أنتوني ليك ـ ستيفن أندرياسن

على مدى العقود التي تلت تطويرها، شهدت الأسلحة النووية تطورًا هائلًا جعلها أكثر فتكًا. فالتفجيرات التي كانت تُقاس بالكيلوطن أصبحت الآن تُقاس بالميجاطن، وأصبحت الرؤوس الحربية التي كانت تُلقى من قاذفات بطيئة الطيران تُطلق اليوم عبر صواريخ باليستية فائقة السرعة والدقة.

تزامن ذلك مع زيادة عدد الدول التي تمتلك أسلحة نووية، فبعد أن كانت دولة واحدة هي المالكة لها، صار لدينا اليوم 9 دول مسلحة نوويًا. نصف المخزون النووي العالمي يقع اليوم في حوزة روسيا والصين وكوريا الشمالية، هذا الوضع أدى إلى مضاعفة المخاطر النووية وتعقيد سيناريوهات الاستخدام المحتمل لهذه الأسلحة، ما جعلها أكثر تهديدًا من أي وقت مضى.

اليوم، كما كان الحال في العقود الماضية، يتمتع رؤساء الولايات المتحدة بالسلطة الحصرية لاتخاذ القرار الأكثر أهمية في تاريخ البلاد. ولا يمكن لأي رئيس تجاهل خطورة التهديد النووي أو احتمالية حدوثه؛ بل حتى عند غياب أي تهديد وشيك، قد يقرر رئيس ذو مزاج متقلب شن هجوم نووي من طرف واحد، بعواقب مدمرة على المستوى العالمي. ودون الحاجة إلى استشارة أي مسؤول آخر، يمكن للرئيس إصدار أمر بشن ضربة نووية ضد دولة أخرى، حتى لو لم تكن تشكل تهديدًا مباشرًا للولايات المتحدة. في الحقيقة، الضابط الوحيد الذي قد يعيق تنفيذ هذا القرار هو العسكري المسؤول عن تمرير وتنفيذ الأمر، والذي قد يتخذ قرارًا بعدم الامتثال إذا رأى أن القرار ينتهك القانون الأمريكي أو الدولي. لكن من الصعب تخيل سيناريو يتمرد فيه ضابط في لحظة أزمة حادة، حيث يقع مصير العالم كله على عاتق الرئيس وحده. منح إنسان فرد هذه الصلاحيات المطلقة وتحميله عبء المسؤولية الوحيدة في اتخاذ قرار قد يكون مصيريًا للعالم، يعدّ أمرًا خطيرًا وغير ضروري.

ومع تزايد احتمالات أن تقوم دولة أو جهة غير حكومية باستخدام الأسلحة النووية ضد الولايات المتحدة أو حلفائها، يتعين على واشنطن تحديث الآليات التي تتيح للرئيس اتخاذ القرار الحاسم النهائي. ففي لحظة تاريخية منذ 62 عامًا، استشار الرئيس جون كينيدي مجموعة من كبار المسؤولين خلال أزمة الصواريخ الكوبية، حيث تغلبت حينها العقول الهادئة وتمكن كينيدي من تفادي وقوع كارثة نووية. مع تصاعد التهديدات النووية، تستطيع الولايات المتحدة تقليص مخاطر سوء التقدير الكارثي إذا اشترطت أن يتم التشاور، حيثما أمكن، مع فريق من المستشارين الرسميين قبل الموافقة على أي قرار باستخدام الأسلحة النووية.

