«رمانة الميزان» في قصص الابتكار
تاريخ النشر: 29th, October 2024 GMT
قدّمت شركة بوسطن دايناميك (Boston Dynamics) الرائدة في تصميم الروبوتات، إعلانًا تشويقيًا لتسويق رؤيتها في مستقبل البشرية الذي تشكله التكنولوجيا المبتكرة، ولم تكتفِ الشركة بعرض القدرات التقنية المتقدمة لروبوتاتها مقارنة بمثيلاتها الأخرى في هذا المجال، بل إنها سردت قصصًا جذابة ومقنعة حول الدور المحتمل لهذه الروبوتات في حياتنا، وأثارت مقاطع المادة الإعلانية تفاعلًا واسعًا مع قصص الروبوت سبوت ميني (SpotMini) البارع في الأعمال المنزلية، وكذلك روبوت أطلس (Atlas) الذي يجوب الأرض متنقلًا عبر التضاريس الوعرة التي لا يصل إليها الإنسان، هذه الدقائق المعدودة لم تستقطب انتباه المتابعين الذين يتخيلون صورةً لمستقبل يدمج الروبوتات في حياتنا اليومية، ولكنه أثار اهتمامًا عالميًا، وحفز تنفيذ المناظرات والحوارات العلمية والفكرية حول التعايش مع الآلة، والآثار الأخلاقية للروبوتات، وهذه هي قوة قصص الابتكار، ولكن ما هي رمانة الميزان في سرد قصص الإبداع العلمي دون تضخيم الإنجازات وفي الوقت ذاته ضمان عدم الإجحاف بالقيمة الابتكارية؟ في البداية دعونا نتوقف عند أهم محطات رحلة الابتكار؛ وهي مرحلة عرض الفكرة الابتكارية، سنجد أنه من المألوف أن يصطدم فريق الابتكار بحائط عدم القبول عند طرح مبادرة جديدة، وقد لا يكون السبب قلة الموارد المتاحة لدعم تنفيذ الفكرة الابتكارية كما يبدو ظاهريا، إذ لا يتعلق الأمر بالموارد وحدها، ولكن دوافع الأحجام قد تعود إلى الخوف الكامن من الإخفاق، فالعوائد المنشودة من الابتكار تبقى مجرد تكهنات، ومع ارتفاع درجة عدم الوضوح في المخرجات وكذلك ارتفاع مخاطر الاستثمار في التقنيات فإن المسؤولية كبيرة على عاتق فريق الابتكار في إقناع الممولين والداعمين، وهنا تظهر أهمية توظيف مهارات السرد القصصي في الاتصال الاستراتيجي للابتكار، ولكن سرد قصص الابتكار مختلف تماما عن الحكايات المعتادة، إذ تكتنف هذا النوع من السرديات تحديات عديدة، فتحقيق التوازن فيها هو أمر معقد، كما أنه لا يمكن تجاهل الصعوبة في عملية توصيل الأفكار المبتكرة والجديدة إلى متخذي القرار والشركاء وأصحاب المصلحة، فالعلماء والمهندسون ومطورو العمليات وصناع الأفكار لا يميلون بحكم طبيعتهم العلمية والتقنية إلى ترجمة الأفكار الكبيرة والمعقدة إلى قصة موجزة وذات أثر وموجهة للشرائح المستهدفة، وجذب ثقتهم وجعلهم أكثر التزامًا بإنجاح هذه الأفكار الابتكارية، وهذه التحديات هي التي أدت إلى أن الكثير من القصص الإبداعية في ابتكارات العلوم والتكنولوجيا قد بقيت قصصا غير مروية، وفي المقابل ظهرت العديد من القصص التي اتبعت مسارات تضخيم الإنجازات، وأصبح الوصول للتوازن المطلوب من أهم خطوات توظيف السرد القصصي.
