الثورة نت:
2025-04-07@05:24:10 GMT

التبعية الإعلامية والهوية الإيمانية

تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT

 

أثبتت الأحداث الجارية أن مقولة الإعلام الحر والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ليست سوى شعارات كاذبة ومخادعة لتسويق السياسات الإجرامية وإلباسها مسوح القبول لدى الشعوب، فما هي سوى كمائن لاصطياد الرأي العام وتخدير الشعوب وهي لا تقل شأنا عن أساليب الحرب الإجرامية بصورها العسكرية والسياسية والاقتصادية، بل إنها قد تتفوق عليها في بعض الأحيان وأكثرها نظرا لقلة الخسائر التي تترتب عليها وكثرة المكاسب منها وقبل ذلك لأنها أفتك الأساليب التي يجيدها الغرب والاستعمار لقتل إرادة الشعوب وتسخيرها لخدمة مصالحة ولتحقيق الضربات الاستباقية وإحداث الهزيمة في نفوس الخصوم قبل بداية المعارك وفق ما يطلق عليها الحرب الناعمة، وإحدى أهم صورها خاصة في تعامل القوى الاستعمارية مع منظومة الدول التي يطلق عليها تسمية “الدول النامية” أو “العالم الثالث” مع أن سياسات الغرب الاستعماري هي التي حطمت تلك الدول وجعلتها عالة في كل شيء حتى يسهل له التصرف في شؤونها والاستيلاء على ثرواتها واستعبادها بواسطة العملاء الذين نصّبهم حكّاما على تلك البلدان بعد قيام حركات التحرر التي طردت الاستعمار بصورته وبذلته العسكرية، لكنها استبدلت زياً واستسلمت له ليدير شؤونها بعقول أهلها.


