للعنف المنزلي أشكال عدة، لكن تبقى الإساءة المالية من الأشكال المسكوت عنها، تحدث في عدد كبير من العلاقات المسيئة، وهي السبب الأول في بقاء الضحايا داخل دوائر لا نهائية من العنف والإساءة والمعاناة، بل وعودتهم إليها عند التخلص منها، تكمن خطورة الإساءة المالية في أنها لا تحظى باعتراف يذكر.

الاعتداء المالي

"العنف المالي ضد النساء يعد أحد أشكال الاتجار بالبشر" هكذا تصفه عزة الجزار، استشارية بناء القدرات، وحقوق النساء في العمل، وتقول للجزيرة نت "الاتجار كلمة واسعة لا تشمل فقط الرق أو العبودية، ولكن أيضا الاستغلال للحصول على قيمة، سواء مادية أو معنوية، لذا فاستغلال سيدة للوصول إلى أموال معينة بتسخيرها للعمل، أو الاستيلاء على ما لديها من إرث أو ممتلكات، أو ما يمكنها جلبه عبر العمل العادي، فهذا يعد اتجارا بالبشر ويعد أحد أشكال العنف المالي".

وتكمل الجزار "حين تعمل المرأة ويحصل على أموالها أحد أفراد الأسرة بشكل سلبي، كزوج قادر على العمل ولكنه عاطل أو طامع في دخلها المادي، فإن ذلك يعد عنفا ماليا، وهم هنا لا يحصلون منها على المال رغما عنها وحسب، ولكن يتم ابتزازها لدفع ما يشبه الإتاوة حتى تتمكن من مواصلة العمل".

وقد قابلت حالات عديدة في هذا السياق لو لم تدفع فلن يتم السماح لها بالعمل من الأساس أو يتم تعطيلها لعدة أيام كعقاب حتى تستجيب، وهناك نوع آخر للعنف المالي هو عدم منح المرأة القيمة الحقيقية عن العمل الذي قامت به، يحدث هذا بالذات للعاملات بالمنازل والعاملات الزراعيات وغيرهن، ممن يضطررن إلى القبول بمبالغ مقابل جهد شاق لحاجتهن إلى المال، وهو عنف شديد السوء لأن الضحية تكون مضطرة لقبوله تحت ضغط الحاجة والمسؤوليات فتظل في حلقة لا نهائية".

وضع أسس واضحة للمعلومات المتعلقة بالوضع المالي ضرورة لمنع الاستغلال المادي بين الزوجين (شترستوك)

لا تنسى عزة تلك السيدة التي روت لها قصتها في فعالية نسائية أخيرة، تقول: "زوجها يعطيها 1500 جنيه في الشهر، ويطالبها أن تدير البيت بالكامل بها، طعام وشراب ومنظفات وتعليم ومواصلات، وكل شيء، وإذا عاد في يوم ولم يجد لحوما أو دجاجا على المائدة يغضب ويضربها، بل ويأمرها بعدم العمل، وإن شكت ينصحها أن تكف عن تعليم الأولاد وتوفر مصاريف المدرسة ومواصلاتها للبيت".

بحسب برنامج "موني سمارت" التابع للحكومة الاسترالية، فإن الإساءة المالية تعد سلوكا منهجيا يحاول فيه أحد الأشخاص التحكم في قدرة شخص آخر على الوصول إلى المال، وغالبا ما يحدث هذا النوع من الإساءة بين الشريكين، أو أفراد الأسرة الآخرين، وتعد الإساءة المالية أحد أشكال العنف الأسري التي تكون موجودة مع أشكال أخرى من الإساءة كالإساءة الجسدية أو العاطفية، ويتخذ السلوك المسيء أشكالا مختلفة تشمل:

التحكم في المال والسيطرة عليه، مثل جمع المال من جميع أفراد الأسرة ومنحهم مصروفا. السيطرة على كيفية إنفاق الدخل. إجبار المرأة على أن تكون ضامنا لقرض أو الحصول على قرض باسمها. إجبار المرأة على استخراج بطاقة ائتمان ثانية. إجبار المرأة على العمل في شركة عائلية أو وظيفة تدر مالا على الأسرة دون الحصول على أجر. بيع ممتلكاتها بدون إذنها. إساءة استخدام التوكيل العام الدائم. إجبارها على تغيير وصيتها حال وفاتها. منعها من الحصول على وظيفة أو الذهاب إلى العمل. منعها من الدراسة. الحد من قدرتها على الوصول إلى المال. تراكم الديون على الحسابات المشتركة أو بطاقات الائتمان المشتركة. حجب الدعم المالي كمصروفات الأطفال. رفض العمل أو المساهمة في دخل الأسرة وتحميلها مسؤولية الإنفاق على الأسرة. رفض العمل وتحميل الزوجة مسؤولية الإنفاق على الأبناء يعد أحد صور العنف المالي ضد المرأة (غيتي إيميجز) آثار بدنية ونفسية للإساءة المالية

