في مقالة نشرت عام 2016، تساءلت ذي نيويوركر: هل يجلب الضغط الحكومي جائزة نوبل في الأدب لكوريا الجنوبية؟
تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
في ميدان جوانج هوامون بالعاصمة الكورية الجنوبية سيول، ثمة تمثال برونزي لامع للملك سيجونج العظيم، وهو رابع حكام أسرة جوسيون. يشرف التمثال على اثنتي عشرة حارة مرورية ويقع من ورائه مجمع قصر جيونج بوكجونج، الذي يضم اليوم متحف القصر الوطني. من مآثر الملك سيجونج الكثيرة البارزة ـ من قبيل رعايته لاختراع مقياس المطر، وإقراره إجازة الوضع للأقنان ـ ما يبقيه في القلوب والذاكرة، وهو اختراعه أبجدية هنجول hangul الكورية، وذلك حدث يُحتفى به في إجازة وطنية، تحل في أكتوبر من كل عام بكوريا الجنوبية.
لا يزال إجلال الكلمة المكتوبة مشهودا في الثقافة الكورية الجنوبية. فتحمل كبرى مكتبات بيع الكتب في سيول شعارا رفيعا يقول إن «البشر يبدعون الكتب، لكن الكتب هي التي تبدع البشر». ويبلغ معدل إجادة القراءة والكتابة في البلد 98%. وقبل أن يتفشى فيروس ميرس MERS ويفرض تأجيل معرض سيول الدولي للكتاب في الخريف، كان المنظمون يتوقعون حضور أربعمائة ألف شخص للفعالية التي تستمر خمسة أيام في جانجنام (عند إقامته في النهاية لم يحضر غير خمسين ألفا). وتبلغ مبيعات صناعة النشر السنوية في البلد 2.7 مليار دولار، وتعمل الصناعة إلى حد كبير من داخل مجمع حكومي يطلق عليه مدينة باجو للكتاب التي تحتوي مقرات مائتين وخمسين دار نشر، بأسقف عالية ونوافذ واسعة تطل على أشجار وقصب وجداول متعرجة. ومن المنتظر أن يمتد المجمع على مساحة ثلاثمائة وسبعين فدانا عند اكتماله. ووفقا لبيان هذا المشروع فإن «المدينة ترمي إلى استرداد الإنسانية الضائعة».
يقال إن الناشرين الكوريين الجنوبيين ينشرون قرابة أربعين ألف عنوان جديد في العام. وثمة جدل بطبيعة الحال حول ما يقرأه الكوريون حقا من هذه الكتب. في عام 2005، أجرت مجموعة أبحاث سوق بريطانية دراسة استقصائية واسعة الانتشار، وضعت كوريا في المرتبة الأخيرة بين ثلاثين قوة عالمية من حيث الساعات التي يقضيها الشخص في القراءة. (جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة والعشرين والهند في المرتبة الأولى). خلال العقد الماضي، أطلقت الحكومة الكورية حملة لزيادة استعمال المكتبات العامة وتشجيع القراءة في المدارس، ولكن طلبة المدارس في الثمانينيات والتسعينيات يتذكرون وضعا مختلفا، إذ قال جونج بوم هور، وهو الآن مترجم يبلغ من العمر أربعة وثلاثين عاما، إن «قراءة الأدب في كوريا تعد خارج المنهج، وعندما تصل إلى الدراسة الإعدادية أو الثانوية ـ أي قبل خمسة عشر إلى عشرين عاما في حالتي ـ كانت تعد إهدارا للوقت. فمن يقرأ رواية كان يقال له «إنك تهدر وقتك، يجدر بك أن تحل مسائل الرياضيات، أو تجتاز تجربة أخرى على امتحان سات الكوري».
