واشنطن – نص الدستور الأميركي على مبدأ الحرية الدينية بوصفه أحد الحقوق الأساسية للمواطن الأميركي، وإحدى أهم القيم التي تقوم عليها العلمانية الأميركية الفاصلة بين الكنيسة والدولة. ورغم عدم الإشارة إلى مسمى أو طبيعة أي من الديانات، فإن الجدل والاختلاف كان ملاحظا حول قيمة الحرية الدينية على مدى التاريخ الأميركي.

وخلال السنوات الأخيرة، نبعت الصراعات حول الهوية الدينية في الولايات المتحدة من خلال بروز أيديولوجية "القومية المسيحية" المنادية بأن أميركا في جوهرها أمة من المسيحيين، ومن أجلهم وحدهم.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نكاية في ترامب.. هاريس تختار هذا الموقع لمرافعتها الأخيرةlist 2 of 2نيويورك تايمز: انتخابات 2024 نهاية نظام اللجوء لأميركاend of list

وتقوض هذه الفكرة التعديل الأول، كما أنها تؤدي إلى التمييز، وفي بعض الأحيان تقود إلى العنف ضد الأقليات الدينية وغير المتدينين. ويستغل اليمين الديني فكر القومية المسيحية للإساءة إلى الأقليات الدينية والنساء والشواذ جنسيا.

وتعتقد خبيرة الأديان الأميركية أماندا تايلر أن "المسيحية عند القوميين المسيحيين الأميركيين تتعلق بالهوية أكثر من تعلقها بالدين، وهذا يحمل معه افتراضات حول معاداة المهاجرين، وتفوق الجنس الأبيض، والسيطرة على المجتمع، واللجوء للعنف عند الضرورة".

ويكرر الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب لهؤلاء المتدينين القوميين أنه يعلم أنهم "تحت الحصار"، وتعهد في أحد خطاباته الانتخابية بأن أحد أعماله الأولى في ولايته الثانية سيكون إنشاء فريق عمل لاجتثاث "التحيز ضد المسيحيين"، وتعهد بحماية "السياق والمحتوى المؤيد لله".

وطبقا لوكالة أسوشيتد برس، فقد ذهبت أصوات 81% من الناخبين البروتستانت الإنجيليين البيض لصالح ترامب في انتخابات 2020، مقارنة بـ18% صوتوا لصالح جو بايدن.

أرقام خطيرة

وأظهر استطلاع أجراه معهد أبحاث الدين العام "بي آر آر آي" (PRRI) بالتعاون مع معهد بروكينغز، والذي شارك فيه أكثر من 5452 ناخبا أميركيا خلال الفترة من 16 أغسطس/آب إلى 4 سبتمبر/أيلول الماضيين، دعم المزيد من الأميركيين المتدينين استخدام العنف السياسي.

وطور المعهد مقياسا متميزا لقياس نسب دعم القومية المسيحية بين الأميركيين من خلال طرح 5 أسئلة أو عبارات تتطلب الإجابة عليها بنعم أم لا، وهي:

هل دعا الله المسيحيين لممارسة السيادة على جميع مجالات المجتمع الأميركي؟ هل يجب على حكومة الولايات المتحدة أن تعلن أميركا أمة مسيحية؟ أن تكون مسيحيا هو جزء مهم من كونك أميركيا إذا ابتعدت الولايات المتحدة عن الأسس المسيحية، فلن يكون لدينا بلد بعد الآن هل يجب أن تستند قوانين الولايات المتحدة إلى القيم المسيحية؟

وجد الاستطلاع، وهو الأكبر على الإطلاق الذي تم إجراؤه حول هذا الموضوع، أن نحو 30% من كل الأميركيين يمكن تصنيفهم على أنهم أتباع أو متعاطفون مع القومية المسيحية، وهم أولئك الذين يتفقون تماما أو في الغالب مع هذه العبارات الخمسة السابقة، في حين يعارض ما يقرب من ثلثي الأميركيين هذه النظرة المسيحية القومية للولايات المتحدة.

