التنقل الفضائي: هل يصبح القمر محطة انطلاق نحو الفضاء البعيد؟
تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT
بعد خمس محاولات فاشلة، نجح المعزز الصاروخي “سوبر هيفي” (Super Heavy) الذي يحمل المركبة الفضائية “ستارشيب” (Starship) التابعة لشركة “سبيس إكس” (Space X) بقيادة إيلون ماسك، في الهبوط بسلام داخل منصة الإطلاق، في 13 أكتوبر 2024؛ إذ التقط برج الإطلاق المعزز الصاروخي بسلاسة تامة، وهي خطوة مهمة لتحقيق هدف ماسك ببناء مركبة فضائية ونظام إطلاق صاروخي قابل لإعادة الاستخدام بالكامل بهدف تسهيل عملية إرسال البشر إلى القمر، وفي المستقبل إلى المريخ.
وتأتي هذه التجربة الناجحة لتضع مزيداً من الآمال حول مشروع “أرتميس” (Artemis) الذي يستهدف عودة البشر مرة أخرى إلى القمر بحلول عام 2026، واستكشاف المناطق غير المعروفة من القمر، خاصةً القطب الجنوبي الذي يُعتقد أن به موارد مائية قد تدعم وجود حياة على القمر. فكيف يمكن أن يسهم التعاون بين مشروع “أرتميس” ومشروع “ستارشيب” في بناء أول نظام للنقل الفضائي بين الكواكب؟
مشروع “أرتميس”:
أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” عن مشروع “أرتميس” في مايو 2019، ويُعد بمثابة الخطوة الأولى نحو الهدف طويل الأمد المتمثل في إقامة وجود بشري مستدام على سطح القمر، كما ينوي البرنامج استكشاف المزيد من سطح القمر أكثر من أي وقت مضى باستخدام تقنيات مبتكرة. ووضعت “ناسا” أساساً للشراكات مع القطاع الخاص حول العالم لتعظيم عملية الاستكشاف، بما يساعد في النهاية على بناء “قاعدة” يمكن استخدامها مستقبلاً في إرسال البشر إلى المريخ.
وأطلقت “ناسا” أول رحلة لـ”أرتميس” بنجاح في نوفمبر 2022، وكانت بمثابة الرحلة الافتتاحية لكل من نظام الإطلاق الصاروخي (SLS) وكبسولة طاقم “أوريون” (Orion) التي تنقل رواد الفضاء بسلام إلى القمر وتعود بهم إلى الأرض مرة أخرى.
وأعلن مسؤولون في “ناسا” أن مهمة “أرتميس 2” إلى القمر ستكون أول رحلة مأهولة برواد فضاء في إطار المشروع، وسوف تحمل كبسولة “أوريون” أربعة من رواد الفضاء، ولكن لن يكون ذلك قبل سبتمبر 2025 على أن تستمر المهمة في الفضاء لمدة عشرة أيام.
ويشمل المشروع تطوير مركبات فضائية وتقنيات هبوط جديدة، بالإضافة إلى تطوير نظام البدلات الفضائية الجديدة. ويدعم هذا المشروع تطوير محطة فضاء قمرية هي محطة (Lunar Gateway) التي تُعد جزءاً من المشروع؛ لإنشاء أول محطة قمرية تدور حول القمر وتعمل كمركز للتجارب العلمية ومحطة لتجميع وإطلاق المهمات إلى القمر وإلى المريخ. ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
1- المحطة القمرية: تُشكل محطة الفضاء القمرية (Lunar Gateway) أحد أهم العناصر في برنامج “أرتميس”، خاصةً أنها أول محطة فضاء تدور حول القمر. وستوفر المحطة، التي سيتم بناؤها بالتعاون مع شركاء دوليين وتجاريين؛ على رأسهم دولة الإمارات العربية المتحدة، وظائف أساسية لدعم رواد الفضاء وتمكينهم من أداء وتنفيذ المهام الموكلة إليهم على أفضل وجه.
وتكمن أهمية المشروع في كون المحطة بمثابة نقطة انطلاق للبعثات الفضائية إلى القمر والمريخ؛ إذ ستُوفر منصة للتجميع والتزود بالوقود وإطلاق الرحلات الفضائية طويلة الأمد؛ الأمر الذي سيُعزز استقرار المهام ورفع مستوى كفاءتها.
