ابتكار أنف اصطناعي قادر على كشف الأكل الفاسد وشم الروائح
تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT
تمكن باحثون في جامعة العلوم والتكنولوجيا النرويجية من تطوير تقنية جديدة تعتمد على الهوائيات قادرة على اكتشاف المركبات العضوية المتطايرة التي تنتج الروائح المختلفة وتحديدها بدقة عالية، مثل رائحة العشب المقطوع حديثا أو أبخرة البنزين أثناء تعبئة الوقود أو الطعام الفاسد، عن المركبات العضوية المتطايرة.
هذه التقنية، التي أطلق عليها الباحثون اسم "الأنف الاصطناعي"، قد تُحدث ثورة في عدة مجالات مثل كشف الغازات الضارة، ورصد فساد الأطعمة قبل أن يصبح ملحوظا.
تعتمد التقنية الجديدة على شيء موجود مع الجميع تقريبا في هذا العصر وهو الهوائي الموجود عادة في أجهزة الهواتف المحمولة والتلفاز. لكن هذه الهوائيات لا تُستخدم هنا لأغراض الاتصال فحسب، بل أيضا كأجهزة استشعار للمركبات العضوية المتطايرة.
أبرز مايكل شيفينا، نائب رئيس قسم الأبحاث بكلية الهندسة بالجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، والمشرف على الدراسة، أن الدافع الأولي وراء ابتكار ذلك الأنف الاصطناعي مدعوم بالانتشار الفعلي للهوائيات على نطاق واسع، ويقول في تصريح للجزيرة نت: "إذا تمكنا من إضافة قدرات الاستشعار إلى هذه الهوائيات الموجودة دون زيادة التعقيد بشكل كبير، فسيكون ذلك مفيدا للغاية لتطبيقات إنترنت الأشياء".
برز مصطلح إنترنت الأشياء حديثا، ويُقصد به الجيل الجديد من الشبكات التي تتيح التفاهم بين الأجهزة المترابطة مع بعضها البعض، والأجهزة المزودة بأجهزة استشعار، والبرامج والتقنيات الأخرى التي تتصل وتتبادل البيانات مع الأجهزة والأنظمة الأخرى عبر الإنترنت أو شبكات الاتصالات. وما يميز إنترنت الأشياء هو تحرير الإنسان من ضرورة وجوده في المكان للتحكّم، أي أن الشخص يستطيع التحكم في الأدوات عن بعد.
الأنف الإلكتروني ليس أمرا جديدا، فهو موجود بالفعل، ويتطلب أنظمته التقليدية عادة أجهزة استشعار متعددة ومواد نانوية مختلفة ومكلفة للكشف عن المركبات العضوية المتطايرة المتنوعة والتمييز بينها. يؤدي هذا التعقيد إلى زيادة في استهلاك الطاقة وحجم أكبر وارتفاع في التكاليف، مما يجعلها أقل جدوى للتطبيقات واسعة النطاق.
يقول شيفينا: "يهدف فريقنا إلى معالجة هذه التحديات من خلال تطوير نظام مستشعر موحد باستخدام تقنية الهوائي"، ويضيف أن "هذا النهج لا يقلل من التعقيد واستهلاك الطاقة فحسب، بل يدمج أيضا وظائف الاستشعار والاتصال، وهو أمر بالغ الأهمية لتقنية إنترنت الأشياء المتنامية".
تعتمد الأنوف الإلكترونية التقليدية على مئات المستشعرات المغطاة بمواد مختلفة للكشف عن الروائح، مما يجعلها معقدة ومكلفة للغاية. ولكن "الأنف الإلكتروني" الجديد يعتمد على هوائي واحد مغطى بمادة واحدة فقط، مما يجعله أبسط وأقل تكلفة مقارنة بسابقيه. ورغم هذا النهج الهادف إلى التبسيط، فإن هذا الجهاز يتمتع بدقة تصل إلى 96.7% في الكشف عن الغازات، وهو ما يعادل أفضل الأنوف الإلكترونية المتاحة حاليا، بل ويتفوق عليها في بعض الحالات.
ويقول يو دانغ، طالب الدكتوراه بقسم التصنيع والهندسة المدنية بالجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، والمؤلف الرئيسي للدراسة، في تصريحات للجزيرة نت: "يميز الأنف الإلكتروني الهوائي بين المركبات العضوية المتطايرة المختلفة من خلال تحليل انعكاس الإشارات الراديوية، التي يتم إرسالها بترددات مختلفة".
تخيل الهوائي كآلة موسيقية، مثل البيانو، حيث ينتج كل مفتاح (تردد) صوتا فريدا (إشارة). عندما يتفاعل مركب عضوي متطاير مع الهوائي، فإنه يغير صوت مفاتيح معينة، تماما كما يؤدي الضغط على زر البيانو إلى تغيير النوتات الموسيقية. تخلق هذه التغييرات "لحنا" فريدا أو نمطا من الانعكاسات لكل مركب عضوي متطاير.
