اسرائيل تنشر الموت والدمار في شرق لبنان وجنوبه
تاريخ النشر: 29th, October 2024 GMT
بعلبك (لبنان)"أ ف ب":
خلال دقائق قليلة، فقد علي كنعان والدته وزوجة أخيه وأبناء شقيقيه الأطفال بغارة اسرائيلية على قرية نائية في بعلبك في شرق لبنان أمس الاثنين، بعد يوم دام قتل فيه ستون شخصا على الأقل جراء غارات هي الأعنف على المنطقة.
على أطلال منزل والدته، وقف كنعان حزينا. سويّ المنزل الواقع وسط سهل زراعي، بالأرض.
تحت الركام، تبعثرت قدور طبخ بينما دفع عصف الانفجار سجادة قديمة الى أرض مجاورة.
ويقول كنعان "حصلت مجزرة" هنا". ويروي أنّ الغارات بدأت قبيل الساعة السابعة مساء حين "قصفوا منزلا عند مدخل القرية وسقط فيه شهداء".
حينها، توجّه أشقاؤه الى المنزل المستهدف للمساعدة في عملية الإنقاذ. بعد نصف ساعة فقط، "قصفوا منزلنا، توفيت والدتي وزوجة أخي وابن أخي البالغ من العمر ستّ سنوات، وابنة أخي البالغة عاما واحدا، وابن أخي الثاني الذي يبلغ من العمر سبع سنوات، والفتاة التي كانت تعاون والدتي في المنزل".
ويضيف الرجل "هذا منزل مدنيين، فيه أطفال ونساء ، ولا شيء حولنا".
- "أناس أبرياء" -
وكثّفت إسرائيل منذ الشهر الماضي ضرباتها الجوّية على مناطق تُعتبر معاقل لحزب الله قرب بيروت وفي جنوب البلاد وشرقها. وبدأت هجوما بريا في جنوب لبنان بعد تبادل للقصف على مدى سنة مع حزب الله عبر الحدود.ومنذ شهر، تتعرض منطقة بعلبك لقصف شبه يومي. لكن غارات الاثنين كانت "الأعنف"، وفق ما كتب محافظ المنطقة بشير خضر في منشور على موقع "إكس".
وفاق عدد الغارات خلال 24 ساعة الثلاثين، وفق محافظ المنطقة النائية والحدودية مع سوريا. ويقول خضر "ثلثا الضحايا هم من النساء والأطفال"، مضيفا أن أعمال رفع الأنقاض لا تزال مستمرة.
وأوردت وزارة الصحة ليلا أن الغارات الإسرائيلية المتتالية "على مدن وبلدات محافظتي بعلبك الهرمل والبقاع" شملت 12 قرية وبلدة، وأسفرت عن مقتل ستّين شخصا وإصابة 58 آخرين بجروح.
بين الشهداء ستة أشخاص قضوا بغارة استهدفت ثكنة غورو، وهي ثكنة عسكرية قديمة تعود لأيام الانتداب الفرنسي، وتقطنها منذ عقود عائلات فقيرة نازحة عند أطراف مدينة بعلبك.
وتعتبر بعلبك من كبرى مدن البقاع. وبعدما بقيت طيلة نحو عام بمنأى عن التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، إلا أن غارات استهدفتها ومحيطها خلال الأسابيع القليلة الماضية. وغادر المدينة أكثر من نصف سكانها البالغ عددهم 250 ألفا.
في ثكنة غورو التي كانت أشبه بحي شعبي متواضع، تناثر الغبار والركام في كلّ مكان، بينما وقف سكان يتفقدون الحطام، منهم من كان يبحث عمّا يمكن إنقاذه.
وتضرّرت سيارات عديدة في المحيط، وسويّت منازل بأكملها في الأرض، بينما تحطمت جدران مبان أخرى قريبة.تضرّر منزل محمّد الرفاعي الذي يعيش في حيّ مجاور. ويقول الرجل "هذه ثكنة فرنسية قديمة، يعيش فيها مهجرون منذ السبعينات، ليس فيها شيء آخر".ويضيف "ما يحصل في البلد كارثة.. الناس الذين قتلوا أبرياء، لا علاقة لهم بشيء، ولا بحزب الله".
