لم يكن التدخل الإيراني في الإقليم وتمكن إيران من بسط نفوذها على أربع عواصم عربية جديدا على المنطقة، وهو ما كان واضحا منذ سنوات، وكذلك تدخل حزب الله اللبناني في سورية لقمع الثورة الشعبية لصالح النظام السوري، لكن ما يثير الانتباه في الوقت الراهن تكثيف حملات التحذير من الخطر الشيعي، لا سيما في الأيام والأسابيع الأخيرة.



ومن الملاحظ أن التحذير من خطر المشروع الإيراني بكل أبعاده العقائدية والسياسية بات في الآونة الأخيرة هو العنوان الأبرز الذي تقوم على تسويقه وسائل إعلام عربية عديدة، مصحوبا بخطاب ديني موغل في التحذير من مخاطر المشروع الإيراني بوصفه أشد خطرا وفتكا من الخطر الصهيوني، ما يتوجب التصدي له والوقوف في وجهه وفق المحذرين منه. 

فما هي أسباب تكثيف حملات التحذير من الخطر الشيعي الآخذة في التوسع في الآونة الأخيرة؟ وما هي دوافعها ومحركاتها.. وهل هي دوافع عقدية محضة حراسة للعقائد كما يدعي كثير من المنخرطين فيها أم أنها تقع في دائرة التوظيف السياسي بامتياز، من باب توظيف الديني العقائدي لصالح الصراعات السياسية المحتدمة في المنطقة؟

تختلف الآراء في تحديد دوافع وأسباب تكثيف التحذير من المشروع الإيراني (الشيعي) على المنطقة، بين من يرى أنه يشكل خطرا حقيقيا داهما بنزوعه إلى التمدد وبسط النفوذ بغطاء أيديولوجي عقائدي مذهبي، وبين من يصف تكثيف خطاب التحذير من المشروع الإيراني في الوقت الراهن بالتوجه الذي يحرف البوصلة عن مواجهة الخطر الحقيقي الذي يهدد المنطقة برمتها، المتمثل بالمشروع الصهيوني الاحتلالي الاستيطاني.

وفي هذا الإطار يرى الكاتب الصحفي الأردني، حسن حيدر أن "الاستحضار الحاصل في ملف تدخل إيران وأذرعها في اليمن والعراق وسوريا، يأتي في سياق يهدف إلى تفتيت الحاضنة الشعبية العربية للمقاومة، فبينما يحاول محور المقاومة الذي تتزعمه إيران أن يشاغل جيش الاحتلال على عدة محاور، تبرز تلك الأصوات التي تصر على التأصيل المذهبي للأحداث".

وأضاف: "وقبل نحو عقدين من الزمن كانت الأنظمة العربية التي أثارت ملف الخطر الشيعي والتشيع، تهدف برأيي إلى حرف الانتباه عن الخطر المركزي والحقيقي الذي تواجهه المنطقة، وهو المشروع الصهيوني والاحتلال، وهذه الأنظمة نفسها تعيد توظيف هذا الملف حاليا.. وتحاول على الأقل، بالنسبة لهم إضافة خطر موازٍ لخطر المشروع الصهيوني، أطلقوا عليه "خطر التشيع" وهو في حقيقته خطر وهمي" على حد قوله. 

وواصل حيدر حديثه لـ"عربي21" بالقول: "لسنا هنا بصدد تجاهل وجود تدخل إيراني في المنطقة، وأن هناك رغبة لدى طهران بأن تمارس نفوذا، لكن من المهم أن يُفهم ذلك ضمن سياقه السياسي الحقيقي، حتى يتمكن العرب من التعامل مع السياسات الإيرانية والتعاطي معها".


                                              حسن حيدر كاتب صحفي أردني

ووصف "الأشخاص الذين انبروا حاليا للتحذير من (الخطر الشيعي) بأنهم ـ سواء علموا ذلك أم لم يعلموه ـ أدوات لأنظمة عربية وحتى غربية.. وهم للأسف يتعاملون مع عموم المسلمين بوصفهم جهلة سيفتنون بالصواريخ الإيرانية (الشيعية)، وينحرفون عن عقيدتهم، ولولا تحذيراتهم على منصات التواصل الاجتماعي لفتنوا بإيران ومذهبها الشيعي".

