقدورهم ولم يعد لديهم القدرة على المطالبة أو يطالبون باستعادة الجولان السوري ومزارع شبعا بل أصبحنا اليوم نطالب باستعادة الأرض المغتصبة مؤخرا كجبل الشيخ والقنيطرة ومدينة البعث وغيرها من المناطق على الحدود السورية وأصبح اللبنانيون يطالبون اليوم بخروج المحتل من مزارع شبعا ومن جنوب نهر الليطاني وغيرها من المناطق على الحدود التي احتلها وسيطر عليها خلال العدوان الأخير ، وكما هو الحال في الضفة الغربية ورام الله التي لا تزال ترزح تحت سطوة الإحتلال الإسرائيلي ، وهذا نتيجة طبيعية لخذلان العرب لبعضهم البعض وتنامي حالة الحقد والعداء البيني وارتفاع حالة الخصومة الدينية والمذهبية التي يرعاها ويغذيها الغرب والصهاينة لتحقيق أهدافهم وقبول العرب وحكامهم الذل والمهانة ونزيف الأرض والمال والدماء واتساع دائرة الفرقة في ما بينهم.