ويضمن وجود المحطة استدامة مهمات رواد الفضاء حول القمر؛ إذ ستُمكن رواد الفضاء من العيش بكفاءة حول القمر لمدة تصل إلى 90 يوماً، وتسمح هذه الإقامة الطويلة باستكشاف وإجراء تجارب عن سطح القمر بشكل أكثر شمولاً.
ومع فترة تشغيل تمتد لمدة 15 عاماً، تُعد المحطة قوة دعم مستدامة لاستكشاف الفضاء؛ إذ تضمن مدة التشغيل استمرار عمليات البحث والتطوير المستمر في مجال مهمات الفضاء واستكشاف الكواكب، كما تسمح المحطة بتعزيز عمليات إجراء الدراسات حول الإشعاع الشمسي والكوني؛ لذا تُعد المحطة القمرية المحور الأهم ضمن برنامج “أرتميس” لاستكشاف القمر والبعثات المستقبلية إلى المريخ.
وتتمثل مشاركة دولة الإمارات في مشروع محطة الفضاء القمرية في تطوير وحدة معادلة الضغط في المحطة القمرية، وهذه الوحدة، التي يبلغ وزنها 10 أطنان وأبعادها 10 أمتار في الطول و4 أمتار في العرض، تُعد جزءاً حيوياً من المحطة القمرية بأكملها التي تبلغ أبعادها 42 × 20 × 19 متراً. وتُعد بذلك دولة الإمارات خامس الشركاء المسؤولين عن تطوير المحطة القمرية إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكندا والاتحاد الأوروبي.
وتتألف عملية تطوير وحدة معادلة الضغط من خمس مراحل أساسية؛ تبدأ بمرحلة “التخطيط”؛ حيث يتم تحديد الأهداف والاستراتيجيات العامة للمشروع، ويتضمن ذلك اختيار شركاء المشروع وإنشاء نموذج أولي لغرفة معادلة الضغط. تليها مرحلة “التصميم”؛ إذ يتم تطوير التصاميم التفصيلية والمواصفات الخاصة بمكونات وحدة معادلة الضغط. ثم المرحلة الثالثة التي تركز على “التأهيل”، وتشمل اختيار وتأهيل مكونات غرفة معادلة الضغط بدقة لضمان جودتها وأمانها. وبعد ذلك، تأتي المرحلة الرابعة، وهي “الإطلاق”، والتي تتضمن التجهيز لإطلاق المكونات الفضائية ودمجها في محطة الفضاء القمرية. وأخيراً، مرحلة “التشغيل”، حيث سيقوم فريق مركز محمد بن راشد للفضاء بإدارة عمليات تشغيل غرفة معادلة الضغط، ومتابعة وظائفها وضمان سلامتها كجزء حيوي من المحطة.
وسوف تتحمل دولة الإمارات مسؤولية تشغيل وحدة معادلة الضغط لفترة تصل إلى 15 عاماً، مع إمكانية التمديد. وهذا التعاون يمنح الدولة مقعداً دائماً ودوراً بارزاً في أكبر برنامج لاستكشاف القمر والفضاء، كما يفتح الباب أمامها لتكون من أوائل الدول التي تُرسل رائد فضاء إلى القمر، وتحصل على أولوية في الوصول إلى البيانات العلمية والهندسية التي تجمعها المحطة؛ ما يعزز مسيرتها المعرفية ومكانتها في المجتمع العلمي العالمي.
2- مركبة “أوريون”: بالإضافة إلى المحطة القمرية، تم تطوير مركبة “أوريون” لنقل الرواد من الأرض إلى مدار القمر والعودة مرة أخرى، وربما في المستقبل السفر إلى المريخ. وتُعد جزءاً أساسياً من مشروع “أرتميس”، وتتميز بقدرتها على دعم الطواقم لمدة تصل إلى 21 يوماً في الفضاء، ويمكنها البقاء في الفضاء من دون إعادة التزود بالوقود لمدة تصل إلى ستة أشهر.
وتتكون “أوريون” من وحدتين رئيسيتين هما: وحدة الخدمة التي توفر الطاقة والدفع والتحكم الحراري، ووحدة الطاقم حيث يقيم رواد الفضاء، كما تتميز بتقنيات متطورة لضمان سلامة الطاقم في حالات الطوارئ، بما في ذلك نظام إلغاء الإطلاق في حالة حدوث أي مشكلات أثناء الإقلاع.
