الأزمة اللبنانية.. والقرارات الدولية
تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT
حاز لبنان عشرات القرارات الدولية، ويصل إلى حدود المئات المتصلة بالوضع اللبناني ربطاً بقضايا إقليمية أخرى عربية أو غير عربية، وتكاد هذه القرارات بمعظمها تتصف بخصوصيات متماثلة، لجهة النوع والقوة القانونية التي ترتكز إليها عادة القرارات الدولية.
وبالنظر لوضع لبنان الجيوسياسي في منطقة تعجّ بالقضايا الملتهبة، علاوة على خصوصية أوضاعه الداخلية، لجهة التركيبة الاجتماعية والسياسية والديموغرافية، وآثارها الواضحة في علاقاته الخارجية، وتداخل الكثير من الفواعل الإقليمية والدولية في سياقات الواقع اللبناني، برزت بعض القرارات الدولية بطبيعة وأهمية خاصتين، وبدأت تتردّد وتتماهي مع الكثير من المناسبات والقضايا التي يمرّ بها لبنان، وبات بعضها الآخر بمثابة النصوص الدستورية التي ينبغي اتباعها وعدم الخروج عنها، رغم عدم ضرورة وصول هذه القرارات إلى مستويات تجبر التعاطي فيها، كضرورة لازمة.أولى هذه القرارات الأكثر حضوراً في الحياة السياسية اللبنانية ذات الطابع الدولي، اتفاقية الهدنة الصادرة في مارس (آذار) 1949 ضمن قرار دولي وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهي كغيرها من اتفاقيات الهدنة الموقعة بين بعض الدول العربية وإسرائيل، كسوريا والأردن ومصر بعد حرب عام 1948، وقد أسس هذا القرار لمسار وإطار طويل لطبيعة الواقع اللبناني في الصراع العربي - الإسرائيلي، وارتبط وضعه بالعديد من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن ذات الصلة.
ظل هذا الواقع مقبولاً إلى حدّ بعيد خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وتغيّرت أهمية التعاطي معه بتغير الظروف اللاحقة، ومن بينها دخول عمل المقاومة الفلسطينية من جنوب لبنان بعد حرب عام 1967 واتفاق القاهرة 1969 الذي وضع إطاراً لوجود المقاومة الفلسطينية في لبنان، ومع الواقع الجديد بدأت القرارات الدولية تصدر تباعاً وبشكل مكثف نسبياً بعد عام 1970، وصولاً إلى عام 1978 الذي شكّل تاريخاً مفصلياً مع القرار 425/ 1978، والقرار 426/ 1978، وهو يشكّل في طبيعته إطاراً تنفيذياً من الناحية المبدئية، ذلك بعد الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان وقيام إسرائيل بفرض شريط حدودي، استمر حتى عام 2000.
ومع اجتياح إسرائيل للبنان في عام 1982 وهو الأوسع حيث وصلت لبيروت، صدرت العديد من القرارات أهمها 508 و509 و520، وهي قرارات دعت إلى انسحاب إسرائيل وجميع القوى غير اللبنانية من لبنان، ومن بينها أيضاً القوات السورية التي دخلت في إطار قوات الردع العربية في عام 1976 إلى لبنان، إضافة إلى قوات المنظمات الفلسطينية التي تمّ سحب قواتها العسكرية من لبنان إلى تونس.
في العامين 1993 و1996 نفذت إسرائيل عمليتين عسكريتين واسعتين ضد لبنان، وما لبثت أن عادت إلى حدود الشريط المحتل في عام 1978 بعد صدور قرارات عن مجلس الأمن متصلة بالأزمة، إضافة إلى ما سُمّي آنذاك اتفاق نيسان 1996، وهو في إطار دولي تمّ التوافق عليه خارج نطاق مجلس الأمن الذي نظم طبيعة ومدى العمليات العسكرية لجهة حماية المدنيين على جانبي الحدود بين لبنان وإسرائيل.
لقد شكّل اغتيال الرئيس رفيق الحريري تحوّلاً في الحياة السياسية اللبنانية وما يرتبط بها من ظروف وصراعات إقليمية ودولية؛ حيث صدر العديد من القرارات كان أبرزها 1595 / 2004، ولاحقاً العديد من القرارات ذات الصلة بلبنان 1655 /2006، والقرار 1680، و1697 /2006، وصولاً إلى القرار 1701 / 2006، الذي شكّل حجر الرحى في إحاطة الواقع اللبناني، لا سيما التوصل لوقف إطلاق النار والعمليات العسكرية القائمة حالياً في لبنان.
في واقع الأمر يشكل القرار 1701 مرجعاً رئيسياً للوضع القائم، إلا أن إسرائيل المعنية الأخرى بتطبيقه والتي وصلت خروقاتها له إلى أكثر من 33000 خرق منذ صدوره، وفي ظل الواقع القائم حالياً، ترفض تطبيقه وفقاً للصيغة الصادرة فيه، وهي تسعى عبر الوسيط الأمريكي أموس هوكشتاين إلى محاولة تعديله، عبر إضافة نصوص ذات طابع تنفيذي، وهو أمر يرفضه لبنان، للعديد من الأسباب العملية والقانونية.
