في مايو/أيار الماضي، صرحت وزير الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون أن الديمقراطيين لم يأخذوا التهديد الذي تشكله حركة مناهضة الإجهاض بجدية، واعتبرت أنهم كانوا غافلين عن العواقب المحتملة عندما كان دونالد ترامب في السلطة.

وبعد أن قامت المحكمة العليا بإلغاء قرار "رو ضد وايد" عام 2022، أكدت كلينتون أن التحذيرات التي أطلقتها خلال حملتها الانتخابية لم تُؤخذ بعين الاعتبار، وحذرت من أن استمرار سياسة مناهضة الإجهاض يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية في البلاد.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ترامب يغازل “القوميين المسيحيين” ليعود للبيت الأبيضlist 2 of 2نكاية في ترامب.. هاريس تختار هذا الموقع لمرافعتها الأخيرةend of list

"رو ضد وايد" هو قرار تاريخي صادر عن المحكمة العليا الأميركية في عام 1973، الذي أقر حق المرأة في الإجهاض وألغى قوانين الولايات التي كانت تحظر هذه العملية. قررت المحكمة أن حق المرأة في اختيار الإجهاض ينتمي إلى حقوق الخصوصية المحمية بموجب التعديل الرابع عشر. هذا الحكم أصبح نقطة جدل كبيرة في السياسة الأميركية، وتأثر بشكل كبير بالأحداث الأخيرة، حيث ألغت المحكمة العليا هذا القرار في عام 2022، مما أدى إلى إعادة السلطة للولايات لتحديد قوانين الإجهاض.

بواسطة قضية "رو ضد وايد" واحدة من أكثر القضايا القانونية تأثيرًا في تاريخ الولايات المتحدة

واعتبرت كلينتون أن النساء خذلنها في الانتخابات الرئاسية لعام 2016. وأوضحت أن بعض النساء، خصوصا من الفئة البيضاء، لم يدعمنها كما كان متوقعا.

هيلاري كلينتون اعتبرت النساء خذلنها بالانتخابات الرئاسية لعام 2016 (الجزيرة)

ويبدو أن حق المرأة في الإجهاض بات إحدى القضايا الأساسية التي قد تحدد مصير الانتخابات الأميركية، ففي المناظرة الأخيرة بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب ومنافسته الديمقراطية كمالا هاريس كان موضوع الإجهاض محورا رئيسيا للنقاش.

ودافع ترامب عن تعيينه 3 قضاة في المحكمة العليا، مشيرا إلى أنهم كانوا حاسمين في قرار إلغاء "رو ضد وايد". كما اتهم الديمقراطيين بدعم الإجهاض في مراحل متأخرة من الحمل.

وفي سياق النقاش حول الإجهاض المتأخر، أشار ترامب إلى أن النساء والأطباء يقررون "تنفيذ حكم الإعدام" على الأطفال بعد ولادتهم.

ومن جانبها، أكدت هاريس أهمية الحفاظ على حقوق الإجهاض، محذرة من أن انتخاب ترامب مجددا قد يؤدي إلى فرض حظر وطني على الإجهاض، واعتبرت أن قرار الإجهاض يخص المرأة وحدها وليس للحكومة شأن في ذلك.

ووصفت الإجهاض كحق أساسي من حقوق المرأة، مشددة على أن هذا الموضوع يجب أن يُترك للنساء ولأطبائهن فقط.

كما أشارت إلى أن سياسات ترامب قد تتسبب في تقييد الوصول إلى وسائل منع الحمل وعلاجات التلقيح الصناعي.

تعتقد 75% من الناخبات أن ترامب من المحتمل أن يوقع قانونا اتحاديا يمنع الإجهاض بعد 15 أسبوعا إذا تم تمرير مثل هذا القانون من قبل الكونغرس.

بواسطة استطلاع رأي

هل تنتخب الأميركيات هاريس؟

اعتبرت نائبة الرئيس الإجهاض قضية وطنية تستقطب بها أصوات النساء، مما قد يشير إلى أنها نجحت في جذب تأييد كبير من الناخبات تحت سن الثلاثين. ووفقا لاستطلاع حديث، فإن 70% من النساء بهذه الفئة العمرية يفضلن هاريس، مقارنة بـ23% يؤيدن ترامب​.