منذ 8 عقود، كان نهج صنع القرار النووي في الولايات المتحدة يضع الأولوية للسرعة والكفاءة على التحليل العميق. وقد بدأ هذا النهج منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عندما طور الاتحاد السوفييتي أسلحة نووية مدمرة قادرة على تنفيذ هجوم مفاجئ من السماء، شبيه بالهجوم على بيرل هاربور ولكن أشد تدميرًا. كان من الممكن أن يستهدف الاتحاد السوفييتي القادة الأمريكيين ومراكز القيادة والسيطرة، ما قد يعيق قدرة الولايات المتحدة على الرد بفعالية. ولردع هذا الهجوم المحتمل، صمم المسؤولون الأمريكيون سياسات وإجراءات تضمن بقاء القيادة والسيطرة بعد أي ضربة أولى، بهدف التأكد من قدرة الولايات المتحدة على الردع الفوري. كان لابد من إفهام موسكو أنها لن تستطيع مهاجمة الولايات المتحدة دون عواقب. وقد وضع هؤلاء المسؤولون أولوية قصوى للسرعة، حيث قُدِر أن الرئيس قد يمتلك أقل من عشر دقائق لاتخاذ قرار بالرد النووي.

نهج واشنطن لتفويض استخدام الأسلحة النووية كان بسيطًا ومباشرًا، من خلال «كرة القدم النووية» - حقيبة تحتوي على خطط الحرب النووية الأمريكية - حيث يختار الرئيس من بين خيارات هجوم معدة مسبقًا، ويصدر أمره إلى البنتاجون والقيادة الاستراتيجية الأمريكية المسؤولة عن الردع النووي. يُنقل الأمر إلى القوات النووية عبر فريق طوارئ في البنتاجون للتحقق من صدوره عن الرئيس، قبل أن يُنقل إلى القوات المنفذة. تم تصميم هذه العملية لتتيح للرئيس الرد على هجوم نووي مفاجئ خلال دقائق، كما يمكن استخدامها في توجيه ضربة نووية أولى. بمعنى آخر، يتمتع الرئيس بالقدرة على إصدار أوامر استخدام أسلحة نووية دون استشارة، ما قد يؤدي إلى عواقب لا يمكن تقديرها للبشرية.

اليوم، من السهل تصور أزمة قد يأمر فيها الرئيس باستخدام الأسلحة النووية على خلفية تهديد متصور، ثم يسوغ قراره لاحقًا للكونجرس والجمهور. على سبيل المثال، إذا قامت روسيا بضرب أوكرانيا أو حليف في الناتو بسلاح نووي، كما هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد يتسبب ذلك في رد نووي فوري من جانب الولايات المتحدة. وبالمثل، قد تؤدي تقارير كاذبة عن هجوم نووي وشيك ضد الولايات المتحدة، تنتشر بفعل اختراق إلكتروني أو خطأ برمجي في خوارزميات الذكاء الاصطناعي، إلى رد فعل نووي غير مبرر. بغض النظر عمن يشغل منصب الرئيس، قد يتخذ الرئيس قرارًا متسرعًا دون مشاورة، مما يؤدي إلى كارثة عالمية.

تعقيد التهديدات النووية اليوم يتطلب نهجًا أكثر صرامة لاتخاذ قرار «سحب الزناد النووي». في الواقع، النظام الحالي الذي تم تصميمه لمواجهة تهديد الاتحاد السوفييتي لم يعد مناسبًا للسيناريوهات التصعيدية الحالية. إن عملية صنع القرار تحتاج إلى مشاورات دقيقة، تضمن ألا يضطر الرئيس إلى اتخاذ قرار فردي عندما تكون خيارات الاستخدام النووي متعددة ومعقدة.

وبينما يمنح الدستور الرئيس سلطة قيادة القوات وتوجيه العمليات العسكرية، فمن المهم أن يحتفظ الرئيس بهذه السلطة، ولكن دون اللجوء للقرار الأحادي في كل الظروف. ينبغي للولايات المتحدة أن تستحدث عملية تشاور مؤسسية تتيح للرئيس استشارة مجموعة من المستشارين في الحالات التي يكون فيها وقت كافٍ للتشاور.

وقد قدمت لنا أزمة الصواريخ الكوبية مثالًا واضحًا على أهمية التشاور الرئاسي في حالات التصعيد. في أكتوبر 1962، عقد كينيدي اجتماعًا للجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي، وعبر نقاش معمق استمرت لعدة أيام، توصل إلى قرار بالحصار بدلًا من الضربة العسكرية التي كادت تؤدي إلى حرب نووية. مثل هذا النهج يمكن أن يكون نموذجًا يُبنى عليه لضمان تقديم الاستشارات الدقيقة للرؤساء وقت الحاجة.