في المبدأ، ثمّة مطالبة بإعادة صياغة القرار 1701 وللقرارات السابقة التي استند إليها، كالقرار 1595 و1680 وغيرها، وهي قرارات تمّ الاستناد إليها في بنية القرار، فمن الناحية القانونية هي تعتبر قرارات قائمة رغم نسخها قانوناً بفعل الاستناد وحلول قرار جديد محلها أي القرار 1701، ومن حيث الإجراءات القانونية، ثمّة تجاوز في حالة السعي للتعديل، فالقرار الدولي لا يعدّل قانوناً إلا من الجهة التي أنشأته، وفي هذه الحالة يعتبر مجلس الأمن هو من أصدره، وينبغي أن يعمل على تنفيذه ولو عبر استعمال القوة، رغم أنه صدر وفقاً للفصل السادس لا السابع الذي يلزم استعمال القوة في حال عدم التنفيذ، باعتبار أن الحالة القائمة حالياً تهدد الأمن والسلم الدوليين.
ومن غريب المفارقات، أن إسرائيل التي تسعى إلى تعديل القرار 1701، للقبول بوقف إطلاق النار، هي نفسها لم تلتزم به يوماً، حتى القرار الذي اتخذه مجلس الأمن لقبولها عضواً في الأمم المتحدة، وضع شرط قبول إسرائيل بقرار التقسيم، وهي سابقة في الأمم المتحدة، تعليق شرط قبول العضوية على القبول بتنفيذ أحد قرارات المجلس.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إسرائيل وحزب الله القرارات الدولیة من القرارات مجلس الأمن القرار 1701
إقرأ أيضاً:
ما الذي سيفعله الرئيس الشرع لمواجهة إسرائيل؟
خطا الرئيس السوري أحمد الشرع ثلاث خطوات مُهمة نحو إعادة توحيد سوريا، ومواجهة مشاريع تقسيمها. الأولى، إفشال التمرد المُسلّح الذي قادته خلايا النظام المخلوع في مناطق الساحل بهدف إسقاط الدولة الجديدة وإشعال حرب أهلية. والثانية، إبرام اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لدمجها في الدولة الجديدة، والثالثة، الاتفاق مع أهالي ووجهاء محافظة السويداء الجنوبية على دمجها الكامل في مؤسسات الدولة.
مع ذلك، تبقى مُعضلة الجنوب السوري إشكالية ضاغطة على سوريا؛ بسبب التحركات التي بدأتها إسرائيل منذ الإطاحة بنظام الأسد واحتلالها أجزاء جديدة من الأراضي السورية ومحاولتها تأليب دروز الجنوب على إدارة الرئيس الشرع.
على الرغم من أن إسرائيل سعت في البداية إلى تسويق تحرّكاتها العدوانية في سوريا في إطار مواجهة مخاطر أمنية مزعومة تُهددها، فإن النهج الإسرائيلي أصبح بعد ذلك أكثر وضوحًا، خصوصًا بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 23 فبراير/ شباط الماضي عن نوايا إسرائيل الإستراتيجية في سوريا. وتتضمن هذه النوايا تحقيق أربعة أهداف متوسطة وبعيدة المدى.
أولًا، تكريس احتلال المنطقة العازلة في الجولان وقمة جبل الشيخ الإستراتيجية كأمر واقع من خلال ربط التواجد الإسرائيلي فيهما بالتهديدات المزعومة بعيدة المدى التي تواجه إسرائيل من سوريا، وليس القريبة المدى. وبالنظر إلى أن المناطق المُحتلة الجديدة ليست كبيرة من حيث الحجم، فإن إسرائيل قادرة على الاحتفاظ بها، إما بهدف ضمها لها بشكل نهائي، أو بهدف تعزيز موقفها في أي مفاوضات مستقبلية مُحتملة مع النظام الجديد في سوريا.
ثانيًا، محاولة إحداث شرخ كبير بين الدروز في جنوب سوريا والإدارة الجديدة كبوابة لتأسيس كيان درزي كمنطقة عازلة بينها وبين سوريا. ولا تقتصر وسائل إسرائيل بهذا الخصوص على تشجيع النزعة الانفصالية بين الدروز، وتقديم نفسها كحامٍ لهم، بل تشمل كذلك طرح مطلب تحويل جنوب سوريا إلى منطقة منزوعة السلاح وعدم انتشار الجيش السوري الجديد فيها، فضلًا عن اعتزام السماح للدروز بالعمل داخل إسرائيل.
