عصا السنوار.. أيقونة خالدة للحرية
تاريخ النشر: 29th, October 2024 GMT
علي بن سالم كفيتان
غادر أبو إبراهيم الدنيا قاذفًا بعصاه ذبابة الصهاينة، بينما نقل لنا هُدهُد سليمان المشهد بكل تجلياته، لقد نقل الحقيقة دون زيفٍ أو تدليس، ورأى العالم الظالم تشبُث القائد بأرضه وثباته عليها، حتى الرمق الأخير، فكيف بالمجاهدين من خلفه؟! وهل يتوقع نتنياهو أن تنزوي المقاومة ويستسلم الأحرار في ثغر فلسطين باستشهاد السنوار؟
هذا البطل كان يبحث عن النهاية التي اختارها لنفسه، وحققها له العدو؛ فمُخرج المشهد الأخير للمعركة رسم صورة الخلود للبطل يحيى السنوار، وهو يُحارب وحيدًا ببندقية الكلاشنكوف الشرقية، وبضع قنابل يدوية ومسبحة ومِسواك وكُتيِّب أدعية، في مواجهة آلة القتل والدمار الأمريكية وتكنولوجيا الغرب التي وُضعت تحت تصرف كيان الصهاينة، ومع ذلك صمدت بندقية السنوار حتى الرصاصة الأخيرة، ولم تتبقَ لديه أي قنبلة لم يستخدمها، ومسدسه الذي غنمه من مُعتدٍ صهيوني يومًا، لم يلفظ مخزنه بعد أن نفدت الذخيرة، هذا حسب تقارير الصهاينة أنفسهم؛ فالرجل لم يترك لهم رصاصة إلّا وأفرغها في ميدان المعركة، وهذا دليل على شجاعة وبسالة السنوار، الذي اضطر المعتدون بعد تلك الملحمة البطولية معه، إلى طلب دبابة لتدمير المبنى كاملًا، فبُترت ذراعه، وهنا لم يستسلم ما دام هناك رَمق لمُقارعة الأعداء، فارسلوا ذبابتهم (الطائرة المُسيّرة) لتستكشف المكان الذي استعصى عليهم اقتحامه طوال خمس ساعات؛ لتنقل لهم صورًا بأنَّ الأسد ما يزال يقاوم في عرينه، بعد أن هش ذبابتهم بعصاه التي أصبحت أيقونة مُلهمة لكل الأحرار في العالم.
لقد أصبحت عصا السنوار تجوب الآفاق لتذُب عن حياض الحرية والكرامة ليس في فلسطين فحسب؛ بل في كل بقاع الدنيا، أينما وُجِدَ الظلم والطغيان، فاستلهم منها اليابانيون شخصية جديدة توازي محارب الساموراي العظيم في حضارتهم، وزاحم السنوار أيقونة النضال الأشهر ونصير الحرية تشي جيفارا. إن عصا المجاهد يحيى السنوار حسب آخر إفادات المجاهدين في ثغور غزة، ليست مجرد قطعة حطب تحسَّسها الرجل من حوله ليقذف بها ذبابة الصهاينة؛ بل كانت هدية من سيدة غزَّاوية فقدت زوجها وجميع أبنائها في "طوفان الأقصى"، وصادف أن قابلها القائد وهو يتفقد الأحياء، فقدَّم لها واجب العزاء في مُصابها، وقالت له "لله ما أعطى ولله ما أخذ، إليك بهذه العصا هي كل ما تبقى لديَّ"، ومن يومها صارت لا تُفارق الرجل حتى استُشهِد، فشكَّلت عصا هذه السيدة الصابرة والمحتسبة آخرَ مشهدٍ في حياة القائد، الذي لم يلِن لأعدائه، ولم يعترف لهم بوطنٍ على حساب أرض فلسطين يومًا، وفارق الحياة بعِزةٍ وكرامةٍ وموقفٍ سجَّله التاريخ بأحرفٍ من نور في سجلات النضال.
استنفد مجرم الحرب نتنياهو وزمرته من المتطرفين في الحكومة الصهيونية بدعم أمريكي وغربي، كُلَّ طُرق القتل والإبادة والتجويع والتهجير اليومي من حي إلى حي منذ بدء "طوفان الأقصى"، ومارسوا كل الأفعال المُشينة والسلوكيات الشاذة التي لا تمُت بصلة للإنسانية التي يدّعونها، ونفَّذوا أبشع الجرائم بحق النساء والأطفال والعجزة، ومنعوا وصول الماء والغذاء والدواء والطاقة عن أكثر من مليوني إنسان منذ عام ونيف؛ لاستعادة 100 أسير في حوزة المقاومة، لم يجدوا لهم سبيلًا. ورغم كل ذلك الصلف والإجرام، هل يتوقع نتنياهو اليوم بعد كل هذا الرصيد من الدماء والدمار أن يتراجع المجاهدون؟ وهل يتوقع مرونة في استعادة أسراه؟ لا شك أنَّه واهمٌ؛ فالحساب أصبح عسيرًا، والتكلفة باتت عالية، والسقف بلغ عنان السماء، ولا بديل عن العيش بكرامة أو الاستشهاد دفاعًا عن الدين والأرض والعرض.