بالطبع، لن تكون هذه العملية قابلة للتنفيذ في حالة هجوم نووي وشيك، لكن في حالات أخرى قد يكون التشاور ممكنًا. وتشمل عملية التشاور في السلطة التنفيذية نائب الرئيس ووزير الدفاع ووزير الخارجية وقائد القيادة الاستراتيجية الأميركية، وأيضًا المدعي العام وزعماء الكونجرس من الحزبين.

كذلك، ينبغي للرئيس أن يعقد اجتماعًا في بداية فترته مع مجموعة من كبار المسؤولين لمراجعة وتحديث الخيارات المستهدفة في الحالات النووية الطارئة. ومن شأن هذه المراجعة أن تتماشى مع الإرشادات القائمة بشأن استخدام الأسلحة النووية.

ومن الجدير بالذكر أن المقترحات لتعزيز الحواجز على السلطة النووية الرئاسية ليست بجديدة. فقد اقترح سام نون وإرنست مونيز نظامًا للتشاور ومراجعة الاستهداف النووي، إلا أن أيا من الإدارات لم تنفذ ذلك. الرئيس جو بايدن لديه فرصة فريدة لتمرير إصلاحات عملية اتخاذ القرار النووي إلى خليفته، وإنشاء إجراءات جديدة تحافظ على القدرة التنفيذية دون تفريط في المسؤولية الجماعية.

في عام 2003، حذر وزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت ماكنمارا من الخطورة المرتبطة بترك الأسلحة النووية تحت سيطرة إنسان واحد. وأثناء تأمله في دروس أزمة الصواريخ الكوبية، أشار إلى أن «التركيبة غير المحددة من الخطأ البشري والأسلحة النووية قد تدمر أممًا بأكملها.»

العالم، رغم تغيره عما كان عليه خلال الحرب الباردة، لم يصبح أقل خطورة. إرساء بروتوكولات تستلزم استشارة واسعة قبل اتخاذ قرار استخدام الأسلحة النووية يمكن أن تجعل الولايات المتحدة والعالم أكثر أمانًا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: استخدام الأسلحة النوویة الولایات المتحدة اتخاذ قرار النوویة ا هجوم نووی تهدید ا قرار ا

إقرأ أيضاً:

ماذا يعني انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان؟

في 4 شباط/ فبراير 2025، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في فترته الرئاسية الثانية، أمرا تنفيذيا بقطع أي تعاون مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مشيرا إلى "انحياز مزمن ضد إسرائيل" وفشل المجلس في معالجة انتهاكات حقوق الإنسان بشكل عادل. هذا القرار، الذي جاء بعد لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يعكس عودة إلى سياسة "أمريكا أولا"، رافضا المؤسسات الدولية التي لا تتماشى مع المصالح الأمريكية أو حلفائها. الانسحاب يعني قطع الدعم المالي والسياسي، مما يثير تساؤلات حول تأثيره على النظام العالمي لحقوق الإنسان.

أهمية مجلس حقوق الإنسان:

إن المجلس، الذي تأسس عام 2006 بقرار الجمعية العامة 60/251، يضم 47 دولة منتخبة ويعمل كمنصة أممية لتعزيز حقوق الإنسان عبر مراقبة الانتهاكات، ومناقشة قضايا مثل حرية التعبير وحقوق اللاجئين وقضايا حقوقية أخرى، وتقديم توصيات كأداة رئيسية للضغط على الدول للامتثال للمعايير الدولية، موفرا حوارا بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية.