3- نظام الإطلاق الصاروخي (SLS): فيما يتعلق بنظام الإطلاق الصاروخي (SLS) أو Space Launch System، فقد طورت “ناسا” صاروخاً فائق الثقل ليكون بمثابة العمود الفقري لبرنامجها لاستكشاف الفضاء العميق، بما في ذلك مهمات مشروع “أرتميس” إلى القمر. ويتميز نظام (SLS) بقدرته الفائقة على نقل رواد الفضاء وحمولات ثقيلة إلى مدارات بعيدة عن الأرض. وخلال مرحلة التطوير، خضع هذا النظام لسلسلة من الاختبارات الأرضية الصارمة لضمان كفاءته وسلامته؛ إذ سيكون المسؤول عن إطلاق مركبة “أوريون” والطاقم إلى مدار حول القمر.
مشروع “ستارشيب”:
هو برنامج تقوده شركة “سبيس إكس” بهدف بناء مركبة فضائية قابلة لإعادة الاستخدام بشكل كامل؛ بحيث تكون قادرة على نقل البشر والبضائع إلى الفضاء، بما في ذلك القمر والمريخ. ويُعد المشروع جزءاً رئيسياً من رؤية ماسك لبناء “مستعمرات للبشر في الفضاء” وفتح آفاق جديدة للبشرية خارج كوكب الأرض.
وتم تدشين “ستارشيب” عام 2012، عندما أعلن ماسك لأول مرة عن تطوير صاروخ فضائي قابل لإعادة الاستخدام وهو “فالكون 9″، وكان الهدف منه إرسال البشر إلى المريخ، حسب رؤية ماسك، الذي أطلق على هذا المشروع اسم “ناقل مستعمرة المريخ” (Mars Colonial Transporter). ومع زيادة طموحه في أن يصل هذا الصاروخ إلى ما هو أبعد من المريخ، قام ماسك عام 2016 بتغيير اسم المشروع إلى “نظام النقل بين الكواكب” (Interplanetary Transport System). ومع تطوير هذا الصاروخ وبناء مركبة فضائية قادر على حملها، غير ماسك اسم المشروع مرة ثالثة في ديسمبر 2018 إلى “ستارشيب”، ليعكس هدفاً أوسع لا يشمل فقط المريخ، بل أيضاً السفر إلى القمر ووجهات أخرى في الفضاء البعيد.
وتتكون مركبة “ستارشيب” من جزأين: الجزء العلوي من النظام عبارة عن مركبة متعددة الأغراض يمكن أن تحمل الرواد الفضائيين والبضائع، والجزء الثاني المعزز الصاروخي “سوبر هيفي”؛ وهو الصاروخ الضخم الذي يعمل على دفع “ستارشيب” إلى الفضاء. وعلى الرغم من نجاح الجزء الثاني في العودة مرة أخرى واستخدامه؛ فإن الجزء الأول من المركبة ما زال في مرحلة التطوير. وبمجرد أن تستطيع مركبة “ستارشيب” السفر والعودة بنجاح، تصبح قابلة لإعادة الاستخدام؛ وهذا يعني أن كلاً من المركبة الفضائية والمعزز يمكن استعادتهما وإعادة استخدامهما لعدة رحلات؛ مما يقلل بشكل كبير من تكلفة إطلاق الصواريخ.
التعاون المشترك:
لا يمكن إنكار أن طموح ماسك بالعودة إلى الفضاء قد جدد حماس وكالة “ناسا” بالعودة إلى القمر، بعد أكثر من 55 عاماً على هبوط نيل أرمسترونغ على سطح القمر؛ وهذا الأمر دفع “ناسا” لتوقيع اتفاقية تعاون مع “سبيس إكس” في ديسمبر 2014 للتعاون في تطوير تقنيات تسمح بالعودة مرة أخرى إلى الفضاء، ويشمل ذلك تطوير القدرات اللازمة للنقل الفضائي إلى المريخ والعودة منه، بما في ذلك تقنيات الاتصالات والملاحة في الفضاء العميق وتقنيات الإقلاع والهبوط، على أن تقُدم “ناسا” لشركة “سبيس إكس” إمكانية الوصول إلى مواردها الفضائية الواسعة، بما في ذلك الخبرات الفنية، والدروس المستفادة، والبيانات.
