استمرار التطبيع العربي وقت الإبادة.. يخدمها
تاريخ النشر: 29th, October 2024 GMT
دول كثيرة حول العالم تقيم علاقات "طبيعية" مع إسرائيل؛ اتخذت مواقف من جرائمها في غزة، ومن سياساتها داخل الأراضي المحتلة، بالتعبير عن رفضها لسياسات الاستيطان والعدوان وجرائم الإبادة الجماعية في غزة، وتنادي بين حين وآخر بفرض عقوبات على وزراء مثل نتنياهو وبن غفير وسموتريتش وعلى زعماء الاستيطان، باعتبارهم يمثلون الخط الفاشي في دولة الاحتلال التي تتحول نحو نظام الفصل العنصري، بما ينسف فكرة السلام من أساسها.
وأنظمة عديدة في العالم العربي تقيم علاقات "سلام" وتطبيع مع دولة الاحتلال منذ عقود، بعضها التحق بركب التطبيع قبل سنوات قليلة، تحت شعار تعزيز فرص "السلام" في المنطقة، وبما يخدم تطلعات الشعب الفلسطيني، لكن واقع الحال لعلاقة إسرائيل مع العالم العربي، أو الأنظمة المطبعة والمتحالفة معها، كشفت عن علاقة عربية ذيلية في درس "الصداقة" مع العقل الصهيوني، والتوظيف العربي للتطبيع كانت غايته المبيتة نسف الأسس التي تنشأ عليها علاقات عربية بينية وعلاقاتها مع قضيتها المركزية في فلسطين وتبعاتها المفروضة على دنيا العرب.
وأنظمة التطبيع العربي اليوم إذا كانت تستند في ذريعتها على مصالح مشتركة تجمعها مع المحتل لتوطيد "السلام"، فإن هذه الذريعة انتفت مع أصحاب القضية أنفسهم منذ أوسلو وإلى اليوم، بسبب عقلية صهيونية تحافظ على علاقة نرجسية استعلائية عدوانية مع الفلسطينيين ومع العرب عموما، للحفاظ على هدف يتحقق في جريمة الإبادة في غزة وتوسيع العدوان في القدس والضفة.
ضمن هذه الحالة العربية الفريدة الخارجة عن المألوف، باستمرار العلاقة مع محتل يرتكب جرائم ومجازر على مدار الساعة بحق أشقائهم الفلسطينيين، تندرج العلاقة العربية مع المؤسسة الصهيونية بعد عام وعدة أسابيع من استمرار جرائم الإبادة في غزة، مع الميل نحو استمرار العلاقة لا قطعها. وهذا "كرمٌ" عربي مع إسرائيل سيسجله التاريخ في صفحة العار، فجريمة الحرب والإبادة الجماعية لا تغضب المسؤول العربي، ولا تعكر صفو علاقته مع المحتل، فليس بين الأصدقاء حساب أو عتب حتى لو "طبشت" كفة العلاقة دوما نحو المحتل، مع منحه شعورا بأنه لن يتعرض لعقوبة تردعه عن الاستمرار في العدوان، وهو ما يفتح النقاش عن طبيعة هذا التطبيع والعلاقة مع المحتل، والتي تقود بالتسليم العربي الرسمي بالأمر الواقع الإسرائيلي.
على الأقل منذ عام وإلى الآن انصرفت السياسة العربية الى مواجهة العدوان بطريقة جدا مؤلمة ومحزنة للضحايا الفلسطينيين، فالحنان والعطف الذي تشعر به المؤسسة الصهيونية من دول التطبيع العربي، على شكل قوافل المساعدات الغذائية وتنسيق أمني معها لمواصلة العدوان، وصد المقاومة وشيطنتها في قالب الإرهاب، كل ذلك فاق على كل تعريف مخزٍ للتطبيع وسبق نفاقا غربيا للثرثرة عن حقوق الإنسان.
حليف المحتل العربي عاجز بشكل مقصود، ومشلول عن سابق تصميم وإرادة، بسبب هزيمة إرادة مناقضة لعجزه وشلله. حليف المحتل العربي فاقد لأي قيمة سياسية وأمنية وأخلاقية له أمام ذاته وأمام شعبه المراقب تحت سحق وقهر وقمع يجري في غزة، الشارع العربي يراقب مواقف دول كثيرة من الاحتلال وقادته ويشيد بها ويفرح لها، وبنفس الوقت يستذكر بمرارةٍ مواقف وقرارات عربية اتخذت في قمة الرياض في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي لكسر الحصار عن غزة، ومدها بالمساعدات الإنسانية والصحية، وعدم تنفيذها أعاد ميزان العلاقة الإسرائيلية العربية، نحو كفة راجحة بشكل مطلق لصالح الاحتلال ومصالحه. فلا دول التطبيع العربي لديها القدرة على استثمار ما روجت له من وراء التحالف مع المحتل، ولا باقي السياسات العربية لديها فاعلية على المستوى العربي والدولي.
