نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا يتناول سيطرة الحكومة الصينية على معظم إنتاج المعادن النادرة في العالم، مما يمنحها نفوذا اقتصاديا كبيرا.

وأوضحت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، بأن الحكومة الصينية عملت منذ سنوات على محاربة أنشطة استخراج المعادن النادرة خارج سيطرتها، بما يتخللها من تجاوزات تهدد البيئة، واستحوذت بشكل شبه كامل على هذه الصناعة وعلى صادرات البلاد من هذه المعادن.



حماية البيئة والسيطرة على الصناعة
ونقلت الصحيفة عن ديفيد أبراهام، وهو استشاري في صناعة المعادن الأرضية النادرة، قوله: "لقد ولت عقلية الغرب المتوحش، حيث لم تكن البيئة تحظى بالاهتمام الكافي، والآن أصبحت الأمور أكثر تنظيمًا".

في السابق، كانت التكاليف البيئية للتعدين والتكرير غير المنظم باهظة لسنوات عديدة. ففي جنوب الصين، تحولت التلال المغطاة بالغابات وحقول الأرز إلى مساحات شاسعة من الطين السام، حيث استأجرت عصابات الجريمة الصينية عمالاً للتنقيب عن المعادن الخام ومعالجته في حفر حمضية غير مؤمنة.


وفي شمال الصين، بدأت المياه الجوفية الملوثة بالنفايات المشعة بسبب عمليات التنقيب تتسرب نحو النهر الأصفر، وأُغلقت آلاف الأميال المربعة من المراعي بسبب التلوث الناتج عن الغبار المشع من المصافي، ونفقت آلاف رؤوس الماعز.

واكتسبت عصابات المعادن الصينية سمعة عالمية سيئة للغاية، ففي إحدى الليالي سنة 2000، اقتحم عناصر إحدى العصابات مكتب إحدى الشركات المتخصصة في تجارة المعادن النادرة في هونغ كونغ وقتلت المدير العام بقطع رقبته. وتتبعت الشرطة الجناة المشتبه بهم إلى منطقة تعدين المعادن النادرة في مقاطعة غوانغدونغ الصينية المجاورة، قبل أن تفقد أثرهم.

وقالت الصحيفة إن بكين قامت، بدءًا من سنة 2006، بتقليل الكمية المسموح بتصديرها من المعادن النادرة تدريجيًا بشكل قانوني. وقد اتخذت قرارها لأسباب بيئية، حيث حذر الخبراء من آثار التلوث الذي تسببه الصناعة، وكذلك لتأكيد السيطرة على مكون رئيسي في سلاسل إمداد الشركات متعددة الجنسيات.

حملة رئيس الوزراء السابق
وقد أمر وين جياباو، رئيس وزراء الصين السابق، وهو جيولوجي حاصل على درجة الماجستير في المعادن النادرة، في 2011 بشن حملة في أنحاء البلاد لملاحقة عصابات الجريمة في مجال المعادن النادرة. وأدت الحملة إلى مداهمات واعتقالات وملاحقات قضائية؛ وانتزعت الحكومة السيطرة على 11 منطقة تعدين للمعادن النادرة من المسؤولين المحليين الذين حامت حولهم شبهات فساد.

مع ذلك، كان التقدم في السيطرة على هذه الصناعة بطيئًا. وقالت الحكومة الصينية في ورقة نشرتها في حزيران/ يونيو 2012: "لقد أدى التعدين المفرط للمعادن الأرضية النادرة إلى انهيارات أرضية، وانسداد الأنهار، وحالات طوارئ بيئية، وحتى حوادث وكوارث كبيرة، مما ألحق ضررًا كبيرًا بسلامة وصحة الناس والبيئة الإيكولوجية".

وقد أمر جياباو بدمج عشرات الشركات المرخصة في ست شركات تسيطر عليها الحكومة، وغالبًا ما يتم ذلك دون دفع تعويضات تذكر للمالكين.

وقال مايكل سيلفر، الرئيس التنفيذي لشركة "أمريكان إليمنتس"، وهي شركة مقرها لوس أنجلوس تقوم بتصنيع أو توزيع أكثر من 38,000 مادة كيميائية، إن مشروعًا مشتركًا للمعادن النادرة في الصين تمتلك شركته حصة فيه، قد تمت مصادرته دون تعويض في سنة 2012.


وقد أدت عمليات التدقيق الجمركي على صادرات المعادن إلى وقف تهريب المعادن النادرة من الصين في السنوات الأخيرة. وأدت نهاية فقاعة سوق المضاربة إلى انخفاض الأسعار وجعلت المناجم غير القانونية أقل ربحا.