استعمرت الإمبراطورية الفرنسية أرض الكنانة مصر ودخلت بجيوشها العسكرية والعلمية –(أكثر من مائتين وخمسين عالما في مختلف التخصصات)، الذين أوكل إليهم الإمبراطور نابليون دراسة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكل الشؤون، حتى يتم تكريس الاحتلال والسيطرة لمئات السنين، وفعلا تمت صياغة توجهات ترسخ التخلف والتبعية للغرب وتكريس الانحطاط والهزيمة الداخلية لدى المجتمعات العربية، بدءاً من أرض الكنانة لأنها رائدة المجتمعات العربية والأمة الإسلامية.
رحل الاستعمار وتم اسبدال وصياغة كل شؤون المجتمع (سياسة وتعليماً واقتصاداً)، وفي كل شؤونه وفق المنهج التغريبي لا الغربي، وفرق كبير بين الاثنين، التغريبي يعمل على إلغاء خصوصيات المجتمعات ويلحقها بالغرب تتلقف ما يأتيها منه أما المنهج الغربي فهو الاستفادة من منتجات الحضارة مع المحافظة على الهوية والخصوصية، فالشعوب التي استفادت من التطور حافظت على خصوصيتها، أما الشعوب التي انسلخت من هويتها مازالت ترزح تحت وطأة التخلف والتبعية.
استفاد الاستعمار من الذين جندهم للعمل معه بعد رحيله ومغادرته في إثارة النعرات الوطنية والجهوية والشعبوية وغيرها، وواصل إكمال المهمة الاستعمار الإنجليزي الذي خلفه ولم يكن الاستقلال في جوهره سوى الرحيل العسكري باهظ التكاليف الذي استُبدل بالسيطرة على القرار الوطني بواسطة الجنود الأوفياء الذين مكنهم من الحكم والسلطة نيابة عنه بموجب خطط الاستثمار للتبعية، حتى لو لم يكن له جنود يحرسون مصالحه على الأرض بخلاف السيطرة الأمريكية التي تعتمد على القواعد العسكرية وأكبرها القاعدة الإسرائيلية التي يتحكم فيها الاحتلال الصهيوني وتخدم وترعى كل مصالح الدول الاستعمارية شرقا وغربا.
تمددت عدوى التغريب من أرض الكنانة إلى بقية الدول العربية والإسلامية، وتكاتفت جهود الاستعمار الذي سيطر على الدول العربية من المحيط إلى الخليج وأثمرت الحرب الناعمة في تحطيم إرادة النهوض والتطور والتعويل على الغرب والشرق والشمال والجنوب من أجل مواجهة الأخطار التي يتعرضون لها دون الاعتماد على النفس للنهوض بالواقع المتردي رغم الإمكانيات الرهيبة التي تمتلكها الأمة العربية والإسلامية فرادى ومجموعات.
لقد تحولت السياسات القُطرية لتحقيق ما عجز عنه الاستعمار، من الذي رسم خرائط التجزئة وترك التنفيذ للخونة والعملاء؟ فأصبح التوجه نحو التجزئة والفرقة هو الأساس الذي تدار به السياسات والأنظمة القائمة على شؤون الحكم وأصبحت المشاريع القُطرية هي الأساس بدلا عن المشروع الرسالي العظيم الذي اختاره الله منهجا لخير أمم الأرض وخير رسول وخاتمة الرسالات السماوية .
فقد سعت الأنظمة جاهدة للعودة إلى العصور الجاهلية بأبشع صورها وأمقتها في جاهلية تدعي العلم وتنشر الجهل وتحارب التوحد والتآلف وتكرس الفرقة وفق المناهج التي وضعها الغرب وألزم الخونة بالسير في تنفيذها بالقوة والغلبة والإكراه لمن لا ينصاعون لتوجيهاته، أما من يخدمونه فلا يحتاجون سوى التوجيه فقط.