- "لا مبرر" -
في موازاة الغارات على شرق لبنان، تعرضت مدينة صور الساحلية في جنوب لبنان، لجولات من الغارات منذ فجر الإثنين.في شوارع المدينة التي تضم آثارا رومانية مدرجة على قائمة التراث العالمي في منظمة العلم والثقافة والتربية، والمعروفة بشاطئها الرملي، شاهد مصور فيديو من وكالة فرانس برس اليوم واجهات مبان منهارة وأخرى متضررة.
فوق أحد المباني المنهارة، رُفعت لافتة صفراء كتب عليها "رغم المجازر سننتصر"، وأخرى كتب عليها بالانكليزية "صنع في الولايات المتحدة".
وكان الدخان لا يزال يتصاعد من حطام مبنى تصاعد منه الدخان بالقرب من مقهى مدمّر، وسيارات نوافذها محطمة ومتضررة من تساقط الحطام.وحاول سكان أن يعيدوا فتح الطرق المغلقة بسبب الركام.
ويقول حسن فقيه الذي تضرّر متجر المتحف العائد لعائلته منذ أكثر من 50 عاما "لقد فوجئنا، لا قوى أمن هنا ولا مقاومة".ويضيف "لم نتوقع أن تحصل الغارات في عمق المدينة السياحية، لا مبرر لذلك"، معتبرا أنهم "يريدون محو التاريخ".وكان الجيش الإسرائيلي يزعم أنه استهدف "أنشطة لحزب الله" في صور.
وجاء ربيع عطوي لتفقّد مطعم أحد أصدقائه على الواجهة البحرية في صور والذي تضرّر جراء الغارات الأخيرة.
ويقول عطوي "هذا شارع اقتصادي، شريان الحياة الاقتصادية"، مضيفا "لا توجد أسلحة ولا صواريخ هنا، لا يوجد إلا مطاعم هذا شارع مطاعم".
ويتابع الرجل "إسرائيل تريد تغيير معالم الحياة ويريدون إعادتنا إلى العصر الحجري كما يقولون لكننا صامدون وسنعيد إعمار" المدينة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
ولا ندرك الأشياء إلا في لحظة فنائها !
«نحن مصنوعون من الفناء، ولا ندرك الأشياء إلا في لحظة فنائها، نشعر بثروتنا حينما تفر من يدنا، ونشعر بصحتنا حينما نخسرها، ونشعر بحبنا عندما نفقده. فإذا دام شيء في يدنا فإننا نفقد الإحساس به» د.مصطفى محمود- رحمه الله.
نحن متفقون على أمر لا جدال فيه وهو أن الموت هو قضاء الله وقدره، وهو حقّ على كل إنسان في هذه الحياة، وبالموت يأخذ الله إليه من يحب، ولأن الله يحب عباده يختار من يريده دون أن ينظر لعمره وأبنائه وزوجته وعائلته.. وكما قيل منذ زمن «الموت هو الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة وغير ذلك ما هو إلا وهم زائف».
هناك مقولة خالدة قالها السياسي حسن البنا: «إن الأمة التي تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة، يهب الله لها الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة، وما الوهن الذي أذلنا إلا حب الدنيا وكراهية الموت، فأعدوا أنفسكم لعمل عظيم.. واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة واعلموا أن الموت لابد منه، وأنه لا يكون إلا مرة واحدة، فإن جعلتموها في سبيل الله كان ذلك ربح الدنيا وثواب الآخرة».
