مع استمرار التعثر العسكري الاسرائيلي في جبهتي غزة ولبنان، وتواصل الأزمة السياسية والدبلوماسية التي تعانيها دولة الاحتلال حول العالم، تزداد المطالبات الداخلية بضرورة إنجاز تسوية سياسية للحربين الجاريتين في الشمال والجنوب، سواء بسبب الضرورة الحيوية أو المنطق الاستراتيجي.

وقال  أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية بواشنطن، والمتخصص في الدراسات الأمنية والصراعات الحدودية، البروفيسور بوعاز إيتسيلي، إن "هذه الضرورات تجتمع لتشكل مطلبا واضحا مفاده أنه حان الوقت للتوصل إلى اتفاقيات تعيد المختطفين، وتنهي الحرب في قطاع غزة، وتبعد حزب الله عن الحدود الشمالية، وتسمح لجيش الاحتلال بالاستعداد للتهديد الإيراني الذي ما زال ماثلا".



وذكر   إيتسيلي، في مقال نشره موقع "واللا"، وترجمته "عربي21" أن "التطورات الحاصلة في العام الأخير داخل الاحتلال تؤكد الفرضية القائلة بأن الأخلاق والاستراتيجية لا يجتمعان دائمًا، لكن في بعض الأحيان، لا يكون الشيء الأخلاقي الذي ينبغي القيام به هو الشيء الذكي من الناحية الاستراتيجية".


وأضاف أنه "في بعض الأحيان، لا يكون التصرف الصحيح الذي ينبغي القيام به استراتيجيا أخلاقيا بالضرورة، لكننا اليوم في حربي غزة ولبنان اجتمعت الضرورة الأخلاقية والمنطق الاستراتيجي في مطلب واضح، ويعني أننا وصلنا إلى الوقت المناسب للتوصل إلى اتفاقات سياسية".

وذكر أن "الاتفاقات المطلوبة حاليا: أخلاقية واستراتيجية، ويجب أن تعيد المختطفين، وتنهي الحرب في غزة، وتبقي حزب الله بعيدا عن الحدود في لبنان، وتسمح لجيش الاحتلال والدولة بالاستعداد لمعركة طويلة وصعبة، عسكرية وسياسية، ضد التهديد الإيراني، بانتظار تشكيل لجنة تحقيق تكشف حجم الكارثة والإخفاق الذي وقعت فيه الدولة خلال هذا العام".

وأشار إلى أن "الحقيقة الماثلة اليوم التي تحتّم الحاجة لإنجاز مثل تلك التسويات في غزة ولبنان تتمثل في وجود أكثر من مائة مختطف، أحياء وموتى، ما زالوا في أسر حماس، رغم أنه واجب أخلاقي على الدولة أن تستعيدهم، وكل يوم يمرّ وهم في الأسر يعني أنها قررت التخلي عن هذا الالتزام، تمهيدا لإغلاق الدائرة مع أهالي الأحياء والموتى، مع العلم أن الوفاء بهذا الالتزام الأخلاقي لن يضرّ بالمصلحة الوطنية للدولة، ولن يعرّض أمنها ومواطنيها للخطر على المدى الطويل".

وأشار إلى أنه "من المنطلق الاستراتيجي، فإنه منذ سنوات عديدة، يشنّ الاحتلال حملة غير مباشرة ضد المليشيات المتحالفة مع إيران، لكنه الآن يخوض حملة مباشرة ضد إيران نفسها، ورغم الهجوم الجوي الأخير، لكن الحملة ستكون طويلة وصعبة، ويجب الدخول فيها بعيون مفتوحة، فإيران دولة أكبر بـ70 مرة من دولة الاحتلال، ويبلغ عدد سكانها 9 مرات، وناتجها القومي أكبر بأربع مرات تقريبا، وستكون هذه حربًا طويلة وصعبة ستتطلب تركيز الجهود، وتجنيد الحلفاء والحكمة".

وأوضح أن "التوصل إلى اتفاق في غزة يشكل ضرورة أساسية لهذا الجهد الإسرائيلي، فقد تم تفكيك القوة التقليدية التي تتمتع بها حماس، وتم القضاء على قيادتها العسكرية، ولم تعد تشكل تهديدا استراتيجيا للاحتلال، ومن خلال الاستعانة بسياسة ذكية عسكرية، واقتصادية، وسياسية، فإنها لن تشكل مثل هذا التهديد في المستقبل أيضاً، لكن استمرار القتال في غزة لا يسمح ببناء القوة للحرب تجاه إيران، وأكثر من ذلك فإن احتلال القطاع يعرض للخطر إمكانية بناء تحالف إقليمي يقف صفاً واحداً ضد إيران".