ستُلاحِق عصا السنوار مجرمي الحرب أمثال نتنياهو وجالانت وسموتريتش وبن غفير والحكومة الصهيونية المتطرفة، وستُلاحِق قطعان المستوطنين في كل شبر من أرض فلسطين، وستأتي على كل الأحلام الوردية للمُطبِّعين مع الكيان الغاصب، وستكون بمثابة بداية النهاية للغرب المُتجَبِّر الذي وقف خلف الظلم وأمده بالمال والرجال والسلاح، ووفَّر له الغطاء السياسي لارتكاب كل تلك الجرائم البشعة. ستُلاحِق عصا السنوار كل نظامٍ تواطأ مع هؤلاء القتلة المجرمين، وستأتي الدائرة عليهم؛ فالجزاء من جنس العمل، والله لا يظلمُ أحدًا.
وأخيرًا.. لقد أصبحت عصا السنوار أيقونة لكل عربي حُر، ولكل مسلم ينافح عن دينه وأرضه وعرضه، ولكل أحرار العالم، ولا شك أن جميع المشاهد مُسجَّلة بدِقةٍ في الذاكرة الإنسانية، وستصعد يومًا إلى السطح.. حينئذٍ سيتغير المشهد تمامًا، وسيأخذ كل ذي حق حقه.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الإسراء والمعراج.. معجزة خالدة ومنحة ربانية
شهدت رحلة الإسراء والمعراج، أهمية دينية وروحية كبيرة فى حياة النبى محمد صلى الله عليه وسلم، ففيها أسرى به من مكة المكرمة إلى القدس الشريف، ثم أُعرِج به إلى السماء السابعة، وتعد رحلة الإسراء والمعراج معجزة من المعجزات الخالدة التى تعكس قوة الإيمان والتوحيد بالله عز وجل، كما أنها منحة ربانية من الله عز وجل لحبيبه ومصطفاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
تعد أهمية رحلة الإسراء والمعراج فى تأكيد النبوة والرسالة وتعزيز الإيمان والتوحيد، والإيمان بالغيب، وإظهار لقدرة الله عز وجل التى تفوق كل قوانين الدنيا، كما أن فيها فرضت أعظم الفرائض وهى الصلاة.
العوارى: معجزة الإسراء والمعراج تمت بالروح والجسد معًا
قال الدكتور عبدالفتاح العوارى، عميد أصول الدين جامعة الأزهر بالقاهرة السابق، إن الله تعالى أراد التسلية عن فؤاد حبيبه ومصطفاه فكأنه سبحانه حينما أعده لهذه الرحلة السماوية، أراد أن يقول له إن كان أهل الأرض قد قالوك وتركوك وهجروك فإن الله لن يتركك ولن يُقليك وإن الملأ الأعلى معك وهاهم الآن ينتظرون زيارتك لهم وصعودك إليهم.
أوضح «العوارى» فى حديثه لـ«الوفد» أن النبى صلى الله عليه وسلم أيده الله عز وجل بمعجزة الإسراء والمعراج الخالدة وكانت هذه المعجزة بالروح والجسد معًا وليست بالروح فقط كما يزعم المشككين من خصوم الإسلام ومن أدعياء العلم والمعرفة، فإنها ان كانت بالروح فقط أو منامًا فأى إعجاز فيها؟!، والدليل على أنها بالروح والجسد قول الله تعالى فى أول سورة الإسراء «سبحان الذى أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله»، وكيف يصفه الله بالعبودية فى الآيات الكريمة والعبودية لا تتأتى بروح وحدها أو بجسد وحده وإنما تتأتى بكونها مكونة من الروح والجسد معًا.
أوضح عميد أصول الدين السابق، أنه بعد ذلك عرج به بعد أن صلى بالملائكة وقدمه جبريل عليه السلام إماما لهم فى بيت المقدس، موضحًا أن فى تسليم الأنبياء جميعًا وتقديم سيدنا رسول الله لهم إمامًا إنما هو إقرار واعتراف من الأنبياء والمرسلين جميعا بكونه خاتم النبيين وصاحب مشعل الهداية الذى أتم الله به بناء الرسالات وختم الله به النبوات وتحقق الإقرار الذى أخذه الله على النبيين قبل ذلك لتلك الإمامة حين قال الله لهم قبل ذلك (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذلِكُمْ إِصْرِى قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ) (81) آل عمران.