كذلك دفعت تصريحات ترامب بشأن الإجهاض إلى الاستجابة العاطفية ضده على مستويات عدة، إذ تضمنت تعليقاته عقوبات محتملة على النساء أدت إلى ردود فعل قوية بين الأميركيات.

وأظهر استطلاع أجرته شبكة "إيه بي سي" فجوة كبيرة بين الجنسين، حيث تقدمت هاريس على ترامب بـ14 نقطة (56% مقابل 42%) بين النساء، بينما تقدم ترامب مع الرجال بفارق 6 نقاط (51% مقابل 45%). وكانت نائبة الرئيس أيضا مدعومة بفارق 19 نقطة (59% مقابل 40%) مع نساء الضواحي.

الأصوات النسائية من أصول عربية ومسلمة

لا تشعر دكتورة فاطمة بالارتياح تجاه برنامج هاريس الانتخابي، ولا تولي اهتماما كبيرا ببرنامجها الداعم لقرار الحق في الإجهاض. إذ تقول للجزيرة نت "هذا الأمر لا يخصنا بصورة مباشرة ولن يؤثر على الأسر العربية أو المسلمة".

وتابعت المواطنة التي عملت في مجال التعليم 15 عاما "ربما يؤثر ذلك على التعليم والمدارس، إلا أن الأساس يرجع إلى دور الأسرة، والمدارس الدينية سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو غيرها، التي أصبحت ضرورة في الوقت الحالي، وسوف تساهم في حماية الأجيال الصغيرة".

وأوضحت فاطمة الحاصلة على الدكتوراة في استخدام التكنولوجيا بتعليم اللغات الأجنبية أنها دعمت الرئيس السابق باراك أوباما وجو بايدن بالانتخابات السابقة، إلا أن السياسات الأميركية بالشرق الأوسط والحرب على غزة باتت العامل الرئيسي في تقييمها للمرشحين في الانتخابات الحالية.

وأضافت "البرنامج الاقتصادي للمرشحين يعد محورا أساسيا في التقييم، إذ يربط كثير من الأميركيين بين الجمهوريين وتحسن الاقتصاد، إضافة إلى توافق القيم المحافظة للجمهوريين مع قيمنا العربية والإسلامية، إلا أن سياسات ترامب تجاه العرب والمسلمين واضحة ومتوقعة".

وبنظرة أكثر واقعية ترى أن المواطن وقع في فخ الاختيار بين السيئ والأكثر سوءا. وبينما لا تحظى هاريس بقبول لدى الناخبين، حتى وإن كان البعض يدعم فكرة ترشيح أول سيدة للرئاسة، إلا أنها لم تفز بهذه المكانة لدى الكثيرين. لذلك -حسب قول فاطمة فإن وجود مرشح ثالث قد يكون الحل المثالي الوقت الحالي، وربما يحصل على 5% من الأصوات ويفوز بدعم أكبر بالانتخابات المقبلة.

استطلاع رأي: تقدمت هاريس على ترامب بـ14 نقطة (56% مقابل 42%) بين النساء (رويترز)

أما المواطنة أمل مقدادي (أردنية الأصل) فتؤكد أنها لم تشارك بالانتخابات خلال السنوات الماضية لأنها غير مقتنعة بسياسات الحزبين، فهما "لا يعملان لصالح الشرق الأوسط، ونحن دائمًا مع القضية الفلسطينية، بل هي محرك رئيسي في أصوات الكثيرين. ومن المؤسف أن كلاً من ترامب وهاريس سيستمران في طريق الحرب. وأنا، كما أخاف على أبنائي، أخاف أيضًا على أطفال فلسطين الذين يتعرضون للموت يوميًا." وتضيف "في المقابل، الإعلام لا يتحدث عن (المرشحة) جيل ستاين التي لها موقف إيجابي مما يحدث في غزة، لذلك سأنتخبها".

