تعيش الساحة السياسية السودانية اليوم واحدة من أكثر مراحلها تعقيدًا، حيث تتشابك القوى والنفوذ على خلفية صراعات وتناقضات تفاقمت مع مرور الزمن. وفي ظل هذا الوضع المتشابك، يظهر لنا تساؤل محوري: من يمتلك القدرة والتأثير في مسار الحرب السودانية، وما هي الأدوار الحقيقية للكيزان وقوى الحرية والتغيير (قحت)؟
خلفية الصراع: ثلاثون عامًا من النفوذ وسنتان من الشراكة
على مدى ثلاثين عامًا، استحوذ الكيزان على السلطة بانفراد، ما خلق منظومة واسعة ومعقدة من النفوذ السياسي، الاقتصادي، والعسكري، متغلغلة في مفاصل الدولة.

هذه المنظومة دعمت وجودهم في المؤسسات العسكرية والأمنية، وحتى بعد سقوط النظام في 2019، لم يتراجع نفوذهم بل أعادوا تنظيم أنفسهم داخل القوات المسلحة والدعم السريع، وأسسوا مليشيات مستقلة مرتبطة بهم.
أما قوى الحرية والتغيير (قحت)، فقد أدارت فترة انتقالية في ظروف صعبة مليئة بالتحديات، وعقدت شراكة مع المؤسسة العسكرية لمدة عامين. ورغم ما واجهته من انتقادات، كانت هذه الفترة قصيرة ومليئة بالتحديات، خاصة في ظل التدخلات المستمرة والمحاولات للالتفاف على العملية الديمقراطية. وقد رحبت قوى الحرية والتغيير بتغيير النظام في 2019 وسعت إلى خلق أرضية ديمقراطية مستقلة عن سيطرة الكيزان.
الكيزان وحضورهم في مسار الحرب الحالية
يمكن القول إن الكيزان، رغم تغير أوجه حضورهم، لم يفقدوا نفوذهم بشكل كامل. فالعديد منهم اليوم منغمسون في مفاصل القوات المسلحة والدعم السريع، وأقاموا شبكات داخلية قوية تتيح لهم التأثير على مسار النزاع وتوجيه الأحداث بما يخدم مصالحهم. في الواقع، يشير هذا الحضور إلى أن الكيزان قد تمكنوا من تأمين موطئ قدم ثابت لهم ضمن تشكيلات عسكرية متعددة، مما يسمح لهم بإعادة تنظيم صفوفهم وتأمين نفوذ عسكري مباشر.
وهذا الحضور يوضح قوة تأثير الكيزان، الذين وإن كانوا غير ظاهرين في الساحة الإعلامية بشكل مباشر، إلا أن تأثيرهم المستتر يساهم في تسيير الصراع من وراء الكواليس. فتواجدهم العسكري وسط القوات النظامية وغير النظامية يكشف أن الكيزان، بفضل حضورهم المتغلغل، لا زالوا قادرين على تغيير معادلة الحرب وفقًا لمصالحهم السياسية والأيديولوجية.
الإعلام وتركيزه على قوى الحرية والتغيير: سؤال عن ازدواجية المعايير
أما على الجانب الإعلامي، فإن التركيز يبدو مسلطًا بشكل غير متوازن على قوى الحرية والتغيير، التي تُعتبر من بين القوى المدنية الرافضة للحرب والساعية إلى الحلول السلمية. هذا التركيز المكثف على قحت، بينما يتم تجاهل دور الكيزان ودعمهم للمجموعات المسلحة، يشير إلى ازدواجية واضحة في التعامل الإعلامي مع الأطراف المتصارعة. يُمكن تفسير هذا التركيز على أنه محاولة لصرف الانتباه عن القوى التي تساهم بشكل مباشر في تأجيج الصراع.
من يمتلك التأثير الفعلي؟ قراءة بين السطور
يمكن القول بأن الكيزان، بفضل امتلاكهم للقدرة المالية والشبكات المعقدة، يظلون لاعبين مؤثرين في الساحة السياسية والعسكرية السودانية، حتى لو لم يظهروا على السطح. بينما قوى الحرية والتغيير، ورغم شعبيتها المدنية ووقوفها ضد الحرب، تجد نفسها تحت هجوم إعلامي مكثف، الأمر الذي يُضعف موقفها ويجعل من دورها كعامل استقرار أقل فعالية في عيون المتابعين.
ولكن من يمتلك العقل يميز فعلى الرغم من المحاولات الإعلامية لصرف النظر، يبقى واقع الحال أن الكيزان، بنفوذهم الخفي ودعمهم المباشر وغير المباشر للمجموعات المسلحة، يلعبون دورًا رئيسيًا في مسار النزاع الدائر.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوى الحریة والتغییر أن الکیزان