وعلى الرغم من أن أسلوب عمل كلا الجانبين مختلف؛ فإن هدفهما واحد؛ وهو السفر إلى الفضاء البعيد، وقد يكون هذا الاختلاف محفزاً لتحقيق التعاون المشترك بينهما الذي سيسمح بالقيام بالمهمة الصعبة. فصاروخ “سوبر هيفي” قابل لإعادة الاستخدام عدة مرات، بل يمكن استخدامه أكثر من مرة يومياً بعد نجاح منصة الإطلاق في التقاط الصاروخ، على عكس المعزز الصاروخي (SLS) الخاص بـ”أرتميس” والذي يتم استخدامه مرة واحدة وفقط؛ مما يعني أن “ناسا” قد تستخدم صاروخ “سوبر هيفي” في تزويد المحطة الفضائية القمرية بالمعدات اللازمة والأدوات عدة مرات، هذا بخلاف إمكانية استخدامه في السفر للفضاء لأغراض أخرى كإطلاق الأقمار الاصطناعية مثلاً أو تزويد محطة الفضاء الدولية بالمؤن؛ وهذا هو الهدف الرئيسي من الصاروخ؛ أن يكون قابلاً لإعادة الاستخدام بسرعة أكثر من مرة، حتى يقلل نفقات السفر إلى الفضاء.
وإذا نجحت عملية إطلاق “أرتميس” مدعمة بتقنيات “سبيس إكس”، ووصل البشر إلى سطح القمر مرة أخرى، ونجحت عملية بناء المحطة الفضائية القمرية؛ فإن ذلك قد يسمح ببناء مستعمرة على القمر، لا تسهم فقط في استكشاف القمر وخلق حياة بدائية على سطحه، بل قد تُصبح بمثابة محطة انطلاق جديدة نحو المريخ، يستخدمها البشر للسفر في الفضاء البعيد والعودة إليها مرة أخرى.
وبدلاً من إطلاق المركبات الفضائية من كوكب الأرض إلى الفضاء البعيد، يتم إطلاقها من القمر، حتى يمكن التغلب على مشكلات الخروج من الغلاف الجوي لكوكب الأرض، والحاجة إلى تحميل المركبة الفضائية بكميات عملاقة من الوقود تحترق بمجرد خروجها من الغلاف الجوي من الأرض، ويتبقى معها القليل للوصول إلى وجهتها؛ ومن ثم يتم إطلاق المركبات من سطح القمر؛ حيث الجاذبية المنخفضة والغلاف الجوي الرقيق جداً الذي يسمح بخروج الصواريخ والمركبات الفضائية في سهولة تامة، محملة بالوقود الكافي للوصول إلى أبعد نقطة ممكنة في الفضاء، ثم العودة مرة أخرى إلى سطح القمر، الذي يصبح بمثابة محطة تبادلية يستخدمها البشر للسفر من الأرض إلى الفضاء البعيد.
وقد يكون صاروخ “سوبر هيفي” هو وسيلة التنقل في الفضاء، كما يحلم ماسك، بأن يتم إطلاقه من المحطة القمرية أو حتى من قاعدة فضائية يتم بناؤها مستقبلاً على سطح القمر، فيذهب في رحلة المريخ حاملاً رواد الفضاء لأول مرة، أو حتى إلى أبعد من ذلك بعد تطويره، ناقلاً بشراً وبضائع في الفضاء البعيد ثم يعود بهم مرة أخرى في منظر مشابه لعملية الالتقاط التي حدثت، معلناً بذلك تدشين أول وسيلة للتنقل في الفضاء الخارجي.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
ما هي خطة ترامب لتدمير الصواريخ النووية بالليزر الفضائي؟
أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الأسبوع أمراً ببدء العمل على أكثر أنظمة الدفاع الصاروخي طموحاً في تاريخ الولايات المتحدة، وهو نظام مصمم لاعتراض الصواريخ الأسرع من الصوت ومنع حدوث دمار نووي. وقد أطلق ترامب على هذه المبادرة اسم "القبة الحديدية لأمريكا"، في إشارة إلى نظام الدفاع الجوي الشهير الذي تستخدمه إسرائيل.