فحين يكون الموقف من جرائم الاحتلال آتيا من نيكاراغوا أو اسكوتلندا أو أيرلندا أو تشيلي أو كولومبيا أو النرويج أو إسبانيا ضد جرائم الاحتلال، يكون السؤال: لماذا تكون فاعليته وصداه أعلى بخلاف أي موقف عربي؟ وحين يقول الرئيس الفرنسي على سبيل المثال أيضا لرئيس وزراء الاحتلال بأن بلدكم أنشئ بقرار دولي تثور ثائرة الدوائر الصهيونية عليه، وكذلك موقف الأمين العام للأمم المتحدة من جرائم الاحتلال، بينما تختفي كل هذه العبارات من قاموس المسئولين العرب الذين يلتقون بنظرائهم الغربيين، ولا يُسمعونهم عبارات مثل أن أي شعب محتل له الحق في مقاومة محتله، وأن خداع وأكاذيب المؤسسة الصهيونية وجرائمها هي التي أجهضت كل ما يتعلق بالسلام وبحل الدولتين، وأن من يحمل الرواية الإسرائيلية بالكذب والشيطنة ممنوع أن يلقيها على مسامعنا هنا في العالم العربي وقد خبرنا أكاذيبكم لأكثر من سبعة عقود.
نعرف لماذا تغيب الشجاعة من القاموس العربي، أمام الأمريكي والغربي والإسرائيلي، لأن هناك قناعة جماعية عند هؤلاء بعدم شرعية أنظمة قائمة على الاستبداد، فما من شك أن المواقف التي تخص عدالة وإنسانية وحق الفلسطينيين لا تترجم على أرض الواقع العربي بشجاعة لتنفيذ ما ينطق به المسؤول العربي، لذلك يخرج الزائر الغربي والأمريكي للمنطقة العربية بانطباع معروف سلفا بتطابق الأفكار مع نظيره العربي حول مفردات فضفاضة عن السلام والأمن في المنطقة، ودعوة كل الأطراف لعدم التصعيد، وهو ما يعتبر نجاحا للعقل الصهيوني بتوظيف التزوير في خانة علاقاته العربية الرسمية بشكل لا ينفي حالة الانصهار العربي الرسمي مع الرواية الصهيونية، بعد إخفاقٍ مستمر من تسويقها في الشارع العربي ونجاحها في خدمة الإبادة الفلسطينية.
x.com/nizar_sahli
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة جرائم الفلسطيني العربي التطبيع فلسطين غزة العرب جرائم التطبيع مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة تفاعلي مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة التطبیع العربی مع المحتل فی غزة
إقرأ أيضاً:
كاتب إسرائيلي: إسرائيل والسعودية مرتاحتان لترامب.. تقدم بطيء نحو التطبيع
ذكر مقال للكاتب داني زاكن نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، أن "إسرائيل والسعودية تريان في ترامب رئيسا اكثر راحة بكثير من ناحيتهما، ولهذا فهما تنتظران تسلمه مهام منصبه وتصممان ببطء الخطوط الرئيسة الممكنة لاتفاق التطبيع لكن في موعد ما ستضطران للحديث أيضا عن تنازلات وعن الفلسطينيين".
وقال داكن في مقاله، "نبدأ بفكرة تستند الى معلومة: لن يكون اتفاق تطبيع مع السعودية قبل دخول دونالد ترامب الى البيت الأبيض، رغم انه توجد تمهيدا لهذا استعدادات ومحادثات ومداولات مكثفة بين رجال ترامب وكل ذوي الشأن، بما في ذلك إسرائيل، النصف الأول من الجملة اقتبسها عن دبلوماسي سعودي كبير (شخصية أنا على اتصال معها منذ اتفاقات إبراهيم)، وهو الذي توجه الي بعد أن نشر في إسرائيل امس عن تقدم نحو التطبيع".
وتابع، أن "الإمكانية التي نشرت بإسرائيل اليوم في آب على لسان مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى جدا، الذي شرح بان هزيمة الديمقراطيين في الانتخابات كفيلة بالذات بان تسرع التطبيع في الفترة الانتقالية اذ يسهل عندها على الرئيس بايدن تلقي الاذن بذلك من الكونغرس الذي سيكون مطالبا بان يقر مثل هذا الاتفاق، بسبب ذاك القسم من اتفاق الدفاع الأمني بين السعودية والولايات المتحدة، والجمهوريون غير متحمسين لاقرار مثل هذا الاتفاق".
