لجريدة عمان:
2025-03-18@20:50:33 GMT

حضور الحريات وغياب الصحافة!!

تاريخ النشر: 29th, October 2024 GMT

توقفت طويلًا أمام التقارير الصحفية وإن شئت فقل التقرير الصحفي الموحد الذي نشر أمس الأول الاثنين عن الاجتماع الثاني لهذا العام للجنة الحريات بجمعية الصحفيين العمانية والذي أكد أن اللجنة «لم تتلق أي بلاغات أو شكاوى لأي تجاوزات صحفية أو تجاوزات للصحفيين والإعلاميين العاملين في كافة المؤسسات الصحفية والإعلامية بسلطنة عُمان، سواء بالفصل أو الإنذار أو الإحالة إلى المحاكم أو النقل التأديبي، وذلك منذ بداية تشكيل اللجنة في السابع والعشرين من شهر مارس لعام 2024 ولم يطلب منها أي تدخل أو مساعدة تجاه أي قضية تخص الصحفيين والإعلاميين»، بالإضافة إلى «عدم وجود أي قضايا للمؤسسات الصحفية والإعلامية في سلطنة عُمان خلال العام الحالي».

عندما قرأت هذا التقرير «الموحد» الذي نشرته الجمعية على منصاتها الإعلامية المتعددة سواء في موقعها الإلكتروني أو حساباتها على شبكات التواصل وأرسلته لأعضائها على تطبيق «الواتساب»، وتناقلته صحف ومواقع عديدة، قلت في نفسي: هل نفرح بهذا التقرير الذي يشهد لنا بعدم الاعتداء على الصحفيين وعدم إقامة دعاوى قضائية ضدهم؟ أم نحزن لأن الصحافة لم تعد تثير الجدل وأن الصحفيين أصبحوا يتجنبون الخوض في القضايا الشائكة، و«يرضون من الغنيمة بالإياب»؛ حتى لا يقعون تحت طائلة القانون أو غضب المؤسسات التي تزودهم بالأخبار الجاهزة للنشر عبر إدارات الإعلام والعلاقات العامة التي تملكها. بتعبير آخر، هل يمثل غياب القضايا الصحفية عن الساحة دليلا على اتساع مساحة حرية الصحافة وتمتع الصحفيين بعدم الملاحقة الأمنية والقضائية؟ أم دليلا على غياب الصحافة نفسها عن الساحة التي تركتها للمواطنين الصحفيين والمؤمنين على شبكات التواصل الاجتماعي.

الصحافة الحية والقادرة على البقاء في السوق، ومواجهة المنافسة الشرسة من منصات الإعلام التلفزيونية والرقمية، في تقديري، هي التي تدخل في معارك من أجل الصالح العام، ويدفع فيها الصحفيون من حياتهم واستقرارهم وحريتهم ثمن جرأتهم وإصرارهم على البحث عن الحقائق ونشرها، وليست الصحافة التي تهادن الجميع وتمارس النفاق السياسي والاجتماعي وتأتمر فقط بأوامر الأجهزة الأمنية والسيادية. ولذلك لا غرابة في أن يستمر قتل الصحفيين وسجنهم في العالم. ووفقًا لتقارير منظمة «مراسلون بلا حدود» لحصيلة الصحفيين المحتجزين والقتلى والرهائن والمفقودين عبر العالم خلال العام الماضي، قتل 45 صحفيًا أثناء ممارسة نشاطهم المهني من بينهم 13 صحفيا مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، ولا يزال 521 صحفيا خلف القضبان في مختلف أنحاء العالم لأسباب تعسفية تتعلق بطبيعة عملهم. وتتصدر الصين قائمة أكثر الدول سجنًا للصحفيين تليها بورما، ثم بيلاروسيا.

وتشير منظمات حقوقية إلى أن «ما لا يقل عن ثمانية صحفيين في الولايات المتحدة، يواجهون حاليًا تهمًا جنائية. يشمل ذلك حالات مثل حالة مراسلة الراديو أبريل إيرليش، الصحفية الحالية بإذاعة اوريجون العامة، والسابقة في إذاعة جيفرسون العامة، وقد تم اعتقالها في سبتمبر 2020، عندما كانت تشغل منصب نائبة رئيس مجلس إدارة جمعية الصحفيين المحترفين في جنوب ولاية أوريجون، أثناء تغطيتها لإزالة الشرطة لمخيم للمشردين في مدينة ميدفورد بولاية أوريجون. خلال الحادث، تم توجيهها للبقاء في المنطقة المخصصة لمراسلي وسائل الإعلام، لكنها جادلت بأن ذلك يعيق قدرتها على التغطية بفعالية. وعندما اقتربت لتصوير الأحداث، تم اعتقالها ووجهت لها تهم التعدي على ممتلكات الغير، ومقاومة الاعتقال، والتدخل في عمل ضباط الشرطة. وتم إسقاط جميع التهم ضد إيرليش في النهاية، لكنها رفعت دعوى قضائية ضد مدينة ميدفورد، مدعية أن اعتقالها انتهك حقوقها الدستورية وأعاق حرية الصحافة.

