يبدو واضحاً أن المهمة الأكثر إلحاحاً التي ستواجه الولايات المتحدة الأمريكية، تكمن في كيفية رسم صورة جديدة لوجودها في منطقة الشرق الأوسط، أملا في الوصول إلى تغيير ملامحها التي باتت واضحة، نتيجة للمآسي المؤلمة التي سببتها الأزمة الإنسانية في غزة والجنوب اللبناني، والتي زادت من حدة حالة عدم الاستقرار، وضاعفت من احتمالات تسريع تفكيك خريطة الشرعية المرسومة دوليا، في معاهدات واتفاقيات تقاسم النفوذ منذ نهاية الحرب العالمية الأولى لدول المنطقة.



وإن كانت عملية غزو العراق قد كشفت في النهاية حقيقة زيف الأهداف الأمريكية المعلنة، والمتمثلة في إرساء الديمقراطية والسلام في العراق، ومن ثم التأثير لاستمرار سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، أظهرت شعارات الدفاع عن الحريات المدنية والدينية وحقوق الإنسان في العالم العربي والإسلامي، على أنها لم تكن إلا مجرد وهم من أوهام اللعبة السياسة، التي تتقنها القوى الكبرى في علاقتها المرسومة الثابتة في الأجندات، ومعاهد الدراسات العالمية، إذا ما نظرنا بعين الاهتمام إلى غياب الموضوعية الأمريكية الواضح، في كيفية إدارتها للأزمة التي تمر بها بلداننا، وباختلاف الإدارات التي جاءت بها الانتخابات الأمريكية.

وعلى الرغم من الأهمية الإقليمية التي تحظى بها نتائج الانتخابات الأمريكية، في حالة عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وعلى العكس من ذلك، ما قد يجلبه فوز المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس بالنسبة لقضايا الشرق الأوسط ، بيد ان فرص نجاح أحد هذين الاحتمالين قد لا يسمح في تغيير الأفق المتصل بالجغرافيا السياسية والدور المستقبلي للولايات المتحدة في الشؤون العالمية.

وقد تتساءل دول وحكومات العالم العربي والإسلامي، عما إذا كانت قضية العرب المشتركة في الدفاع عن فلسطين، من خلال حل الدولتين وإرساء السلام، ستحظى بالأفضلية من قبل الديمقراطيين، أم من قبل الجمهوريين، وهل أن الولايات المتحدة الأمريكية وبغض النظر عن طبيعة الإدارة المقبلة، جادة لوضعها في أولوية سياستها المقبلة، لإعادة حقوق الشعوب المشروعة وإرساء السلام الدائم في المنطقة؟

لا شك في أن السمة الواضحة التي تميز السياسة الخارجية الأمريكية في السنوات الأخيرة، تتمثل في الحرص على تحجيم الدور المتزايد الذي تلعبه الصين في العالم، فعلى الرغم من الأهمية التي يتمتع بها الصراع المسلح بين روسيا وأوكرانيا، وتداعيات الحرب المدمرة الإسرائيلية على غزة ولبنان، إلا ان مقومات الخطر الاقتصادي والسياسي الصيني يبقى ضمن أولى الأولويات في استراتيجية واشنطن العالمية، إضافة للتحديات المستمرة التي تواجه الولايات المتحدة مع روسيا وعلاقة هذه الأخيرة مع الصين في الحرب في أوكرانيا وإيران، وهذا ما قد يزيد من الأهمية والأولوية للإدارات المقبلة في تعاملها مع هذا الدور المتزايد الذي تلعبه بكين.

من هنا، أصبح من الصعوبة إن لم يكن من المستحيل، أن نتجاهل قراءة واضحة للمستقبل، وفق معطيات المنطق والواقع، الذي فرضه تشابه السياسة الخارجية الأمريكية من موقفها من سياسة حليفتها إسرائيل، من دون الرجوع إلى الأسباب الحقيقة لهذا الانحياز الواضح، الذي يضمن ويؤمن مصالح الدولة العبرية.

