سودانايل:
2025-03-15@10:56:53 GMT

تشبع إحساس و تبلد مشاعر أم أرقص فَرفِش و انسى همومك

تاريخ النشر: 29th, October 2024 GMT

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

في زمان ليس بالبعيد كانت الناس تخاف الموت و في ذات الوقت توقره ، و كانت تحتفي بالموتى من حيث إقامة المأتم و إعلان الحداد ، و خلال فترة الحداد يعم الحزن و الأسى الناس و المكان ، و تختفي جميع مظاهر الإحتفالات ، و يمتنع الأهل و الأقارب و المعارف و الجيران عن إظهار الفرح و سماع الأغاني و عن الغنآء ، فتغلق جميع أجهزة المذياع ، و تلغي حفلات الأعراس المتزامنة مع حدوث الموت ، و تؤجل تلك التي حانت أو قربت مواعيدها ، و كان النصيب الأوفر من إظهار الحزن و الأسى على الميت من نصيب النسآء ، و قد جرت العادة على أن ترتدي أرملة المتوفى و قريباته الملابس الخشنة مثل ثياب الدَّمُورِيَة و القَنجَة ، كما تعزف النسآء عن إستخدام جميع أدوات التجميل مثل الأصباغ و الحنآء و الكحل و زيوت و كريمات البشرة.

