قم يا برهان: هناك شرطي جديد في المدينة
تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT
على عجل عن خطاب الخنوع والخضوع والخيبة والانكسار
لا يصلخ خطاب البرهان اليوم بمناسبة عيد الجيش لأي شئ. لا بصلح حتى لتزجية فراغ مرتادي احتفالات أقمار الضواحي من فرط نعومته وخيبة محتواه .
مثل هذا الخطاب لا يصلح لمخاطبة أكلة النار (أنظر الصورة) ولكنه يصلح لمخاطبة أكلة طعام حميدتي الذين سارت بذكر جلوسهم في المطبخ الركبان.
هو خطاب يصلح لل(سانات) وال(مٰكنات) ولابسي البنطلونات الناصلة الذين يريد أن يطبع بخطابه الباهت قبلة الحياة على شفاههم فيهتفون: كنداكة جاء بوليس جرى!
الخطاب غير جدير بالقراءة إلا ضمن مراجعة لاحقة لأدبيات عصر الانحطاط الذي يقوده صاحب الخطاب.
لكن والحال كذلك لا نجد بأساً من الإشارة إلى عبارتين جارحتين للشعب السوداني الكريم وجنديه الحمش الذي تغنى له الكرام بأنه (فوق الجمر بمش):
واحد:
* دولة الحرية والسلام والعدالة التي يحلم بها شباب بلادي بعد توافق نتفادي فيه كل تجاوزات وأخطاء ما قبل 15 أبريل ٢٠٢٣م لنصل إلي صيغة سياسية محكمة وعادلة ومقبولة*
ما زلت تردد نفس الشعارات الخائبة تقرباً من أصحابها الخائبين وليس حولك من يحدثك بشعار ينتسب هذه المرحلة حيث الشعب يريد الإنتصار وهزيمة الأعداء وتحقيق الأمن ومحاسبة المجرمين وتلقين الخونة دروس العمر!
الشعب ليس بحاجة لحرية من استخدم نصر الدين عبدالباري والتي غايتها السماح بسفر النساء دون إذن الأهالي.
الشعب لا يريد سلاماً موقعاً مع متبطلي فنادق جوبا ومتسكعي شوارع كمبالا الذين وقفت أمامهم بصوتك المبحوح وغنيت لهم .. ما أبخس الغناء وما أتعس المغني!
الشعب لا يريد عدالة السجن دونما أحكام، وعدالة الحرمان من العلاج حتى الموت، والطرد من الوظائف ومصادرة الممتلكات دونما بينات، ومنع التلاميذ من الدراسة بسبب انتماء الآباء السياسي. ما أرخص عدالة الابتزاز والسرقة والنهب والاحتيال!
*فليسمع البرهان مرة: الشعب لا يريد لا حرية ولا سلام ولا عدالة فهو قد قرأ قاموسكم وحفظه ويعرف بالضبط ما تعنون.*
إثنان:
* شكراً لجوار وأصدقاء السودان الذين سعوا ويسعون معنا لإعادة الأمن والإستقرار إلي وطننا الغالي*
يا لعار البرهان في عيد الشرف/ عيد الجيش! من هم جوار وأصدقاء السودان الذين تتوجه إليهم بالشكر؟
أتشكر إثيوبيا التي استخدمت كل طاقتها الدبلوماسية لمحاربتك وتضع العملاء من الجنود على أهبة الاستعداد لاجتياح النيل الأزرق إذا حمي الوطيس في الخرطوم؟
أتشكر جنوب السودان الذين لم يعتنوا بكف يد عبدالعزيز الحلو دميتهم الذي منحته دولة ومطاراً وعلماً وعلاقات دولية في عهدك الخاسر؟
أتشكر ليبيا التي تشارك في الحرب بشكل مباشر ضد السودان؟
أتشكر تشاد التي باع رئيسها إرث والده وجعل من أم جرس محطة إسناد وتسليح لقوات يرفضها شعبه الكريم قبل شعبنا؟
كن رجلاً ووجه الشكر فقط لجمهورية مصر العربية التي لم يجد الشعب السوداني ملاذاً غيرها، ولا سنداً سواها، ولا عضداً أقوى له منها.
من كتب لك هذا الخطاب؟ هل كتبه عمر الدقير من فيض تهويماته التي يخادع بها نفسه وهو يزعم قربى مع الأدب؟
هل كتبه من كتب خطاب ناجي الأصم حاوي الرسائل الخاسئة المرتدة حسيرة إياه، والذي كان مداده دموع محمود درير المخادعة ودموع اللصوص المتسولين الآخرين الذين اقتاتوا على رشاوى ضحايا #لجنة_التمكين وفتات العون الأمريكي وأموال الإتحاد الأوروبي وصندوق دعم الديمقراطية الذي دفع حتى لمديري مجموعات الواتساب؟
قم يا برهان: هناك شرطي جديد في المدينة
محمد عثمان إبراهيم
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
الذين يشبهون الدعاء لا يُنسَون
عائشة بنت سالم المزينية
هناك أشخاص حين تلتقي بهم، تشعر أنك لم تلتقِ بشخص، بل بدعاء سكن قلبك يوما، ولبّاه الله لك دون أن تدري. أولئك الذين يشبهون الدعاء لا يمرّون مرور الكرام في حياتنا، بل يزرعون شيئا ناعمًا في الروح، شيئًا لا يُرى بالعين، ولا يُقاس بالكلمات، لكنه يبقى. يبقى كأثر المطر على الأرض، وكطمأنينة السجود بعد ضيق.
