دورُ الإعلام والرواياتُ الإسرائيلية في الحرب السياسة والعسكرية
تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT
عبدالحكيم عامر
لطالما كان العدوّ الإسرائيلي تعتبر وسائل الإعلام والدعاية لاعبًا رئيسيًا لتحقيق أهدافها العسكرية والسياسية، لقد نجحت في بناء ماكينة إعلامية معقدة تهدف إلى السيطرة على المعلومات الموجهة للجمهور المحلي والدولي، وتعتبر الدعاية الإسرائيلية واحدة من أكثر الحملات الإعلامية تأثيرا ونجاحًا على الصعيد العالمي، حَيثُ استطاعت تنفيذ عمليات تلاعب بالعقول بشكل واسع.
وتعود قوة الدعاية الإسرائيلية إلى مواردها الاقتصادية والمالية الهائلة، بالإضافة إلى فهمها العميق لكيفية مخاطبة العقل العربي والغربي، من خلال جذورها العربية والغربية، استطاع العدوّ الإسرائيلي تحقيق مستويات عالية من الإقناع وتزييف الحقائق، مما يخدم مشروعها الرامي إلى تهويد فلسطين وتغيير ملامحها الديمغرافية والثقافية.
وفي ظل الصراع المتواصل بين الشعب الفلسطيني ومحور المقاومة من جهة والعدوّ الصهيوني من جهة أُخرى، فإن أخطر الأساليب التي يستخدمها العدوّ هي سياسات الخداع والتلاعب التي تستهدف السيطرة على عقولنا وتوجيه تفكيرنا.
هذه السياسات الشيطانية لا تقتصر فقط على الجانب العسكري، بل تمتد إلى الجوانب السياسية والإعلامية والاجتماعية؛ بهَدفِ كسر إرادَة الشعب الفلسطيني وشعوب محور المقاومة وإحباط مقاومتهم لها.
فعندما يريد العدوّ إعطاء أهميّة لقضية معينة، يقوم بتهويلها بشكل كبير، ركيزتها الرئيسية هي جعل الأمور تبدو أكثر خطورة مما هي عليه، مما يؤدي إلى خلق حالة من الخضوع الإعلامي والذعر في صفوف الشعوب.
وعندما يتعمد العدوّ ضخ أخبار كاذبة بكميات هائلة وإثارة الانتباه بأحداث مشوقة لتشتيت انتباهنا، فإنه يسعى إلى تشويش عقولنا وتوجيه تفكيرنا بعيدًا عن القضايا المركزية للأُمَّـة، فيجب على شعوب محور المقاومة والشعوب العربية أن تكون واعية وتعمل على تفكيك هذه الأخبار الملتوية والبحث عن الحقائق الحقيقية.
وخلال حربه على غزة ولبنان، استخدم إعلام العدوّ الإسرائيلي استراتيجيات لتصوير جميع الأهداف على أنها عسكرية، رغم وجود تزوير كبير للحقائق، لكنه استمر في تقديم تبريرات لقصف المساجد والكنائس والمشافي والمنازل ومخيمات النازحين على أنها أهداف عسكرية.
ويقوم الإعلام الإسرائيلي بتلبيس الحق بالباطل، حَيثُ يصور الضحية كجلاد، والقتيل كقاتل، لتضليل الرأي العام، في هذا الإطار، يصوَّر العدوّ الصهيوني دائماً نفسه كـ “ضحية للعنف الفلسطيني”، مما يعزز من الرواية الإسرائيلية ويعطي لنفسه شرعية للاعتداءات الممنهجة.
وفي الأخير، إن الدعاية الإسرائيلية ليست مُجَـرّد أدَاة إعلامية، بل هي جزء لا يتجزأ من استراتيجية أكبر تسعى لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية، من خلال استغلال الإعلام، حَيثُ يواصل العدوّ الإسرائيلي تشكيل الرأي العام وتوجيهه بما يتوافق مع مصالحه الإجرامية، مما يبرز أهميّة وضرورة التوعية بالحقائق وتفكيك الروايات المضللة.
ويجب علينا أن نكون واعين وحذرين من سياسات العدوّ الخبيثة والمخادعة، وأن نحافظ على وعينا وروحنا الجهادية لنتمكّن من التصدي لهذه الأساليب بكل قوة وصلابة، علينا أن نكون يقظين ومدركين لهذه السياسة لنواجهها بالوعي ونشجع التثقيف وننشر الحقيقة بكل صدق، ويجب أن يكون هناك توحد في نشر الوعي ومقاومة تخدير الشعوب لنحقّق الحرية والكرامة لشعوبنا.
فالحرب الإعلامية ليست أقل أهميّة من الحرب العسكرية، وعلينا أن نكون مدركين لذلك ونتعامل معها بحذر وتأنٍّ.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
نتنياهو والعودة إلى الحرب
لا شك في أن نتنياهو يخطط، علناً، بأن يوقف مسار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ليعود إلى الحرب. فقد وقع على الاتفاق، مكرهاً، استجابة لرغبة ترامب الذي كان يريد تسلّم الرئاسة الأمريكية، وغزة في حالة وقف إطلاق النار.