وهنا تساؤل يفرض نفسه: لماذا يحاول الاستعمار تكريس هويته وسلخ المجتمعات عن هويتها ؟، الجواب واضح وهو أن احتفاظ المجتمعات بهويتها يحميها من الاستعباد والسيطرة عليها وهو ما يجاهد الغرب لتحقيقه في محاربته للهوية العربية والإسلامية، فحينما بسط الاستعمار سيطرته على أقطار الأمة، حارب الهوية الإسلامية واستبدلها بالهويات الجاهلية، في أحط وأردأ صورها، وكنتيجة لذلك وجدت الحدود والجيوش والأنظمة والاثنيات العرقية والجهوية التي هي أهم الأسلحة التي يستخدمها الاستعمار بكل أشكاله وصوره لمحاربة المشروع الإلهي الذي وجدت به الأمة ذاتها وقيمتها وقادت به الحضارة الإنسانية وتحقق للعالم به النهوض الفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي وفي كل المجالات وما يزال عطاؤه مستمرا حتى وإن انحدرت الأمة التي أوكل اليها القيام به أو أصابها الضعف والوهن.
إن التبعية الاستعمارية تعد أكبر الاشكاليات التي تواجه الأمة في سبيل تحقيق نهضتها واستعادة أمجادها وقيادة مسيرة العطاء الحضاري من جديد، ولذلك تعمل القوى الاستعمارية مجتمعة على توجيه حملاتها الإجرامية لتحطيم الهوية الإسلامية في كل المجالات، ابتداءً من تدمير الأخلاق بنشر الإباحية والرذيلة وفرض النماذج الشاذة على الحكومات والدول كأمر واقع لا مفر منه، إما بواسطة الأمم المتحدة أو بواسطة الإلزام للحكومات المطيعة لها أو بالإكراه للدول التي لا تتبع توجيهاتها، وفعلا وجدنا الأنظمة المطبعة والعميلة تفرض قوانين المثلية وتحريم الحلال لصالح تحليل المحرمات، من فسق وفجور وإباحة الربا والقمار والخمور، وفي مقابل ذلك محاربة الفضيلة والعفاف والطهارة، وأبرز مثال على ذلك ما اعتمدته الأنظمة في السعودية والإمارات والبحرين وتونس والمغرب ومصر وغيرها من الأنظمة العربية التي تسارع دائما لتلبية توجيهات الغرب، فتم تحليل الربا والمتاجرة بالخمور ولعب القمار وهو ما ستكون له تأثيرات خطيرة على تلك المجتمعات وسيشكل عقبة أمام أي محاولة للنهوض في المستقبل.
لقد كشف العدوان الصهيوني على غزة ولبنان واليمن وقبل ذلك العراق وأفغانستان وغيرها، عمق الترابط بين القوى الاستعمارية والأنظمة التي صنعها وأوجدها لخدمته، حتى أنها تفوقت عليه في كثير من الطروحات الإجرامية التي يروج لها ويبرر من خلالها عدوانه وإجرامه، وهو ما يعني انه قد كسب ما راهن عليه وحقق من خلال الخونة والعملاء ما عجزت عن تحقيقه آلته العسكرية في تدمير المجتمعات العربية والإسلامية، لكن صمود المقاومة (محور المقاومة) وتمسكها بهويتها الإسلامية هو الأساس الذي سيحطم الإجرام والاستكبار والاستعباد، حتى لو اجتمعت كل جيوش الإجرام واستعملت كل إمكانياتها المادية وأسلحتها الفتاكة، فهي لن تغير شيئا في مقابل الإيمان بالله والاعتماد عليه، ويكفي إعصار واحد لتدمير رأس الحلف الصليبي الصهيوني الذي تمرغت قواته في وحل الهزيمة في فيتنام، وتكفي بعوضة على انف نمرود ليهلك، وهو ما يفعله المجاهدون الأبطال في أرض غزة وفلسطين حتى وإن تكالب عليهم كل مجرمي الشرق والغرب، وصدق الله العظيم القائل((يريدون ان يطفئوا نورالله بأفواههم ويابي الله الا ان يتم نوره ولوكره الكافرون))التوبه-32-.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