وفي حلقة نقاش نظمها معهد بروكينغز قبل أيام، أشارت ليليانا ماسون، أستاذة العلوم السياسية في جامعة جونز هوبكنز، إلى أن النتائج يمكن أن تكون نتيجة للاستقطاب الحاد الذي دفع بكل حزب للنظر إلى خصومه السياسيين على أنهم أكثر عنفا.

مسيحيون قوميون يصلون أمام مبنى الكونغرس بواشنطن في السادس من يناير/كانون الثاني 2021 (غيتي)

وبصفة عامة، تزايد دعم العنف السياسي والقلق بشأن حالة الديمقراطية بين الأميركيين، حيث يعتقد 75% منهم أن مستقبل الديمقراطية في خطر في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وارتفع دعم فكرة العنف السياسي، حيث يعتقد 23% من الأميركيين أن "الوطنيين الأميركيين الحقيقيين قد يضطرون إلى اللجوء إلى العنف لإنقاذ البلاد"، وكانت هذه النسبة تبلغ 15% فقط عام 2021.

من ناحية أخرى، فالأميركيون الذين يعتقدون أن انتخابات 2020 سرقت من دونالد ترامب هم أكثر عرضة لدعم استخدام العنف السياسي من أولئك الذين لا يعتقدون ذلك (46% مقابل 13%). من بين أولئك الذين يؤمنون بنظرية مؤامرة الاستبدال، التي تنص على أن المهاجرين أو اليهود يأتون إلى الولايات المتحدة لتخفيف الهيمنة الثقافية للأميركيين البيض، يؤيد 41% استخدام العنف السياسي.

وفقا للاستطلاع، يعتقد 38% من الأميركيين أن البلاد بحاجة إلى شخصية استبدادية لإعادة البلاد إلى المسار الصحيح. يدعم الكاثوليك من أصول الهيسبانيك هذه الفكرة أكثر بكثير من أي مجموعات دينية أخرى، إذ يوافق عليها 51% منهم.

وتوافق أغلبية ضئيلة من الأميركيين (53%) على أنه من المحتمل أن يكون ترامب قد خرق القانون لمحاولة البقاء في السلطة بعد خسارته في انتخابات 2020، رغم أن 17% فقط من الجمهوريين يوافقون على ذلك. في حين يعتقد 62% من الجمهوريين و27% من المستقلين و4% من الديمقراطيين أن انتخابات 2020 سرقت من ترامب.

أميركا مسيحية مرة أخرى

يتعمق الاستطلاع أيضا في تمسك الأميركيين بالأيديولوجية القومية المسيحية البيضاء. ووفقا لـ33% من الأميركيين، فقد أعطى الله أميركا للمسيحيين الأوروبيين كأرض موعودة، حيث يمكنهم إنشاء مجتمع مثالي. أكثر من نصف البروتستانت الإنجيليين البيض يوافقون على هذه العبارة، و77% من الأميركيين يعتقدون أن الآباء المؤسسين كانوا يقصدون إنشاء أمة مسيحية.

ويرى هؤلاء القوميون المسيحيون أن شعار دونالد ترامب الانتخابي "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" يعني بالأساس إعادة السلطة إلى أميركا المسيحية البيضاء.

وتشهد الكثير من فعاليات ترامب الانتخابية ارتداء الآلاف من الحاضرين قبعات مكتوب عليها عبارة "لنجعل أميركا تصلي مرة أخرى".

ويوافق 39% من الأميركيين ممن يؤمنون أن الله أراد أن تكون الولايات المتحدة أرضا موعودة للمسيحيين الأوروبيين، على استخدام العنف السياسي لإنقاذ البلاد من أولئك الذين يرفضون ذلك.

