إذا الفتى ذمَّ عيشًا في شبيبتِه
‏فما يقولُ إذا عصرُ الشبابِ مضى؟
‏وقد تعوّضتُ عن كلٍّ بمُشْبِهِه
‏فما وجدتُ لأيامِ الصِّبا عِوَضَا
‏جرّبتُ دهري وأهلِيهِ، فما تركتْ
‏ليَ التجاربُ في وِدِّ امرئٍ غَرَضَا

‏أبو العلاء المعري

الشباب في زمن الحرب: أحلام ضائعة وسط الرماد

إن التفكير في الكتابة عن الشباب في زمن الحرب، خاصةً في ظل الوضع المأساوي في السودان، يتطلب تسليط الضوء على قسوة الظروف التي يعيشونها، وتأثير هذه الظروف العميق على حياتهم وتطلعاتهم.

فالشباب، هم رمز الأمل والمستقبل، يتعرضون لتحديات تهدد وجودهم ذاته، وما يعانونه اليوم يجد صدى في كلمات الشاعر أبو العلاء المعري، الذي عبّر في إحدى قصائده عن انعدام العزاء في التجارب الحياتية وقساوة الزمن.

الحرب الطاحنة في السودان حرمت أجيالًا كاملة من التعليم، مما لا يهدد مستقبلهم الأكاديمي والمهني فحسب، بل يجرّدهم من أدوات بناء حياة مستقرة. وحتى الشباب الذين تمكّنوا من إكمال تعليمهم، يجدون أنفسهم أمام سوق عمل يعاني من شح الفرص، فيجدون أنفسهم أمام مفترق طرق بين خيارين كلاهما مُرّ؛ البقاء ومواجهة الفقر والعوز، أو الهجرة نحو مستقبل مجهول، محفوف بمخاطر أخرى قد لا تقل قسوةً عن تلك التي تركوها خلفهم.

ومما يزيد الطين بلّة أن الشباب في السودان يعيشون تحت تهديد دائم بالقتل والتنكيل، ويلات يومية تجعل العيش في وطنهم معركة مستمرة من أجل البقاء. المعاناة هنا ليست مادية فحسب؛ بل تتجذّر في النفس، فتقتل الطموحات، وتضعف الروابط الاجتماعية، وتترك أثراً نفسياً عميقاً قد يرافقهم لسنوات.

الكتابة عن هذه الظروف ليست ترفًا أو مجرد توثيق للمعاناة، بل هي محاولة حثيثة لإيصال صوت جيلٍ شجاع، صامد وسط هذه العواصف، إلى العالم. هي محاولة لإيجاد بارقة أمل، وفتح أبواب لحلول عملية، تساعد الشباب على استعادة الأمل، ولو بشكل تدريجي، وسط هذا الظلام الذي يحيط بهم من كل جانب، ونستطيع ان نضيف ان الكتابة عن هذه الظروف ليست مجرد سردٍ للمعاناة، بل هي نداءٌ إلى العالم للاستماع إلى صوت هذا الجيل الصامد، وتقدير معاناته وتضحياته. وسط قسوة الحرب وتحدياتها، تظل أحلام الشباب السوداني وصمودهم شعلةً تستحق أن تُصان وتُدعَم. وربما تسهم هذه الكلمات في لفت الأنظار إلى واقعهم، وفتح أبواب لحلول تُمكّنهم من استعادة الأمل، وبناء مستقبلٍ مشرق رغم كل هذا الظلام..أرفعوا اياديكم عن الشباب..

عثمان يوسف خليل
المملكة المتحدة

osmanyousif1@icloud.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

ليست صدفة

لم يبق أحد حول العالم إلا وتندّر على الرئيس الأمريكي المنصرف جو بايدن، أمام زلة لسانه الشهيرة التي قال فيها: تحدثت قبل قليل إلى الرئيس المكسيكي «سيسي»، في إشارته إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. بايدن آنذاك كان قد استمع على ما يبدو قبل ذلك المؤتمر الصحافي إلى ما تريده الدولة العميقة في أمريكا التي طلبت منه أن يعامل الفلسطينيون في غزة تماماً كما يجب التعامل مع المهاجرين في أمريكا بإلقائهم خلف الحدود وتحديداً في المكسيك.

زلة بايدن، على ما يبدو، ليست صدفة، إذ يعود اليوم دونالد ترامب لينفذ على ما يبدو ما تطلبه الدولة العميقة في أمريكا، من ترحيلٍ للفلسطينيين إلى كل من مصر والأردن، باعتبار أن كلتا الدولتين تتلقيان من أمريكا مساعدات مالية وعسكرية ضخمة، تجعلهما ينصاعان، حسب اعتقاد ترامب، لضغطه وجبروته.

البعض اعتبر تصريحات ترامب بأنها جسٌّ للنبض ليس إلا، ليعود سفيره السابق في تل أبيب ويقول على صفحته على الإعلام الاجتماعي، إن الأردن هي فلسطين وليزيد من وقاحته بأن يسوق سلسلة من الترهات والخزعبلات، ليعقبه بعد ساعات بسيطة ترامب نفسه فيكرر ما سبق أن قاله مؤكداً على أن الأردن ومصر سينصاعان لإرادته في تهجير الفلسطينيين.