لم تتوقع سناء عامر أن تتحول زيجتها من حب عمرها إلى جحيم. بدأت قصتها قبل 3 سنوات، حيث تقول للجزيرة نت "تزوجت منذ ثلاث سنوات، ولم يكن هناك توافق اجتماعي أو ثقافي، ولكنني كنت قادرة على تقبل ذلك. ما لم أكن أعلمه هو أنه شخص بخيل وغير مسؤول، يرغب في ممارسة دور سي السيد. وجدت نفسي مشغولة طوال اليوم بين عملي ورعاية ابني وأعمال المنزل والطهي. وإذا طلبت منه أي شيء، كان يعاملني وكأنني ارتكبت جريمة. كل ما يقدمه لي هو توفير الطعام في الثلاجة وبعض المنظفات، بينما يصر على دفع نصف تكاليف حضانة ابنه فقط. شعرت بالضغط والحرمان الشديدين، ما جعلني غير متزنة نفسيا، ولا أستطيع اتخاذ قرار الطلاق".

تتعدد الآثار البدنية والنفسية الناتجة عن الإساءة المالية التي تتعرض لها النساء، وأبرز هذه الآثار هو شعور الضحية بالعجز. فالأمر لا يقتصر على الديون المتراكمة أو احتمال السجن بسبب القروض غير المسددة، بل يمتد إلى تحول الضحية إلى حالة من الانعزال الاجتماعي الشديد. وهذا يضع أمامها عقبات إضافية لترك العلاقة المسيئة، حيث تعجز عن تغطية التكاليف المرتبطة بالانفصال، وكذلك مصروفات الأطفال حال وجودهم. وفي نهاية المطاف، قد تنتهي العديد منهن إلى العيش في ظروف غير آمنة أو التعرض للتشرد، فضلا عن صعوبة الحصول على الرعاية الطبية أو النفسية.

التخطيط للمستقبل.. أمان مالي عند حدوث الانفصال (بيكسلز) هكذا يمكن النجاة

تتعدد النصائح في هذا الشأن لكنها جميعا تبدأ بأهمية الوعي بما يعنيه "الاعتداء والاستغلال المالي للنساء" ويلي ذلك عدة اقتراحات للنجاة أهمها:

وضع أسس واضحة للمعلومات المتعلقة بالوضع المالي بين الزوجين، وتحديد طريقة التعامل مع الأموال بالتوافق بين الطرفين. يجب أن يكون كلا الشريكين على علم كامل بالصورة المالية للآخر، حيث من المهم أن يدرك كل طرف ما يحدث بالضبط.

كما يجب الانتباه والوعي بحقيقة الوضع إذا استمر الشريك في الإساءة المالية بأشكالها المختلفة، واتخاذ القرارات بناءً على ذلك.

ينبغي عدم التزام الصمت حيال ما يحدث، فالكثير من النساء يحتفظن بتفاصيل الإساءة المالية كمسألة خاصة، معتقدات أنه لا يجب إخبار الآخرين بما يمررن به، مما يؤدي إلى تفاقم الأمور بمرور الوقت.

تعلم كيفية إدارة المال أمر أساسي. بينما تبقى العديد من النساء في علاقات مسيئة بسبب المال، تنجح أخريات في الخروج من هذه العلاقات بعد اكتساب مهارات جديدة وتعزيز قدراتهن على كسب المال من خلال أعمال إضافية، مما يمنحهن الاستقلال المالي.