اليوم لا تكتفي الحكومة بتشجيع الشباب على القراءة لكنها تحاول أيضا أن تحمل غير الكوريين على قراءة الكتب الكورية، ففي مقابل ميدان جوانج هوامون يقع (معهد كوريا للترجمة الأدبية) الذي أقام أخيرا ورشته السنوية الرابعة عشرة لترجمة الأدب الكوري ونشره. بميزانية تقدر بعشرة ملايين دولار وثمانين موظفا، يعمل معهد الترجمة الأدبية ـ التابع لوزارة السياحة والثقافة والرياضة ـ على زيادة توزيع الأدب الكوري المترجم في العالم. وفي مؤتمر عقد سنة 2015 حول «الترويج العالمي لـ(كتب الكيه) أو (الكتب الكورية) [فهي مثل أغنيات الكيه الشهيرة بالنسبة للكتب]، استقدم معهد الترجمة الأدبية ناشرين ومترجمين ومحررين وقانونيين، من الولايات المتحدة واليابان وروسيا وسنغافورة والمملكة المتحدة. جلس فريق من المترجمين الفوريين في حجيراتهم المعتمة في خلفية قاعة المؤتمر، يترجمون كلمات المتحدثين عبر لغات عدة في وقت إلقائها بينما تشبث الحاضرون بسماعات سوداء صغيرة.
تعد الورشة السنوية إحدى مبادرات كثيرة يقوم بها معهد الترجمة الأدبية من مبناه ذي الطوابق الخمسة في مقاطعة جانجنام. ينظم المعهد دورات ترجمة مجانية، ويصدر نشرة ربع سنوية بالعناوين الجديدة المترجمة، ويدعم ترجمة ونشر الأدب الكوري بالخارج، ويرسل الكثير من كتَّاب كوريا الجنوبية لحضور فعاليات أدبية في العالم. فضلا عن خطط كبرى لدى هذه الهيئة. يقول رئيس المعهد (كيم سيونج كون) في مقالة كتبها بكوريا هيرالد سنة 2012 إن «كتابا صينيين ويابانيين حصلوا بالفعل على جائزة نوبل، وأعتقد أن الوقت حان لأن يحظى كاتب كوري بالجائزة المرموقة أيضا».
وهذا أيضا طموح عدد لا بأس به من مواطني كيم. فكوريا الجنوبية ـ بإجمالي ناتج وطني يبلغ 1.4 ترليون دولار ـ تعد الاقتصاد الثالث عشر من حيث الضخامة في العالم، بعد أستراليا وكندا. لكن في حين أن كندا وأستراليا لديهما اثنان وعشرون وثلاثة عشر فائزا بجوائز نوبل على الترتيب، فليس لدى كوريا الجنوبية غير فائز واحد (إذ فاز الرئيس كيم داي يونج بنوبل في السلام سنة 2000)، بما يجعلها متخلفة عن أمثال لوكسمبرج وتيمور الشرقية وسان لوشيا (التي لديها اثنان). وفي مقالة بكوريا تايمز نشرت بعيد إعلان جوائز نوبل سنة 2015، كتب جاي كيم عضو الكونجرس السابق عن ولاية كاليفورنيا ـ وهو من مواليد كوريا ـ راثيا حال بلده الأم، وعجزه مرة أخرى عن إنتاج فائز بنوبل في أي فئة. كتب «إنه لأمر مثير للحرج أن تفتقر قوة اقتصادية كبرى إلى مثل هذا الإنجاز».
ليست كوريا بالدولة الوحيدة التي تضطلع حكومتها بدور نشط في وضع أدبها تحت أنظار لجنة نوبل. فقبل أن يفوز الروائي والمسرحي صيني المولد جاو شين جيانج بجازة نوبل في الأدب سنة 2000، قامت الحكومة الصينية بحملة شبه رسمية على مدى قرابة ثلاثين سنة، في جهد توثقه جوليا لافيل في كتاب «سياسات رأس المال الثقافي: سعي الصين إلى جائزة نوبل في الأدب». تكتب لافيل أن جائزة نوبل كانت تُرى بوصفها شيئًا من شأنه أن «يبرز مكانة الصين بوصفها حضارة قوية حديثة دولية». لكن فوز جاو لم يهدئ كثيرا من قلق الصين النوبلي لأن في أعماله خطوطا معارِضة ولأنه مواطن يحمل الجنسية الفرنسية.
