الجونة السينمائي 2024| "سام".. عن عصر وجوه إنستجرام
تاريخ النشر: 29th, October 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أثناء تصوير فيلمها الروائي الطويل الأول "سام" (Toxic)، صادفت المخرجة الليتوانية سولي بلوفيت، مقالاً في مجلة "نيويوركر" بعنوان "عصر وجوه إنستجرام". والذي يناقش كيف أن العديد من الوجوه التي نراها على وسائل التواصل الاجتماعي ليست حقيقية، وهذا يخلق معيارًا لا يمكن بلوغه للأشخاص الذين يعيشون حياة عادية ولا يستطيعون تحمل تكاليف هذه الجراحات التجميلية.
لعل مصطلح "سام" (Toxic) من المصطلحات الشائعة في مجال علم النفس الحديث لتوصيف العلاقات المؤذية، لكنه بات مترسخًا بكثرة في السنوات الأخيرة داخل أوساط أجيال الألفية وتحديدًا الجيل "زد" (Gen Z)، الذي بات أسيرًا لفكرة الكمال المزيف نتيجة تماهيه مع عوالم افتراضية لها معاييرها الأخلاقية والجمالية القاسية. ولكن هل هذا يعطينا الحق بأن نعتقد أن هذا الجيل أكثر سمية عن غيره من الأجيال؟
إن الإدعاء بأن جيلاً ما بعينه أكثر أو أقل سمية هو اعتقاد خاطئ. فكونك شخصًا سامًا يحتمل معاني مختلفة، فقد تكون العلاقة سامة، وقد يكون رأي الشخص سامًا، وقد نكون سامين تجاه الآخرين. بشكل عام، عادة ما نعتبر شيئًا ما سامًا عندما يبدأ في التأثير على شخص تهتم به أو على صحتك العقلية بشكل سيء. هذه المستويات المتعددة من "السُمية" تختبرها الفتاتين المراهقين ماريا وكريستينا بمفهومها الذاتي والعام.
لقطة من الفيلمفمع المشهد الافتتاحي لفيلمها "سام"، المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان الجونة السينمائي في نسخته السابعة، تؤطر بلوفيت بطلتها ماريا من خلال زاوية تصوير علوية توحي بشعور سام، مزيج من الوحدة والنبذ الذي تتعرض له هذه الفتاة النحيلة من قبل زميلات الدراسة الذين يتنمرون من زي السباحة الخاصة بها، ناهيك عن عدم شعورهم بالخجل من السخرية من إصابتها بالعرج.
في مدينتها المتداعية ذات الكتل الخرسانية الصماء ومنازل الصفيح والتي تبدو كمكان مهجور من مخلفات الحقبة السوفيتية، تنتقل الفتاة الخجولة ماريا للعيش مع جدتها بائعة الزهور، التي تدفعها في البداية للانخراط مع زملائها وتكوين صداقات، ولكن المعايير الجمالية لا تمنحها سوى القليل من الخيارات الاجتماعية التي تجعلها صيدًا سهلاً لمجتمع من المتنمرين.
وبعد مشاجرة عنيفة، تنجح ماريا في كسب صداقة الفتاة الجامحة والجريئة كريستينا، التي التحقت حديثًا بمدرسة مشبوهة لعارضات الأزياء تستغل أجساد القاصرات وتبتزهم ماديًا من خلال وعود كاذبة بإرسالهم لكبرى بيوت الأزياء في باريس واليابان. وبسبب إعاقتها، لم تفكر ماريا يومًا في العمل كعارضة أزياء، ولكنها حذت حذو صديقتها الجديدة كي تتمكنا من مغادرة هذه المدينة البائسة التي تسلبهم أي أمل في المستقبل.
لقطة من الفيلميمكن تصنيف مشروع بلوفيت للوهلة الأولى باعتباره دراما بلوغ سن الرشد (Coming-of-Age)، لكنه يحمل سمات واقعية أصيلة من سينما شرق أوروبا التي لا تغفل الهزات الاقتصادية التي تسببت في دمار حياة الكثيرين. تسعى بلوفيت في "سام" إلى إبراز التباين الصارخ بين موضوعات نابضة بالحياة لهؤلاء الفتيات كالصداقة والحب وصراع الأجيال، وبين أطلال مدينة لا تزال عالقة في الماضي. هذا ما يمنح الفيلم مستويات متعددة من "السُمية"، سواء علي مستوى العلاقات العاطفية السامة أو الأحكام السامة أو المجتمعات التي تنضح بالسُمية تجاه أفرادها.
هذه الحالة من الكساد الاقتصادي التي خلَّفتها الحقبة السوفيتية، نرى ارتدادتها في علاقة كريستينا بوالدها، الذي اضطر لبيع التاكسي الخاص به كي يلبي احتياجات ابنته، لنراه في المشاهد اللاحقة لا يكاد يغادر الحانة قط. هذا الركود هو ما يشكل ضغطًا على الحلقات الأضعف كماريا وكريستينا اللتين تسعيان لتحويل جسديهما إلى سلعة، بل ومقياضته بالمال والاستسلام لمعايير الجمال السامة التي أفرزها واقع مادي وافتراضي. وهو ما نلمحه في أحد مشاهد الفيلم المزعجة حين تقوم كريستينا بالتهام بيض الديدان الشريطية للحصول على قوام أنحف.
