لما كانت معظم حالات العجز في الواقع مُتعلَمة ويمكن تجاوزها بتعلُمٍ مُضاد نجد أن مسؤلية الإنسان الأولى امام وجوده هي التعلم و العمل على اطلاق طاقات النماء بتعهدها بالرعاية الذاتية وصولا إلى فرض كيانه الإنساني ذاتيا واجتماعيا ، وتلك رحلة يحتاج فيها الانسان إلى بوصلة من الوعي وفهم الذات تعينه على اتخاذ قرارات مدروسة توصله الى أهدافه في بناء مشروع الوجود .
ولكي تتمكن من كشف عن مميزات الكيان الذاتي ومواضع الاقتدار فيه واطلاق طاقاتها فمن الضروري ابتداء كشف مواطن الأذى الذاتي خصوصا في نقاط تمترسه ومقاومته ، فالإنسان احوج ما يكون للوعي الذاتي ليصبح على اتصال مع ما هو عليه وما يشعر به ومايفكر فيه ، فعندما يصبح الإنسان واعيا بما هو عليه وما يفعله ( هنا والان ) يسهل عليه ايجاد الحلول والبدائل و صنع خيارات ذات معنى واستجابات أكثر فاعلية بدلا عن الإستجابات السلبية التي تشوه الخبرات الوجودية للإنسان .
يشتمل الوعي على القدرة على مجابهة القلق والمخاوف التي تُولد آليات دفاعية نفسية معطلة للذات ، مع القدرة على توظيف القلق لمجابهة الحياة واستيعاب تجاربها المختلفة ، فبتجاوز القلق يستطيع الانسان أن يتلاقى مع خبراته الوجدانية بدلا من أن يغرق فيها ويظل خاضعا لها ، و بمواجهة القلق و التسامي على المخاوف يحيا الإنسان حرا ويختبر الوجود دون أن يجرفه تيار الإنفعالات .
و إن كانت تحدوك رغبة في صناعة مصيرك فعليك الحذر من اجترار خيبات الماضي واحباطاته فلن ينتج عنها سوى مزيدا من المرارة والاحتقان النفسي و رسوخ لإنعدام الجدارة واستقرار لهوية الفشل و استفحال للعجز المكتسب ، الماضي قد مضى وانقضى و محاولة الغرق فيه هي مجرد انفصال عن الواقع وهروب من تحمل مسؤلية مجابهته فاللحظة الآنية فقط هي ما يمكن التصرف تجاهها بشكل قابل للتحكم .
في مضمار الوعي لا بد من ضبط علاقتك بالزمن فكلما هيمن الزمن على تفكيرك أصبحت كل فكرة تفكر بها متعلقة بالماضي او المستقبل ، فيكون احساسك بذاتك معتمدا على الماضي لأجل هويتك وعلى المستقبل لأجل الاشباع ، لذلك نعتبر الخوف والقلق والندم ومشاعر الذنب هي مناحي من الخلل التي تصيب الوعي المحكوم بالزمن ، بينما الازدهار الحقيقي هو الامتنان للحظة الحالية ولكمال الحياة الان .
من ابرز محطاتك في رحلتك نحو التمكين وصناعة المصير هي كشف آليات التمويه والتهرب والتنصل من مسؤلية المشاعر الذاتية والرغبات الاصلية لأن تلك الأليات بمثابة تواطؤ نفسي على الذات ، ولن يتم ذلك إلا من خلال محاولة التكامل بين الفكر والجسد ، وكشف الخطاب الذاتي السلبي مبكرا والتيقظ لحالات الإكتئاب قبل الاستسلام لها والتلذذ بالاستقرار فيها لأن الأخطر في الاكتئاب هو الإنزلاق في دوامته والتآلف مع معاناته وكأنه لا يوجد منطور آخر للوجود .
واخيرا لابد لنا من وقفة مع معطيات الواقع الداخلي عقلانيا وانفعاليا فكثيرا ما يضيع الإنسان نتيجة بقاءه أسيرا لإفتراضات خاطئة و أحكام تتخذ طابع التصلب القطعي في الرؤى والتعميمات المبالغ فيها، كتعميم تجربة فاشلة على كل نواحي الحياة ، أو التفكير القطبي إما أبيض او أسود والناس إما أخيار او أشرار ، أو افتراض أن السلوك التجنبي اكثر أمنا من المواجهة ، أو تضييق الاحتمالات وعدم روءية متسع من الخيارات في الحياة ،
تلك الافتراضات وغيرها تتحكم بالادارك وتوجه التفكير وتولد الانفعالات السلبية المعيقة لذا تسمى في علم النفس ب ” الألعاب الذاتية البائسة ” لأنها تنبع من فلسفات حياتية مدمرة للذات .