وتابع: عرج بالنبى صل الله عليه وسلم إلى السماوات العلى فرأى من أيات ربه الكبرى ما رأى، كنماذج لتكون تلك النماذج نبراسًا فى حياة البشرية قَصها النبى صلى الله عليه وسلم على البشرية وقصها على أُمته كما صحت بها الأخبار وتواترت به الأحاديث، وكان جبريل كلما سَأل النبى صل الله عليه وسلم عن شيء أخبره إياه وهذا أمر تولته سورة النجم التى أثبتت المعراج السماوى لسيدنا رسول الله، فإذا كانت رحلة الإسراء من المسجد الحرام بمكه إلى المسجد الأقصى بالشام أثبتتها سورة الإسراء فإن سورة النجم أثبتت معراجه صل الله عليه وسلم ومقابلته لجميع الأنبياء والمرسلين فى السماوات، فما وعده الله به فى رحلة الإسراء فى الأرض- لنريه من أياتنا– حققه الله له فى رحلة المعراج من الأرض إلى السماوات، حيث قال الله تبارك وتعالًا: لقد رأى من أيات ربه الكبرى.
وأردف العواري: إن الذين يشغبون حول المعراج لو أنهم صُدِقوا فيما شغبوا به من إنكار المعراج لسقطت أعظم فريضة وهى ركن الاسلام وعمود الاسلام وهو الصلاة، ذلك ان الصلاة فرضت على أمة محمد صلى الله عليه وسلم فى السماوات العلى، فأنى لهم أن يشغبوا؟! وأنى لهم أن ينكروا؟! والله تبارك وتعالى هو الذى ذكر معجزة المعراج فى الكتاب المعجز المنقول إلينا بالتواتر المتعبد بتلاوته المتحدى بأكثر سورة منه فى سورة النجم التى أقسم الله بها فى قوله تعالى: «وَالنَّجمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُم وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى(3) إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى (5) ذُو مِرَّة فَاستَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوسَينِ أَو أَدنَى (9) فَأَوحَى إِلَى عَبدِهِ مَآ أَوحَى (10) مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى(11) أَفَتُمَرُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَد رَءَاهُ نَزلَةً أُخرَى (13) عِندَ سِدرَةِ المُنتَهَى (14) عِندَهَا جَنَّةُ المَأوَى (15) إِذ يَغشَى السِّدرَةَ مَا يَغشَى (16) مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَد رَأَى مِن ءَايَتِ رَبِّهِ الكُبرَى (18)».
خالد نصر: رحلة الإسراء والمعراج تعكس قوة إيمان العبد
من جانبه أكد الدكتور خالد نصر، عميد أصول الدين بالمنوفية، إن من الدروس المستفادة من رحلة الإسراء والمعراج، أن الله تبارك وتعالى ينقذ أحبابه ويحقق أمانيهم ويكون معهم وقت الأزمات والشدائد اذا التجأوا اليه وأخلصوا النية له سبحانه وتعالى ويخفف عنهم كما حدث مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ضاقت به الدنيا وكأن الله تعالى يقول له إذا كان أهل الأرض خلوك وجفوك فإن أهل السماء يرحبون بك.
أضاف «نصر» فى حديثه لـ«الوفد»، أن قوة الله تبارك وتعالى وقدرته لا تقف على أمر من أمور الدنيا فهو سبحانه يقول للشىء كن فيكون، وهذا فيه رد لمن ينكرون الإسراء والمعراج ويقولون كيف حدث هذا مع أن فى أيديهم اجهزة جوالات وغيرها يكلمون بها من هو فى أقاصى البلاد، فى ثوان فإذا كان هذا بالنسبة للبشر فكيف برب البشر سبحانه وتعالى فهو خالق الزمان والمكان.
وأكد عميد أصول الدين بالمنوفية، أن رحلة الإسراء والمعراج فيها إيمان بالغيب فهى تعكس قوة إيمان العبد، فإن كل قوانين الدنيا لا تساوى شيئًا ولا تقف أمام القدرة الإلهية وهذا يجعل الإنسان يتعلق برب الكون وليس بالمخلوقات، فالمخلوقات مهما وصلت ومهما بلغت من العلم والتقدم والتكنولوجيا هى لا تساوى شيئًا بالنسبة لقدرة الله تبارك وتعالى فقدرته سبحانه فوق كل قوانين الدنيا، مبينًا أن من يشكك فى الإسراء والمعراج ويقيسها على المقاييس الدنيوية وعلى الأمور الحسية سينكرها، أما لو قاسها بمقاييس الله جل وعلا وأدرك وعلم علم اليقين أنها من الله تبارك وتعالى الذى يخرق نواميس الكون لمن يشاء من عباده سبحانه لما أنكرها.
وأشار نصر، إلى أن الغرض من رحلة الإسراء والمعراج أن يرى الرسول صلى الله عليه وسلم آيات الله عز وجل، قال تعالى: «سبحان الذى أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا»، كما أراد الله عز وجل أن يخفف عن نبيه صلى الله عليه وسلم فأراه من آياته الكبرى وأراه مشاهد حقيقية فعلى قدر النبى صلى الله عليه وسلم أتته المثوبة والأجر، وكما قيل على قدر التكليف يكون التشريف فالله عز وجل كلف نبيه بأمور ثم شرفه بأن يريه من آياته الكبرى.