على نطاق أصغر، يمكن العثور على مؤسسات الترجمة المدعومة حكوميًا في بلاد كثيرة أخرى، تعمل من أجل العثور على جماهير عالمية لآداب أوطانها. وفي هذا الصدد قال لي تشاد بوست مدير دار نشر (أوبن ليترز) غير الربحية المتخصصة في الترجمة الأدبية التابعة لجامعة روتشستر: إن «الدنمارك رائعة، والنرويج جيدة للغاية، والمكتب الألماني للكتاب فعال جدًا». عمل تشاد بوست مع عدد من أمثال هذه المؤسسات وقال: إن «مركز الأدب الإستوني، ومركز الأدب اللتواني، وكثيرًا من هذه البلاد التي تتحدث لغات غير كبيرة الشيوع تنزع إلى التركيز بشكل كبير على تنظيم هذه المراكز الأدبية والقيام بعمل جيد في تنظيمها حتى تحظى بفرصة». غير أن ما تختلف فيه جهود كوريا هو ميزانيتها ونطاقها. «فالمال لديهم أكثر كثيرًا من تلك البلاد لكن الذي يميزهم في تقديري هو وجود التدريب». في رأي بوست أن سر التفرد يكمن في برامج معهد الترجمة الأدبية ودأبه على التكليف بإنجاز ترجمات كاملة للأعمال بغض النظر عن اهتمام دور نشر بها من عدمه.
من أجل الفوز بنوبل، لا بد لكوريا الجنوبية أن تنتح أولا من الكتب ما تستطيع لجنة نوبل أن تقرأه، ويقع عبء ذلك رأسا على معهد الترجمة الأدبية. قال لي (يون يانج) أحد المتحمسين للأدب الذين قابلتهم في معرض العام الماضي الدولي للكتاب: إن العجز عن لفت انتباه نوبل متصل بـ«قضايا أدبية، فالكورية لغة شديدة الصعوبة، وأعتقد شخصيا بوجود كثير جدا من الأدب الجيد في كوريا، إنه لأمر محبط، أعتقد أن لجنة نوبل بحاجة إلى أن تتعلم الكورية أولا، وحينئذ سوف يفوز الكوريون بالجائزة».
لا يطفو اليوم على السطح من الأسماء الكورية في النقاشات المتعلقة بنوبل إلا اسم واحد في الغالب هو (كو أون) الراهب البوذي والناشط والشاعر الثمانيني. تعرض للسجن في عقدي السبعينيات والثمانينيات لاشتراكه في حركة معارضة مناصرة للديمقراطية، وبعد إطلاق سراحه بدأ الكتابة السياسية. قال لي الأخ أنطوني من جمعية تايزيه، وهو أستاذ متقاعد من جامعة دانكوك القريبة من سيول ومترجم كو أون الأساسي إن كون أون «في التسعينيات من القرن الماضي، وبعد أن تحرر قليلا، انطلق في نشر الكتب، فهو يصدر ما بين أربعة وخمسة في العام». وأعمال كو أون شاسعة النطاق، فهو يكتب قصائد الحب، والقصائد السياسية، والقصائد السيرية، والتأملات في الطبيعة». قبيل إعلان جائزة نوبل في الخريف الماضي، ظهر اسمه بوصفه الحصان الأسود لدى المضاربين في شركة لادبروكس البرياطانية للمراهنات إذ ارتفعت فرصة فوزه من 40/1 إلى 20/1 مع اقتراب الإعلان.
التقيت بالأخ أنطوني قبيل ساعات من إعلان جائزة نوبل في الأدب سنة 2015. وفيما كنا نتكلم، جاءه إشعار من بريده الإلكتروني على شاشة الكمبيوتر، كانت رسالة من صحفي دنماركي وكانت كلمات (كو أون) و(جائزة نوبل) واضحة في خانة (موضوع) الرسالة. تنهد الأخ أنطوني. فقد بات الرد على استفسارات الصحفيين طقسا سنويا في الساعات والأيام السابقة على إعلان الجائزة. حكت لي الروائية (يونج آي هيون)، التي تؤرخ أعمالها لحياة النساء الكوريات الرومنتيكية والمهنية، عن مرة طلب فيها صحفي تلفزيوني منها إجراء حوار وتسجيل رسالة تهنئة لكو أون وكأنه فاز بالجائزة بالفعل. فرفضت. ضحكت يونج آي هيون إذ تذكرت حماسة الصحفي، ثم استعادت جديتها وقالت: «كلما أثير حديث حول من سيحصل على جائزة نوبل، أشعر بطريقة ما أنني ارتكبت خطأ. لا أظن أنه خطأ بالضبط، لكني أشعر بالأسف؟ مؤكد أنني كاتبة كورية، لكنني لست الكاتبة التي يمكن أن تفوز بنوبل وتحقق مثل هذه السعادة».