يجب أيضًا وضع خطة للأمان المالي الشخصي حال اتخاذ قرار بالانفصال بعد بذل كل الجهود. في هذه الحالة، ينبغي على الناجية تأمين مبلغ من المال يكفيها على الأقل لمدة 6 أشهر، لمساعدتها في تغطية الفواتير والإيجارات والنفقات الأخرى قبل أن تتخذ قرارها النهائي بترك العلاقة المسيئة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الحصول على

إقرأ أيضاً:

ثلاث فتيات وامرأة غامضة.. ننشر الفصل الأول من رواية «البوشّيه»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق تنشر «البوابة نيوز» الفصل الأول من رواية «البوشّيه»، للكاتبة السعودية نوف أنور، والتي تصدر قريبا عن مؤسسة «الباشكاتب للسيناريو والنشر والسينما». وتتناول الرواية الواقعة في 140 صفحة تقريبا، بغلاف للفنان التشكيلي المصري محمد الشيمي، حكاية عن شبح امرأة غامضة يحيط بامرأة رقيقة -لكنها بائسة- تعافر من أجل إيجاد سلامها النفسي، في وقت تتعرض فيه لابتعاد الحبيب والغربة وخيانة أقرب صديقاتها. فيما تتشكل حولها حكاية صديقتي عمرها، واللتين لا تبدو حياتهما أفضل حالا.
يقول الناشر: في روايتها الأولى، تقدم نوف أنور قصة ثلاث فتيات تبدأ في أواخر التسعينيات من القرن العشرين، سحر وحصة وميسون، تربطهن صداقة قديمة بدأت منذ حرب الكويت واستمرت لسنوات مليئة بالتفاصيل والأسرار. سحر، التي تملك حدسًا قويًا، تعيش في فوضى بسبب امرأة غامضة تلاحقها، وتقلب حياتها إلى جحيم مليء بالألغاز. حصة تخفي سرًا كبيرًا يجعلها تبني عالماً من الأكاذيب، بينما ميسون، رغم حياتها الفوضوية وسعيها وراء الرفاهية، تمثل الأمان لصديقاتها. 
ومع مرور الوقت، تتشابك أحداثهن، حيث تتداخل خيوط الخوف والحب والصراعات. مما يدفعهن لمواجهة تحديات قاسية، تكشف أسرارًا، وتغير مسار حياتهن إلى الأبد.
 1

ارتفعت أصوات النساء بالأغاني والزغاريد، وهن يملأن المكان بالضجيج، تفرقن في ساحة منزل «بو علي» في مجموعات صغيرة يربطها الذهاب والمجيء والضحكات المرحة. يُزيدهن تألق تلك الأنوار التي تفترش النخيل، وأشجار اللوز. وتتلألأ على البيت أفواج من النساء، يلتحفن أجسادهن بـ«العباءة السوداء»، وهن في كامل زينتهن وأثوابهن المزرية بالخيوط الذهبية، والفتيات بأثواب النشل الملونة. بينما تفوح من المنزل رائحة الطيب من الدخون، والعود المخلوط برائحة المشموم، والياسمين والحناء.

امتلأ المكان بالأغطية المزخرفة بالزهور الملونة، وجلست صفوف من النساء بمواضع مختلفة بشكل منتظم، وخصص الوسط للرقص. وعلى الواجهة، كانت الجدران مغطاة بقماش أخضر من الزري، والأرائك الخضراء، وصينية دائرية تقليدية، مزينة بالمشموم والياسمين والنثور، ومعاصير الحنة الملفوفة بإحكام وتفوح منها الرائحة الخنينة.
كانت الفتيات قد صنعن دائرة حول المرأة العجوز التي ترسم الحناء ليُشاهدن الرسوم التي تُزيّن يد العروس، وتختلط أصواتهن ما بين الإعجاب والمطالبة بأن تكون كلٌ منهن هي التالية. وأخريات من النساء الكبار، الجالسات في وجود أم العروس وهي تتباهى بعطايا من سيصير في الليلة التالية زوج ابنتها. وطائفة ثالثة انهمكت في الغناء والرقص، صانعة أكبر قدر من الضجيج.

بكامل زينتها، كانت حصة تتوسط الجميع بجمالها الدافئ، ورغم رغبة والدتها الملحة بتغطية وجهها هذه الليلة -حتى لا يذهب نورها يوم زفافها- إلا إنها رفعت الغطاء عن وجهها، وسلّمت يديها الممتدتان للمرأة، لتقوم بنقشها بالأغصان المتفرعة بالأوراق والزهور.
كانت الفتيات يتراقصن بأثوابهن «النشل»، وشعور بعضهن مسدول على الأكتاف، وأخريات مجدلة ومزينة بالمشموم والريحان. وبالطبع لا تخلو أعناقهن وأياديهن من عقود الياسمين. إلا أن حرارة الجو زادت وجوههن احمرارًا ولمعانًا، وبالرغم من ذلك لم يمنعهن من التوقف عن الرقص، خاصة مع وجود فرقة «زبيدة» ودفوفها التي كانت تُلبي رغبة الفتيات بغناء أغاني سوق الكاسيت التي يرغبن بها، وفي الوقت نفسه، تُلبي رغبه الأمهات بالأغاني والأهازيج الشعبية.