وجاء الاتفاق بأغلبية بنوده استجابة لشروط المفاوض الفلسطيني. فكان أول يوم في تنفيذ الاتفاق، إعلاناً بانتصار المقاومة، بعد حربين، بريّة وإباديّة تدميرية، امتدّت لخمسة عشر شهراً، تقريباً. ويا للحالة النفسية والوضع السياسي، اللذين كان نتنياهو عليهما، ذليلاً مهزوماً يتفجّر حقداً وغضباً.
مع كل خطوة في تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق كان انتصار المقاومة والشعب، يتأكد. وكان نتنياهو، يحاول التعطيل والتأجيل. ويحاول أن يظهر، بصاحب السطوة أمام حملات داخلية ضدّه، ولا سيما تذكيره، بوعيده، أن يُحقق من خلال الحرب، نصراً مطلقاً.
التفسير الوحيد لفشل نتنياهو، في عرقلة تنفيذ المرحلة الأولى، بالرغم مما فعل من توتير وتعطيل، خصوصاً في تطبيق البروتوكولات الإنسانية في الاتفاقية، كان انقياده لترامب، وخوفه منه. لكن مع سعي مستمر، لاستمالته في السماح له بالعمل في المرحلة الثانية، باتجاه تعطيلها. بل العودة إلى الحرب ثانية.
إن موقف المقاومة (المفاوض الفلسطيني) هو الأقوى من الناحية السياسية، ومن ناحية صدقية الموقف، والحرص على تلبية الاتفاق، واحترام بنوده، والتزام الوسيطين المصري والقطري، فيما الموقف الأمريكي، في حرج من عدم احترام توقيعه، فضلاً من حرج نتنياهو، داخلياً، بسبب موضوع عدم إطلاق كل الأسرى، وما يواجه من ضغوط مختلفة.هذا ولعل طرح ترامب، لمشروع تهجير فلسطينيي قطاع غزة، وما لاقاه من معارضة فلسطينية وعربية وإسلامية ودولية، دفعا ترامب، لدعم نتنياهو، ليلعب دوره في المرحلة الثانية. ولكن من دون أن يوقف، مساعي مندوبه الخاص ويتكوف، المكلف بمواصلة تطبيق الاتفاق، من أجل تحرير كل الأسرى المحتجزين. الأمر الذي جعل الموقف الأمريكي، أمام مفترق طرق، أحدهما راح يشجع نتنياهو، كما يدعي نتنياهو، والآخر لم يأخذ من ويتكوف، صلاحية عدم المضيّ في المرحلة الثانية، من الاتفاق.
ولهذا دخل الوضع الآن، في مواجهة احتمالين: الأول، تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بكامل بنوده (شروط المقاومة)، بإتمام تبادل الأسرى كاملاً، وانسحاب الجيش الصهيوني، من كل قطاع غزة، وإعلان وقف الحرب، بضمانات دولية وعربية. والثاني، تعطيل المضيّ في تطبيق الاتفاق، والعودة إلى التأزيم، وصولاً إلى الحرب، كما يريد نتنياهو.
إن موقف المقاومة (المفاوض الفلسطيني) هو الأقوى من الناحية السياسية، ومن ناحية صدقية الموقف، والحرص على تلبية الاتفاق، واحترام بنوده، والتزام الوسيطين المصري والقطري، فيما الموقف الأمريكي، في حرج من عدم احترام توقيعه، فضلاً من حرج نتنياهو، داخلياً، بسبب موضوع عدم إطلاق كل الأسرى، وما يواجه من ضغوط مختلفة.
من هنا، فإن موقف نتنياهو ضعيف جداً، سياسياً في العودة إلى الحرب، مما يُضعف موقف ترامب، إذا ما أعطاه الضوء الأخضر، ليخرّب الاتفاق، ويعود إلى الحرب الخاسرة من جديد.
ومن هنا، فإن إصرار المقاومة، من خلال المفاوض الفلسطيني، على تنفيذ الاتفاق، بكل بنوده، كما وقع عليه، والرفض الحازم، لأيّ طرح يخرج على هذه البنود، لا سيما إقحام موضوع سلاح المقاومة، أو بقاء قوات احتلال. فالسلاح، موضوع يتعلق بحماية أمن الشعب، وحقه بالمقاومة، وعدم عودة نتنياهو، للحرب والعدوان متى شاء. وهو موضوع، لم يتطرق له اتفاق وقف إطلاق النار، والمُوَّقَع عليه.
ولهذا فالمتوقع تراجع ترامب، وإجبار نتنياهو على قبول التفاوض كما يريد ويتكوف، بعيدا من شن الحرب التي يسعى لها. وإن كان استبعاد الحرب من قِبَل نتنياهو يشكل ضرباً من المخاطرة في تقدير الموقف، حيث يتوجب أن يبقى الأصبع على الزناد.