مناجم في ميانمار
ومع ذلك، أفادت التقارير أن الكثير من عمليات التعدين المدمرة للبيئة لأحد العناصر المعدنية النادرة على وجه الخصوص - الديسبروسيوم المستخدم في صناعة رقائق الكمبيوتر المتقدمة والمغناطيس - قد انتقلت على بعد بضعة أميال عبر الحدود الجنوبية للصين إلى مناطق خارجة عن القانون في أقصى شمال ميانمار، ويتم جلب الخام إلى الصين لتكريره.

حاليا، تم تقليص الشركات الست المملوكة للدولة إلى ثلاث. وبفضل الدعم الحكومي المستمر، قامت هذه الشركات بانتظام بزيادة إمدادات المعادن الأرضية النادرة في الأسواق العالمية لخفض الأسعار كلما حاول المنتجون الغربيون زيادة إنتاجهم.

يقول سيلفر في هذا السياق: "سيفعلون كل ما يلزم، من خفض أسعار الفائدة، إلى التوظيف، إلى الأراضي. سيسيطرون دائمًا على إمدادات المعادن الأرضية النادرة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الصينية المعادن النادرة البيئة الصين بيئة معادن نادرة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المعادن النادرة الأرضیة النادرة النادرة فی

إقرأ أيضاً:

الابتكار العلمي والتكنولوجي في الصين.. قوة دافعة نحو المستقبل

 

 

تشو شيوان **

خلال الأيام الماضية برزت الصين كقوة دافعة للابتكار التكنولوجي وذلك بعد ظهور نموذج الذكاء الاصطناعي الصيني "ديب سيك"، وأيضًا كانت حاضرة في المشهد الإبداعي فقد حقق فيلم "نِه تشا 2" المرتبة الخامسة كأكثر الأفلام تحقيقًا للإرادات عالميًا، ما عَرَّف العالم على الابداع الصيني عالي الجودة.

ومن الملاحظ أن الصين في السنوات الأخيرة تشهد طفرة هائلة في مجال الابتكار العلمي والتكنولوجي والابداعي، من الذكاء الاصطناعي وعلوم الفضاء إلى الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الحيوية، وهذا التقدم الملحوظ لم يأت من فراغ، بل هو نتاج استثمارات ضخمة وجهود حثيثة تبذلها الحكومة الصينية لتحويل البلاد إلى قوة عظمى في مجال العلوم والتكنولوجيا.

لقد شدد الرئيس الصيني شي جين بينغ أثناء حضوره اجتماع مجموعة مشتركة خلال الدورة الثالثة للمجلس الوطني الـ14 للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، على تعزيز دور التعليم في دعم التقدم العلمي والتكنولوجي، فضلا عن تطوير المواهب، ودعا إلى فهم عميق لاحتياجات التحديث صيني النمط فيما يتعلق بالتعليم والعلوم والتكنولوجيا والمواهب، وقال إن الهدف هو تنشئة تدفق مستمر من المواهب، وإطلاق إمكاناتهم الكاملة، وضمان الاستفادة الكاملة من قدراتهم.

ومن خلال حديث الرئيس شي نجد أن الحكومة الصينية تدرك أهمية الابتكار العلمي والتكنولوجي في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولذلك خصصت استثمارات ضخمة لدعم البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، وفقًا لتقارير إعلامية تجاوزت نسبة إنفاق الصين على البحث والتطوير 2.5% من إجمالي الناتج المحلي، وفي عام 2023 بلغ عدد براءات الاختراع المصرح بها 921 ألفا، بزيادة قدرها 15.3 في المائة عن العام الأسبق، مما يعكس التزام الصين ببناء اقتصاد قائم على الابتكار، مع استمرار الصين في تعزيز قدراتها في مجالات البحث والتطوير والابتكار، من المتوقع أن تُواصل ريادتها في العديد من المجالات التكنولوجية، والتزامها بتطوير القوى الإنتاجية الحديثة وتبنيها لاستراتيجيات التنمية المستدامة يُشير إلى مستقبل مشرق، حيث ستظل الصين في طليعة الدول التي تُشكِّل ملامح الابتكار العلمي والتكنولوجي على مستوى العالم.

