لجريدة عمان:
2025-04-07@05:57:31 GMT

المقاطعة والامتيازات الطبقية

تاريخ النشر: 29th, October 2024 GMT

شغلني في الأيام الماضية التفكير في مسألة المقاطعة. يبدو أننا ناجحون وناجحات في تحويل كل شيء إلى وسيلة للإلغاء، في ثقافة عُرفت بالإلغاء أكثر من أي شيء آخر خلال العقد الماضي. فعلى الرغم من كون ما نفعله جيدا، إلا أنه ومن غير المقبول أن تكون لدينا أخطاء أو عيوب، أو مثالب. لكن ماذا لو تم استخدام ممارسة الإلغاء من قبل من يمتلكون الامتيازات حصرا، تحديدا فيما يتعلق بسياق مقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال الصهيوني؟ هذه ليست دعوة للتفكير بضرورة الإيمان بجذرية بجدوى المقاطعة، ولكن للتفكير بجذرية حول الخيارات الأخرى البديلة.

أعتقد بأن الإلغاء ممارسة سلبية لا تنتج شيئا، إنها ببساطة توقفنا عند نقطة ما تُشعرنا أننا حققنا انتصارا، إلا أن تلك النقطة سرعان ما تهمد وتتلاشى.

بينما أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، لفتني حساب إحدى المؤثرات على الإنستجرام، والتي عُرفت بمساندتها القضية الفلسطينية حتى قبل أكتوبر 2023 في حالة قد تكون استثنائية، إذ لا يتشبك المشاهير مع المجال العام، ولا يعبرون عن آرائهم حولها لأسباب عديدة منها الخوف على سلامتهم من التجاوزات الأمنية الداخلية في بلدانهم، أو التأثير على فرصهم في التعاقد مع الشركات الكبرى، التي يعتمد الكثير منهم عليها اعتمادا مطلقا. لا أحب تبني الموقف الاستعلائي بالقول إن واحدة من هذه الأسباب هو "التفاهة" أو دعوني أقول "Mediocracy" التي تحكم عالمنا اليوم، لأنني على قناعة أنها ليست نتيجة فردانية، بل هي عمل ممنهج يتناغم مع قيم العصر النيوليبرالي الذي نعيش فيه. أعلنت هذه المشهورة عن افتتاح محل جديد في مسقط، مما تسبب في شن هجوم واسع عليها بسبب "فرضية" أن هذه العلامة تدعم إسرائيل، عند متابعة معظم من يتبنين هذا الهجوم نجد أنهن ينتمين لعائلات ميسورة.

لقد عُرفت في السنوات الأخيرة مطاعم "الفاست فوود" كملاذات للطبقة العاملة الدنيا في الكثير من دول العالم، في ظل التضخم وارتفاع سعر المواد الغذائية، وقلة الوقت الذي يسمح للعمال بطبخ طعامهم بأنفسهم، أو عدم وجود المساحات السكنية الموائمة لذلك. كما عُرفت العلامات التجارية المشهورة بـ"الفاست فاشن" على أنها قادرة على أن تتيح لغالبية الناس فرصة ارتداء ملابس جيدة وعصرية بأسعار جيدة، وكنتُ قد كتبت عن هذه الشركات التي تستغل الأطفال والنساء في دول كبنجلاديش وغيرها لإنتاج عدد كبير من الملابس بتكلفة قليلة وغير عادلة للعمال. في مقابل هذه العلامات، هنالك العلامات المسجلة الفاخرة، التي سمعنا عن تقليعات لها، تفاجئنا كل مرة، مثل أن تمتلك "ملفا" مقنعا لوضعك في طابور الطلبات على حقيبة Hermes والتي يبدأ سعرها من 5000 ريال عماني. أي أن امتلاك هذا المبلغ وحده لا يؤهلك للحصول على هذه الحقيبة. ناهيك عن فضائح هذه الشركات المرتبطة باستعباد العمال، أو القضاء على الحيوانات من أجل جلودها، وغيرها من المساوئ. ما الخيارات الأخرى المتاحة إذن؟