برغم أن آمال كوريا في نوبل معلقة على كو أون، فهو نفسه غير ذي شعبية كبيرة وسط القراء الكوريين، فحينما شارك في قراءة شعرية في معرض الكتاب الدولي في أكتوبر، لم يحضر للاستماع إليه إلا أكثر قليلا من خمسين شخصا. قال الأخ أنطوني: «إن كوريين كثيرين لا يحبون كو أون». ونظرا لتقدمه في السن، ينفد الوقت وتتضاءل فرص حصوله على نوبل، وما من مرشحين واضحين للجائزة بعده من كوريا الجنوبية. أشار تشارلز مونتجومري أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة دونجوك ومدير موقع (ktlit.com) للأدب الكوري إلى أن الأكاديمية السويدية تنزع إلى إيثار أنواع معينة من الكتاب فـ«هم يفضلون الذكور تفضيلا كبيرا، ويفضلون كبار السن لأنهم لا يريدون الكاتب أن يغير معتقداته السياسية. ويؤثرون الأبطال السياسيين، ممن وقفوا للدفاع عن شيء مخاطرين من أجله بالغالي والنفيس، وبالطبع كو أون عنده كل هذه المؤهلات، فإذا ما تجاوزته تجد فجوة لا تقل عن عشرين سنة، ثم إن كان مثل هذا الكاتب موجودا، فإنني لا أعرفه».
ثمة من يشككون في حكمة السعي إلى الجائزة، يقول تشارلز لا شور، الأستاذ بجامعة سول الوطنية والمترجم الذي عمل مع معهد الترجمة الأدبية «لو أنك نظرت إلى الكتاب الذين فازوا بالجائزة في الماضي، لرأيت أنه شيء لا يتحقق بالحملات، ولا يتحقق بخطط حربية تضعها ثم تقول «سنتبع هذه الخطة وسوف تنتهي بنا إلى الفوز بجائزة نوبل». الأمور لا تجري على هذا النحو. فالحاصلون على نوبل بصفة عامة -في الأدب على الأقل- لا يمكن تصنيعهم».
ومع ذلك، فالسباق إلى تكوين ذائقة دولية تستطيب الجيل التالي من كتاب كوريا الجنوبية العالميين جارٍ بقوته الكاملة في معهد الترجمة الأدبية. فحينما التقيت بيونج آي هيون كانت هي وكاتبة أخرى، هي الروائية وطالبة الدكتوراة (كيم كوايونج أوك) تتناولان الغداء مع ثلاثة من موظفي معهد الترجمة الأدبية ومع راسل فالنتينو الأمريكي الذي يدير دار نشر صغيرة باسم أوتَم هيل بوكس. كان معهد الترجمة الأدبية قد استضاف فالنتينو في سول للمساعدة في العثور على كاتب كوري ينشر له في داره. ولم تكن كيم ويونج غير اثنتين من الكتاب المخطط له أن يقابلهم في دوامة الغداءات والعشاءات.
قام تشاد بوست أيضا بمثل هذه الرحلة التي تتم برعاية معهد الترجمة الأدبية إلى سول، مع ويل إيفانز صاحب دار نشر ديب فيليوم، وروس أوفرج من دار نيوفيسل في الشتاء الماضي. قال بوست «إنهم [أي الكوريين] تولوا نفقات كل شيء وكانوا أسخياء بصورة لا توصف ومن كل وجه. أقمنا في فندق مبهر فيه أجمل مرحاض رأيته في حياتي. كان الأمر كله رائعا». وأهم من ذلك أن الرحلة أثمرت لكل المشاركين فيها. قال بوست: «كلنا الآن في ثنايا نشر بعض الكتب التي عثرنا عليها في الرحلة».