لكن من الواضح أن فعالية المجلس تثير جدلا واسعا بسبب طبيعته غير الملزمة قانونيا واعتماده على الإرادة السياسية بدلا من الإلزام، إذ يقتصر دوره على "تقديم المشورة" دون سلطة تنفيذية. فعلى سبيل المثال، دعا قرار المجلس (A/HRC/RES/46/1، 2021) إسرائيل لوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة كانتهاك لاتفاقية جنيف الرابعة (المادة 49)، لكن إسرائيل رفضته ووصفت المجلس بـ"التحيز" دون تبعات. كذلك، وثّق تحقيق أحداث غزة في 2014 (A/HRC/29/52) انتهاكات محتملة للقانون الإنساني الدولي، مما أنتج ضغطا دوليا رمزيا لم يغير السياسات الإسرائيلية.

تكشف ردود الفعل هذه عن انقسام عالمي حاد، حيث عبرت الأمم المتحدة وأوروبا عن قلقهما من تداعياته على النظام الحقوقي الدولي، بينما رحبت الصين وروسيا وإسرائيل بالخطوة لأسباب تتعلق بنفوذهما داخل المجلس. المواقف العربية تباينت بين رفض مباشر من الأردن وفلسطين، وتحفظ حذر من مصر والسعودية، ما يعكس الحسابات السياسية لكل طرف. في المقابل، حذرت المنظمات الحقوقية من أن الانسحاب قد يشجع دولا أخرى على تقليص التزاماتها
قانونيا، لا تُعادل توصيات المجلس الالتزامات الملزمة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، لكنها تكمله كأداة رقابية. إجمالا، يساعد المجلس على احترام حقوق الإنسان بقدر ما تسمح ديناميكيات القوة الدولية، لكنه يظل محدودا بدون عقوبات فعلية، مما يجعل تعاون الدول الكبرى حاسما، وانسحاب دولة كالولايات المتحدة حدثا مؤثرا.

انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان: انقسامات دولية وردود فعل متباينة

كشف خروج الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان عن انقسامات حادة في المشهد الدولي، حيث أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن أسفه في بيان رسمي، مشددا على أهمية الدور الأمريكي في تعزيز حقوق الإنسان، ومحذرا من أن الانسحاب قد يؤدي إلى تراجع التقدم الدولي في مواجهة الأزمات العالمية، مثل تغير المناخ والصراعات المسلحة. كما ذكّر بموقفه في 2018 عندما وصف المجلس بأنه "هيكل حيوي" لحماية الحقوق الأساسية.

ومن جهته، أكد رئيس مجلس حقوق الإنسان، فيديريكو فيليغاس، استمرار المجلس كمنصة رئيسية للدفاع عن القضايا الحقوقية، ودعا إلى تعزيز التعاون الدولي للحفاظ على مصداقية المجلس، مستندا إلى تصريحات سابقة لـفويسلاف سوك في 2018 حول أن المجلس يبقى "المكان الأمثل" لمعالجة انتهاكات الحقوق، رغم الإقرار بتحديات متزايدة مثل تنامي نفوذ الصين في المجلس بعد الانسحاب الأمريكي.

تباينت ردود الفعل العربية، حيث أعربت مصر عن قلقها إزاء تأثير الانفصال عن المجلس على قضايا حساسة مثل فلسطين، لكنها حافظت على نهج حذر نظرا لاعتمادها السياسي والعسكري على الولايات المتحدة، بينما وصف الأردن القرار بـ"ضربة للقضية الفلسطينية"، وفق ما أعلنه وزير الخارجية أيمن الصفدي، مشيرا إلى أن الانسحاب يضعف آليات محاسبة الاحتلال الإسرائيلي. أما السعودية فاتخذت موقفا حياديا، داعية إلى "إصلاح المجلس"، في إشارة ضمنية إلى تحفظاتها القديمة حول تسييس بعض قراراته، فيما نددت فلسطين بالقرار، معتبرة أنه "تخلٍ عن الضحايا"، مستندة إلى القرار الأممي (A/HRC/RES/46/1) الذي يعترف بانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، في حين أعربت جامعة الدول العربية عن أسفها للقرار، داعية إلى تعزيز دور المجلس لمواجهة التحديات الحقوقية في المنطقة والعالم.