ولعل الموقف المشّرف والمعلن للأردن ومصر برفض التهجير، قد استفزا ترامب فقرر أن يكرر التصريحات ذاتها، لكن المشهد الأكبر الذي شغل ترامب حتماً هو رؤية مئات الآلاف من الفلسطينيين العائدين إلى منازلهم، ما دفع من حوله لتذكيره بضرورة تجديد تصريحاته. ترامب بدا وكأنه يستخدم أسلوباً ناعماً وحميمياً في الحديث عن كلٍ من ملك الأردن والرئيس المصري، مستخدماً لغة دبلوماسية فيها الكثير من الإطراء والإشادة التي عادة ما تسبق التلويح بالقوة والعقوبة والضغط والتشديد، بينما وجد الذباب الإلكتروني الفرصة سانحة للترويج لبعض الخطوات العقابية المحتملة وكأنها حقيقة ماثلة. 

ترامب الذي دخل إلى البيت الأبيض مدعياً أنه لا يريد أن يشعل الحروب بل يطفئها، وأنه إنما يريد أن يكون رجل سلام، ربما يكون قد اتخذ قراراً فعلياً بنزع بزته الرئاسية وارتداء ملابس المصارعة، هذه المرة، لا في حلبات المنافسات، بل على حلبات السياسة. فها هو ينسحب تباعاً من المؤسسات العالمية والاتفاقيات الدولية ومنها، منظمة الصحة العالمية وبروتوكول باريس للبيئة، بينما يفرض عقوبات على مؤسسات مختلفة كمحكمة الجنايات الدولية، ويهدد بالانسحاب من أخرى كحلف شمال الأطلسي (الناتو).

ترامب شطب خليج المكسيك وحوله إلى خليج أمريكا، وفرض عقوبات على بنما لسماحها بتشغيل قناتها من قبل شركة صينية، وأوقف المساعدات الدولية بحجة إعادة تقييمها، ورفع الضرائب الأمريكية على منتجات عدة دول ومنها، الصين وكندا وكولومبيا والقائمة تطول.

واليوم يتحفز ترامب لانتزاع غرينلاند التي تعود للدنمارك لإلحاقها بأمريكا، بينما يطلق العنان لرغبته ضم كندا إلى بلاده. لا ننسى طبعاً قراري رفع العقوبات عن المستوطنين والسماح بتزويد إسرائيل بالقنابل الثقيلة. كل هذا وذاك والذي تم خلال أسبوع واحد من تنصيبه إنما قام به الرئيس الذي يريد أن يطفئ الحروب وأن يكون رجل سلام! معقول؟ كيف لهذا أن يستقيم؟

أهذه غطرسة وغرور وقوة؟ أم شعور بكون ترامب قادرا على أن يكون مزيجاً من سوبرمان، والرجل الوطواط، والرجل العنكبوت، وطرزان، وجيمس بوند، ورامبو، وهالك العجيب، وغرندايزر في آن واحد؟

ترامب يقول إن الفلسطينيين قد عانوا كثيراً وأنهم يستحقون العيش بكرامة من خلال حياة جديدة ينعمون فيها بالأمن والأمان خارج بلدهم، بينما لا يتوانى هو ووزراؤه في تجديد دعمهم لإسرائيل، ساعين لضمان أمنها وأمانها وحقها في الدفاع عن نفسها كما يزعمون، فهل سيقترح ترامب في إطار غيرته على الإسرائيليين وفي السياق ذاته من الحرص بأن يحظوا هم بما يريده هو للفلسطينيين بالعيش خارج إسرائيل أيضاً في رحلة البحث عن الأمن والأمان؟

لقد مل الشعب الفلسطيني التجارب الاستعمارية التي لم تنجح عبر التاريخ لا من حيث الترحيل، ولا من حيث التنازل عن الأرض، ولا القبول بشطب التاريخ والجغرافيا والثقافة والفن والتراث والقائمة تطول.  فترامب العائد إلى الحكم ببزة مصارع، وقفازات ملاكم، وطاقية الكاوبوي، يعتقد أنه في حلبة مصارعة مع الجميع، جاهزٌ للضم والكسر والرفع والفتح والشطب والمحق، بل يبدو وكأنه قد قرر التعامل وفق منظور وزير الدفاع الصهيوني السابق والمأزوم باعتبار الفلسطينيين «حيوانات بشرية»، وباعتبارهم منزوعي الآدمية وهو ما يراه ترامب على أنه ينطبق على رعايا كل الدول التي أعلن عليها الحرب في أسبوعه الأول في السلطة، معتقداً أن القوة ستجعل الجميع يقابل مواقفه بالسمع والطاعة والأمر والتنفيذ!

إن أمريكا على موعد مع أربع سنوات صعبة في حال أراد ترامب الاستمرار في نهجه، أو أنه يعيد النظر فيما يقول ويفعل. أما بالنسبة لتهجير الفلسطينيين فإنني أدعو «أبو دونالد» لتصفح التطبيق الذي يريد حجبه بغرض شرائه، نعم التيكتوك، ليعرف الموقف الحقيقي لكل طفل عاد إلى ركام منزله في غزة عله يستفيق من نزواته… فهل يستفيق؟ ننتظر ونرى.

القدس العربي

مقالات مشابهة

  • ليست صدفة
  • من رحم المعاناة.. غزة تُبعث من جديد: أطفال يغنون للسلام بعد توقف الحرب بجهود مصر وقطر وأمريكا
  • الكتابة والحزن
  • عن الكتابة والقراءة والسفر.. خطط الأدباء لعام 2025
  • العائدون في غزة: شهداؤنا زرعوا الأمل
  • في متاهة السياسة: مسؤولية الكتابة في عالم منقسم
  • كاتبة صحفية: معظم الفلسطينيين العائدين لقطاع غزة لم يجدوا منازلهم
  • عودة النازحين إلى شمال غزة: مشهد يعيد الأمل ويكشف صمود شعب لا يُهزَم
  • خبير سياسي: الشعب الفلسطيني ينهض من تحت الرماد ويعيد بناء وطنه كلما دعت الحاجة
  • غزة على طريق العودة