..
أما في هذه الأيام و مع وفرة الموت و حضوره الدآئم و تكاثر أعداد قتلى الحرب فقد أصبحت الناس تستهين بالموت و لا تأبه له كثيراً و لا تقيم له وزناً ، و مع روتين المذابح الجماعية اليومية غدت أهوال القتل و التمثيل بجثث الموتى من جز الرؤوس و بقر البطون و أكل الأحشآء و الأعضآء من الأمور اليومية العادية التي لا تسترعي الإنتباه أو تثير الشفقة و البكآء أو تستدعي الحزن و إظهار الأسى ، و قد إمتد الإهمال/عدم الإهتمام إلى أيام التعزية التي تقلصت و إلى مظاهر الحداد التي اختفت تماماً ، و هكذا لم تعد أجوآء الإحتفآء بالموت و الموتى حية كما كانت في سابق الزمان!!!...
و الشاهد هو أن سعير الحرب و موجات القتل و الدمار الغير منقطعة و الخوف و الإرهاب المصاحب قد حول حياة الملايين من السودانيين من الذين قرروا عدم النزوح أو الذين عجزوا عن الفرار لأسباب مختلفة إلى رعب و جحيم تخطى حالة الحزن بمراحل عديدة ، فقد تسبب تفاقم أحاسيس الخوف و الهلع و تعاظمها إلى ظهور حالات وبآئية من الكوابيس و الإضطرابات النفسية ، و على الرغم من ذلك فقد أصبح العديد من السودانيين يطيقون المآسي و الألام النفسية و المصاعب المصاحبة و يتعايشون معها كأمر واقع و روتيني لا مفر منه ، و قد إنتقلت تلك الأحاسيس إلى الأهل و الأقارب في بلاد الإغتراب و المهاجر علاوة على الإكتئاب...
و على الرغم من هذه الخلفية المأساوية الكئيبة و الإكتئاب الوبآئي الذي أصاب قطاعات عريضة من السودانيين داخل و خارج الوطن إلا أنه قد تلاحظ أن هنالك نفر/بعض من السودانيين من الذين فروا من ويلات الحرب و نزحوا إلى دول الجوار و العالم يبدوا أنهم لم يتأثروا/يأبهوا كثيراً بالحرب و تبعاتها ، فقد تلاحظ أن سير حياة هؤلآء النفر من السودانيين لم يتغير ، حيث أنهم لم ينقطعوا عن ممارسة حياتهم اليومية و جميع المباهج و الزينات المرتبطة بها من شهوات البطون و الفروج و جمع الذهب و الفضة و الدولار و رصفآءه من العملات الصعبة و كذلك متابعة دوريات كرة القدم الأوروبية و البطولات القارية و العالمية...
و الشاهد هو أن الحرب السودانية الراهنة و موجات النزوح الغير مسبوقة قد أتاحت فرص ذهبية/بلاتينية لجمهرة الناشطين و جماعات اللايفاتية الباحثين عن الشهرة و المشاهدات و الإستحسانات و المشاركات الذين هرعوا إلى تحميل أسافير الشبكة العنكبوتية و منصات التواصل الإجتماعي بدقآئق الأهوال و المستجدات في جبهات القتال و كذلك تفاصيل و أسرار الصراع في الساحات السياسية و دقآئق فضآئح الساسة و الأرزقية و الطفيلية السياسية و الإقتصادية ، و قد شملت التغطيات وجهات نظر الفرقآء المختلفة و أحدث ما تجود/جادت به بعض من الألسن السودانية من الكذب و التدليس و خطابات العنف و الكره العنصري و القبلي و الجهوي المنمقة بفحش القول و أقذر المفردات البذيئة المنتقاة بعناية فآئقة من معاجم ما تحت الصُّرَة و ما بين الفخذين...
كما لم يفت عليهم توثيق الجانب الفرآئحي من حياة النزوح/الفرار فكانت تغطية مراسيم عقود القران و التعديلات التي طرأت على تقليعات حفلات الزواج الباذخة و آخر المستجدات التي أضيفت إلى رقيص العروس حتى يواكب العصر و خطوط الموضة العالمية ، هذا إلى جانب تغطية ما يجري في عالم القُونَات و ما يدور في وسط مطربي الحيرة ، بالإضافة إلى بث حفلات عروض الأزيآء النسآئية و إحتفالات التخريج الجامعي الفاخرة فيما ورآء الحدود و البحار ، و ذلك في تزامن مع بث حلقات مسلسل تعليم اللسان السوداني لغير الناطقين به المصحوبة بدليل صنع الدِّلكَة و اللَّخُوخَة و زيت الكَركَار إلى جانب وصفات الإكيل السوداني و طرق تحضير الكميات التجارية من عصيدة الدُّخُن و مَدِيدَة الحِلبَة و الفسيخ و الشطة المطبوخة و الأَقَاشِي و أُم فِتفِت و كبدة الإبل بالدَّكوَة و الليمون و البصل و الشطة الخضرآء و الحمرآء...
و يظن/يعتقد بعض من المراقبين و المختصين المهتمين بمنصات التواصل الإجتماعي السودانية و بأمر الحرب في بلاد السودان أن مسلسل القتل و المجازر و أهوال الدمار و مآسي التشريد و النزوح قد أوصلت أجهزة الإستقبال الحسية و العصبية عند بعض من جماعات السودانيين و كذلك المراكز الدماغية المختصة بالمشاعر و الأحاسيس إلى درجة التشبع ، و يبدوا أن هذا التشبع قد أفضى إلى حالة من التبلد العاطفي تجمدت فيها المشاعر و أحاسيس الحزن و الأسى و بقية الإنفعالات المصاحبة مما دفع/قاد بعض من السودانيين إلى التصرف مع الأحداث من منطلق أن شيئاً لم يكن...
و على الجانب الآخر فهنالك من يرى أن لا علاقة لتفاعلات هذا البعض من السودانيين النازحين/الفارين بتشبع الأحاسيس أو تبلد المشاعر أو أي شيء من هذا القبيل ، و يعتقدون أن ضآلة/حكمة هؤلآء النفر في التفاعل مع الحرب و أحداثها المأساوية هي أغنية الفنان شرحبيل أحمد:
أرقص و فَرفِش و انسى همومك...
أَوعَك تَزعَل...
فَكِّر و اعمل...
بكرة بتنجح و تعيش أيامك...
تعيش أيامك حلوة جميلة...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة

fbasama@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: من السودانیین بعض من

إقرأ أيضاً:

سوريا التي وقعت في الكمين

في الساحل السوري وقعت سوريا كلها بكمين مدبّر أطاح بطموحات بناء سوريا على أسس جديدة، كمين تم تصميمه من قبل فاعلين إقليميين ودوليين، عبر أدوات سورية، انتهى بجراح عميقة طالت جميع السوريين والعرب المتعاطفين معهم، ولم ينته عند صورة الأم المذهولة في الساحل على مقتل أبنائها، فيما القتلة ينكلون بروحها وروح سوريا ومستقبلها.