فلا يمكن لناقد او متتبع في السياسة، أن يتجاهل حجم علاقة الغرب وأمريكا من خلال اعتبار الدفاع عن إسرائيل أحد أهم الأولويات والواجبات للسياسة الخارجية، وهذا ما يوضح حجم التباين في ميزان القوى، مقارنة بأولويات أمريكا مع أولويات الدول العربية، التي تعتبر القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار القدرة السياسية والعسكرية التي تتمتع بها هذه القوى العظمى.

لقد كان لدعم إدارة بايدن لحرب إسرائيل في غزة ولبنان، الدليل والإشارة الواضحة لحجم التباين بين هذه الأولويات، وهذا ما ترجم أسباب استمرار تقويض مصداقية الولايات المتحدة في علاقاتها مع دول المنطقة، وصمتها على منطق العقاب الجماعي الخطير بحق المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين، أو عن طريق إذلال العراقيين والسماح بمسح تاريخهم وهويتهم، عن طريق فرض الصراع السني ـ الشيعي، وجعل منطقة الشرق الأوسط بؤرة لأشكال عدة من الفوضى وتصعيد الصراعات الإقليمية بين الاشقاء لتصب في النهاية لصالح إيران وأجندتها التوسعية.

يبقى السؤال عن احتمالات تغير الموقف الأمريكي واستراتيجيته في العراق، في حال فوز مرشح الرئاسة دونالد ترامب على الرغم من تشابه أهداف الإدارات الأمريكية وحرصها في الدفاع عن الأحادية الدولية في عالم أحادي القطب، على الرغم من اختلاف الأحزاب والرؤساء لكونهما وكما يراه ويلمسه الكثيرون، وجهين لعملة واحدة، لا تختلف مواقفهم إلا من خلال التباين في طرق تنفيذ الأهداف المركزية الثابتة، التي لا تتغير بتغير من سيمثل البيت الأبيض، إلا من خلال الخصوصيات والتباين في وجهات النظر.

ففي الوقت الذي اعتبر الرئيس الجمهوري السابق الحرب على العراق بمثابة الخطأ الكبير، حرصت إدارة بايدن الديمقراطية على استمرار علاقتها «العلنية ـ السرية« مع نظام ولاية الفقيه الإيراني، في طرق التعامل والتوافق في الملف النووي سعيا لإفشال الأهداف الروسية والصينية الهادفة إلى شل القدرة الأمريكية في تثبيت أهدافها في الشرق الأوسط.

ومع استمرار الحرب على غزة وجنوب لبنان، قد يكون من الأفضل للرئيس المنتخب الجديد، تبني دور أكثر عقلانية وأكثر جرأة، من خلال إعطاء الأولوية لإدارة الصراعات في الشرق الأوسط، اذ كان راغباً في إرساء السلام، وهذا ما يلزم الجهتين، معالجة هذه الإشكالية والتفرغ لإيجاد الحلول العادلة لقضية العرب المركزية، بدلاً من تجاهلها وإجبار نظام الولي الفقيه في الوقت نفسه على وقف التحدي للنظام الإقليمي العربي، حتى لا تتحول شعارات الانتخابات الأمريكية للشرق الأوسط، منبرا لتحقيق استراتيجية انتخابية في الولايات المتحدة، وساحة للألغام لدول المنطقة نفسها.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الولايات المتحدة ترامب هاريس الولايات المتحدة الإنتخابات الأمريكية ترامب هاريس السباق الرئاسي مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الانتخابات الأمریکیة الولایات المتحدة الشرق الأوسط على الرغم من الدفاع عن من خلال وهذا ما

إقرأ أيضاً:

مؤسس منتدى الجامعة الأمريكية: نحتاج 80 عامًا لبناء غزة

كشف الدكتور بهجت قرني، مؤسس وأول مدير لمنتدى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، عن أننا نحتاج 80 سنة لبناء غزة بعد تدمير المدارس والمستشفيات ولبنان أصبحت غزة أخرى.