لا نريد بالقطع أن يتعرض الصحفيون للقتل أو الاعتقال أثناء تأدية مهام عملهم حتى نبرهن على أن لدينا حرية صحافة، ومع ذلك في اعتقادي أن غياب القضايا الصحفية عن المحاكم لا يمكن الاعتماد عليه وحده كمؤشر من مؤشرات قياس حرية الصحافة خاصة في المجتمعات العربية، التي تفرض فيها الأنظمة وأصحاب المصالح الصمت على الصحافة والصحفيين في تناول أحداث وقضايا مجتمعية محددة، أو ما يطلق عليه «محظورات النشر» أو «الخطوط الحمراء»، وهو صمت يشكل خطرا على الصحافة وعلى المجتمع بوجه عام أشد من خطر اعتقال الصحفيين أو جرهم إلى المحاكم أو حتى سجنهم. هذا الصمت المفروض على الصحافة والصحفيين يضرب حرية الصحافة من الأساس ويخصم من رصيدها الوطني لدى الشعوب ويشكك في دورها ووظائفها الأساسية كسلطة رابعة تراقب كل ما يحدث في المجتمع، وتنوب عن الجمهور في متابعة كل ما يجرى من أحداث وما يثار من قضايا.

لا شك أن الصحافة تعاني منذ ظهور منصات الإعلام الرقمي من أزمة كبيرة قد تنتهي بخروج الصحف والمنصات الورقية من صناعة الإعلام، وربما قد تؤدي على المدى الطويل إلى زعزعة ثقة المجتمعات في صحافتها وعدم جدوى استمرارها. ولا سبيل أمام الصحف لاستعادة الثقة والحفاظ على حياتها لأطول فترة ممكنة سوى منحها المزيد من الحريات في تناول أحداث وقضايا المجتمع، حتى وإن نتج عن ذلك الوقوف أمام المحاكم أو الحرمان من إعلانات المؤسسات العامة أو الخاصة. ولعله من المناسب هنا أن نعيد التذكير بالعبارة الشهيرة المنسوبة للرئيس الأمريكي الأسبق، وأحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية، التي يقول فيها: «إذا خُيّرت بين حكومة بلا صحافة حرة وبين صحافة حرة بلا حكومة، ما ترددت في اختيار الثانية».

لا يمكن بأي حال أن نلوم لجنة الحريات بجمعية الصحفيين العُمانية، فقد أعلنت ما وجدت ومن حقها أن تتفاخر به، ولا يمكن أن نلوم الصحفيين على نجاحهم في حماية أنفسهم من الدعاوى القضائية والاحتفاظ بعلاقات عمل جيدة مع الحكومة ومع المؤسسات المختلفة وأصحاب المصالح، كما لا يمكن أن نلوم المؤسسات الصحفية والإعلامية لكونها لم تفصل صحفيًا واحدًا، أو تنذر أحدا من الصحفيين أو تحيله إلى المحاكم أو تقوم بنقله تأديبيا، لكننا فقط نثير السؤال الذي تبدو إجابته واضحة، وهو هل يعني ذلك أن الصحافة وحرية الصحافة بخير وأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان؟ لا يجب إن نفرح كثيرا بحضور الحريات الصحفية وغياب الصحافة نفسها عن المشهد.

بقي أن أشير إلى أمر آخر ورد بتقرير اجتماع لجنة الحريات بجمعية الصحفيين، ويتمثل في التوصية الأولى من التوصيات التي انتهى إليها الاجتماع وهي حسب نص التقرير «تفعيل زيارات خارجية للتعرف على تجارب الدول العربية في مجال الحريات الصحفية». ويحق لنا التساؤل هنا عن أي دول عربية تتحدث اللجنة، وهل لدينا حاليا تجارب ناجحة في الحريات الصحفية يمكن الاستفادة منها من خلال هذه الزيارات؟

إن أوضاع حرية الصحافة في سلطنة عُمان تبدو، وفقًا لما انتهي إليه اجتماع اللجنة، أفضل بكثير من تجارب كل الدول العربية مجتمعة في الحريات الصحفية، إذ لا تكاد تخلو دولة عربية من المحيط إلى الخليج من صحفيين تم اعتقالهم لسنوات طويلة، وآخرين تمت مطاردتهم حتى خارج حدود أوطانهم، وصحفيين تم قتلهم وإخفاؤهم، بالإضافة إلى الحجر على حريات التعبير ليس فقط في المنصات الإعلامية ولكن أيضا في شبكات التواصل الاجتماعي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الحریات الصحفیة حریة الصحافة لا یمکن

