الحياة محطة عبور.. عشها بأثرٍ يبقى
تاريخ النشر: 29th, October 2024 GMT
بلقيس الشريقية
في ليلةٍ هادئة، وبينما السكون يغمر المكان بأسراره، وجدت نفسي أتأمل في الحياة وأتساءل: ما هي تلك البصمة التي نودعها خلفنا؟ وبينما كنت أتجول بين صفحات التواصل الاجتماعي، لفتتني كلمات صادقة لشخص يعبر عن فلسفته في الحياة، وكأنها رسالة تهمس إلى روحي أن أشارككم هذه الأفكار التي تضيء الدرب وتجعل من رحلتنا أجمل.
وفي تلك اللحظة، تذكرت أول صرخة لنا في هذا العالم، تلك الصرخة التي تنبئ بولادة جديدة، وأدركت أن الطفل حين يبكي لا يعبر عن حزن، بل عن وداع للعالم الذي يعرفه داخل رحم أمه؛ ذلك المكان الذي شهد تفتح أول نبضات قلبه. وفي عمق هذا المشهد، تتجلى حقيقة جميلة: الحياة لا تُعطى لنا بلا ثمن، بل هي انتقال من عالم لآخر، من أمان الرحم إلى فضاء الكون، في خطوات متتالية هي أشبه برقصة روحية بين عالمين. وكأن الله يرسل لنا تلك الصرخة كتنبيه يقول لنا: ستسيرون في رحلة طويلة، لكنها تستحق العناء.
وعندما نواصل رحلتنا، يبدأ كل منا يواجه عالمه بطريقته الخاصة. نواجه تجارب لا تنتهي، نجد أنفسنا بين صراعات وتحديات، بعضها كبيرٌ وبعضها صغير، ولكن جميعها تتراكم لتشكل كياننا. ومع مرور الوقت، نُدرك أن كل خطوة هي درس، وكل موقف هو بلسم لروحنا، وأن كل أخطاء الأمس هي تمهيد للحكمة التي ننشدها اليوم. وفي هذا، تتجلى معانٍ روحية أعمق، إذ يتعلم الإنسان كيف يكون لروحه وجهًا آخر في كل تجربة، وكيف يمكن للروح أن تعيش في سلام مع كل محطة جديدة، مسلحةً بالإيمان بأن الله يكتب لكل منا حكاية تستحق التقدير.
وفي هذه المسيرة، نجد أنفسنا أحيانًا نندفع نحو قرارات قد لا تكون الأفضل، ونجد من يقول لنا بعد فوات الأوان: "لو أنني كنت أكثر صبرًا، أو أكثر روية." لكن الحقيقة هي أن كل تجربة، حتى تلك التي تملأ قلوبنا بالندم، تحمل بداخلها هدية روحية لا تُقدّر بثمن. وكما يقول الله تعالى في كتابه الكريم: "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ".
إنها دعوة للتسامح مع أخطائنا، ولإفساح المجال للرحمة تجاه أنفسنا، لأننا بشرٌ نُخطئ ونتعلم، ونؤمن بأن محبة الله ورحمته تحيط بنا في كل خطوة.
ومع كل درس نتعلمه، تتجلى أمامنا حقيقة أن الحياة أكبر من أي خلاف أو غضب، وأن الصراعات الصغيرة تُذوِّبها لحظات الصفاء الروحي. نعم، قد نجد أنفسنا في مواقف نُلام فيها على تسرعنا، أو نواجه عتابًا على كلمة لم يكن علينا قولها. لكن حين ننظر إلى هذه اللحظات من زاوية روحية، ندرك أن الندم وحده ليس النهاية، بل هو بداية للتوبة، وأن التسامح مع أنفسنا ومع الآخرين هو ما يملأ قلوبنا بالسلام.
وعند النظر إلى الحياة من هذا المنظور، نجد أنها دعوة مستمرة لملء القلوب بالنقاء، للحفاظ على نقاء أرواحنا من ثقل الضغائن، وللتعلم من أخطائنا والتسامح مع أنفسنا. ففي النهاية، الحياة قصيرة، وكما يقول الله تعالى في موضع آخر: "إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ." إنه القلب النقي الذي ينير الدرب، ويسهل علينا حمل الأثر الطيب في كل خطوة.
إنَّ الحياة محطة عبور، وعندما نرحل، لن يبقى معنا سوى الأثر الذي تركناه، والذكرى الطيبة التي نسجناها بأفعالنا وأقوالنا. وكل ذكرى جميلة هي روح خالدة تنبض بالخير، وشاهدةٌ على رحلة سعى فيها الإنسان ليترك خلفه ما يعبر عن صفاء روحه.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
إبراهيم رضا: من لم يشكر القيادة التي حفظت الوطن لم يشكر الله
أكد الدكتور إبراهيم رضا، من علماء الأزهر الشريف، أن الدعاء للوطن عبادة راسخة في الدين الإسلامي، مشيراً إلى أن خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام كان أول من علّم البشرية الدعاء للأوطان قبل أي شيء آخر، استنادًا إلى قوله تعالى: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا".
وأضاف في مداخلة هاتفية لبرنامج "90 دقيقة"، عبر قناة "المحور"، أن سيدنا إبراهيم قدّم طلب الأمن والأمان للوطن على طلب العقيدة، لأن غياب الأمن يعني غياب القدرة على العبادة، فحياة الإنسان واستقراره هما الأساس الذي تُبنى عليه العبادة.
وتابع، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أرشد الأمة إلى شكر الناس على أعمالهم الصالحة، مستشهدًا بحديثه الشريف: "من لم يشكر الناس لم يشكر الله". وأوضح، أن الدولة المصرية قدمت نموذجًا يُحتذى في الثبات على المبادئ، إذ رفضت كل الضغوط التي مورست عليها للتنازل عن أرضها أو المشاركة في أي مخططات تهجير، مؤكداً أن الرئيس عبد الفتاح السيسي أعلنها صريحة بأن التهجير خط أحمر، وهو موقف يعكس حكمة القيادة المصرية وثباتها على الحق.
وأشار إلى أن الشكر واجب ديني ووطني لكل من يسهم في حفظ الوطن وأمنه، مبيناً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في خطب الجمعة بالأمن والأمان، ويحث المسلمين على الدعاء لولاة الأمور والصالحين من الأمة، لأنهم صمام الأمان في مواجهة الفتن. ولفت إلى أن ما تشهده مصر من أمن واستقرار هو نعمة تستوجب الشكر لله أولاً، ثم لمن كان سببًا فيها من القادة والمؤسسات.