غير أنه حسب مصادر مطلعة شطبت القضية عن جدول الأعمال وذلك بسبب قرار مشترك لبايدن وترامب.
وأوضح الكاتب، أن "للإدارة الجديدة نوايا لإعادة تفعيل الخطة لترتيب الشرق الأوسط من جديد، بسبب الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر، وبعد تغيير صورة موازين القوى بفضل الإنجازات الإسرائيلية في لبنان وحيال ايران والتي حققت ثورة حقيقية، فإن هذه الخطة الجديدة باتت قابلة للتحقق اكثر من أي وقت مضى".
إضافة إلى ذلك، حتى لو كان للإدارة الراحلة احتمال للدفع قدما باتفاق ثلاثي مع السعودية وإسرائيل، فإن الدولتين الشريكتين معنيتان بانتظار ترامب، الأكثر راحة بكثير من ناحيتهما.
وتابع، "ليس صدفة أن التقى مبعوث ترامب إلى المنطقة ستيف ويتكوف في الأيام الأخيرة في الرياض مع العراب محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي والرجل الذي يمكن معه عقد الصفقات".
واستدرك، "صحيح حتى الآن، على حد قول الدبلوماسي السعودي الأمر الذي أكده أيضا مصدران إسرائيلي وأمريكي – فإن المحادثات غير الرسمية تعول على الخطوط العريضة للاتفاق في مستويين. الأول، المثلث الإسرائيلي – الأمريكي – السعودي، الذي يعنى بالجانب الأمني، بما في ذلك حلف دفاع وتناول في مسألة إقامة منشأة نووية مدنية سعودية".
أما الثاني، "إقليمي، يشرك معظم دول المنطقة من الخليج حتى لبنان (بناء على طلب فرنسا) ويكون شاملا، مثل خطة القرن بل واكبر بكثير "خطة كبرى".
تنمية إقليمية واسعة
ويتابع داكن، أن المشاكل في المستوى الأول هي مدى الحلف الأمني، والحاجة لاقرار مجلس الشيوخ لمثل هذا الحلف.
وأضاف، أن الورقة الإسرائيلية القومية هي المعرفة بانه اذا ما شمل هذا الحلف إسرائيل، بما في ذلك التطبيع، فان فرصه للمرور في مجلس الشيوخ عالية.
أما المستوى الثاني سيتضمن في داخله فضلا عن الخطط الاقتصادية الشاملة، تنمية إقليمية واسعا أيضا بتمويل دول الخليج في الدولتين الضعيفتين الأردن ولبنان ولدى الفلسطينيين وفق الكاتب.
ويرى داكن، أن هنا يكمن الخلاف الأساس، ظاهرا على الأقل. فقد عاد السعوديون وقالوا ان حل المشكلة الفلسطينية وإقامة دولة لهم هو جزء لا يتجزأ من التطبيع. بالمقابل فانهم لا يثقون ولا بقدر قليل بالسلطة التي هي في نظرهم فاسدة وغير ناجعة.
وتابع، ولهذا فقد طالبوا بإصلاحات وتغييرات بعيدة المدى فيها. في لقاء كان في الرياض في كانون الثاني هذه السنة بمشاركة مستشار الامن القومي السعودي ومسؤولين كبار آخرين كرؤساء المخابرات الفلسطيني، المصري والأردني، أوضح للفلسطينيين بان فقط تغييرات بعيدة المدى في قيادة السلطة وفي سلوكها ستؤدي الى دعمهم لمشاركتها في خطة اليوم التالي.
ويقول الدبلوماسي السعودي ان تغيير رئيس الوزراء الفلسطيني كان جزء من استجابة أبو مازن للمطالب، وانه بعد انتخاب ترامب واضح أنه يوجد تقدم إضافي – والدليل، الحملة في جنين ضد الجهاد الإسلامي وحماس.
وفي إسرائيل، او على الأقل في الائتلاف الحالي سيجدون صعوبة في قبول التقدم الى دولة فلسطينية حتى لو كان مجرد ضريبة كلامية.
وختم كاتب المقال قائلا، "كما أن لدور السلطة في إدارة مدنية للقطاع سيصعب على نتنياهو الحصول على الموافقة. المعنى هو أنه عندما تتقدم الاتصالات، نحو النهاية سيتعين على نتنياهو أن يصطدم بشركائه الائتلافيين على هذه البنود، سيعرض المقابل الكبير، لكنف ي النهاية سيتعين عليه أن يقرر. اتفاق تاريخي وإعادة تنظيم الشرق الأوسط كله، حتى بثمن تغيير الائتلاف أو استمرار السيطرة الإسرائيلية على القطاع وتجميد الوضع في الضفة. هذه المعضلة".