ولكن التقرب من الناشرين واحدًا تلو الآخر عملية بطيئة. ولتعجيل تعريف الجماهير الغربية بالعناوين الكورية، يدرس معهد الترجمة الأدبية افتتاح دار نشر خاصة به في تكساس. لذلك شهدت ورشة الترجمة مشاركة قاض محلي من دالاس يدعى (دون بي تشايي) إذ ألقى الكلمة الرئيسية بعنوان «المسائل القانونية المتعلقة بافتتاح دار نشر كورية تابعة لمعهد الترجمة الأدبية في الولايات المتحدة». وقبل التفصيل في الفروق بين الشركات ذات المسؤولية المحدودة والشركات ذات الشراكة المحدودة والمنظمات غير الربحية، أشار تشايي إلى ما حدا به -وهو قانوني من تكساس- إلى المجيء لحضور هذا المؤتمر الأدبي في سول في المقام الأول، وذلك هو: احتمال الحصول على نوبل، فقال: «أريد أن أقدم إسهامًا صغيرًا، مهما بلغ من الصغر، لهذا الحدث الفارق حينما يحصل كاتب كوري على الجائزة. ذلك سبب وقوفي بين أيديكم اليوم».
على المستوى النظري، سوف يساعد افتتاح دار نشر في أمريكا بإدارة من معهد الترجمة الأدبية في إزالة إحدى أكبر العقبات التي يواجهها المعهد وهي عرض ترجماته. قد يصعب إقناع دور دولية بنشر وترويج كتب كورية حسبما قال لي (كيم يون جين) مدير قسم الترجمة والنشر بمعهد الترجمة الأدبية «وذلك لأن على هذه الدور أن تفكر، بمعايير السوق، في الربحية». والواقع أن من أكبر نجاحات معهد الترجمة الأدبية حتى الآن ما جاء عن طريق دار نشر غير معنية بالجدوى التجارية وهي دار دالكي أركييفز. تضم سلسلة مكتبة الأدب الكوري التي تصدرها الدار خمسا وعشرين من المخطوطات التي ترجمها معهد الترجمة الأدبية. يقول جون أوبراين، مؤسس دار دالكي ومديرها إن «فكرة الشروع في قراءة أدب من كوريا، ذلك الشعور الذي ينتاب الأمريكيين، شعور: كيف نبدأ؟ وبأي الكتب نبدأ؟». تجيب السلسلة هذه الأسئلة بنطاق واضح لقراء الكتابة الكورية الجدد. غير أن إطلاق الكتب قوبل بتجاهل إلى حد كبير في الولايات المتحدة. ففي السنوات الثلاث المنصرمة منذ إطلاق السلسلة، ومع دعمها بمئات آلاف الدولارات من معهد الترجمة الأدبية في كوريا، لم يعرض من الإصدارات الكبرى غير ذي نيويوركر وهاربرز لأي من الكتب العشرين الصادرة حتى الآن.
بعيدا عن جهود معهد الترجمة الأدبي، حقق عدد صغير من الروايات الكورية جماهيرية في الغرب في السنوات الأخيرة. ففي عام 2007 حققت رواية «من حقي أن أدمر نفسي» لـ(كيم يونج ها)، وهي رواية عدمية تتناول الحياة الكورية الحديثة، قدرًا جيدًا من القراءة في الولايات المتحدة مما جعل دار هاوتن ميفلين هاركورت تطلق عناوين تالية لكيم هي «جمهوريتك تناديك» (2020) و«زهرة سوداء» (2012). ثم حدث فتح أكبر في عام 2011 عندما صدرت «من فضلك اعتنِ بي» لـ(كوايونج سوك شين) عن دار نشر نوبف وفازت بجائزة مان آشيان الأدبية المرموقة بعد أن بقيت لفترة قصيرة في قائمة نيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعًا وأشير إليها في مجلة أوبرا. وفي 2015 صدرت «النباتية» لهان كينج بترجمة ديبورا سميث وقوبلت بثناء نقدي في المملكة المتحدة، وسوف تصدر في الولايات المتحدة في فبراير.