فإذا تعمّقنا في المثال السابق لشركة بوسطن دايناميك التي تبرز قوة سرد القصص سنجد بأن مهارة السرد القصصي هي جزءٌ لا يتجزأ من بناء ثقافة الابتكار، لكونها ضمن أدوات الوصول إلى التمويل والشراكات الاستراتيجية، وهي كذلك ملهمة، لأن بوسطن دايناميك قد تجاوزت مرحلة البحث عن الداعمين ووصلت لمرحلة متقدمة من التأثير الجماهيري واسع النطاق، فهي الآن أيقونة الإلهام العلمي، ومطمح المبتكرين ورواد الأعمال الناشئين، ويعود ذلك إلى قدرة الشركة على المزج ما بين سرد رحلتها في كيفية نشأتها وتطورها، وبين الخيال العلمي وراء اختراع الروبوتات المتقدمة، وإتاحة السيناريوهات المختلفة لتطبيقها في المستقبل، وبذلك فإن قصص الروبوتات الشيِّقة قد نقلت الجمهور من مرحلة الإعجاب بالتقدم العلمي الباهر إلى التفكير في أفكار علماء الغد، وإلى أي مدى سوف تصل ابتكاراتهم، وهذا النوع من الاستجابة يبرهن بأن التأثير قد أوجد درجة من الارتباط العقلي والعاطفي بالابتكار، والاستقطاب العاطفي هو عنصرٌ حيوي في سرد قصص الابتكار والإبداع، إذ أنه وعلى الرغم من أن قصة روبوتات بوسطن دايناميك تدور حول مفهوم مستقبلي بحت، إلا أنها جاءت في قالب متميز حفز التطلع والفضول والتأمل، وبعبارة أخرى استطاعت القصة أن تستثمر اهتمام الجمهور عاطفيًا، مما زاد اهتمامهم بهذه الابتكارات علميًا واقتصاديًا واجتماعيًا. وهذا يقودنا إلى أهم التكتيكات في توظيف السرد القصصي في التواصل الاستراتيجي للابتكارات، فمن منظور المبتكرين الناشئين يجب أولًا فهم وإدراك أهمية عبور الحاجز النظري بين المجتمع العلمي ومختلف شرائح الشركاء والمستفيدين، إذ لا بد من غرس ثقافة وممارسات السرد القصصي لعالم الأعمال والابتكار، ففي عصرنا الرقمي المشبع بتكنولوجيا الاتصالات، اكتسب السرد القصصي مسارات وأبعادًا جديدة مع وسائل التواصل الاجتماعي، والبث الصوتي والمرئي (البودكاست) وغيرها من أدوات الإعلام الرقمي، والواقع الافتراضي، وجميعها تلعب دورًا أساسيًا في إتاحة الوسائط التي من شأنها نقل رحلة المبتكرين إلى القطاعات ذات الصلة، وإلى المجتمع الذي يجد نفسه خارج حلقات الابتكار بسبب الحواجز الثقافية والنمطية التي أضفت على المجتمع العلمي الكثير من الانعزال، وبعد الوصول للفهم الواعي لوظائف السرد القصصي ودوره يأتي محور تأطير قصص الابتكار في هياكل سردية لتقديم الرؤى والدروس القيمة، وهنا يجب بناء ثقافة إنتاج قصص الابتكار الأصيلة، وتقليل الاقتباسات واستنساخ النماذج المشهورة من أجل إضفاء الثراء والسياق على القصة الابتكارية، وكلما التزم المبتكرون والرياديون بنقل تجاربهم الفريدة والمتميزة كلما اكتسبت القصص الإبداعية ميزة الأصالة التي تجعل منها مصدر إلهام، وتحفيز الجمهور على الاهتمام بهذه التجربة، والإيمان بجدوى الابتكار، والترويج له. تتطلب الابتكارات العظيمة ترجمة إلى سرديات مركزة وموجهة لتسريع دورة الابتكار، وكسر حواجز الاتصال بين المجتمع العلمي والقطاعات المستفيدة والمجتمع، وتأصيل التجارب الإنسانية في قلب التقدم التكنولوجي لتعكس القوة التحويلية للابتكار والإبداع، مما يستوجب الاستثمار في السرد القصصي ووضعه في طليعة استراتيجيات التواصل، ولكونها مهارة مستحدثة؛ فإن بناء القدرات هو عاملٌ حاسم في تشجيع المبتكرين على توثيق ومشاركة قصص ابتكاراتهم بمهنية عالية؛ بحيث لا يكون التركيز على إبراز النجاحات وحسب، وإنما يجب تضمين جميع جوانب الرحلة وبكل مصداقية، والاعتراف بالعقبات وكيفية التغلب عليها، فالسرد القصصي لا يتعلق بالتظاهر بأن الرحلة كانت مذهلة، وإنما بصناعة ذاكرة التجارب، ثم مشاركتها لدعم الثقة في دور الابتكار في التطوير والتغيير الإيجابي. |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السرد القصصی سرد القصص
إقرأ أيضاً:
عاجل.. الرقابة المالية تدشن أول مختبر تنظيمي لدعم نمو الشركات الناشئة ذات الحلول الرقمية الابتكارية
أصدر مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية القرار رقم 163 لسنة 2024، برئاسة الدكتور محمد فريد، بإنشاء وتشغيل مختبر تنظيمي للتطبيقات التكنولوجية يسمح لمزاولي الأنشطة المالية غير المصرفية باستخدام التكنولوجيا المالية وللجهات الراغبة في القيد والمقيدة بسجل التعهيد في مجالات التكنولوجيا المالية في الأنشطة المالية غير المصرفية لدى الهيئة، بإجراء اختبارات على تطبيقات التكنولوجيا المالية المبتكرة بما في ذلك نماذج الأعمال والآليات ذات العلاقة.
يهدف المختبر التنظيمي إلى دعم وتسهيل دخول الشركات الناشئة ذات الحلول الذكية الرقمية إلى السوق، وتعزيز الفهم التنظيمي، للتكنولوجيا المالية وتحسين الممارسات التنظيمية دعمًا للنمو المالي المستدام والشامل، وتعزيز مستويات الابتكار في القطاع المالي غير المصرفي من خلال الاستمرار في جهود تهيئة البيئة التنظيمية المواتية والداعمة لتوفير حلول تمويلية واستثمارية وتأمينية للأفراد والشركات.