وعلى الصعيد الدولي، عبرت ألمانيا عن أسفها العميق، محذرة من أن الانسحاب سيفتح المجال أمام تزايد نفوذ الصين وروسيا داخل المجلس، مما قد يؤدي إلى إضعاف التركيز على قضايا الحريات الأساسية والديمقراطية، بينما رحبت الصين ضمنيا يوم بالقرار، حيث صرّحت وزارة خارجيتها بأن الانسحاب سيسمح بـ"عمل أكثر فعالية دون تدخلات أحادية". من جانبها، دعمت إسرائيل القرار وأعلنت انسحابها أيضا من المجلس، حيث وصف جدعون ساعر المجلس بـ"المنحاز ضد إسرائيل". أما منظمة هيومن رايتس ووتش فحذرت من أن الانسحاب الأمريكي قد يشجع دولا أخرى على تقليص التزاماتها الحقوقية، خاصة في قضايا مثل فلسطين.

روسيا رحبت ضمنيا بالانسحاب الأمريكي، إذ أشارت موسكو إلى أن ذلك "يُقلل التدخل الأحادي"، مما يتماشى مع موقفها ضد هيمنة الغرب في المجلس، بينما اكتفت الهند بموقف حذر، داعية إلى "إصلاح شامل" دون إدانة مباشرة، مع تركيزها على دورها كوسيط في الجنوب العالمي.

سيناريو محتمل هو أن تستغل روسيا والصين الفراغ لتعزيز نفوذهما، ربما بتمويل مشروط يُركز على قضايا مثل "الحق في التنمية" (A/HRC/RES/37/23)، بينما قد تقود الهند تحالفا مع دول أفريقية لدعم المجلس، لكن بموارد محدودة (0.8 في المئة من الميزانية)، مما قد يُبطئ الاستجابة للأزمات الدولية.

تكشف ردود الفعل هذه عن انقسام عالمي حاد، حيث عبرت الأمم المتحدة وأوروبا عن قلقهما من تداعياته على النظام الحقوقي الدولي، بينما رحبت الصين وروسيا وإسرائيل بالخطوة لأسباب تتعلق بنفوذهما داخل المجلس. المواقف العربية تباينت بين رفض مباشر من الأردن وفلسطين، وتحفظ حذر من مصر والسعودية، ما يعكس الحسابات السياسية لكل طرف. في المقابل، حذرت المنظمات الحقوقية من أن الانسحاب قد يشجع دولا أخرى على تقليص التزاماتها الحقوقية، مما يضعف آليات المساءلة الدولية.

قطع التمويل يهدد موارد مجلس حقوق الإنسان:

تعتبر الولايات المتحدة، أكبر مساهم في ميزانية الأمم المتحدة، تقدم نحو 22 في المئة من الميزانية الأساسية للمنظمة (حوالي 3.4 مليار دولار سنويا في 2022) و27 في المئة من ميزانية عمليات حفظ السلام (تقارب 6.5 مليار دولار)، وفقا لتقارير الأمم المتحدة. بالنسبة لمجلس حقوق الإنسان، لا تُخصص له ميزانية مستقلة كبيرة، لكن موارده تعتمد على الميزانية العامة التي تشكل الولايات المتحدة جزءا رئيسا منها، إلى جانب تكاليف البرامج المرتبطة مثل الأونروا، التي تلقت 343 مليون دولار من الولايات المتحدة في 2022 قبل توقف التمويل.

والأمر التنفيذي الذي وقّعه ترامب في 4 شباط/ فبراير 2025 يوقف التمويل المباشر وغير المباشر للمجلس والأونروا، مما يهدد بتقليص الموارد المتاحة لعمليات مثل التحقيقات الميدانية ودعم المقررين الخاصين بنسبة قد تصل إلى 20-30 في المئة من إجمالي ميزانية المجلس المعتمدة على الدعم الغربي. هذا التخفيض يضع ضغطا كبيرا على الدول الأوروبية، مثل ألمانيا والسويد، لتعويض النقص، أو قد يتيح لدول مثل الصين وروسيا فرصة زيادة نفوذها عبر توجيه التمويل وفق أجنداتها، خاصة في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية.