جاء ذلك في أول جلسة ضمن سلسلة المائدة المستديرة الإعلامية "ما وراء الأحداث" بعنوان "رئيس أمريكا القادم: ماذا يعني ذلك للشرق الأوسط وأفريقيا ومستقبل المنطقة". 

وأكد قرني أن الكونجرس الأمريكي هو الذي يسيطر على الأموال ويملك السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية وهناك هيمنة إسرائيلية وبالتالي فإن الرئيس لا يؤثر على دعم قوات الاحتلال. 

وتوقع قرني حدوث عمليات استشهاد كبيرة، مشيرا إلى أن الأزمة دائما ما تكون ولاد جديدة بالتالي قد تكون صحوة للتوحد في الشرق الأوسط. 

الجامعة الأمريكية بالقاهرة تناقش القضية الفلسطينية 

ناقشت الجامعة الأمريكية بالقاهرة، اليوم الثلاثاء، موقف القضية الفلسطينية ومدى تأثرها بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية. 

وتوقع الدكتور كريم حجاج، أستاذ الشئون الدولية والسياسات العامة في الجامعة الأمريكية، أن تشهد الفترة المقبلة تحركات وسياسات فاعلة من دول الشرق الأوسط. 

وأشار حجاج إلى وجود اعتقاد خاطئ بأن منطقة الشرق الأوسط تفتقد القدرة على المبادرة والتحرك لتحجيم تداعيات ما يحدث في غزة ولبنان. 

ولفت حجاج إلى أن الأحداث الجارية في قطاع غزة تجازت كل مسارات التفاوض المعقدة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، مشيرا إلى فرض إعادة احتلال لقطاع غزة. 

ونبه حجاج إلى أن أمريكا لن تحظى سوى بالثبات السياسي والأمن القومي الأمريكي حتى 20 يناير 2025، لافتا إلى إمكانية أن يستغل نتنياهو الوضع الحالي في فرض ممارسات جديدة. 

وقال الدكتور مارك ديتس، أستاذ مساعد ومدير مركز الوليد بن طلال الدراسات الأمريكية، إن الانتخابات الأمريكية لن تغير في الحرب بالشرق الأوسط أو القصية الفلسطينية. 

ونوه ديتس بتوقعه لعدم وقوع حرب بين أمريكا وإيران، قائلا: "يستحيل أن تغزو أمريكا إيران لكن ربما توجه ضربات جوية في حال التأكد من وجود مفاعلات نووية". 

وتابع ديتس قائلا: "لا أرى جراة أو استعداد لمواجهة إيران، وهناك خوفا من توسيع نطاق الحرب في الشرق الأوسط". 
 

مقالات مشابهة

  • قبل الانتخابات الرئاسية.. تحركات أمريكية لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط
  • الانتخابات الأمريكية بين ضغوط الشرق الأوسط والصراع الأوكراني
  • الولايات المتحدة تستعرض مقاتلاتها الحربية في الشرق الأوسط (شاهد)
  • مائدة مستديرة بالجامعة الأمريكية تبحث تأثير الانتخابات الأمريكية على الشرق الأوسط وأفريقيا
  • الجامعة الأمريكية بالقاهرة تناقش تأثير الانتخابات الأمريكية على الشرق الأوسط وأفريقيا
  • الإمارات تدعو إلى وقف الأنشطة التي تهدد الأمن الإقليمي
  • مؤسس منتدى الجامعة الأمريكية: نحتاج 80 عامًا لبناء غزة
  • نيبينزيا: الولايات المتحدة وحلفاؤها يحرضون على التصعيد في المنطقة
  • روسيا .. الولايات المتحدة وحلفاؤها يحرضون على التصعيد في الشرق الأوسط