لكن رؤية ترامب لهذا النظام المتطور، والتي تتضمن استخدام الليزر الفضائي، أقرب إلى برنامج "حرب النجوم" الذي أطلقه الرئيس الأسبق رونالد ريغان عام 1983 خلال ذروة الحرب الباردة. ومع ذلك، فإن تطوير نسخة جديدة من هذا البرنامج بتقنيات حديثة سيكلف مئات المليارات من الدولارات، ويواجه تحديات تقنية هائلة.كما حذر خبراء الأسلحة النووية عبر صحيفة "فايننشال تايمز" من أن هذه المبادرة قد تدفع الصين وروسيا إلى اتخاذ تدابير مضادة تجعل النظام غير فعال.
ولهذا السبب، قررت "نشرة علماء الذرة" تحريك عقارب “ساعة القيامة” ثانية واحدة أقرب إلى منتصف الليل هذا الأسبوع.
ما هي خطة ترامب لإنشاء الدرع الصاروخي؟
وقع ترامب أمراً تنفيذياً يوم الاثنين يوجه وزير الدفاع، بيت هيغسيث، لوضع خطة خلال 60 يوماً لحماية الولايات المتحدة من هجمات الصواريخ الباليستية، والصواريخ الأسرع من الصوت، وصواريخ كروز المتقدمة.
لكن النظام المقترح من قبل ترامب مختلف تماماً عن القبة الحديدية الإسرائيلية، فهو أكثر تعقيداً وأعلى تكلفة بمستويات غير مسبوقة. حيث تعمل القبة الحديدية على اعتراض الصواريخ قصيرة المدى والمنخفضة الارتفاع وغير النووية، بينما يسعى نظام ترامب إلى اعتراض الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والتي تسير لمسافات تصل إلى 100 ضعف مقارنة بالصواريخ التي تعترضها القبة الحديدية، وبسرعات أعلى بسبع مرات.
Trump’s plan for space lasers to destroy nuclear weapons. US president orders work on defence shield going beyond Reagan’s ‘Star Wars’ program https://t.co/g4FwMvYRTG pic.twitter.com/qRCgb3z153
— Cate Long (@cate_long) January 30, 2025وبدلاً من الأنظمة الأرضية التقليدية، ينص أمر ترامب على نشر "اعتراضات فضائية" – شبكة من الأقمار الصناعية، بعضها مزود بتقنيات ليزر متقدمة. كما يقترح تطوير طبقة إضافية من الدفاعات ذات الارتفاعات المنخفضة في حال فشل الاعتراضات الفضائية. إضافة إلى ذلك، يدعو الأمر إلى تطوير “قدرات لتدمير الصواريخ قبل إطلاقها”، أي استهداف منصات الإطلاق بدلاً من اعتراض الصواريخ فقط.
لكن الخبراء يرون أن بناء درع صاروخي فضائي محكم أمر مستحيل عملياً. يقول توم كاراك، الخبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في واشنطن: "لا يوجد غطاء أمني سحري".
لإيقاف الصواريخ النووية الباليستية خلال مرحلة "التعزيز" – وهي الفترة التي تستمر من 3 إلى 5 دقائق قبل دخول الصاروخ إلى المدار – يتطلب الأمر حزماً ليزرية فعالة عبر مئات الكيلومترات، وهي تقنية غير متوفرة حالياً.
إحدى العقبات الكبرى هي ظاهرة "التوهج الحراري"، حيث يؤدي تسخين الهواء المحيط بأشعة الليزر إلى إضعاف قوتها. بينما يكون هذا التأثير ضعيفاً في الفضاء الخارجي، إلا أنه يصبح أكثر وضوحاً عند اختراق أشعة الليزر الغلاف الجوي للأرض.
كما أن تشغيل الأقمار الصناعية التي تطلق أشعة الليزر يتطلب مفاعلات نووية مصغرة أو أنظمة متطورة من الألواح الشمسية، وهي تكنولوجيا تتطلب استثمارات وأبحاث ضخمة لا يمكن إتمامها في المدى القريب.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التكلفة ستكون باهظة جداً. في عام 2012، أصدرت الأكاديمية الوطنية للعلوم تقريراً يشير إلى أن حتى “نظام دفاع فضائي محدود وبإمكانيات متواضعة” سيتطلب نشر 650 قمراً صناعياً بتكلفة 300 مليار دولار. كما أن هذا النظام سيكون عرضة للهجمات المضادة، مثل الأسلحة النووية الفضائية التي طورتها روسيا مؤخراً وفقاً للاستخبارات الأمريكية.