الآثار القانونية والسياسية
ابتعاد الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان، بقرار ترامب الثاني، يحمل آثارا قانونية وسياسية عميقة تهدد النظام الحقوقي العالمي
إن ابتعاد الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان، بقرار ترامب الثاني، يحمل آثارا قانونية وسياسية عميقة تهدد النظام الحقوقي العالمي. قانونيا، لا يُلغي التزاماتها في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) لحماية الحريات (المادتان 19 و21) أو اتفاقية جنيف الرابعة (1949) بشأن المدنيين، لكنه يُقوّض دورها في صياغة قرارات مثل إدانة إسرائيل بالأراضي المحتلة (A/HRC/RES/46/1) 2021 أو دعم تحقيقات كميانمار (A/HRC/RES/34/22) 2017 التي وثّقت جرائم ضد الإنسانية، مُضعفا آليات الرقابة الدولية رغم رفضها اختصاص المحكمة الجنائية الدولية (ICC).

سياسيا، تعكس "عقيدة ترامب" تفضيل العمل الأحادي أو تحالفات محدودة كالناتو وإسرائيل على المؤسسات متعددة الأطراف، مُفاقما التوترات مع حلفاء كفرنسا وألمانيا (اللتين دعتا للإصلاح في 2018)، ومُعقدا التعاون في مكافحة الإرهاب عبر "الائتلاف ضد داعش" أو دعم الأونروا للاجئين. هذا يُقلّص الضغط على المُنتهكين، خاصة مع صعود الصين وروسيا -اللتين عرقلتا قرارات غب سوريا (2011-2025) للهيمنة على المجلس بدعم قرارات تُبرر القمع كـ"الحق في التنمية" (A/HRC/RES/37/23) 2018، مُهددا مصداقيته كمنصة عالمية ومُشجعا دولا على التخلي عن التزاماتها منذ الإعلان العالمي (1948)

فبدون ثقل الولايات المتحدة (22 في المئة من ميزانية الأمم المتحدة)، تتراجع فعالية الاستعراض الدوري الشامل (UPR)، تاركة ضحايا كالروهينغا والفلسطينيين بلا صوت قوي. العالم قد يستجيب بقيادة أوروبية (ألمانيا 6.1 في المئة، فرنسا 4.4 في المئة من الميزانية) لسد الفراغ كما في أوكرانيا (2022)، أو تحالفات جنوبية (الهند 0.8 في المئة) لاستقلالية المجلس، أو إصلاحات تُقلّص عضوية المُنتهكين، لكن الانقسامات قد تُحيله إلى منصة رمزية ما لم تُوجد إرادة جماعية.

مقالات مشابهة

  • وكالة الطاقة الذرية: إيران على بعد خطوات من إنتاج القنبلة النووية
  • إيران على خُطى إسرائيل لامتلاك النووي
  • ماذا يعني انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان؟
  • البيت الأبيض: المكسيك تسلم 29 من أعضاء عصابات المخدرات إلى الولايات المتحدة
  • الرئيس الأوكراني يصل إلى الولايات المتحدة
  • قاض أمريكي يأمر إدارة ترامب بإلغاء قرارات فصل موظفين مؤقتين
  • الولايات المتحدة تُهنئ الحكومة الجديدة على نيلها الثقة وهذا ما أعلنته
  • «القارة العجوز» ترفع مخالبها «الناعمة» فى وجه رئيس الولايات المتحدة الجديد
  • قيادي بمستقبل وطن: توجيه الرئيس بحزمة حماية اجتماعية جديدة يعزز تحقيق العدالة
  • ياسر قورة: الرئيس السيسي يتخذ قرارات حاسمة لتخفيف الأعباء عن المواطنين