وحول أسباب رفضها لهاريس، تقول أمل "إذا كان ترامب ضد المهاجرين، فهاريس أيضًا لها تاريخ طويل في ترحيلهم. وبرنامجها الاقتصادي سيكمل ما أفسده بايدن خلال الأعوام الماضية. وبينما تهتم المرشحة الديمقراطية بجذب النساء تحت سن الثلاثين لموقفها من الإجهاض، تقول المواطنة "هناك تحديات أخلاقية يواجهها المسلمون والعرب في كثير من الولايات، الأمر أصبح مخيفًا، وسيدفعوننا للعودة إلى بلادنا لتربية أطفالنا".

وقد دفع الغضب من سياسات بايدن بالشرق الأوسط وتجاه الحرب في غزة الكثيرين لاتخاذ مواقف ضد انتخاب مرشحة الحزب الديمقراطي، هكذا ترى حنان مجدلاوي التي تقول للجزيرة نت "لن أنتخب هاريس، فهي لم تتخذ أي موقف إنساني تجاه ما يحدث في غزة. وهذا موقفي، أنا أكثر من كونه تصويتًا في بطاقة انتخابية. أجندة هاريس وترامب لصالح إسرائيل على مدى عقود".

وتتابع "هناك من ينتخب هاريس فقط لإزاحة ترامب من المشهد، ولكن الحقيقة أن هذا الخيار غير صحيح" مؤكدة "لسنا قطيعًا حتى نضطر إلى التصويت لترامب أو هاريس".

بينما تُوصف مرشحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية بأنها "شخصية مستفزة لا تحظى بقبول لدى الكثيرين" من قِبل منة الله ذهني المولودة في الولايات المتحدة لأبوين مصريين.

وتقول منة الله، التي درست العلوم السياسية وحصلت على ماجستير اللغة والتخاطب، إنها حريصة على المشاركة بجميع الانتخابات منذ أن أتمت عامها الـ18 "ندمت على ترشيحي لبايدن وسأنتخب هذه المرة جيل ستاين، حتى يدرك الديمقراطيون أن أصواتنا لها قيمة، وهدفنا أن يحصل حزب الخضر على 5% من الأصوات ليحصل على التمويل الحكومي بالانتخابات اللاحقة".

وتتابع "هاريس منحت المنصة للحديث لليهود بأحد مؤتمراتها، وفي الوقت نفسه تجاهلت المسلمين تمامًا. هي لا ترانا، لذلك سنعلم الحزب درسًا هذه المرة أن أصواتنا كعرب ومسلمين مهمة، وحينما ستخسر هاريس ميشيغان سوف تدرك ما فعلته معنا."

الترشيح المر

على العكس، تقف هبة عطية معلمة التاريخ بإحدى المدارس الإسلامية التي قضت 24 عامًا من حياتها بالولايات المتحدة، وتدعم الديمقراطيين في معظم الانتخابات. وهي تعتبر أن سياسات الحزب الديمقراطي غير معادية للمهاجرين العرب والمسلمين، ولذلك فهي تؤيد ترشيح هاريس. وفي المقابل، ترى أن سياسات ترامب عنصرية ويمتلك تاريخًا من التلاعب غير الأخلاقي -حسب وصفها- مما لا يجعلها تشعر بالأمان خلال فترة حكمه.

وتؤكد هبة أن المقارنة بين الوضع الاقتصادي خلال فترة حكم بايدن وترامب غير عادلة، ذلك لأن ما جناه الأخير كان إرث إنجازات أوباما الاقتصادية. وربما يسيطر الجمهوريون على الاقتصاد لصالح مرشحهم، ومن ثم قد يحاولون إفشال هاريس اقتصاديا بشتى الطرق.

وأوضحت المواطنة ذات الأصول الفلسطينية أن ترشيحها لهاريس ليس لكونها أول امرأة تصل هذا المنصب، ولا يعني لها دعمها للإجهاض والمثلية شيئًا. فهي -حسب حديثها للجزيرة نت- تقول "هذه قضايا فرعية لا تعنينا، وهي تخص أصحابها فقط ولن تُفرض علي كأميركية من أصول عربية." وتابعت "نحن نواجه تحديات أكبر من الإجهاض، وهم فقط يشغلوننا بهذه القضايا التي تم نقاشها لسنوات بل وتنظيمها داخليًا وفق قوانين كل ولاية".