المركبات العضوية المتطايرة هي غازات تنتشر بشكل طبيعي في الهواء، وتتميز هذه المركبات بأنها تتبخر عند درجات حرارة منخفضة، وبالتالي يمكن رصدها حتى لو لم تكن مرئية أو محسوسة. كل الكائنات الحية، بما في ذلك النباتات، تطلق مركبات عضوية متطايرة كجزء من عملياتها الطبيعية، وتُستخدم هذه الروائح أحيانا كوسيلة للتواصل بين الكائنات أو لحماية نفسها من الآفات.
من خلال تحليل الأنماط، يمكن أن يحدد الأنف الإلكتروني الهوائي الرائحة بدقة ويصنف المركبات العضوية المتطايرة المختلفة، حتى تلك التي لها هياكل جزيئية شديدة التشابه. وتسمح هذه الطريقة للأنف الإلكتروني الهوائي بعمل "بصمة" مميزة لكل مركب، مما يتيح الكشف والتحليل الدقيقين.
ويُطلى المستشعر بأكسيد الغرافين، مما يعزز من حساسيته ودقته بسبب مساحته السطحية العالية وخصائصه الإلكترونية الفريدة، التي تتفاعل بشكل مختلف مع المركبات العضوية المتطايرة المتنوعة. ومن خلال تحليل معامل الانعكاس، تعمل خوارزميات معالجة البيانات وتعلم الآلة المتقدمة على تعزيز الدقة بشكل أكبر من خلال التعرف على الأنماط في البيانات المعقدة.
ثورة الأنف الإلكترونيتم اختبار "الأنف الاصطناعي" على الفاكهة الفاسدة واللحوم في مراحل مختلفة من الفساد، ومن خلال تعديل الخوارزميات التي تُستخدم للكشف عن البصمات الفريدة للغازات المختلفة، يعتقد الباحثون أن هذه التكنولوجيا قد تكون قادرة على ما هو أكثر أهمية.
ويقول دانغ: "تظهر تقنية الأنف الإلكتروني الهوائي إمكانات كبيرة تتجاوز الاختبارات الأولية بالفواكه واللحوم، وخاصة في التشخيص الطبي للكشف عن الأمراض دون الجراحة من خلال تحليل التنفس، حيث تعمل بعض الأمراض على تغيير المركبات العضوية المتطايرة في التنفس".
يمكن تطبيق التقنية أيضا في مراقبة البيئة للكشف عن الغازات والمواد الملوثة الخطرة، والاستفادة من دقتها العالية واستهلاكها المنخفض للطاقة لتقييم جودة الهواء في الوقت الفعلي. وفي مجال سلامة الأغذية، يمكن أن يضمن الأنف الجديد نضارة وجودة الأطعمة المعبأة.
وفي الزراعة، يمكنها الكشف عن أمراض النباتات في وقت مبكر من خلال تحديد المركبات العضوية المتطايرة المحددة من النباتات المصابة، مما يحسن من غلة المحاصيل.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تعمل تلك المستشعرات في البيئات الصناعية كنظام إنذار مبكر لتسرب الغازات الخطرة، مما يعزز سلامة العمال. وتسلط هذه التطبيقات الضوء على تنوع قدرات تقنية الأنف الإلكتروني الهوائي في تحديد وقياس المركبات العضوية المتطايرة بدقة عبر مختلف القطاعات.
ويمكن أن تشمل التطورات المستقبلية لتقنية الأنف الإلكتروني الهوائي تعزيز حساسيتها وانتقائيتها من خلال تطوير مواد نانوية أو طلاءات جديدة، مما يسمح باكتشاف المركبات العضوية المتطايرة بدقة أكبر.
كما أن التكامل مع خوارزميات التعلم الآلي المتقدمة من شأنه أن يحسن تحليل البيانات في الوقت الفعلي والتعرف على الأنماط، مما يتيح للتقنية التكيف مع المركبات العضوية المتطايرة الجديدة بشكل ديناميكي بحسب دانغ.
يختتم دانغ حديثه للجزيرة نت قائلا: "إن تصغير الحجم وخفض التكلفة من شأنه أن يجعل التقنية أكثر سهولة في الاستخدام وعلى نطاقات أوسع في الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية وأجهزة مراقبة الصحة الشخصية. كما أن زيادة قدرات الاتصالات اللاسلكية من شأنه أن يسهل التكامل السلس في شبكات إنترنت الأشياء، مما يسمح بمراقبة بيئية شاملة وتطبيقات المنزل الذكي. ومن شأن هذه التطورات أن تعزز دور التقنية كأداة متعددة الاستخدامات وقوية في مجالات مختلفة."