ليس سرا أن ما حصل كان ثورة مضادة، تبدأ بسلخ الساحل السوري، وتحويله في مرحلة لاحقة إلى قاعدة ومنطلق للانقضاض على سوريا. القائمون المحليون على هذا المخطّط شرحوا بما فيه الكفاية وكشفوا عن آلياتهم التنفيذية "المجلس العسكري" وأهدافهم من وراء ذلك" تحرير سوريا"، وإعادة الزمن السوري إلى الوراء.

وخلف هذه اللعبة وقفت أطراف خارجية كثيرة، بعضها أعلن عن نفسه، وبعضه الآخر انتظر نجاح الخطة، ليعلن بصراحة وقوفه مع الطرف المنتصر، لكن فشل المخطط وهشاشة وضعف الروافع المحلية له دفع إلى تراجع المشغلين الخارجيين وطي بياناتهم التي جهزوها لإعلان مرحلة جديدة في سوريا.

خلف هذه اللعبة وقفت أطراف خارجية كثيرة، بعضها أعلن عن نفسه، وبعضه الآخر انتظر نجاح الخطة، ليعلن بصراحة وقوفه مع الطرف المنتصر، لكن فشل المخطط وهشاشة وضعف الروافع المحلية له دفع إلى تراجع المشغلين الخارجيين وطي بياناتهم التي جهزوها لإعلان مرحلة جديدة في سوريا
لكن، هل تجاوزت سوريا الكمين؟ وهل انتهت المخاطر؟ حتى بعد أن أجرت إدارة دمشق تفاهمات مع الهياكل والأطر في شمال سوريا وجنوبها، ما زالت سوريا في عين الاستهداف لأكثر من سبب:

أولا: ما زالت سوريا هدفا للتقسيم، فإسرائيل تعلنها صراحة وجهارا، عن عزمها استقطاع جنوب البلاد، وقد بدأت بالفعل التأسيس لوجود طويل الأمد يشمل أربع محافظات سورية، درعا والقنيطرة والسويداء وريف دمشق، ولن تتراجع إسرائيل عن هدفها ما دامت لم تتشكّل مقاومة ضدها تستنزفها وتدفع حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة والمنتشية بانتصاراتها في المنطقة إلى إعادة حساباتها.

ثانيا: النوايا الإيرانية والروسية غير مطمئنة وستبقى عامل خطورة مرتفعة في المديين القريب والمتوسط؛ فإيران ترى أن هناك إمكانية لإعادة سيطرتها على سوريا، ويمكنها بعد التقاط أنفاسها على إثر الحرب الإسرائيلية على لبنان، إعادة تنظيم صفوف فلول الأسد وتدعيمهم بقوى مليشياوية عراقية ولبنانية، في ظل حالة الفوضى التي تعيشها القوات السورية والتأخر في عملية تنظيمها وهيكلتها.

ثالثا: الإشكالية السورية المتمثلة بموت الوطنية السورية وإعادة إحياء الهويات الماقبل دولتية لدى جميع الأطراف، والحاصل في سوريا أن الأطراف السورية تنظر للواقع السوري من منطلق وجود أطراف منتصرة وأخرى مهزومة، بل ترى أن هذا وضعا طبيعيا سائدا في المشرق العربي كله وقد تعايشت معه مختلف المكونات؛ فالمنتصر المنتعش بانتصاره يحق له تقرير ما يشاء، والمغلوب لا يملك إلا التخريب وانتظار لحظة تغير المعادلات وانقلاب موازين القوى، ولن تكون سوريا استثناء عن هذا الواقع.