وأردفت "سياسات الحزبين الخارجية واحدة، وإن اختلفت التصريحات، والواقع يؤكد أن هاريس وترامب يدعمان إسرائيل" لذلك ترى هبة أن تشتيت الأصوات لصالح مرشح ثالث قرار غير صائب لأن أحدًا لم يلتفت لهذه الأصوات.

بينما ترفض إيمان مسلم (ربة منزل) ترشيح ترامب لأي سبب، وتفضل هاريس فقط لاستبعاد المرشح الجمهوري من الساحة لأنه يقود العالم إلى الجنون، حسب وصفها.

وقد تنوعت المواقف ومبرراتها لدى الناخبات، لكن الغضب كان سائدا في محاولة لإثبات أن أصوات العرب والمسلمين ليست مجرد رقم بسيط في معادلة هاريس ترامب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المحکمة العلیا أن سیاسات إلا أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

مقامرة ترامب التي ستضع الدولار في خطر

الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب تنطلق بتغييرات جذرية

بدأت الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب بعاصفة من التغييرات في المشهد السياسي داخل واشنطن العاصمة، وفي علاقات الولايات المتحدة مع العالم. فالتخلي السريع عن الوضع الراهن، بدءًا من فرض تعريفات جمركية أكبر على كندا، الحليف الأكثر ولاءً للولايات المتحدة، مقارنةً بالصين، وطرح إمكانية احتلال غزة، إلى التهديد بضم غرينلاند، والسعي للتواصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا، تُعدّ أمرًا ساحقًا، ومتعمدًا كذلك.

التعريفات الجمركية وتأثيرها طويل الأمد

قد لا تكون التعريفات الجمركية التي يفرضها ترامب أكثر خطوات سياسته الخارجية إثارة للدهشة في ولايته الثانية، لكنها قد تكون الأكثر تأثيرًا على المدى الطويل.

وكغيرها من سياساته التي تجذب العناوين الرئيسية، فإن خطة التعريفات الجمركية تأتي ضمن خطته الأوسع لإعادة تشكيل الاقتصاد الأميركي.

ويصرّ ترامب على أنه سيفرض تعريفات على أوروبا والصين وجميع الشركاء التجاريين الآخرين للولايات المتحدة؛ بهدف إعادة التصنيع إلى الداخل، وتحقيق شعاره الشهير: "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى".

انعكاسات التعريفات الجمركية على الدولار الأميركي

لكن في هذه الحالة، من غير المرجح أن يحقق ترامب أهدافه بعيدة المدى؛ بسبب التأثير غير المقصود الذي ستتركه هذه التعريفات على الدولار الأميركي. فتكاليف التصنيع في الولايات المتحدة أعلى بكثير مما هي عليه حتى في أوروبا، ناهيك عن آسيا، وبالتالي فإن التأثير الفوري لفرض التعريفات الجمركية، والتهديد بفرض المزيد، سيؤدي إلى رفع توقعات التضخم، ويبدأ دورة جديدة من قوة الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى.

إعلان

ورغم أنه قد يبدو أن الدولار الأقوى سيحدّ من التضخم، فإن التعريفات الجمركية وتوقعاتها تضيف تكاليف إضافية للتجارة، مما يقلل من هذه الفائدة المحتملة.

بالإضافة إلى ذلك، أوقف مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي دورة خفض أسعار الفائدة، بينما تواصل البنوك المركزية الأخرى، مثل بنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي، خفض أسعار الفائدة لتحفيز النمو في مواجهة التهديدات التجارية. ومع ذلك، فإن هيمنة الدولار على النظام النقدي العالمي، تعني أن التوقعات بعوائد أعلى على الأصول الأميركية ستعزز قوة الدولار أكثر.

امتياز "الدولار المفرط" في خطر

لطالما أدى الطلب العالمي على الدولار الأميركي إلى جعله الصادر الرئيسي للولايات المتحدة، وهو ما مكّن واشنطن من تشغيل عجوزات تجارية ومالية دون تأثير سلبي كبير على الاقتصاد. وقد أدرك ترامب تدريجيًا أهمية حماية هذا النظام، مهددًا بفرض تعريفات بنسبة 100٪ وإجراءات أخرى ضد الدول التي تسعى إلى فك الارتباط بالدولار والانضمام إلى منظمة "بريكس" المدعومة من روسيا والصين.