وأكد أنه "من أجل التوصل إلى اتفاق سياسي، فإنه لا يتعين علينا الضغط على حماس، لأن شروطها لإبرام الصفقة، وعودة جميع المختطفين لم تتغير منذ أكتوبر، وتتمثل في نهاية الحرب والانسحاب من غزة، ولم تتغير رغم التدمير الكامل للقطاع، مما يعني أن الضغط العسكري عليها لا يجدي نفعاً، وبمجرد أن يوافق الاحتلال على إنهاء الحرب، سيتم التوصل لاتفاق، وسيعود المختطفون، مع العلم أنه يمكن إنجازه في قطر هذا الأسبوع".

 وختم بالقول إن "الأمر ذاته ينطبق على الجبهة الشمالية، فبجانب الإنجازات العسكرية ضد حزب الله، سيسمح الاتفاق بتسوية تعيد مستوطني الشمال إلى منازلهم، وتبعد الحزب عن الحدود، وكل ذلك من شأنه تعزيز القوة المعنوية للاحتلال، وتعزيز القوة العسكرية، بما سيسمح له بالوقوف في وجه التحدي الإيراني موحدا وجاهزا، وهذا خيار أخلاقي واستراتيجي معاً، وفي الوقت ذاته".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية الاحتلال حزب الله لبنان الإسرائيلي لبنان إسرائيل فلسطين حزب الله الاحتلال صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی غزة

إقرأ أيضاً:

لبنان تحت الحصار مع استمرار الحرب

تناول المحلل السياسي جيمي ديتمر الوضع الهش في لبنان وسط الصراع المستمر بين إسرائيل وحزب الله، مشيراً إلى أن البلاد التي تعاني بالفعل من أزمة اقتصادية حادة وشلل سياسي طائفي، تواجه المزيد من عدم الاستقرار بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد حزب الله في جنوب لبنان.

قد يتحول لبنان إلى ساحة معركة للقوى الإقليمية.

وأكد الدبلوماسيون الغربيون، بمن فيهم وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، الانهيار الوشيك للبنان. وقال ديتمر في مقاله بموقع "بوليتيكو" الأوروبي، إن اللبنانيين محبطون من الضغوط لإجبارهم على سن إصلاحات سياسية سريعة. وربط الكاتب الركود السياسي في لبنان بمنصب الرئيس الشاغر؛ وهو الشغور الذي تفاقم بسبب الخصومات الطائفية ونفوذ حزب الله. ويؤكد تحذير بيربوك على خطر انهيار التنوع الطائفي الذي يتمتع به لبنان وسط تصاعد التوترات الإقليمية.
البحث عن الزعامة

ويفضل صناع السياسات الغربيون الجنرال جوزيف عون، المسيحي الماروني وقائد الجيش اللبناني، رئيساً محتملاً لتحقيق الاستقرار. وحافظ عون على حياد القوات المسلحة اللبنانية، ويُنسب إليه الفضل في قيادة حملة كبيرة ضد "داعش". ويعتمد الدعم الغربي على فكرة مفادها أن عون قد يتحدى قوة حزب الله ويحقق إصلاحات مؤسسية، مما يجعل الجيش اللبناني القوة المسلحة الشرعية الوحيدة.

The question of ‘what next?’ remains palpable as civilian casualties in both #Gaza, and now #Lebanon, are mounting, and political space in both regions that are under siege continue to persist without a blueprint for any off-ramps: @KabirTaneja https://t.co/qCe7PBilZI

— ORF (@orfonline) October 30, 2024

على الجانب الآخر، يزعم المنتقدون أن تفكيك نفوذ حزب الله بسرعة كبيرة، خاصة في غياب إجماع سياسي واسع النطاق، قد يشعل فتيل حرب أهلية. ويحذر مايكل يونغ من مركز كارنيغي للشرق الأوسط من أن الدفع نحو التغيير السريع دون إجماع من شأنه أن يؤدي إلى إشعال فتيل الصراع الطائفي. ويسلط الضوء على النمط التاريخي للعنف في لبنان الناجم عن القرارات المتخذة دون دعم واسع النطاق.


أمة هشة تواجه الخراب الاقتصادي  

وأضاف الكاتب "تتفاقم الفوضى السياسية في لبنان بسبب الانهيار الاقتصادي المنهِك منذ عام 2019، حيث يعيش أكثر من 85% من السكان تحت خط الفقر. وأدى انفجار بيروت عام 2020 إلى تعميق أزمة لبنان، مما أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وتسبب بأضرار جسيمة. وفي خضم الصراع الحالي، أصبح حوالي 20% من السكان نازحين، مع اكتظاظ الملاجئ والمخيمات المؤقتة. وتضيف هذه الأزمة الإنسانية مستوى آخر إلى تحديات لبنان، مما يجعل من الصعب على البلاد تحقيق الاستقرار وإعادة البناء.