لسنا هنا نقلب الأوجاع أو ننصب خيام العزاء، أو نفتح المجالس للحديث عن الموت، بل نحن نتحدث عن أمر أصبح أكثر شيوعا وأكثر حضورا بين الناس، أعمار صغيرة وشباب يافع يدفن في أوج عطائه، وعليهم تنفطر القلوب حزنا وألما لفراقهم، لقد أصبح الموت يداهم الصغار، والأمراض تهاجمهم بشراسة لدرجة أصبحنا نتعجب من انتشارها بين الجيل الجديد، ولكن كل ذلك هو بأمر من الله ولا غالب لحكمه سبحانه، ولكن هناك أسبابا تؤدي إلى هلاك الأنفس الصغيرة التي لم ترَ الحياة على حقيقتها بعد وهي طريقة الحياة وأبرزها السلوكيات الغذائية التي أصبحت سببا في ظهور أمراض مستعصية بين فئة الشباب.
إن قائمة الذين فقدناهم أو من سنفقدهم طويلة، وهذا يكفي لفتح أبواب حزن بحجم الكون، أصدقاء وأحبة وحتى أعداء انتهى بهم المطاف بقدر الموت بشكل مفاجئ، نعلم أن حياة البشر تشبه تماما أوراق الشجر الخضراء اليانعة، تأخذ دورتها في الحياة وعندما يحين أجلها يتغير لونها إلى الاصفرار ثم تذوي شيئا فشيئا إلى أن تجف الورقة وتتغير ملامحها تماما، وتسقط من غصنها نحو الأرض، ثم تذروها الرياح نحو البعيد، هكذا هو الإنسان، وإذا كان الموت هو الذي يفرق بين الناس، فإن الذكرى القديمة هي التي تعيد تجميع المشاهد التي جمعتنا بهم، لذا نحن نشعر بالحنين والاشتياق إليهم وهم بعيدون عنا تحت الأرض.
بعضنا لا يزال يحتفظ في ذاكرة هاتفه بصور لبعض من عرفهم ذات يوم أو عاش طويلا معهم، لكن الموت قد أخذهم إلى مكان آخر، وطويت صفحات أعمارهم من الدنيا، لكنهم ظلوا عالقين في صفحات القلوب وحاضرين في أذهاننا حتى وإن أصبحوا يضمهم «الحضور والغياب»، لكنهم حتما يرحلون جسدا ويبقون في الذاكرة، ونحن نسير خلفهم في انتظار ذلك القدر الذي لا نعرف مداه من أجل مرافقته مرة أخرى في حياة أخرى لا نعرف عنها الكثير.
يعتبر موضوع الموت هو الشاغل الأساسي للعديد من الفلاسفة والأدباء والشعراء الذين خصّصوا بعضا من كتاباتهم للحديث عن هذا الشيء المؤلم الذي يُخيف معظم البشر، مثلا: «الموت لا يوجع الموتى، الموت يوجع الأحياء»! هكذا وصف الشاعر الكبير محمود درويش هذا الفراق الأبدي، ونحن نعلم بأن للموت أثرا كبيرا في تحول شكل الحياة وتغير مفاهيمها وألوانها بالنسبة إلى الأحياء، فالموت ليس فقط انفصالنا عن أحبتنا، لكنه إشارة إنذار بأننا سوف نكون اللاحقين لمن سبقونا.
يقول الكاتب محمود أبو العدس وهو أحد الذين تعرضوا للحديث عن فاجعة الموت: «إن الحرقة التي تسلخ أرواحنا هي تشبه ذلك الدخان الأسود الذي يجعلنا لا نرى وعندما نستنشقه نكون اختنقنا ودموعنا هطلت من ألمه فهو يجمع بين الألم والقهر إننا لا نستطيع الهروب منه حتى وإن كان كاتما لأنفاسنا.. هكذا هو خبر الموت عندما ينزل علينا كالصاعقة هذا هو الأثر الذي يخنق العبرات بداخلنا».
إذن فقدان الأحبة عندما يموتون له أثر عظيم في النفس الإنسانية، لكن الزمن قد يكون كفيلا في تراخي حدة الألم والاشتياق للقاء لن يأتي إلا في مكان آخر سنذهب إليه تباعا.