قال الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، إن المختبر التنظيمي سيعمل على تعزيز جهود الهيئة العامة للرقابة المالية، في دعم الشركات الناشئة التي تعمل على أساس تكنولوجي رقمي في تقديم خدمات مالية غير مصرفية، وهو ما يرفع بدوره مستويات الابتكار داخل القطاع المالي غير المصرفي، ومن شأنه أن يؤدي إلى توسيع قاعدة المستفيدين من الخدمات المالية غير المصرفية، وتطوير قدرات وإمكانيات الشركات المالية غير المصرفية ومقدمي الخدمات على أساس رقمي.
أضاف أن الهيئة تعمل على مواكبة التطور التكنولوجي غير المسبوق بما يحقق صالح المتعاملين، عبر ضمان وجود بيئة تفاعلية بين الشركات التي تقدم الحلول الذكية لصالح المؤسسات المالية غير المصرفية والمراكز البحثية والجامعات بالإضافة إلى حاضنات ومسرعات الأعمال والمستثمرين وشركات التكنولوجيا العالمية.
أوضح أن المختبر التنظيمي للقطاع المالي غير المصرفي، سيساعد الهيئة أيضًا لتحقيق رؤيتها في دعم وتشجيع الابتكار في الخدمات المالية غير المصرفية، مع العمل على تحقيق استفادة المستهلكين من التقنيات الناشئة وكذلك الحفاظ على المعايير التنظيمية، على أن يساعد المختبر التنظيمي الشركات الناشئة على كسب ثقة المستثمرين وجذب رؤوس الأموال وذلك لخلق بيئة تفاعلية نحو النمو المستدام.
ذكر الدكتور فريد، أن المختبر التنظيمي التابع للهيئة العامة للرقابة المالية، سيعمل على دعم المبتكرين لفهم وتحسين الامتثال والممارسات التنظيمية، وكذلك دعم النمو المالي المستدام والشامل للقطاع المالي غير المصرفي، ولتوفير بيئة تجريبية آمنة للشركات الناشئة لاختبار منتجاتها وخدماتها تحت إشراف الهيئة.
وجه رئيس الهيئة الدعوة للشركات الناشئة ورواد الأعمال في مجال الخدمات المالية غير المصرفية ذات الحلول الذكية والمبتكرة للاستفادة من المختبر التنظيمي في تطوير نماذج أعمالهم وزيادة كفاءة مشاريعهم.
يأتي ذلك اتساقًا مع رؤية الهيئة العامة للرقابة المالية، لرقمنة المعاملات المالية غير المصرفية، وإتمام عملية التحول الرقمي داخل القطاع، تسريعًا وتيسيرًا للوصول والحصول على الخدمات المالية غير المصرفية، وتوسيع قاعدة المستفيدين منها.
كانت الهيئة انتهت من الإطار التنظيمي والتشريعي الخاص بالتحول الرقمي، حيث أصدرت في عام 2022 القانون رقم 5 لسنة 2022 لتنظيم استخدام التكنولوجيا المالية في الأنشطة المالية غير المصرفية وتبعه قرار رقم 58 لسنة 2022 بشأن الشروط والإجراءات المتطلبة للتأسيس والترخيص والموافقة للشركات والجهات الراغبة في مزاولة الأنشطة المالية غير المصرفية من خلال تقنيات التكنولوجيا المالية، إيمانًا من الهيئة بأهمية التحول الرقمي في تحقيق مستهدفاتها.
وأصدرت الرقابة المالية، القرار رقم 139 لسنة 2023 بشأن التجهيزات والبنية التكنولوجية وأنظمة المعلومات ووسائل الحماية والتأمين اللازمة لاستخدام التكنولوجيا المالية لمزاولة الأنشطة المالية غير المصرفية.
وكذلك القرار رقم 140 لسنة 2023، بشأن الهوية الرقمية والعقود الرقمية والسجل الرقمي ومجالات استخدام التكنولوجيا المالية لمزاولة الأنشطة المالية غير المصرفية ومتطلبات الامتثال، وهو ما يعد أول قرار تنظيمي صادر عن جهات الرقابة على القطاعات المالية، والذي حدد تفصيلًا متطلبات التعرف الإلكتروني الرقمي على العملاء.
بالإضافة إلى القرار رقم 141 لسنة 2023، بشأن سجل التعهيد في مجالات التكنولوجيا المالية لمزاولة الأنشطة المالية غير المصرفية، وهي الشركات التي يجوز لها توفير خدمات التعرف على العملاء وسجلات العقود إلكترونيًا، للشركات المالية العاملة في المجال، والذي سمح بإنشاء سجلات التعهيد، وقيد 4 شركات حتى الآن، وتستهدف عدة شركات أخرى الانتهاء من إجراءات القيد خلال الفترة المقبلة.