يرى ترامب أن مهمته لا تقتصر فقط على إعادة هيكلة السياسة المالية لدعم التصنيع المحلي، بل تشمل أيضًا وضع قواعد جديدة للنظام النقدي الدولي.

باختصار، يريد الرئيس الأميركي أن يضمن أن الدولار يمكن أن يتداول بقيمة أضعف مقارنة بالعملات الأخرى، دون أن يفقد مركزيته، خاصةً بالنسبة للأوراق المالية الحكومية الأميركية، في النظام النقدي العالمي.

إمكانية التوصل إلى اتفاقيات استقرار الدولار

أثار هذا الوضع نقاشًا حول ما إذا كانت إدارة ترامب تسعى إلى التوصل إلى اتفاقيات جديدة لاستقرار الدولار مع الحكومات الأخرى وبنوكها المركزية، على غرار اتفاق "بلازا" و"اللوفر" في الثمانينيات. وبالفعل، أصبح الحديث عن محاولة ترامب التوصل إلى ما يسمى بـ"اتفاق مارا لاغو" موضوعًا متكررًا بين الاقتصاديين.

لكن من غير المرجح أن يكون تحقيق مثل هذه الاتفاقية سهلًا، إذ إن الوضع اليوم يختلف عن اتفاقيات الثمانينيات، التي ركزت على اليابان، حيث رأت الولايات المتحدة حينها أن ضعف الين يمثل تهديدًا لمصالحها، وعملت على تصحيحه.

إعلان

لم يكن هذا تحديًا كبيرًا، نظرًا لأن طوكيو كانت -ولا تزال- حليفًا وثيقًا للولايات المتحدة. أما الصين، فهي ليست كذلك بأي شكل من الأشكال، وهي أقل اهتمامًا بالمفاوضات، إذ تشير إلى آثار اتفاقيات الثمانينيات على اليابان، حيث أدى ارتفاع قيمة الين إلى ما يعرف بـ"العقود الضائعة"، كسبب رئيسي لعدم رغبتها في رفع قيمة عملتها مقابل الدولار.

ترامب يستخدم النظام النقدي العالمي كأداة ضغط

يبدي ترامب استعدادًا لاستخدام النظام النقدي العالمي كسلاح لتحقيق تنازلات وأهداف طويلة الأمد، حتى لو لم تكن مرتبطة بالتجارة. حتى أقرب حلفاء الولايات المتحدة يجب أن يكونوا مستعدين لمواجهة تهديدات تتجاوز التعريفات الجمركية.

وقد كان هذا واضحًا في تهديده بفرض "عقوبات مالية ومصرفية وخزانة" على كولومبيا في أواخر يناير/ كانون الثاني إذا لم تقبل طائرات عسكرية أميركية تحمل المرحلين، وهي خطوات تُستخدم عادةً ضد الدول المارقة مثل كوريا الشمالية وإيران وروسيا.

هل ستؤدي سياسة ترامب إلى انهيار هيمنة الدولار؟

قد تكون هذه التهديدات أشد تدميرًا اقتصاديًا من التعريفات الجمركية؛ نظرًا لمركزية الدولار الأميركي وأوراقه المالية الحكومية والنظام المالي الأوسع في الاقتصاد العالمي.

لكن استعداد ترامب لاستخدام هذه الأدوات ضد الحلفاء يعني أنه لن يكون لديه أمل في دخول مفاوضات مع الصين بدعم اقتصادي من حلفائه.

وستحاول بكين والدول الداعمة لتقويض النظام القائم على الدولار استغلال هذه الثغرات، إذ إن تفكيك هذا النظام يعد هدفًا أهم بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين حتى من إضعاف حلف الناتو.

يحاول ترامب إعادة هيكلة النظام النقدي الدولي لصالح الولايات المتحدة، لكن تحركاته تشير إلى أنه لا يدرك تمامًا تعقيدات هذا النظام. وهذا ما بدا جليًا عندما تحدث عن مستويات الإنفاق في الناتو خلال زيارته لإسبانيا بعد فترة وجيزة من توليه منصبه، حيث أخطأ في تصنيفها كعضو في مجموعة "بريكس".