ويرى 55% من الأميركيين أن الثقافة الأميركية تغيرت إلى الأسوأ منذ خمسينيات القرن العشرين. يعتقد المسيحيون البيض أن هذا هو الحال أكثر من أي مجموعات دينية أخرى بنسبة 77%، في حين يوافق فقط 57% من الكاثوليك على ذلك.

من جانب آخر، تتمتع الأقلية من الأميركيين الذين يدعمون هذه القومية، بسلطة غير متناسبة لأن أصواتهم تتضخم من خلال حركة لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى "ماغا" (MAGA) المؤيدة لدونالد ترامب، وسيطرتها على مفاصل الحزب الجمهوري حاليا. وأظهر الاستطلاع أن غالبية الجمهوريين (55% منهم) وثلثي الإنجيليين البيض (66% منهم) مؤهلون كأتباع أو متعاطفون مع أيديولوجية القومية المسيحية الأميركية.

عداء للديمقراطية وترحيب بالعنف

يعد اعتبار أن أميركا كأرض موعودة للمسيحيين الأوروبيين هو في الأساس فكرة معادية للديمقراطية. علاوة على ذلك، ترتبط المعتقدات القومية المسيحية ارتباطا وثيقا بمجموعة من المواقف الأخرى التي تقوّض الديمقراطية: الاستياء العنصري الأبيض، وإنكار وجود العنصرية النظامية، ومعاداة السامية، والإسلاموفوبيا، والمشاعر المعادية للمهاجرين، ورهاب الشذوذ الجنسي.

وبعبارة أخرى، تثير القومية المسيحية البيضاء مجموعة من التسلسلات الهرمية التي تضع الرجال البيض المسيحيين في القمة.

وبين عامي 2010 و2020، انخفضت نسبة السكان البيض من 63% إلى 57%، وتقل النسبة بين من تقل أعمارهم عن 18 عاما لتصبح 47%.

الأمر الأكثر خطورة هو أن القوميين المسيحيين أكثر عرضة مرتين من الأميركيين الآخرين للاعتقاد بأن العنف السياسي قد يكون مبررا في ظروفنا الحالية لإيقاف التراجع الأبيض المسيحي السكاني.

ويوافق نحو 4 من كل 10 من أتباع القومية المسيحية (38%) وثلث المتعاطفين (33%) على أنه "نظرا لأن الأمور قد خرجت عن المسار الصحيح، فقد يضطر الوطنيون الأميركيون الحقيقيون إلى اللجوء إلى العنف لإنقاذ البلاد"، مقارنة بـ17% فقط من المتشككين في القومية المسيحية و7% من الرافضين لها.

ويرى هؤلاء أن جاذبية حركة "ماغا" هي الرغبة في العودة إلى عصر سابق حيث كانت الهيمنة المسيحية البيضاء سمة راسخة لجميع المؤسسات السياسية والثقافية الأميركية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة من الأمیرکیین انتخابات 2020 أولئک الذین مرة أخرى أکثر من على أن

إقرأ أيضاً:

وزارة العدل الأميركية تطلب من غوغل بيع متصفح كروم

طلبت وزارة العدل الأميركية من القاضي الأميركي أميت ميهتا أن يجبر شركة غوغل على بيع متصفحها الشهير "كروم" (Chrome)، وفقا لتقرير نشره موقع بلومبيرغ مستندا إلى أشخاص مطلعين بالأمر.

وأغسطس/آب الماضي، حكم القاضي بأن غوغل احتكرت سوق البحث بشكل غير قانوني، ولهذا تطلب وزارة العدل اتخاذ تدابير تتعلق بالذكاء الاصطناعي ونظام التشغيل أندرويد الخاص بغوغل، وفقا للتقرير.

وتُتهم غوغل بتحكمها في توجيه رؤية المستخدمين للإنترنت والإعلانات التي يرونها جزئيا من خلال متصفح "كروم"، الذي يستخدم بحث غوغل بشكل أساسي.