ثالثًا، تدمير ما تبقى من الأصول العسكرية التي أصبحت ملكًا للدولة السورية بعد الإطاحة بنظام الأسد من أجل إضعاف القدرات العسكرية لهذه الدولة، وتقويض قدرتها على امتلاك عناصر القوة لبسط سيطرتها على كافة أراضيها وللتعامل مع التحديات الأمنية الداخلية التي تواجهها، خصوصًا مع الأطراف: (قسد، خلايا النظام في الساحل، والتشكيلات المسلحة في الجنوب). وتندرج هذه الإستراتيجية ضمن أهداف إسرائيل في تشجيع النزعات الانفصالية على الأطراف لإضعاف السلطة المركزية في دمشق.
رابعًا، تقويض قدرة تركيا على الاستفادة من التحول السوري لتعزيز دورها في سوريا، وفي المنافسة الجيوسياسية مع إسرائيل في الشرق الأوسط. ولهذه الغاية، تعمل إسرائيل على مسارات مُتعددة، ليس فقط محاولة إيجاد موطئ قدم لها بين الدروز في الجنوب، بل أيضًا شيطنة الإدارة السورية الجديدة للتأثير على القبول الدولي بها، والضغط على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لعدم الاعتراف بالرئيس الشرع، وإبقاء العقوبات على سوريا كسيف مُصلت عليها لتحقيق مصالح إسرائيل، والضغط كذلك على واشنطن لإقناعها بالحاجة إلى بقاء الوجود العسكري الروسي في سوريا كضرورة لمواجهة نفوذ تركيا.
حتى في الوقت الذي يبدو فيه تقسيم سوريا أو فَدْرلتها أو تحويل الجنوب إلى منطقة منزوعة السلاح (عدم وجود الجيش السوري فيها)، غير مُمكن وغير واقعي، فإنه من المرجح أن تحتفظ إسرائيل باحتلال المنطقة العازلة وقمة جبل الشيخ الإستراتيجية لفترة طويلة.
كما ستسعى لاستثمار الفترة الطويلة التي ستستغرقها عملية بناء الدولة الجديدة ومؤسساتها العسكرية والأمنية من أجل مواصلة شن ضربات على امتداد الأراضي السورية؛ بذريعة مواجهة تهديدات مُحتملة، أو خطر وقوع مثل هذه الأسلحة في أيدي جماعات تُشكل تهديدًا لإسرائيل.
إن هذا النهج الإسرائيلي المُحتمل ينطوي على مخاطر كبيرة على سوريا وإدارتها الجديدة، لأنه سيُقوض من قدرتها على تحقيق استقرار داخلي كامل وبناء مؤسسة عسكرية قوية. ولا تبدو احتمالية الدخول في حرب مع إسرائيل واردة على الإطلاق على جدول أعمال الرئيس الشرع، خصوصًا في هذه المرحلة التي تفرض عليه تركيز أولوياته على إنجاح المرحلة الانتقالية، وإعادة بناء الدولة، وبناء علاقات جيدة مع الغرب من أجل رفع العقوبات المفروضة على سوريا وإطلاق عملية إعادة الإعمار.
لقد شدد الشرع في القمة العربية الطارئة، التي عُقدت في القاهرة، على ضرورة العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل لعام 1974، بما في ذلك انسحاب إسرائيل من الأراضي الجديدة التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد. ويعمل الشرع على ثلاثة سياقات لمواجهة التحدي الإسرائيلي.
التأكيد على التزامه باتفاقية فض الاشتباك لإظهار رغبته في تجنب أي صدام عسكري مع إسرائيل.
تقويض قدرة إسرائيل على استثمار الانقسامات الطائفية والمجتمعية والعرقية في سوريا من خلال السعي لدمج الحالات على الأطراف: (الشمال الشرقي، الساحل، الجنوب) في الدولة الجديدة.
تعزيز القبول الدولي به لإقناع القوى الفاعلة في المجتمعين: الإقليمي والدولي بالضغط على إسرائيل للحد من اندفاعتها في سوريا، والعودة إلى الوضع الذي كان قائمًا في الجنوب قبل سقوط نظام بشار الأسد.
علاوة على ذلك، يُحاول الشرع توسيع هامش المناورة لديه في مواجهة التحدي الإسرائيلي من خلال تعميق الشراكة الجديدة لسوريا مع تركيا.
على الرغم من وجود مشروع لاتفاقية دفاع مشترك بين تركيا وسوريا، فإن الشرع لا يزال متريثًا في الإقدام على هذه الخطوة لاعتبارات مُتعددة. لكنه في حال تصاعد خطر التحدي الإسرائيلي على استقرار سوريا ووحدتها، فإنه قد يلجأ إلى هذه الاتفاقية للحصول على دعم تركي في تسليح الجيش السوري الجديد، وتعزيز قدرته على مواجهة هذا التحدي.
والخلاصة أن التحدي الإسرائيلي يُوجد عقبات كبيرة أمام نجاح التحول في سوريا، لكنه يُوجد في المقابل فرصًا للشرع لبلورة إستراتيجية متكاملة للتعامل مع هذا التحدي، وتعزيز القبول الدولي به كضمان لمنع اندلاع حرب بين سوريا وإسرائيل في المستقبل.