كل هذه النجاحات النقدية والتجارية يمكن أن تنسب إلى جهود وكيل أدبي مستقل واحد هو (جوزيف لي) من وكالة (كيه إل مانيجمنت). تبنى (لي) اسم جوزيف للاستعمال المهني تكريما لكاتبه المحبب جوزيف كونراد. وجوزيف لي رجل ذو شعر منسدل وابتسامة عريضة وذوق غريب. تتناول رواية «من حقي أن أدمر نفسي» قصة رجل يساعد الناس، بالمجان، على الانتحار. ورواية «من فضلك اعتنِ بي» قصة أم معطاءة هجرها أبناؤها. وتحكي «النباتية» قصة امرأة تعاودها أحلام عنيفة تنحدر بها إلى الجنون.
كان من المفيد أيضا أن شين وكين -وكذلك صن مي هوانج التي عثر كتابها «الدجاجة التي حلمت أنها تستطيع الطيران» على ناشر أمريكي بفضل لي- كانا من أكثر الكتاب مبيعا في كوريا الجنوبية. ومع ذلك يبقى سجل لي مثيرا للإعجاب بوصفه السفير الأدبي الفرد. وهو يعتقد أن العقبة الحقيقية التي تواجه الكتب الكورية في الخارج هي أن الكوريين أنفسهم لا يهتمون الاهتمام الكافي بالكتابة العظيمة. قال «قبل أن تتمنى للكتاب الكوريين الحصول على جائزة نوبل، عليك أن تبدي اهتماما بالأدب الكوري. من المؤسف أن كثيرًا من الناس لا يقرأون الكتب لكنهم يتمنون الفوز بجائزة نوبل».
قال لي جونج بوم هور: «لو أنك نظرت إلى الأمر من وجهة نظر الحكومة، فهي طريقة جيدة جدا لخلق نوع من البروباجندا الدولية، وها أنا أقولها صريحة، التي نستطيع من خلالها أن نروج كوريا عبر أدبنا. والأدب الكوري مثل الأغنية الكورية أو أي شيء. ودأب كوريا أن تتدخل الحكومة؛ لأن تدخلها أفلح في أمور أخرى. وهور، الذي قال إن قراءة الروايات كانت تعد أمرًا غير مهم عندما كان تلميذا في المدرسة ـ يدرس في دورة أتلييه الترجمة التابعة لمعهد الترجمة الأدبية التي تقام كل أسبوعين. من الساعة السابعة إلى الساعة التاسعة مساء يلتقي طلبة الدورة الأربع فينتقدون بحماس ترجمات بعضهم بعضا للشعر والنثر، ويجري نقاش حيوي: فهم في لحظة يقارنون شخصيتين في قصة قصيرة بشخصيتي مولدر وسكولي، وفي اللحظة التالية يتجادلون في أدق وصف لنوع معين من الأسيجة كان يستعمل في مواقع البناء في ذروة جهود إعادة التنمية في كوريا الجنوبية، في سبعينيات القرن العشرين.
في حين أن «تحسين علامة كوريا التجارية الوطنية» هدف مدرج ضمن الأهداف في موقع معهد الترجمة الأدبي على الإنترنت، فإن صورة الحياة الكورية مثلما تظهر في أغلب أعمال البلد الأدبية صورة مقبضة. فالأعمال التي حظيت بأكبر الاهتمام في الخارج حكايات موحشة، مضفورة بالمعاناة. وبوسع القراء الباحثين عن الأعمال الأدبية الكورية المنشورة حديثا أن يختاروا بين كتب مثل «يمكننا على الأقل أن نعتذر» و«ما لا يعثر عليه في أي مكان» و«لا أحد يرد على الرسائل» و«الفتاة التي كتبت الوحدة». فهذه قصص عن مرضى في مستشفيات الأمراض العقلية، والمتشردين، والشبان الواقعين في شراك وظائف عديمة الآفاق وعلاقات غرامية بلا غرام. وحينما سألت رئيس معهد الترجمة الأدبية أي صورة لكوريا أو انطباع عنها يود أن يخرج به القراء الذين لم يزوروا البلد من أدبه، أبرز رغبته في أن ينقل الأدب «المصاعب والأعمال الوحشية» التي عانى منها الشعب الكوري و«الأوجاع» التي خبروها في كل طور من أطوار التحديث. يعتقد جوزيف لي أن بعض الكآبة جوهري في الكتابة الكورية. قال لي: إن «الكوريين مروا بتاريخ عصيب للغاية، الاستعمار الياباني، والحرب الكورية، والحركات الديمقراطية. فقد يكون طبيعيا وجود هذه الصور للصراع والفقد والغم والهم».