ولأنهم يشبهون الدعاء، فإن حضورهم لا يكون صاخبا، بل هادئا يشبه نسيم الفجر، يدخل القلب دون استئذان، ويُضيء العتمة دون أن يُشعل ضوءًا. هم أولئك الذين يكفون عن الكلام حين يحين وقت الإصغاء، ويُحسنون الظن بك حين تعجز عن تبرير صمتك. وجودهم لا يعتمد على قرب المسافة، بل على نقاء النية، وصدق الشعور، وسخاء القلب.
وفي كل مرحلة من مراحل العمر، لا بد أن تصادف شخصًا واحدا على الأقل، يُعيد ترتيبك من الداخل. لا يطلب شيئا، لا ينتظر رد الجميل، لا يسعى لفرض حضوره، فقط يكون هناك حين تحتاج، كأن قلبه يرنّ مع ألمك، وكأن نفسه لا تهدأ حتى يطمئن عليك. هؤلاء لا يُنسَون، لأنهم ببساطة يشبهون تلك اللحظات التي بُثّت فيها أمنياتنا إلى السماء.
ولذلك، حين تتقاطع دروبنا مع أشخاص بهذه الروعة، فإننا نكسب شيئا أكبر من مجرد علاقة، نحن نكسب امتدادا روحيا لا يشيخ، لا يتغير بتقلبات المزاج، ولا يتبدد مع الزمن. وفي الحقيقة، ليست الصداقات التي تدوم هي الأطول عمرا، بل هي الأصدق أثرا. هؤلاء، هم أولئك الذين تجد آثارهم في كل لحظة فرح أو حزن، في كل إنجاز أو سقطة، كأنهم يرافقونك سرا حتى حين لا يكونون بجانبك.
ومن اللافت أن هؤلاء الأشخاص لا يبحثون عن أن يكونوا مميزين، هم فقط يعيشون ببساطة، ولكنهم يحملون قلوبا أكبر من العالم. تراهم في كلماتهم، في طريقة إنصاتهم، في تلك التفاصيل الصغيرة التي لا ينتبه لها أحد سواهم. هم يصغون أكثر مما يتحدثون، ويمنحون أكثر مما يأخذون، ويبتسمون رغم ما يخبئونه من أثقال.
ومع مرور الزمن، تكتشف أن أجمل العلاقات هي التي لا تحتاج إلى إثبات دائم. الذين يشبهون الدعاء لا يجعلونك تشك في محبتهم، لا يُربكونك بتقلّباتهم، لا يجعلونك تُرهق نفسك بتأويل كلماتهم. هم ببساطة نعمة، ومن رحمة الله بالقلوب أن يرزقها بأمثالهم في الوقت الذي يكون فيه الإنسان بأمسّ الحاجة ليد خفيفة على كتفه، أو لصوت صادق يقول له: "أنا هنا".
وعلى الرغم من أن الحياة تمضي، والوجوه تتغير، والأيام تأخذنا في دوّاماتها، إلا أن أولئك الذين يتركون فيك هذا الأثر الطيب، يبقون في القلب كأنهم تعويذة راحة، كأنهم غيمة طيبة تظلل عليك كلما اشتد الحر، كأنهم سكينة أُهديت لك في لحظة حيرة.
ومن المهم أن نعي، أنه كما نُرزق بهؤلاء الأشخاص، فإن علينا أيضا أن نسعى لنكون نحن من يشبهون الدعاء للآخرين. أن نُخفّف، لا أن نُثقل. أن نستمع، لا أن نحكم. أن نترك أثرا طيبا، حتى لو لم نعد موجودين. فالحياة لا تُقاس بعدد الأصدقاء، بل بجودة القلوب التي مرّت بنا.
وهنا، لا بُد أن نتأمل: من الأشخاص الذين يأتون إلى ذاكرتنا حين نكون في قاع الحزن؟ من أولئك الذين نشعر بوجودهم حتى وهم بعيدون؟ من الذين نُرسل لهم في سرّنا دعاءً خالصا لأننا لا نملك إلا أن نحبهم دون مصلحة؟ هم بلا شك الذين يشبهون الدعاء، أولئك الذين نحتفظ بهم في دعائنا لأنهم نادرا ما طالبوا بشيء، لكنهم أعطونا كل شيء.
ولعلّ أجمل ما في هذا النوع من البشر، أنهم لا يتبدلون حين تتبدل الظروف، ولا يخذلون حين يشتد التعب. هم الثابتون حين يتغيّر كل شيء. تراهم في رسائل بسيطة، في مكالمة مفاجئة، في دعاء صامت، في نصيحة غير متكلّفة، في وقفة لا يُرجى منها مقابل.
وما أجمل أن نكون مثلهم، أن نمرّ في حياة الآخرين كنسمة طيبة، لا تُؤذي، لا تُثقل، لا تُحاكم، بل تُساند، وتبتسم، وتدعُو في ظهر الغيب. إن الذين يشبهون الدعاء لا يحتاجون إلى مقدمات طويلة، ولا إلى تبريرات عند الغياب، لأن حضورهم يكفي ليملأ القلب رضا، وذكراهم تكفي لتسند الروح حين تتعب.
وهنا، تأكد أن الحياة لا تحتفظ بكل من مرّ بك، لكنها لا تنسى أبدا من شابه الدعاء في حضوره، وأثره، ونقائه. فلا تكن من أولئك الذين يعبرون الحياة بأصواتهم المرتفعة، بل كن من الذين يعبرونها بأثرٍ لا يُمحى، ومن أولئك الذين إذا ذُكروا، سبقتهم دعوة صادقة من قلب أحبهم بصدق.
فالذين يشبهون الدعاء لا يُنسَون، لأن الله وحده هو من وضعهم في دروبنا، في اللحظة التي كنّا فيها بأمسّ الحاجة لهم.