Old Tech vs New: From Drones to Hypersonic Missiles
The industrial wars of the 20th century, like the Ukraine conflict adopts modern tools like drones, precision-guided missiles, enabled by satellite imagery, which allow both sides to execute targeted strikes rather than… pic.twitter.com/jCrcdHQqkz
تقول لورا غريغو، مديرة الأبحاث في برنامج الأمن العالمي باتحاد العلماء المهتمين: "تم التخلي عن أنظمة الدفاع الفضائية مراراً بسبب تكلفتها العالية، وصعوبتها التقنية، وإمكانية هزيمتها بسهولة".
هل يمكن أن يكون النظام الأرضي أكثر عملية؟هناك أنظمة دفاع صاروخي فعالة حالياً، مثل أنظمة باتريوت وثاد الأمريكية وNASAMS الألمانية، التي أثبتت فعاليتها في التصدي للصواريخ الروسية في أوكرانيا.
لكن المشكلة تكمن في التكلفة. تمتلك الولايات المتحدة بالفعل برنامج دفاع صاروخي أرضي بقيمة 60 مليار دولار، يشمل 44 صاروخ اعتراض منتشر في ألاسكا وكاليفورنيا، لكنها مخصصة فقط لإيقاف هجمات من دول مارقة مثل كوريا الشمالية. وبما أن تكلفة كل صاروخ اعتراض تصل إلى 50 مليون دولار، فإن توسيع هذه المنظومة لحماية كامل الأراضي الأمريكية سيكون مكلفاً للغاية.
During President-Elect Donald J. Trump’s last Rally today before tomorrow’s Inauguration, he stated that he would direct the Military to begin construction of an “Iron Dome” Missile Defense Shield for the United States; likely in reference to Israel’s Aerial Defense Array, which… pic.twitter.com/eJ8va5ORfe
— OSINTdefender (@sentdefender) January 20, 2025كما أن بعض الدول، مثل كوريا الشمالية، تمتلك وسائل للتحايل على هذه الأنظمة، مثل استخدام رؤوس نووية مخفية أو تقنيات تبريد تجعلها غير مرئية للصواريخ الاعتراضية الحرارية.
كيف ستتفاعل الدول النووية الأخرى؟في حال نجاح خطة ترامب، فإنها ستؤثر على ميزان القوى النووي العالمي. فإذا تمكنت الولايات المتحدة من حماية نفسها بينما تحتفظ بقدرات هجومية نووية، فقد يدفع ذلك روسيا والصين إلى سباق تسلح متسارع للحفاظ على التوازن النووي.
يقول مانبريت سيتي، رئيس برنامج الأسلحة النووية في مركز دراسات القوى الجوية في نيودلهي: "إذا تمكنت دولة من حماية نفسها بينما تمتلك القدرة على تنفيذ الضربة الأولى، فإن ذلك يعد تهديداً خطيراً للاستقرار الاستراتيجي".
روسيا، على سبيل المثال، يمكنها ببساطة تحميل المزيد من الرؤوس النووية على صواريخها الحالية أو استهداف مناطق ذات دفاعات أضعف، مما يجعل الدرع الصاروخي عديم الجدوى من الناحية الاستراتيجية.
يتطلب الجزء الفضائي من النظام مئات الأقمار الصناعية، وهي سوق تهيمن عليها حالياً شركة سبيس إكس المملوكة لإيلون ماسك.
ورغم أن الحكومة الأمريكية لديها متعاقدون آخرون، إلا أن صواريخ ماسك تتميز بسعة تحميل أعلى وتكلفة أقل وتكرار إطلاق أكبر. ومع ذلك، قد يضطر ماسك إلى تقليل التركيز على مشروع ستارلينك، الذي يعد مصدر دخل رئيسياً لشركته.
لكن كل هذا يعتمد على ما إذا كان الكونغرس سيوافق على المشروع أصلاً، إذ يرى بعض الخبراء أنه أقرب إلى "الخيال العلمي" منه إلى الواقع.