يتمتع الفيلم بهوية بصرية مميزة تعتمد على توظيف الألوان الباهتة لتعكس المزاج الكئيب والاضطرابات الداخلية التي تعيشها الفتاتين، وشعورهما بالاختناق داخل مدينتهم السامة. ولتعزيز ذلك الشعور، لم تلجأ بلوفيت إلى نمط التصوير السينمائي السائد في أفلام المراهقين بالاعتماد على الكادرات القريبة، لكنها استخدمت كادرات متوسطة وواسعة لتأطير شخصياتها في ذلك المحيط الصناعي الصديء الذي يعكس رغبة الفتيات في الهروب. فبعيدًا عن العلاقات والأسرة والمدرسة، يمكن أن تنبع السُمية أيضًا من حالة الفراغ والممل والافتقار لمغزى الحياة التي نعيشها.
إن بلوفيت التي تقف على عتبة كلاً من جيل الألفية والجيل "زد"، لا تستند في فحصها الدقيق والعميق إلى قصص من نسج خيالها، بل إلى تجارب حقيقية اختبرتها في سن المراهقة داخل أحياء ليتوانيا المتهالكة، حيث لا تزال تجارة عارضات الأزياء رائجة في دول شرق أوروبا والبلقان. لا تغوص بلوفيت كثيرًا في تفاصيل تلك الصناعة الفاسدة، لكنها تنشغل أكثر بطرح أسئلة حول ماهية الجسد باعتباره ملكية مقدسة أم سلعة، كاشفة عن معايير الجمال المزعجة التي تكبل المرأة منذ نعومة أظافرها، لتتشابك في تشريحها للجسد مع فيلمًا آخر، أثار جدلاً واسعًا هذا العام، وهو "المادة" (The Substance) للفرنسية كورالي فارجييه.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: سام مهرجان الجونة السينمائي المسابقة الرسمية لمهرجان الجونة السينمائي الس میة
إقرأ أيضاً:
رانيا يوسف وأميرة فتحي بحفل افتتاح مهرجان الإسماعيلية السينمائي
حرصت كل من الفنانة رانيا يوسف والفنانة أميرة فتحى على حضور حفل افتتاح مهرجان الإسماعيلية السينمائى الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة فى دورته 26 والتى تستمر حتى 11 فبراير الحالى.
كما حرص على الحضور كل من المخرجة هالة خليل، ومحمد حاتم وأمير رمسيس ومحمد العدل إضافة إلى جانب عدد من السينمائين المصريين والعرب.
وفي تصريحاتها قبل انطلاق المهرجان، أكدت المخرجة هالة جلال أن هذه الدورة تتميز بتنوع الأفلام المشاركة والأنشطة المصاحبة، مشيرة إلى أن المهرجان يسعى لتقديم أعمال سينمائية تناقش قضايا المجتمع بأسلوب فني راقٍ، كما يوفر منصة للمواهب الجديدة لعرض إبداعاتهم أمام جمهور واسع.
ويشهد حفل الافتتاح عرض الفيلم المصري "ثريا"، وهو فيلم درامي مستوحى من أحداث حقيقية، يتناول قصة فتاة تعيش في قرية نائية، تواجه تحديات صعبة بعد إصابة شقيقها بمرض نادر، بينما تتوالى جرائم قتل الفتيات في قريتها على يد عصابات مجهولة. الفيلم من إخراج أحمد بدر كرم، في أول تجربة سينمائية طويلة له، ويبرز قضايا مجتمعية مثل الجهل والخوف والاستغلال، من خلال حبكة مشوقة تجمع بين الدراما والتشويق.
على مدار أسبوع، يقدم المهرجان مجموعة متنوعة من الأفلام التسجيلية والقصيرة، إلى جانب ورش عمل وجلسات نقاشية بحضور نخبة من النقاد والمخرجين والمهتمين بصناعة السينما. كما يشمل المهرجان عروضًا خاصة لأفلام وثائقية وأفلام رسوم متحركة قصيرة، تتناول موضوعات إنسانية وثقافية واجتماعية.
يذكر أن المهرجان يقيمه المركز القومي للسينما سنوياً، ويُعد مهرجان الإسماعيلية الدولي، الذي انطلقت أولى دوراته عام 1991، واحدًا من أعرق المهرجانات السينمائية في المنطقة، حيث يتميز بتركيزه على الأفلام التسجيلية والقصيرة، مما يجعله منصة بارزة للأعمال ذات الطابع الفني المتميز، وداعمًا رئيسيًا للمواهب الجديدة في مجال السينما.