إعلان

النظام النقدي القائم على الدولار لم يكن أميركيًا بالكامل، بل نشأ إلى حد كبير في أوروبا، حيث بدأت البنوك في إصدار القروض بالدولار في الخمسينيات؛ لتلبية الاحتياجات التمويلية الإقليمية.

وعليه، فإن تقويض ترامب وحدة السياسة الخارجية بين الولايات المتحدة وأوروبا، تحت شعار "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، قد ينتهي به الأمر إلى الإضرار بالنظام المالي القائم على الدولار، الذي ساهم في تعزيز القوة الأميركية لعقود.

الفرق بين "بريكس" والدول الأوروبية

الفرق الرئيسي بين دول مجموعة "بريكس" والدول الأوروبية مثل إسبانيا، هو أن معظم أعضاء "بريكس" هم من الدول التي تحقق فائضًا تجاريًا عالميًا، حيث تصدّر أكثر مما تستورد، كما أنها تفرض قيودًا رأسمالية كبيرة.

أما في أوروبا، فالقوة التجارية ليست كافية لدعم مستويات الإنفاق الحكومي في معظم دول الاتحاد الأوروبي أو المملكة المتحدة، ولا حتى في اليابان التي تفوق نسبة دينها إلى الناتج المحلي الإجمالي أي اقتصاد رئيسي آخر.

وبالتالي، فإن هؤلاء الحلفاء التاريخيين هم المقترضون الرئيسيون في أسواق رأس المال الدولية، بينما تسعى الدول ذات الفوائض، مثل الصين، إلى استثمار أموالها في هذه الدول.

ترامب يخاطر بتدمير النظام المالي العالمي

تحركات ترامب، مثل التعريفات الجمركية والتهديدات بضم أراضٍ تابعة لحلفاء الولايات المتحدة، تُضعف هذا النظام. كما أن تهديداته الجيوسياسية لإعادة تشكيل النظام النقدي قد تستهدف بكين، لكنها تهدد أيضًا بتفكيك التحالف السياسي والاقتصادي بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين.

إذا نجح ترامب في تحقيق رؤيته، فقد يؤدي ذلك إلى بعض المكاسب للصناعة الأميركية، إذ سيؤدي نمو قطاع التصنيع الذي يمثل حاليًا 10.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي إلى تعزيز دعم قاعدته الانتخابية.

لكن المخاطرة تكمن في أنه، أثناء محاولته تحقيق ذلك، قد يتسبب في انهيار النظام القائم على الدولار الأميركي، مما سيكون له تأثير مدمر على الاقتصاد الأميركي، حيث سيؤدي إلى تضخم حاد وركود اقتصادي عميق.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • ترويج أدوية الإجهاض ومهيجات جنسية يطيح بثلاثة أشخاص بمراكش وبني ملال
  • «الرئيس السيسي»: الدولة تخسر شهريا حوالي 800 مليون دولار من إيرادات قناة السويس بسبب أوضاع المنطقة
  • مقامرة ترامب التي ستضع الدولار في خطر
  • بالفيديو .. إسرائيل لم تخسر ومصر خسرت مليارات إعلامي مصري ينتقد الحوثيين بعد الغارات لامريكية
  • إسرائيل لم تخسر ومصر خسرت مليارات.. إعلامي مصري ينتقد الحوثيين بعد الغارات الأمريكية (شاهد)
  • ترامب يغلق قناة “الحرة” و “أصوات مغاربية” ويشرد مئات الصحافيين بينهم مغاربة
  • ارتفاع أسعار المنتجات الأميركية بسبب الحرب التجارية التي أطلقها ترمب
  • قائمة أميركية لحظر السفر على عشرات الدول بينها عربية
  • طلب إحاطة أمام البرلمان بسبب ضرب مدير مدرسة طالبات بالبحيرة
  • جزئياً أو كلياً .. دول ستحظر إدارة ترامب دخول مواطنيها إلى أمريكا بينها 6 عربية .. وثيقة