وسط كل هذا كانت سحر جالسة في سكون، بدت كزهرة حائط وحيدة بجمالها اللافت رغم شحوب وجهها ونظراتها الشاردة، ترفض بلباقة كل محاولات الأخريات في جذبها نحو الدائرة الراقصة أو رسّمة الحناء، تدير عينيها في الحاضرات وتكتفي بهزة رأس بسيطة كلما قابلتها عين إحداهن، تتجنب النظر إلى النسوة الكبار ممن يرمقنها بنظرات هي مزيج بين الفضول والإشفاق، لأنها لم تتزوج بعد رغم حُسنها الواضح.


تعلم ما يُفكرن فيه، البعض يراها «منحوسة»، والأخرى «ممسوسة»؛ وغيرهن لقّبنها بـ «الحسناء التعيسة». تعرف هذا وتتجاهله، ولولا أن الليلة هي حناء «حصة»- أعز صديقاتها منذ الطفولة- لما غادرت منزلها لتصطدم بتلك الوجوه المُشفقة، فقط حصة هي الوحيدة القادرة على إخراجها من العُزلة مهما عبست أيامها أو انشغل ذهنها.

"ألا زلتِ تحلمين بتلك المرأة؟

قطع السؤال أفكارها، فرفعت رأسها لتجد حصة واقفة أمامها. تأملتها فوجدتها بارعة الحسن كما اعتدن أن يظهرن، أمسكت بيدها وتأملت الرسم في إعجاب، وجذبتها لتجلس بجوارها وأشارت حولهن..

-الجميع سعداء من أجلك، وأنا أولهّن.

=لا تتجاهلي ما أقول.. سألتك عن تلك المرأة. أهي سبب شرودك وقت زفافي؟

-لا شيء يؤخرني عنك.

=إذن.. احك لي.

-اليوم؟! يا لك من مجنونة يا فتاة!!

=هو اليوم نفسه الذين تكتفين فيه بالجلوس كنبات الزينة. دون أن تُشاركيني الرقص، أو تمتد يد العجوز على يدك المرمرية لتصنع لوحة تُزيد من فتنتك. احك لي، فربما يُذهب الحديث ثِقَل ذهنك، وتشاركيني فرحتي.

شعرت سحر بالخجل من قولها، لكنها أقرت في نفسها بأن ما تقوله صحيح. حصة هي الوحيدة التي لا تصف هواجسها وأحلامها بالجنون. منذ حكت لها عن تلك المرأة الغامضة التي تشاهدها منذ شهور وتستحوذ على أحلامها وخيالات اليقظة.
- تطاردني دومًا.. هي نفسها، بعباءتها السوداء الطويلة، وغطاء وجهها الذي لا يبدو منه سوى عينين فاتنتين. تثير الرعب فيَّ بنظرتها الثاقبة. ثم سُرعان ما تختفي. أراها في كل موضع، وتذوب مع فزعي.

= وتكتفي بالصمت؟

- ليس اليوم، ربما هذا ما جعلني أبدو في هذا الارتباك.

= لِمَ؟ ماذا حدث؟

- فيما بعد، لا أريد أن أبدو كطائر شؤم في يوم عرسك، دعينا نعود إلى النساء ثم أستكمل الحكي في يوم آخر.

= سأنشغل كثيرًا في الأيام المُقبلة.

- يا حبيبتي، أسعد الله وقتك وحفظ سرك، لا يوجد لديَّ أكثر من الوقت، ولا توجد حكاية أخرى تؤرق مضجعي. لا تهتمي، فسوف أنتظر.

تبادلتا الابتسام، وقامت أم العروس وأمسكت بيدها، تصاعدت الزغاريد، وارتفعت أصوات النساء بالغناء وكأن طاقتهن تضاعفت مع مشاركة سحر التي طافت ترقص حول حصة، ورسمت على وجهها ابتسامة لتُخفي توترها الزائد من تلك المرأة التي لا تنفك عن مطاردة ذهنها.

"قلت أوقفي لي وارفعي البوشيه... خليني أروي ضامر العطشاني

شفت الجدايل وأحسبك رومية.. ثاري الزلوق مقرضة ياخواني

الخد ياضي لي برق وسميه.. والعين تشبه ساعة الربان"..