إقرأ أيضاً:

بين الصحافة والسياسة

aloomar@gmail.com

بين الصحافة والسياسة جدارٌ من ورق. هناك صحافيون يمارسون المهنة بقناعات سياسية محددة بل انطلاقاً من انتماءات حزبية . لكن حتى الصحافي المنشغل مهنيا بمتابعة الشؤون السياسية يجد نفسه متورطا في السياسة. حتى ولو لم يلج المعترك السياسي إذ يجد نفسه قسرا مصنفاً سياسياً من قبل قراء غالباً أو ربما ساسة أحياناً. هذا التصنيف لا يعتمد بالضرورة على رؤاه الفكرية أو مواقفه المهنية. فغالبية التصنيفات تحملها أهواء تتراوح مصادرها بين التمجيد والتبخيس. لذلك قد تجد صحافيين انزلقوا إلى المعترك السياسي رد فعل لتصنيف ٍ ، بغض النظر عن كونه عادلاً أو ظالماً. في بعض هذه الحالات نخسر صحافياً ولا نربح سياسياً. في المقابل ثمة نشطاء سياسيون اقتحموا بلاط الصحافة في سياق شهواتهم للسلطة .ألا يصفون الصحافة بالسلطة الرابعة ؟حتى ولو كان في بلد لا توجد فيه غير سلطة واحدة؟! في مثل هذه الحالات لا نكسب صحافياً ولا نخسر سياسياً.
*****
تلك الحالات لاتتفي وجود صحافيين يغريهم بريق السلطة فيكسرون أقلامهم من أجل المناصب. رغم وجود صحافيين يكرسون أنفسهم من أجل خدمة الساسة إلا ان التكسب ليس غاية كل أولئك . فالتكسب المهني حرفة من ليس له أخلاقيات المهنة أو دافعه غايات سياسية وطنية . فبالاضافة إلى الصحافين المنشغلين بما يعرّف مهنيا بالصحافة السياسية ،يجرف التكسب بعضاً من صالات الصحافة الفنية -مثلا،- أو ميادين الرياضية . هذه الهجرة تعرّي كم هو ذلك الجدار الفاصل بين السياسة والصحافة سهل الاختراق. بل هو عند البعض جدار ٌوهمي. مثل هؤلاء المتكسبين أجهضوا حقوق رجال بذلوا بالتزامهم المهني عرقاً لا يقل غزارةً عن حبرهم وتحملوا كلفة تزيد من نبالة مواقفهم. من هؤلاء من أثبت للصحافة هيبة (السلطة الرابعة). منهم من رفع قلمه في وجه إغراءات المناصب .منهم من مارس السلطة بعقلية الصحافي فما احتملوا السلطة إو ضاق بهم محترفو المناصب.
*****
لعل محمد حسنين هيكل لا يجسد فقط أبرز الصحافيين العرب .بل هو كذلك أفضل من يمثل من استمسك بتعظيم القلم على المنصب . كماهو خير شاهد على عدم احتمال الصحافي البقاء في السلطة وضيق أهل السلطة بالصحافي .أبعد من ذلك ربما هيكل نفسه أحسن من كتب عن (العلاقة بين الصحافة والسياسة) في كتاب ممتع بهذا العنوان استعرض فيه سيرته المهنية. هيكل مزج بين الصحافة و السياسة في واحدة من أكثر تجليات تلك العلاقة وضوحاً و تأثيراً .لكأن صحيفة الاهرام كانت على أيامه إحدى مؤسسات رئاسة الدولة النافذة. لكنه في الوقت نفسه حافظ مهنياً على الجدار الفاصل بين الصحافة والسياسة على قدر ما حافظ على النأي بالاهرام من مأسسسةالدولة. رغم اعترافه في كتابه بأنها العلاقة الأكثر تعقيدا.هيكل عقّد تلك العلاقة على نحوٍ شكّل عقدة لكل من السادات ومبارك مثلما هو أيقونة في الصحافة المصرية استحال إعادة نسجها ممن حاولوا من مجايليه أو ممن مظاهيريه.
*****
لعل طارق عزيز يتميز بتألقه في السياسة أكثر من رصيده في الصحافة . رغم أنها هي منصة انطلاقته الأولى .فمن رئاسة تحرير (الثورة)الناطقة باسم حزب البعث صعد طارق عزيز وزيرا للاعلام ثم وزيرا للخارجية فغدا الناطق باسم العراق كله في جميع المنحنيات التاريخية إبان رئاسة صدام حسين خاصة سني حرب إيران وحرب الكويت .هو مجسد مواقف سيده المنافح وصوت سيده الفصيح لكنه وضع على لقاءاته الدبلوماسية والصحافية لمسات من ذاتيته الأنيقة المتعجرفة حتى لكأنه نسخة من شخصية رئيسه.
*****
مثل هيكل نال ونستون تشرشل شهرة على أعتاب الحياة مراسلا حربيا إذ تم تكليفه من قبل ( ديلي غرافيك )لتغطية صراع كوبا من أجل الاستقلال قبيل سفره إلى الجزيرة الكاريبية.كذلك حصل على تكليف من(مورننيغ بوست )بينما كان في مهمة في السودان ضمن جيش كيتشنر هازم الثورة المهدية.عقب عودته،كتب مؤلفه (حرب النهر) ليكتسب اهمية كأحد المراجع لتلك الحرب الاستعمارية. ثم اتجه تشرشل إلى جبهات التنافس السياسي فقاد بريطانيا إبان الحرب العالمية الثانية رئيسا للوزراء . هو لم يتألق فقط رجل دولة بل ظل يمارس الكتابة الصحافية مما جعله الكاتب الأعلى أجرا.
*****
في سياق الاستعادة لا يمكن تخطي يفغيني بريماكوف فهو رجل لا شبيه له في شرق اوربا.هو نسخة (سوفياتية) انسانية إذ ولد في اوكرانيا ثم تفتحت طفولته في جورجيا قبل الانتقال إلى روسيا يلتحق بجامعات ومعاهد موسكو. هوصحافي محترف في منصات واجهزة اعلامية متعددة.من ادارة القسم العربي في هيئة الاذاعة انطلق بريماكوف مراسلا ثم محررا قبل رئاسة القسم .من الصحافة المسموعة انتقل إلى المكتوبة في جريدة(برافدا) فتدرج كذلك فيها حتى اصبح مراسلا لها في الشرق الاوسط متخذاً من القاهرة مقرا دائما. في هذه المهمة امسى بريماكوف صحافيا معروفا على نطاق عالمي كما محاور اً. مألوفا لدى عدد غير قليل من الرؤوساء والسياسيين والقراء العرب.على صعيد الدولة شغل العديد من المناصب بينها رئاسة المخابرات الخارجية،رئاسة وفود بعثات روسية خارجيةقبل شغله منصب وزير الخارجية في ١٩٩٦ ثم رئاسة الحكومةبعد عامين.
*****
تيارات الهجرة من الصحافة إلى السياسة حملت العديد من الوجوه كماهي
في الاتجاه المعاكس .لكن كثيراً من الطحالب و العناكب غرقت بين الضفتين فذهبت كزبد البحر. لأن من طبع هؤلاء غزل خيوط في لزاجة بيوت العنكبوت بالكذب و التزلف والرياء على أي الضفتين وجدوا. غالبيتهم حاولوا العبور بوهم سهولة اختراق جدار الورق الفاصل بين الصحافة والسياسة.فامسوا فصيلا من المنبتين. الأنظمة الشمولية تهيء مواسم لتكاثر مثل هذه المخلوقات.