انتشر في عُمان خلال السنوات العشر الأخيرة نشاط "البوتيك" وهي علامة خاصة بمصمم أو مصممة عادة ما تكون محلية، تعرض من خلالها تصميماتها الخاصة، غالبا ما يتم تنفيذ القطع المعروضة في المكان نفسه الذي تُعرض فيه، وتستخدم موارد بشرية ومادية متاحة على الأرض، تعتمد على مصممين ومصممات عمانيين مثلا، لكن ماذا عن الأسعار داخل هذه المحلات؟ فلننظر مثلا لمحلات "أشمغة" الرجال المحلية، التي أطلقت هوية ملفتة للزبائن واكترت مساحة بيع في مجمع راق، هل طالعنا المبالغ الطائلة التي يتطلب دفعها من أجل سداد الكلفة التشغيلية لهذه المحلات ومن ثم تحقيق الربح؟ عدا عن غلاء الأدوات وتضخم الأسعار في البلاد. ثم ما الذي يصبح مطلوبا من الطبقات الدنيا؟ أن لا تتعامل مع من يوفر لها حاجتها، أو أن نحدثهم باستعلاء عن إمكانية تخليهم عن هذه "الرفاهية" لصالح التزامهم الأخلاقي بقضية ما. ثم ما الفرص التي يُستبعد منها هؤلاء وينبذون لأجلها إذا ما قرروا إيثار القضية على أنفسهم؟

أكرر أن هذه ليست دعوى للتطبيع مع عدم المقاطعة، لكن التفكير في أن هذا الأمر مسؤوليتنا جميعا، وأن شروط تغيير هذا الواقع الذي أنتج لنا كيانا غاصبا، متغلغلة وعميقة في بنية حياتنا، وتتطلب مراجعة لكل فكرة الاستهلاك والتملك، والتفاوت الطبقي، والفرص المتكافئة فهي إذن دعوة جذرية لا تقتصر على التلويح بمهاجمة من لم يقاطع منتجا ما مثلا. بل التفكير في الأساسات التي يقوم عليها هذا العالم واقتصاده، وحكم الأقلية فيه، الذي يجعلنا ندور في حلقة مفرغة من الخسارة اللانهائية، والتي لا تغير الكثير كما نعتقد. على السلطات ايضا أن تعيد التفكير في إعادة السيطرة على القطاعات الحيوية كقطاع التغذية والصحة مثلا، بدلا من تركها لشراسة وتوحش التجار وتقديراتهم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التفکیر فی

إقرأ أيضاً:

أوكرانيا تهاجم البنية التحتية للطاقة الروسية 6 مرات خلال 24 ساعة


أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن أوكرانيا استهدفت البنية التحتية للطاقة الروسية 6 مرات خلال الـ 24 ساعة الماضية.

فيما دمرت الدفاعات الجوية الروسية  طائرة مسيرة أوكرانية فوق مقاطعة روستوف، وتشير التقديرات الأولية إلى عدم وجود ضحايا أو أضرار على الأرض - سلطات المقاطعة.

كما دمرت الدفاعات الجوية الروسية  سبع طائرات مسيرة أوكرانية  فوق أراضي مقاطعة كالوغا الروسية وبحسب التقديرات الأولية دون وقوع إصابات أو أضرار - سلطات المقاطعة.

كما اعترضت منظومات الدفاع الجوي الروسية   107 طائرات مسيرة أوكرانية فوق الأراضي الروسية منذ مساء أمس الخميس وحتى فجر اليوم  الجمعة. 

روسيا تعلن إحباط هجوم إرهابي على سكن للطلاب العسكريين بموسكوروسيا: الخلافات مستمرة مع أمريكا بشأن أوكرانياإدارة ترامب توقف بث إذاعة أوروبا الحرة في روسياقبل فوات الأوان.. روسيا تبدي استعدادها للمساعدة في التوصل لاتفاق بين إيران وأمريكاروسيا تعلن اعتراض وتدمر 23 طائرة مسيرة أوكرانيةالكرملين: روسيا تواصل الالتزام بوقف الهجمات على منشآت الطاقة

مقالات مشابهة

  • اللهم نصرك الذي وعدت ورحمتك التي بها اتصفت
  • تركيا تفتح تحقيقاً في دعوات المقاطعة الاقتصادية عقب اعتقال أوغلو
  • بسبب المقاطعة.. القصة الكاملة لـ استبعاد آيبُوكي بوسات من مسلسل المنظمة
  • يجب التفكير في تسمية “الصالحة” محلية قائمة بذاتها
  • استمرار تداعيات اعتقال “إمام أوغلو”.. حملة “يوم بلا استهلاك” وتحذيرات من المقاطعة
  • جناح المملكة في بولونيا يقدم ندوة “التفكير الفلسفي في السعودية”
  • بن سماعين: “سنخوض مباراة العودة أمام السياسي دون التفكير في نتيجة الذهاب”
  • أوكرانيا تهاجم البنية التحتية للطاقة الروسية 6 مرات خلال 24 ساعة
  • خلي بالك من طفلك.. العلامات المبكرة للتوحد
  • خسارة 100 مليار ومعاناة تسلا تدفعان ماسك لإعادة التفكير في توجهه الجديد