لم تقاوم النساء الرقص على هذه الأغنية رقصة «الخماري»، فالفتيات وضعن الأكمام الواسعة لثوب النشل على الرأس، والنساء استعّن بالبوشيه لتغطية جزء من وجوههن؛ وبدأن يتمايلن بأجسادهن جانبًا بهدوء وبعدت خطوات إلى الوراء.

صنعت مع الفتيات دائرة كبيرة، توسطها العروس والمرأة العجوز، التي ما انفكت تصيح مُباركة العروس بكلمات لم تتبين أكثرها. أصرت العروس على والدتها أن ترقص لأنها تعرف أن والدتها تتقن «الخماري»، لكنها كانت تخشى من أحاديث النساء، فعادة أم العروس لا ترقص وتكون أقرب إلى الرصانة والثقل؛ إلا أن حصة أصرت قائلة «الزمن تغير يما»، بينما قامت سحر لتمسك بيدها وترقصان سويًا.

بعد قليل، اندمجت سحر مع الفتيات، وبدأت صورة المرأة تنزاح عن ذهنها فشعرت أنها أكثر حيوية، خرجت من الدائرة وأمسكت بيد والدة حصة واندمجتا في الرقص، حركت جسدها أكثر فزاد انطلاقها، بدأت تدور حول نفسها في مرح.

فجأة شعرت وكأن كل ما حولها اختفى، بدأت الدنيا في الإظلام لكنها لم تستطع أن توقف جسدها عن الدوران، بدت الأصوات من حلوها كأنها تأتي من بئر سحيقة، فارتجف جسدها بقوة لكنها لم تتوقف.

ثم ظهرت المرأة..

بدت تمامًا كما تراها من بعيد، عباءتها السوداء الطويلة والغطاء الشفاف الذي لا تُدرك ماهيته بينما عيناها لمعان من خلف الغطاء اقتربت منها المرأة فارتعبت وحاولت الصراخ لكنها لم تستطع، بدت في عيناها اللامعتين جذبة غريبة، أطبقت فمها وهي تتساءل كيف تراها في كل الاتجاهات رغم دوران جسدها.

شعرت بيد ثقيلة توضع على كتفها والأضواء تعود إلى بصرها شيئًا فشيء، انتفض جسدها وهي تسمع همسات تتعالى باسمها لتجد حصة أمامها ترمقها بنظرة قلقة، انتفضت مرة أخرى ثم أطلقت صرخة عالية وسقطت فاقدة الوعي.
«لم أشعر بنفسي إلا والنساء يُحطن بي وهن فزعات، كانت حصة أكثرهن فزعًا، لمحت في عينيها الخوف واللهفة لا الضيق والغضب رغم أني- بشكل ما- أفسدت ليلتها الجميلة. تلفت حولي لأجدنني مُستلقية على الأريكة وقد ابتل وجهي وغرق أنفي في مزيج من العطور استُخدمت لإفاقتي، نهضت مُرتبكة بعد تلك الفوضى التي أثرتها وشكرت حصة وكررت أسفي عشرات المرات قبل أن أستقل سيارتي وأغادر. أعلم أنها ليست غاضبة، فنحن أصدقاء منذ كنا في الثانية عشرة من عمرنا، لكني لا أستطيع منع نفسي من الضيق والخجل؛ ولا أستطيع كذلك أن أمحو من ذهني تلك المرأة الغامضة».

مقالات مشابهة

  • ثلث نساء العالم ضحايا عنف
  • تظاهرات مناهضة للعنف بحق النساء تعم فرنسا
  • مظاهرات في عدة مدن فرنسية احتجاجا على العنف ضد المرأة
  • دروس من نساء رائدات في قطاع البنوك والخدمات المالية
  • النساء في الفن.. هل يصنعن ثورة أم يقعن في فخ التمثيل الزائف؟
  • ثلاث فتيات وامرأة غامضة.. ننشر الفصل الأول من رواية «البوشّيه»
  • الرقابة المالية تدشن أول مختبر تنظيمي بالقطاع المالي غير المصرفي
  • COP29.. تحالف عالمي للقيادات النسائية الدينية في مواجهة تغير المناخ
  • COP29 .. تحالف عالمي للقيادات النسائية الدينية في مواجهة تغير المناخ
  • «الرقابة المالية» تدشن أول مختبر تنظيمي بالقطاع المالي غير المصرفي