إدارة الموارد البشرية.. مرتكزات التحول إلى الدور الإستراتيجي
تاريخ النشر: 29th, October 2024 GMT
يشهد العالم حاليا مرحلة مهمة من مراحل الإبداع والتميز الإداري.. حيث شكلت الحقب الزمنية المنصرمة مراحل انتقالية ومنعطفات خصبة لتأسيس فكر إداري مبني على مناهج ورؤى تعدى مرحلة الطرح الفلسفي لمفاهيم ونظريات مجردة إلى إبراز هياكل وظيفية وبنيوية، سخرت لتأطير الصلاحيات والأدوار على مستوى منظمات الأعمال والإنتاج، وتجاوز استخدام الإدارة إلى أبعد من ذلك من خلال تسخيرها لتبرير الهيمنة والنفوذ من الزاوية السياسية على مستوى الدول والكيانات .
ولقد حفلت بدايات القرن الحادي والعشرين بالعديد من التغيرات في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فضلًا عن التغيرات التكنولوجية والتي نتج عنها مجموعة من التحولات المهمة التي ساهمت في تطوير الإدارة وميادينها الأكاديمية والتطبيقية التي من ضمنها: - التحول من ممارسات النظم المركزية إلى ممارسات النظم اللامركزية. - التحول من التكنولوجيا البسيطة والمحدودة إلى التكنولوجيا عالية التطور. - التحول من اهتمامات قصيرة المدى إلى الاهتمامات إستراتيجية طويلة المدى. - التحول إلى اقتصاد السوق الحر وتطبيقات الخصخصة. وقد كان لهذه التحولات الأربعة انعكاس واضح ومؤثر على الإدارة ونظمها وأساليبها ومعايير الحكم عليها وتقييمها وطرق تنميتها وتطويرها، إلا أن الأثر الأكبر لها يدور حول الإنسان سواء الفرد أو الجماعة، مما ساهم في تأسيس وتأصيل علم وممارسة إدارة الموارد البشرية كأحد أهم الإسهامات الإدارية للربط بين أسس وممارسات إدارية والموارد البشرية التي تعتبر الأصل المتجدد للدول والمؤسسات بغرض تحقيق سيطرة وتحكم بالأداء والإنتاج... وقد واكبت سلطنة عمان هذا الاهتمام العالمي والإقليمي بمواضيع إدارة الموارد البشرية وتنميتها، وذلك من خلال تركيز جلالة السلطان المفدى - حفظه الله ورعاه- على إبراز هذا الجانب في خطاباته وتوجيهاته السامية في مختلف المناسبات واللقاءات بصفته محورا مفصليا مهما في تحقيق التنمية البشرية والفكرية والاقتصادية.. وشكل هذا الاهتمام رؤية مستقبلية شكلت أرضية خصبة صالحة لتأسيس ممارسة إستراتيجية لإدارة الموارد البشرية لقطاعات العمل في سلطنة عمان (العام والخاص). ولعل المطلوب خلال المرحلة المقبلة الاستفادة من الإمكانيات الهائلة التي تقدمها منهجية إدارة الموارد البشرية في تحقيق نموذج إستراتيجي وطني لمجالات وأنشطة الموارد البشرية على المستويين الوطني (macro) وعلى مستوى الممارسة في المنظمات الحكومية والقطاع الخاص (micro) - مع تسليمنا أن المؤسسات الكبرى في القطاع الخاص تحديدا لديها تجربة رائدة ومهمة في هذا المجال-. إن الحاجة لإيجاد نموذج متطور لممارسات الموارد البشرية المختلفة ومن ثم إدارتها وفقا لمعطيات التطور والطموحات المرحلية والمستقبلية سيساعد على تحقيق الأهداف المتعلقة بالممارسة الإستراتيجية والميزة التنافسية من خلال ممارسة إدارة الموارد البشرية بشكلها الصحيح والإستراتيجي وبتطبيق مختلف تماما عن النماذج البسيطة القديمة الروتينية لإدارة الأفراد أو شؤون الموظفين. وهذا لن يتأتّى دون إحداث تحول وحراك مصاحب في الفكر من محدودية المجال النظري الضيق إلى مجالات أكثر اتساعا لتطبيق أفضل الممارسات التي تقدمها نماذج إدارة الموارد البشرية المتطورة. ومثل هذا التحول يستلزم بالضرورة متطلبات أساسية ورئيسية يمكن أن نوجزها في العناصر التالية: أولا: التفكير الشامل في أداء إدارة الموارد البشرية، من خلال إيجاد نظام إدارة الموارد بشرية يتضمن ممارسات مترابطة ومندمجة على مستويين، الأول على مستوى تكامل الممارسات فيما بينها والثاني التكامل مع إستراتيجية المؤسسة. ثانيا: تعظيم التوقعات من إمكانية إسهام جهود إدارة الموارد البشرية في تحقيق معدلات العائد على الاستثمار البشري من خلال نتائج الأداء وبالتالي تحقيق الأهداف الاستراتيجية سواء على مستوى الدولة أو المؤسسات العامة والخاصة. ثالثا :دمج إدارة الموارد البشرية على المستوى الاستراتيجي واتخاذ القرار بحيث تصبح العلاقة علاقة تعاون وشراكة بين الإدارة العليا وإدارة الموارد البشرية لتحقيق التكامل في النظم والسياسات وبالتالي زيادة معدلات الإنتاجية وتجويد الأداء. رابعا: دعم عملية التحول على مستوى الفكر وممارسات التحسين وصولا للارتقاء بالعنصر البشري باعتباره أصلا وموردا يمكن الاستثمار فيه لتحقيق الميزة التنافسية والموقع المرعوب فيه على مستوى قطاع العمل أو