المرحوم الدكتور زكي مصطفي: العالم واللغو

(أدين للدكتور زكي مصطفي، شقيق الدفعة كامل مصطفى، بالاجتهادات التي أخاطر بها في موضوع الماركسية والإسلام. وأدين في هذا لكتابه "القانون العام في السودان: في سيرة مادة العدل والقسط والوجدان السليم" (1971).The Common Law in the Sudan: An Account of the 'justice, Equity, and Good Conscience' Provision
وكتبت أنعيه لمأثرته رحمه الله
توفي في ديسمبر 2003 الدكتور زكي مصطفي عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم والنائب العام الأسبق. ولم يكن زكي قانونياً فحسب، بل كان مفكراً قانونياً من الطراز الأول. ولم أجد له مثيلاً في غلبة الفكر عنده على محض الممارسة سوي المرحوم الدكتور نتالي أولاكوين والدكتور أكولدا ماتير وعبد الرحمن الخليفة (في طوره الباكر). وقد قطع عليه انقلاب مايو في طوره اليساري الباكر حبل تفكيره نتيجة تطهيره من الجامعة ضمن آخرين بغير جريرة سوي الظن برجعيتهم. وهذه الخرق العظيم لحقوق الإنسان ظل عالقاً برقبة الشيوعيين. وقد نفوا مراراً وطويلاً أنهم كانوا من ورائه. وربما كان إنكارهم هذا حقاً. فقد كانت مايو سراديب تنضح بما فيها. فأنا أشهد بالله أن الشيوعيين لم يصنعوا التقرير الختامي المنشور للجنة إصلاح جامعة الخرطوم (1970) على انهم كانوا عصبة لجان ذلك الإصلاح. فقد أملى المرحوم محي الدين صابر التقرير النهائي من رأسه وكراسه معاً. وهذه عادة فيه. وما زلت احتفظ بأوراق اعتراضاتنا الشيوعية على ذلك التقرير لمفارقته لتوصيات اللجان. وتحمل الشيوعيون وزر التقرير وبالذات ما ورد عن تحويل الكليات الي مدارس. وعليه ربما لم يأمر الشيوعيون بتطهير زيد أو عبيد غير انهم لم يدافعوا صراحة عن حق العمل. بل أداروا له ظهرهم مطالبين بحق الشورى قبل أن تقدم مايو علي خطوة في خطر التطهير في مجال عملهم. وفهم الناس أنهم لا يمانعون في فصل الناس متي شاوروهم في الأمر.
حين قطعنا حبل تفكير المرحوم زكي في 1969 كان مشغولاً بأمرين. كان عميداً للقانون في قيادة مشروع قوانين السودان (1961) الذي هدف لتجميع السوابق بتمويل من مؤسسة فورد. وقد تم علي يد المشروع توثيق كل القضايا التي نظرتها المحاكم قبل 1956. أما الأمر الثاني الذي لم يكتب لزكي أن ينشغل به حقاً بسبب التطهير فهو تطوير فكرته المركزية التي درسها في رسالة الدكتوراة ونشرها في كتاب في 1971. فقد تساءل زكي في كتابه لماذا لم يأذن الاستعمار الإنجليزي للشريعة أن تكون مصدراً من مصادر القانون السوداني. وأستغرب زكي ذلك لأن الإنجليز لم يجعلوا قانونهم قانوناً للسودان، بل وجهوا القضاة للاستعانة بما يرونه من القوانين طالما لم تصادم العدالة والسوية وإملاءات الوجدان السليم. وقال زكي لو ان الإنجليز أحسنوا النية بالشريعة لوجدوها أهلاً للمعاني العدلية المذكورة. وقد صدر زكي في فكرته هذه من خلفية إخوانية. ولكنه شكمها بلجام العلم فساغت. وستنفلت قضية الشريعة والقانون في السودان من أعنة زكي الأكاديمية الشديدة لتصبح محض حلقمة سياسية دارجة ما تزال ضوضاؤها معنا.
ولعله من سخرية القدر أن يسترد زكي بعد 15 عاماً القانون الموروث عن الإنجليز الذي خرج لمراجعته وتغييره في دعوته التي أجملناها أعلاه. فقد أصبح في 1973 نائباً عاماً مكلفاً بإعادة ترتيب البيت القانوني على هدي من القانون الموروث عن الاستعمار. فقد اضطرب القانون كما هو معروف علي عهد نميري. وأشفق زكي كمهني مطبوع على فكرة القانون نفسها من جراء هذا الاضطراب. وكان أكثر القوانين استفزازاً هو القانون المدني لعام 1971 الذي نجح القوميون العرب في فرضه على البلد بليل. وقد وجد فيه زكي إساءة بالغة للمهنية السودانية. فتحول من فكرته الإسلامية التي أراد بها هز ساكن القانون الموروث عن الاستعمار الي الدفاع عن إرث ذلك القانون. ففي مقالة بليغة في مجلة القانون الأفريقي لعام 1973 جرّد زكي علي القانون المدني حملة فكرية عارمة. فقد ساء زكي أن لجنة وضع القانون المدني تكونت من 12 قانونياً مصرياً و3 قضاة سودانيين لنقل القانون المصري بضبانته قانوناً للسودان. وعدد أوجه قصور القانون الموضوعية بغير شفقة. واستغرب كيف نسمي استيراد القوانين العربية تحرراً من الاستعمار بينما هي في أصلها بنت الاستعمار الفرنسي. وأحتج زكي أن القانون المدني أراد ان يلقي في عرض البحر بخبرة سودانية عمرها سبعين عاماً واستحداث قانون لم يتهيأ له المهنيون وكليات القانون ولا المتقاضون.
لم اقصد في هذه السيرة القول أن زكي لم يثبت على شيء. فعدم ثباته على شيء هو نفسه ميزة. فقد أملت عليه مهنيته العالية أن "خليك مع الزمن" بما يشبه الإسعاف حتى لا تسود الفوضى في حقل حرج كالقانون بفضل النَقَلة ضعاف الرأي. رحم الله زكي مصطفي فهو من عباد ربه العلماء.

ibrahima@missouri.edu  

مقالات مشابهة

  • قائمة بالهواتف التي سيتوقف واتساب عن العمل عليها بداية من الشهر المقبل
  • اللهم نصرك الذي وعدت ورحمتك التي بها اتصفت
  • الكشف عن الدولة العربية التي قدمت دعما لحملة القصف على اليمن
  • هل ستختلف الدول العربية حول عيد الأضحى مثل حالة عيد الفطر؟
  • المرحوم الدكتور زكي مصطفي: العالم واللغو
  • زيلينسكي يكشف أول الدول الأوروبية التي سترسل قوات إلى أوكرانيا
  • بالأرقام.. حجم تأثّر الدول العربية بـ«الرسوم» الأمريكية
  • عاجل | السيد القائد: العدو الإسرائيلي استأنف الإجرام منذ أكثر من نصف شهر بذات الوحشية والعدوانية التي كان عليها لمدة 15 شهرا
  • الجامعة العربية تحذر من عواقب العربدة الإسرائيلية في المنطقة
  • أوحيدة: الدول التي تتحدث عن حرصها على استقرار ليبيا تتعامل مع المليشيات وتحميها