حققت الصين إنجازات بارزة في مختلف المجالات العلمية والتكنولوجية؛ فمثلًا في علوم الفضاء، نجحت الصين في إنزال مركبة فضائية على الجانب المظلم من القمر، وأطلقت محطة فضائية خاصة بها، كما تخطط لإرسال بعثات مأهولة إلى القمر في المستقبل القريب، وفيما يخص صناعة الطائرات فقط بدأت الصين في صناعة طائراتها المدنية الخاصة بها؛ إذ تُعد الطائرة الصينية C919 إنجازًا كبيرًا في صناعة الطيران الصينية؛ حيث تمثل أول طائرة ركاب كبيرة يتم تصميمها وتصنيعها محليًا في الصين. وتتميز الطائرة C919 بتصميم حديث يعتمد على تقنيات متطورة؛ حيث يمكنها حمل ما يصل إلى 168 راكبًا في نسختها القياسية، وتصل مداها إلى حوالي 4075 كيلومترًا، ويعكس نجاح هذا المشروع الطموح الصيني في تحقيق الاكتفاء الذاتي في صناعة الطيران وتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية. ومن المتوقع أن تؤدي C919 دورًا مهمًا في تعزيز مكانة الصين كقوة عالمية في صناعة الطيران، خاصة مع تزايد الطلب على الطائرات التجارية في الأسواق المحلية والدولية.

أما فيما يخص بالذكاء الاصطناعي، فتحتل الصين المرتبة الثانية عالميًا في عدد براءات الاختراع المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، وتطبق هذه التكنولوجيا في مختلف القطاعات، من الرعاية الصحية إلى النقل والخدمات المالية، وأجد أن الاختراقات التي حققتها الصين في مجال الذكاء الاصطناعي قد تحفز تحولات نموذجية في مختلف التخصصات العلمية.

وفيما يخص الطاقة النظيفة، تعد الصين أكبر منتج للألواح الشمسية وتوربينات الرياح في العالم، كما أنها تستثمر بكثافة في تطوير تكنولوجيا الطاقة المتجددة الأخرى، مثل الطاقة الكهرومائية والطاقة النووية، والصين تُدرك أهمية التنمية المستدامة، لذا تُركِّز على الابتكار في المجالات البيئية والتكنولوجيات الخضراء. من خلال تبني مفاهيم التنمية الخضراء، وتسعى إلى تحقيق توازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة، مما يُعزِّز جودة الحياة لمواطنيها ويُساهم في الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي، وهو ما يعكس أيضًا التزام الصين كدولة عظمى مع قضايا العالم الحساسة في وقت تتخلى عدة دول عن التزاماتها البيئية، أيضًا فيما يخص التكنولوجيا الحيوية فتشهد الصين تقدمًا سريعًا في مجال التكنولوجيا الحيوية، حيث تطور أدوية وعلاجات جديدة لأمراض مستعصية، كما تنجح في إنتاج محاصيل زراعية معدلة وراثيًا.

من وجهة نظري، أجدُ أن المستقبل يبدو واعدًا للابتكار العلمي والتكنولوجي في الصين، خصوصًا مع استمرار الدعم الحكومي والاستثمارات الضخمة، ومن المتوقع أن تحقق الصين المزيد من الإنجازات الرائدة في مختلف المجالات، مما سيمكنها من تعزيز مكانتها كقوة عظمى في مجال العلوم والتكنولوجيا، والإسهام في حل التحديات العالمية، مثل تغير المناخ والأمراض المعدية.

وفي الختام يمكننا القول إن الابتكارات العلمية والتكنولوجية في الصين تُشكِّل قوة دافعة نحو المستقبل؛ حيث تسهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحسين مستوى معيشة المواطنين، وتعزيز مكانة الصين على الساحة الدولية. ومع استمرار الجهود والاستثمارات، من المتوقع أن تشهد الصين المزيد من الإنجازات الرائدة في هذا المجال، مما سيفتح آفاقًا جديدة للتعاون الدولي ويصب في مصلحة البشرية جمعاء.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية

 

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • هيئة الدواء: تنفيذ الاستراتيجية الوطنية بتوطين التصنيع الدوائي في إفريقيا.. ونواب: مصر دولة ذات تاريخ كبير في هذه الصناعة لمدة 100 عام
  • دراسة: العالم لا يزال معتمدا على الصين في المعادن النادرة
  • شعبة الأدوات الكهربائية تطالب بدعم الشركات الناشئة وتعزيز تنافسيتها في السوق
  • مانجا تعزز حضورها العالمي
  • كنوز المغرب المعدنية.. هل تتسيد سوق بطاريات السيارات العالمي؟
  • العابد يتدارس مع جيان سيل تسريع عودة الشركات الصينية للعمل في ليبيا
  • الابتكار العلمي والتكنولوجي في الصين.. قوة دافعة نحو المستقبل
  • لماذا تسعى الشركات الصينية وراء السيارات الطائرة والذكاء الاصطناعي؟
  • ترامب يواجه الصين: منشآت لمعالجة المعادن داخل القواعد العسكرية الأمريكية
  • روسيا تتحدى الصين.. فرض رسوم على السيارات الصينية لمنع تدفقها بالأسواق