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المرکبات العضویة المتطایرة إنترنت الأشیاء من خلال تحلیل للکشف عن یمکن أن
إقرأ أيضاً:
مزرد.. متجر عماني يعيد ابتكار الهدايا بتصاميم فنية وحرفية فريدة
انطلق مشروع "مزرد" ليكون متجرًا للهدايا يجمع بين الإبداع والتراث، مستهدفًا السوقين المحلي والسياحي، وحول فكرة "مزرد" ورؤيته المستقبلية، أكدت ريان بنت إبراهيم البهلانية مديرة المشروع أن الهدف الأساسي من هذا المشروع هو دعم الفنانين والحرفيين العمانيين من خلال ابتكار منتجات جديدة غير مسبوقة بالتشارك تعكس هوية سلطنة عمان بلمسة معاصرة، موضحةً أن "مزرد" جاء استجابةً لغياب منصة واضحة تمكن الحرفيين والفنانين من تحويل إبداعاتهم إلى منتجات تنافس في سوق الهدايا، مما يجعلهم منصة فريدة للفنانين والحرفيين في صناعة الهدايا.
وبينت البهلانية، أن رؤيتهم تكمن في تمكين المبدعين ماليًا وإبداعيًا عبر إنتاج وتصميم أعمال جديدة بالتعاون معهم، لإيصالها إلى جمهور واسع يشمل السكان المحليين والسياح على حد سواء.
"أوضحت البهلانية أن «مزرد» لا يقتصر على عرض الأعمال التقليدية فحسب، بل يسعى إلى تطوير منتجات جديدة بالشراكة مع الحرفيين. وأشارت إلى أن المشروع يخصص ميزانية لشراء المنتجات بالكامل، مما يضمن للحرفيين دخلًا ثابتًا بدلاً من الاعتماد على العمولة. كما يوفر منصات تسويقية قوية تشمل المتجر والمعارض والفعاليات، إضافةً إلى التسويق الرقمي والتصوير الاحترافي.
أشارت البهلانية إلى أن المجال مفتوح لكافة الإبداعات، سواء كانت تقليدية أو معاصرة، بشرط أن تعكس الهوية العمانية بطريقة إبداعية. وأكدت أنهم يسعون لاكتشاف المبدعين القادرين على الابتكار والراغبين في تطوير أعمالهم لتتناسب مع سوق الهدايا، مع ضمان الجودة والتميّز. كما شددت على أن المنتجات المعروضة يجب أن تكون عالية الجودة وتعكس الهوية العمانية بأسلوب حديث، مع الحرص على التفرد والابتكار. وأوضحت أن «مزرد» لا يعمل بنظام العمولة التقليدي، بل يشتري المنتجات مباشرة من الفنانين والحرفيين، مما يمنحهم استقرارًا ماليًا أفضل. ويتم تحديد الأسعار بناءً على تكلفة الإنتاج، إضافةً إلى هوامش ربح مناسبة لكل طرف.
واجهت البهلانية عددًا من التحديات، منها صعوبة إقناع بعض الفنانين بتحويل أعمالهم إلى منتجات تجارية، حيث إن العديد منهم لم يسبق لهم العمل في قطاع الهدايا. إضافةً إلى ذلك، كان ضبط الجودة والإنتاج بكميات مناسبة دون المساس بالطابع الفني والحرفي تحديًا آخر. وأكدت أن التميز في الإنتاج الإبداعي واستهداف السوقين المحلي والسياحي يساهمان في التغلب على المنافسة.
وأوضحت البهلانية أنه في ظل وجود العديد من المنصات التقليدية والرقمية، اعتمدت "مزرد" على استراتيجية متكاملة للتميّز في السوق، حيث لا يقتصر دورها على بيع المنتجات فحسب، بل تشارك في تصميمها وإنتاجها بالتعاون مع المبدعين، إلى جانب توفير منتجات حصرية غير متاحة في أي متجر آخر، مما يعزز من تفردهم في قطاع الهدايا، كما يفتح المشروع آفاقا جديدة من خلال التعاون مع الشركات لإنتاج هدايا مخصصة لها، مما يخلق فرصًا تسويقية متنوعة ويعزز من انتشار المنتجات العمانية على نطاق أوسع، مؤكدة أنهم يعملون على التوسع في الخليج عبر شراكات مع متاجر في دول مجاورة، والسعي لإطلاق متجر إلكتروني عالمي للوصول إلى جمهور دولي.
أشارت البهلانية إلى أن "مزرد" يسعى لعقد شراكات مع جهات حكومية مثل وزارة التراث والسياحة، إلى جانب التعاون مع الشركات الخاصة لدعم الحرفيين، كما أشارت إلى أن مشروع يطمح للحصول على 11 محلًا في سوق مطرح لإحياء بعض المهن التراثية، مثل خياطة الكمة وتحميص القهوة وصناعة الخناجر، في خطوة تهدف إلى الحفاظ على الهوية العمانية وتعزيز انتشار الحرف التقليدية.