هذه الحالة من الوعي الذاتي هي ماتُحدث التحول في الأحوال والظروف التي كانت تبدو خارجة عن السيطرة وذلك بتدبر سلوكيات ايجابية تحمل الحلول وتحقق الغايات وتكفل المكانة الذاتية ، تحمل المسؤلية عن الذات وتغليب السلوك الإيجابي الفاعل على السلبي الإنهزامي مما يعدل موازين القوى ويفتح السبل ويكشف الإمكانات الكامنة التي لم تكن تبدو جلية للوهلة الأولى ويقود الى تغير المصير الذاتي .
بناء على ماتم بحثه نخلص الى أن المعركة الداخلية التي نخوضها ليست أقل شراسةً من المعركة الخارجية. فغياب الوعي الذاتي أو الخلل الوظيفي فيه و تجلياته السلوكية يمثل تحديا قد يتسبب في هدر الطاقات الحية وضياع الحياة .
المصدر: صحيفة صدى
إقرأ أيضاً:
جامعة الفيوم تفتتح مركز خدمة الطلبة ذوى الإعاقة
تنظم جامعة الفيوم حفل افتتاح مركز خدمة الطلبة ذوى الإعاقة، وذلك يوم الأحد القادم، والذى يقام فى العاشرة صباحًا بقاعة الاحتفالات الكبرى مبنى إدارة الجامعة.
يقام الحفل تحت رعاية الدكتور ياسر مجدى حتاتة رئيس جامعة الفيوم والدكتور عاصم العيسوى نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة.
يذكر أن المركز ممول من الوكالة الامريكية للتنمية بالتعاون مع وزارة التعليم العالى والبحث العلمى.
القلق من الامتحاناتوفى وقت سابق شهد الدكتور طارق محمد عبد الوهاب عميد كلية الآداب، الندوة التي نظمتها وحدة الإرشاد الأكاديمي بالتعاون مع وحدة ضمان الجودة، حول كيفية التغلب على قلق الامتحانات.
بحضور الدكتور أحمد أبو ريه وكيل الكليه لشؤون الدراسات العليا والبحوث، والدكتورة أمل يوسف مدير وحدة ضمان الجودة، والدكتورة نجوان أحمد عاصم مدير وحدة الأرشاد الأكاديمي، وعدد من السادة أعضاء هيئة التدريس والعاملين والطلاب، وذلك اليوم بقاعة المؤتمرات بالكلية.
أكد الدكتور طارق عبد الوهاب أن الندوة تهدف إلى دعم الطلاب نفسيًا وأكاديميًا في مواجهة التحديات المرتبطة بفترات الامتحانات وتكمن أهمية الندوة في معالجة ظاهرة قلق الامتحانات التي تؤثر بشكل كبير على الأداء الدراسي والصحة النفسية للطلاب، من خلال تعريف الطلاب بمصادر القلق النفسي في أثناء الامتحانات وتقديم تقنيات الاسترخاء وتخفيف التوتر، وتطوير مهارات إدارة الوقت والدراسة الفعالة، وبناء الثقة بالنفس وتعزيز القدرة على مواجهة الضغوط الأكاديمية.
وأوضح الدكتور أحمد أبو ريه أن الكلية تحرص على تنظيم مثل هذه الندوات لرفع وتعزيز الصحة النفسية للطلاب، وتمكينهم من فهم طبيعة قلق الامتحانات وتطوير آليات التكيف الإيجابي، مما يساعدهم على تحويل القلق إلى طاقة.
وأشارت الدكتورة نجوان عاصم إلى أن الهدف من هذه الندوة هو تزويد الطلاب بالأدوات والاستراتيجيات العملية للتعامل مع التوتر والقلق في أثناء فترات الامتحانات، حيث يعد الدعم النفسي والأكاديمي حق أساسي لكل طالب يسعى للتميز.