إقرأ أيضاً:

خبير عسكري: اختلال موازين القوى أدى إلى تراجع دور إيران في سوريا والمنطقة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال العميد بهاء حلال الخبير العسكري والاستراتيجي، إنّ قمة الدول الثماني النامية له أهداف أساسها الحوار بدلا من الحرب، والسلام بدلا من العدوان، والعدالة عوضا عن المعايير المزدوجة، مواصلا: «هذه القمة تعطينا مشهدا لتركيا التي باقتناص لحظة حساسة بشكل ذكي بعد اختلال توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط، واستطاعت أن تاخذ الدور من إيران في سوريا، وبالتالي، في التأثيرات التي ستكون في محيط سوريا، بلبنان أو العراق أو الأردن والشرق الأوسط بشكل عام».

وأضاف حلال خلال تصريحات عبر قناة «القاهرة الإخبارية»، أنّ هناك اختلال موازين القوى أدى إلى تراجع دور إيران، ما أفضى إلى عدم قدرتها على الحفاظ على نظام الأسد في سوريا، وبالتالي، فإن إسرائيل تقوم بما تفعله.

وتابع الخبير العسكري والاستراتيجي: «عوضا عن مشهد فوز تركيا أو هزيمة إيران، فإن الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على الأراضي في سوريا، ولكن هناك شعب مظلوم ويُباد من الأرض، وأعتقد أن العدالة الدولية لم تعطِ هذا الشعب أي حق من حقوقه، ورغم إصدار قرارات وأحكام ضد بنيامين نتنياهو وجالانت وغيرهما في الحكومة الإسرائيلية اليمينية، ولكن لا توجد آلية تنفيذ ما يدل على انتهاء مدة صلاحية مجلس الأمن والأمم المتحدة، وأعتقد أنها أصبحت تشبه عصبة الأمم».

مقالات مشابهة

  • العراق يتفوق على السعودية في صادرات النفط إلى أمريكا: بداية تغيير موازين القوى؟
  • الجيش السوداني: القوة المشتركة سيطرت على قاعدة استراتيجية بمنطقة الزرق
  • حركة العدل والمساواة السودانية .. بيان بمناسبة الذكرى السادسة لثورة ديسمبر المجيدة
  • متحف سرسقينفض عنه غبار الحرب ويحتفل
  • حكومة غرب كردفان تعلن ترتيبات تأمين امتحانات الشهادة السودانية المؤجلة
  • خبير عسكري: اختلال موازين القوى أدى إلى تراجع دور إيران في سوريا والمنطقة
  • الحكومة السودانية تجدد ادانتها ورفضها استهداف وكالات الأمم المتحدة والعاملين بها
  • قطاع الصناعة ينفض عنه غبار الحرب.. الغد سيكون افضل
  • «الحرية والتغيير» تدعو قوى ثورة ديسمبر لبناء أوسع جبهة لوقف الحرب
  • “بين الإلهام والتأثير” رحلة ثرية خاضها ضيوف ملتقى صنّاع التأثير