يحسب لمعهد الترجمة الأدبية أنه في سياق سعيه إلى استكشاف ما سوف تستجيب له الجماهير العالمية قد أبدى عزيمة صادقة على المجازفة بتجربة كل ألوان القصص، حتى القصص التي قد لا يستسيغها القراء. كما بدأ البحث عن روايات نوعية [من قبيل روايات الإثارة والرعب وما إلى ذلك ـ المترجم] لتسويقها بالخارج بجانب المزيد من الأعمال الأدبية. من أجل هذه الأسباب، قد يكون الفوز بجائزة نوبل سلبيا على الثقافة الأدبية في البلد. قال تشارلز مونتجومري «أخشى في حال فوز كو أون بنوبل أن تعلن الحكومة ومعهد الترجمة الأدبية النصر وتوقف جهودها». وأبدى تشارلز لا شوري مخاوف مماثلة فقال: «سيحدث في وقت ما أن تفوز كوريا بجائزة نوبل في الأدب، لكن أرجو ألا يحدث هذا بسرعة».
ميثيلي جي راو منتجة سابقة لبرنامج New Yorker Radio Hour.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الولایات المتحدة جائزة نوبل فی الأدب کوریا الجنوبیة الأدب الکوری بجائزة نوبل الأدبیة فی فی کوریا دار نشر قال لی من أجل
إقرأ أيضاً:
كوريا الجنوبية ورئيس الوزراء الكندي يحذران من تدخل كوريا الشمالية بحرب أوكرانيا
قال مكتب الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، اليوم الأربعاء الموافق 30 أكتوبر، إن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو قال إن نشر قوات كورية شمالية في الصراع في أوكرانيا من المرجح أن يؤدي إلى تصعيد الحرب التي تشنها روسيا.
ووفق لوكالة رويترز، قال ترودو إن الحرب ستترك تأثيرا أكبر على البيئة الأمنية في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، واقترح تعاونا اكبر بين البلدين بشأن الوضع المتطور، وفقا لمكتب يون.
كما أكدت الولايات المتحدة، أمس الثلاثاء، وجود بعض الجنود الكوريين الشماليين في منطقة كورسك، وهي منطقة حدودية روسية نفذت فيها القوات الأوكرانية توغلاً كبيراً في أغسطس وتسيطر على مئات الكيلومترات المربعة من الأراضي.
وقال البنتاجون إن بضعة آلاف آخرين كانوا في طريقهم إلى هناك.
فيما قال مسؤولون من كوريا الجنوبية إن بعض القوات الكورية الشمالية ربما تم نقلها إلى الخطوط الأمامية وأعربوا عن قلقهم بشأن ما قد تقدمه روسيا لبيونج يانج في المقابل.
وقال مكتب يون إن "رئيس الوزراء ترودو قال إن احتمال اشتعال حرب أوكرانيا بشكل أكثر شراسة زاد مع نشر القوات الكورية الشمالية في روسيا، وسيكون لهذا تأثير على الأمن العام في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ".
وقال يون إن وتيرة نشر القوات الكورية الشمالية في الصراع في أوكرانيا كانت أسرع من المتوقع، مما خلق وضعا خطيرا، بحسب مكتبه.
ولم ينكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تورط القوات الكورية الشمالية في الحرب، لكنه قال إن روسيا هي التي تقرر كيفية تنفيذ معاهدة الشراكة التي وقعها مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون في يونيو.
وقدرت وزارة الدفاع الأميركية أن 10 آلاف جندي كوري شمالي تم نشرهم في شرق روسيا للتدريب، أكثر من تقدير بلغ 3 آلاف جندي الأربعاء الماضي.