طموحات إسرائيل ورعب لبنان

وأشار الكاتب إلى أوجه شبه بين التوغل العسكري الإسرائيلي الحالي وغزو إسرائيل للبنان عام 1982، والذي تطور إلى صراع طويل الأمد. وبينما يزعم المسؤولون الإسرائيليون أنهم لا يستهدفون سوى أفراد حزب الله والبنية التحتية، يعتري المراقبون اللبنانيون القلق بشأن نوايا إسرائيل الأوسع. ويخشى البعض أن تهدف إسرائيل إلى إخلاء جنوب لبنان والسيطرة عليه، وتحويله إلى "أرض خالية من الرجال" لمنع عودة حزب الله.

South Lebanon is starting to resemble Gaza.

Israel hasn't even invaded yet.

Hezbollah is actively destroying the country while Lebanon's national army sits on their asses doing literally nothing.

pic.twitter.com/0sVScPpFm0

— ???????????????? ???????????????? ♛ ✡︎ (@NiohBerg) May 14, 2024

وفي الوقت نفسه، يواصل حزب الله المقاومة، من خلال شن هجمات صاروخية عبر الحدود على إسرائيل. ويرى الكاتب أن هذه المقاومة المستمرة تعقّد هدف إسرائيل المتمثل في إنهاء عمليتها البرية، مما يثير الشكوك حول نهاية الصراع. ويعرب وزير الطاقة والمياه اللبناني وليد فياض عن مخاوفه من أن إسرائيل لديها أجندة "توسعية" يمكن أن تؤدي إلى المزيد من الدمار والنزوح.


مسار إلى الأمام؟

وتابع الكاتب "لا يزال مستقبل لبنان غير مؤكد، بين الضغوط الخارجية للإصلاح والديناميكيات الداخلية للسياسة الطائفية. ويرى صناع السياسات الغربيون فرصة لكبح نفوذ حزب الله بسبب انتكاساته العسكرية ضد إسرائيل".
ومع ذلك، يقول الكاتب، إن النهج القاسي لتقليص قوة حزب الله دون تأمين اتفاق واسع النطاق يخاطر بدفع لبنان إلى دورة جديدة من العنف الطائفي، منوهاً إلى أنه في حين قد يحث الغرباء على التغيير السياسي السريع، فإن التجربة اللبنانية تشير إلى أن القرارات الدراماتيكية الأحادية الجانب نادراً ما تنتهي بسلام في البلاد.
ورسم الكاتب صورة قاتمة للبنان كدولة هشة تواجه تهديدات عسكرية خارجية، وجموداً سياسياً داخلياً، وسقوطاً اقتصادياً حراً. وقال إن الصراع المستمر بين إسرائيل وحزب الله يهدد بجر لبنان إلى مزيد من الفوضى، مع تكثيف مخاطر الصراع الطائفي والأزمات الإنسانية.
ورأى الكاتب أنه في غياب استراتيجية واضحة لمعالجة الانقسامات الداخلية والضغوط الخارجية، تظل آفاق التعافي والاستقرار في لبنان محفوفة بالمخاطر. وقال ديتمر: دون إدارة حذرة، قد يتحول لبنان إلى ساحة معركة للقوى الإقليمية التي تسعى إلى تحقيق طموحاتها الخاصة.
.


مقالات مشابهة

  • مسؤول إسرائيلي: رد إيران على إسرائيل قد ينطلق من العراق
  • ما هو التسجيل الذي سربه المتحدث باسم مكتب نتنياهو بعد الهجوم على إيران؟
  • أكاديمي إسرائيلي: الجيش المتعثر بغزة يريد تنفيذ حلم المتطرفين في مملكة النيل والفرات
  • لبنان تحت الحصار مع استمرار الحرب
  • أكاديمي إسرائيلي: استمرار الحرب يضرّ بالضرورة الأخلاقية والإستراتيجية
  • من هو شارمهد الذي أعلنت إيران إعدامه؟
  • قراءة في موازين القوة والتأثير: الكيزان وقوى الحرية والتغيير وسط غبار الحرب السودانية
  • هل أخطأت المقاومة أم رأت ما لم نرَ؟!
  • سنوات الألم والرعب.. من هو شارمهد الذي أعلنت إيران إعدامه؟