وذكر التقرير أن متصفح "كروم" يجمع معلومات مهمة من أجل إعلانات غوغل، ويُقدر أنه يمتلك حوالي ثلثي سوق متصفحات الإنترنت على مستوى العالم.

وقالت غوغل في بيان صادر عن لي آن مولهولاند، نائبة الرئيس في شؤون التنظيم بالشركة، إن "وزارة العدل بقرارها هذا تتجاوز الأجندات القانونية، وربما تُلحق أضرارا بالمستخدمين".

ومن جهة أخرى، يُعد هذا الإجراء واحدا من أكثر الإجراءات عدوانية من إدارة بايدن للحد مما تسميه احتكارات الشركات الكبرى في مجال التكنولوجيا.

ومع ذلك، يمكن أن يكون لانتخاب دونالد ترامب تأثير كبير على هذه القضية. فقبل شهرين من الانتخابات، قال ترامب إنه سيقاضي غوغل بسبب ما يراه تحيزا ضده. ولكن بعد شهر تساءل ترامب عما إذا كان تقسيم الشركة فكرة جيدة.

حصة متصفح "كروم" في السوق تُعد مرتفعة جدا (شترستوك)

وتخطط شركة غوغل للاستئناف بمجرد أن يصدر القاضي حكمه النهائي، الذي من المرجح أن يكون في أغسطس/آب 2025. وقد حدد القاضي جلسة محكمة في أبريل/نيسان 2025 للاستماع إلى الأطراف المتنازعة.

وطرح المدعون مجموعة من الحلول المحتملة في القضية، بدءا من إنهاء الاتفاقيات الاحتكارية حيث تدفع غوغل مليارات الدولارات سنويا لشركة آبل وشركات أخرى لتظل محرك البحث الافتراضي على الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية، وصولا إلى تفكيك أجزاء من أعمالها مثل متصفح "كروم" ونظام التشغيل أندرويد.

وتُعد حصة متصفح "كروم" في السوق مرتفعة جدا، وهو مصدر دخل رئيسي لغوغل. وكل عملية لتسجيل الدخول إلى "كروم" باستخدام حساب "جيميل" تعتبر غنيمة لغوغل من أجل تقديم إعلانات أكثر استهدافا.

وتؤكد غوغل أن محرك البحث الخاص بها حاز شعبية كبيرة بفضل جودته، مضيفة أنها تواجه منافسة قوية من أمازون ومواقع أخرى وأن المستخدمين يمكنهم اختيار محركات بحث افتراضية أخرى.

ويمكن للحكومة لاحقا أن تحدد إذا ما كان بيع "كروم" ضروريا، وذلك اعتمادا على إذا ما كانت الحلول المقترحة الأخرى تؤدي إلى سوق أكثر تنافسية، حسب تقرير بلومبيرغ.

مقالات مشابهة

  • رؤية أمريكية تحذر ترامب من تجدد إبادة الإيزيديين والمسيحيين بسحب القوات من العراق
  • مئات المهاجرين ينطلقون من المكسيك سيرا على الأقدام لدخول أميركا قبل تنصيب ترامب
  • بالفيديو: قافلة ضخمة من المهاجرين تتجه نحو أمريكا قبل وصول ترامب للبيت الأبيض
  • ترامب يفتح أبواب البيت الأبيض أمام صنّاع المحتوى
  • ترامب يختار سفير أميركا لدى حلف الناتو
  • الإثارة وأسباب أخرى.. سر الهوس بتصوير سقوط الصواريخ في لبنان
  • الكشف عن خطة ترامب الجديدة في اليمن ومصير ‘‘الحوثيين’’ بعد عودته للبيت الأبيض
  • وزارة العدل الأميركية تطلب من غوغل بيع متصفح كروم
  • لبنان وسوريا ما بعد انتخابات أميركا
  • من عالم الأزياء إلى السياسة.. ميلانيا ترامب تعود للبيت الأبيض