رابعا: الإدارة الخاطئة للصراع والتنوع الإثني والطائفي واختيار السياسات المناسبة لذلك والأدوات التي يمكنها بالفعل تسيير هذا الواقع المعقّد، هذه الإدارة لا تتماشى مع وضع بلد مثل سوريا خارج لتوه من أتون حرب مديدة ويسعى إلى كسب ثقة العالم الخارجي الذي يضع سوريا تحت المجهر، ويحاول بعض الفاعلين الدوليين مقايضة السلطة الجديدة وابتزازها، تحت عناوين وشعارات عديدة.

قد تكون المواجهة الساخنة انتهت، وفشلت الكمائن التي قام بها الفلول لبداية ثورة مضادة، لكن ما من شيء يؤشر الى احتمالية تراجع الخطر، والأصح أن الخطر يتجمع في غرف العمليات التي جرى إنشاؤها في العراق ولبنان وحتى في قاعدة حميميم وتل أبيب
قد تكون المواجهة الساخنة انتهت، وفشلت الكمائن التي قام بها الفلول لبداية ثورة مضادة، لكن ما من شيء يؤشر الى احتمالية تراجع الخطر، والأصح أن الخطر يتجمع في غرف العمليات التي جرى إنشاؤها في العراق ولبنان وحتى في قاعدة حميميم وتل أبيب. لدى هذه الأطراف الكثير لتخسره إن استقر الوضع في سوريا، سينتهي حلم السيطرة على هذه البلاد والأحلام التي جرى بناؤها طيلة السنوات الماضية؛ فلن تكون هناك إيران الكبرى التي يمتد نفوذها من قزوين إلى المتوسط، وستظهر روسيا بعد نهاية الحرب الأوكرانية وبرود جروحها دبا جريحا لن يطول الوقت قبل أن يخسر قواعده في أفريقيا التي بناها على صدى سمعة جبروته في سوريا، كما لن تكون هناك إسرائيل الكبرى، التي يجب عليها أن تتحضر لواقع مختلف بدأت مؤشراته في الظهور على شكل صراعات سياسية ومجتمعية هائلة داخل الكيان.

بالطبع، لا يمكن مواجهة كل هذه المخاطر وإفشالها بدون ترتيب البيت الداخلي السوري، والذي يبدأ من إعادة تنظيم قوى الجيش والأمن على أسس حديثة وليس على أسس أيديولوجية ولائية، وإيجاد صيغ سياسية مقبولة ومنطقية، عبر توسيع قواعد المشاركة وإشراك جميع السوريين، بأطيافهم وطوائفهم وعرقياتهم، في إدارة البلاد، والمحافظة على مؤسسات الدولة وتطويرها لتستطيع رفع البلد من القاع الذي وصلت له، باستثناء ذلك ستبقى سوريا عرضة لفخاخ كثيرة وستفقد الأمهات أبناءها في صراعات عبثية لا فائز فيها.

x.com/ghazidahman1

مقالات مشابهة

  • أمريكا تتخذ خطوة حيال دخول السودانيين إلى أراضيها
  • ليلة سحور المهندسين السودانيين في قطر .. يا سر الليالي
  • هل تبقى روح الميت في بيته بعد الوفاة؟.. علي جمعة يوضح الحقيقة
  • القنصلية المصرية في حلفا تكشف تفاصيل جديدة عن تأشيرات دخول السودانيين إلى مصر
  • سوريا التي وقعت في الكمين
  • معاناة متفاقمة للنازحين السودانيين في رمضان
  • شاهد بالصورة والفيديو.. بالتهليل والتكبير.. الفنان طه سليمان يصل مدينة بحري ويختبر معدات الصوت التي استجلبها لخدمة مساجد المدينة
  • إحساس بالحر .. اعرف حالة الطقس اليوم ودرجات الحرارة
  • جهاز لتتبع مشاعر الشريك ورصد التغيرات العاطفية
  • شاهد بالصورة والفيديو.. قصة رجل سوداني بالسعودية تعرض محله لحريق ودمار كامل وعوضه الله بمحل أفضل منه منحه له أحد السودانيين وافتتحه برأس مال قيمته 800 ريال فقط