نقلا عن العربي الجديد  

مقالات مشابهة

  • مجلة أمريكية: قضية محمود خليل تؤكد على معركة ترامب الخاسرة ضد حرية التعبير
  • "البنتاجون": هدف الضربات على الحوثيين استعادة حرية الملاحة وترسيخ الردع الأمريكي
  • تيار الحكمة ينتقد ضعف الإرادة في مواجهة الأزمات وغياب القرارات الجريئة
  • وكيل تعليم الوادي يوجه بمتابعة حضور وغياب الطلاب ورعايتهم بصفة دورية
  • وزارة الإعلام : نؤكّد أنّ هذا الاعتداء يُعد انتهاكاً صارخاً للقوانين والأعراف الدولية التي تكفل حماية الصحفيين خلال أداء مهامهم، وندعو الدولة اللبنانية إلى تحمل مسؤولياتها في محاسبة الجناة
  • صلاح بين التألق وغياب الألقاب.. مستقبل الكرة الذهبية في خطر
  • ما الذي تفتقده صحافتنا اليوم؟
  • بين الصحافة والسياسة
  • اليوم.. انعقاد مؤتمر الإعلان عن مشروع “ذاكرة الصحافة المصرية” بـ"الصحفيين"
  • هل الإنسان مجبر على أفعاله أم يمتلك حرية الاختيار.. أحمد عمر هاشم يوضح