الإنتاج. خامسا: إيجاد مؤسسات استشارية وبحثية تعنى بتأسيس ممارسة وطنية لأفضل ممارسات أنشطة إدارة الموارد البشرية، وتقدم خبرات استشارية للتطبيق المتطور إلى جانب إبراز الأهمية الكبرى للبحث العلمي والتجريب التطويري في مجال إدارة الموارد البشرية وذلك قد يتطلب إعادة النظر في المؤسسات العامة والخاصة القائمة حاليا وهيكلتها بشكل يتناسب للعب أدوار أكثر تأثيرا وبعيدا عن النمطية . والجدير بالذكر أن التحولات السابقة ستفرض تغييرات جوهرية في طريقة التفكير وفي العقلية التي تحكم سلوكيات وأنماط القائمين على إدارة الموارد البشرية، وفي الأدوار التي ينبغي أن يقوم بها المتخصصون في مجال إدارة الموارد البشرية (أكاديميون ومشتغلون) في المجالات الوظيفية النوعية المتعلقة بتسيير وتطوير أنشطة الموارد البشرية بحيث يساهم كل منهم في تجويد الممارسة والدفع قدما للبحث عن استراتيجيات تحسين وتطوير الأداء وبدعم ومباركة من قبل الإدارات العليا لتحقيق هذه الاستراتيجيات. .. وسيلقى ذلك بظلاله على الكيفية التي يمكن من خلالها تحقيق التواؤم المنشود مع التكنولوجيا الجديدة في مجالات العمل والأنشطة الخاصة بالموارد البشرية . إن هذه الجوانب وغيرها إنما تمثل ما يمكن أن نطلق عليه تعبير الثورة العقلية أو الفكرية في إدارة الموارد البشرية، وهي الخطوة أو المرحلة الأولى من إدارة التغيير لمراحل إعادة هندسة نظم وسياسات وتطبيقات الفكر المنهجي العلمي لإدارة الموارد البشرية، وصولا إلى مساعدة المديرين التنفيذيين على التحول من «عقلية الروتين اليومي» إلى عقلية «الاندماج الإستراتيجي» وبالتالي المساهمة في تحقيق موقع أفضل لممارسة إدارة الموارد البشرية على صعيد اتخاذ القرار والأهمية. |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إدارة الموارد البشریة على مستوى التحول من فی تحقیق من خلال
إقرأ أيضاً:
وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية يفتتح النسخة الثانية من المؤتمر الدولي لسوق العمل
الرياض : البلاد
تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله -، افتتح معالي وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية المهندس أحمد بن سليمان الراجحي، اليوم، النسخة الثانية من المؤتمر الدولي لسوق العمل 2025، تحت شعار “مستقبل العمل” في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات بالرياض، بحضور 40 وزيرًا للعمل من دول مختلفة، تشمل مجموعة العشرين وأوروبا وآسيا ومنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، والأمريكيتين، إضافةً إلى المدير العام لمنظمة العمل الدولية السيد جيلبرت هونغبو، ومشاركة خبراء وقادة عالميين، وما يزيد على 5000 مشارك و 200 متحدث من صُنّاع سياسات العمل، والخبراء، والمختصين من أكثر من 100 دولة.
وأكد المهندس الراجحي، في كلمته الافتتاحية، أن المؤتمر الدولي لسوق العمل منذ تأسيسه قبل عام، أصبح منصة رائدة لتشكيل مستقبل أسواق العمل، بفضل إسهامات الحضور القيّمة ومشاركتهم من جميع أنحاء العالم، مشيرًا إلى أن المؤتمر يكتسب أهمية بالغة بسبب التحولات الكبرى التي تشكلها أسواق العمل وتتشكل بها على مستوى العالم.
وأوضح أن العالم يشهد تطورات تكنولوجية سريعة، وتغيرات ديموغرافية أساسية، وقضايا ناشئة مثل التكيف مع تغير المناخ، مما يتطلب اتخاذ خطوات استباقية وجريئة استعدادًا لمواجهة التحديات المستقبلية.
وتطرق معاليه إلى التحديات المتزايدة على المستوى العالمي، إذ يبلغ عدد الشباب العاطلين عن العمل حوالي 67 مليونًا، ونحو 20% من الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عامًا لا يعملون أو يشاركون في المؤسسات التعليمية أو برامج التدريب، ويعاني ما يقرب من 40% من أصحاب العمل صعوبة في شغل الوظائف الشاغرة بسبب عدم تطابق مهارات القوى العاملة مع متطلبات سوق العمل، حيث تتجاوز نسبة بطالة الشباب 30% في بعض مناطق العالم.
واستعرض عددًا من الخطوات الرائدة التي اتخذتها المملكة تحت مظلة رؤية المملكة 2030 لتمكين قواها العاملة وتحفيز التحول في سوق العمل، منها برامج التدريب والمبادرات التشريعية، وإطلاق إستراتيجية تنمية الشباب في المملكة، وسياسة التدريب التعاوني.
وكشف عن مبادرتين تهدفان إلى تحويل التحديات إلى فرص، الأولى: إطلاق “أكاديمية سوق العمل”، التي تتخذ الرياض مقرًا لها، والثانية: “تقرير استشراف المستقبل”، لتقديم توصيات عملية بناءً على أبحاث متعمقة، ويقدم إستراتيجيات مبتكرة لسد فجوات المهارات وتعزيز التعلم مدى الحياة.