وقلل حيدر من "الخطر الشيعي" الذي لم يكن يوما ـ برأيه ـ يشكل خطرا حقيقيا، إذ لم نسمع أبدا أن مسلما سنيا تحول إلى التشيع بالمفهوم العقائدي، ولا أتحدث هنا عن التشيع بمفهومه السياسي" مضيفا بأن "الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله رحل وهو يواجه جيش الاحتلال، ويشاغله في محاولة للتخفيف من وطأة حرب الإبادة على غزة، وأقلها أن تنعاه المقاومة الفلسطينية، وأن يُوصَف على لسان الناطق باسم القسام أبو عبيدة بالشهيد" وفق عبارته.

ولفت إلى أن "تحميل هذا التوصيف ما لا يحتمله وإخراجه عن سياقه الواضح لصالح السياقات المذهبية هو محاولة لتفريغ المضامين التي استشهد من أجلها نصر الله لصالح مضامين طائفية لا تخدم إلا المشاريع الغربية ضد الأمة الإسلامية كلها، وحينما كان أبو عبيدة يتحدث عن (الشهيد) نصر الله كان يستحضر مقاوما للاحتلال، ولم يكن مضطرا، لا أخلاقيا ولا عقائديا أن يستحضره وهو يقاتل في سوريا".

وعن المستفيد من تكثيف خطاب التحذير من الخطر الشيعي في الوقت الراهن، ذكر حيدر "أنهم هم الذين يريدون تشتيت انتباه العرب والمسلمين عن الخطر الأكبر، وإشغالهم بحروب وهمية تستهلك الطاقات، وتستنزف الإمكانيات والمشاعر دون هدف حقيقي يمكن تحقيقه".

من جهته قال المحلل السياسي العراقي، رعد هاشم في سياق رده على سؤال بشأن اشتداد حملة التحذير من خطر الشيعة في الآونة الأخيرة علما بأن التدخل الإيراني في شؤون دول عربية عديدة كلبنان واليمن والعراق وسوريا كان منذ سنوات، وكذلك تدخل حزب الله في سوريا "إن العلاقة مع إيران كانت موجودة، ولكن لم تكن بهذه الصيغة المعلنة خاصة في العراق واليمن، إذ كانت إيران وأذرعها ينفون ذلك خاصة في العمل المسلح المباشر، وإنما كانوا يشيرون إلى وجود مستشارين فقط".


                                                     رعد هاشم محلل سياسي عراقي

وأردف: "ثم تصاعد التخوف أكثر بعد طرح موضوع (توحيد الساحات)، وتصعيد العمل (الميليشياوي) المسلح، ويذكرنا مثل هذا التصعيد بما قام به حزب الدعوة الذي كان ينشط في إيران في مواجهة النظام العراقي السابق، حيث كانت توجد خطة عمل تدريجي لعمل حزب كتنظيم سياسي، وعندما صعد نشاطه المسلح اعتمد ما سمي (حرق المراحل) حيث تجاوز العمل التنظيمي المخطط له بكل مرحلة والانتقال مباشرة إلى المواجهة المسلحة".

وتابع هاشم تصريحاته لـ“عربي21" بالقول "أما بالنسبة لحزب الله فالتخوف منه يرجع إلى كون (حسن نصر الله) هو الذي تم تعيينه ليكون المسؤول عن التنسيق بين الساحات، أي المنسق بين الميليشيات وإيران، وعندما قتل تردد أن إيران رشحت بدلا عنه (عبد الملك الحوثي) حيث أرسل مقاتلين إلى العراق، وفتح مكتبا له هناك، وصرح أن "المقاومة في العراق سوف تصعد من عملياتها" وهو ما يرجح أنه أصبح مسؤولا عنها..".

وعن دوافع ومحركات حملة التحذير من المشروع الإيراني (الشيعي)، قال هاشم "العامل العقائدي غطاء من بين الأغطية الأخرى، إذ لولا العمل المسلح لم يكن للكثيرين التعامل مع الشيعة هنا أو هناك، لا سيما وأن الكثيرين يطرحون موضوع التقارب بين المذاهب، لذا فإنه الموضوع يقع في دائرة التوظيف السياسي".

بدورها ذكرت الكاتبة الأردنية، إحسان الفقيه أن "كثيرا من الذين يحذرون من التشيع في هذه الأحداث الساخنة منذ اندلاع طوفان الأقصى ينطلقون من دوافع عقدية، حرصا على المنظومة العقدية لأهل السنة والجماعة، لئلا تتم التغطية على الخلافات الجوهرية بين السنة والشيعة، ومنعا للتطبيع مع دول لها مشروعها القومي المُحمّل على رأس طائفي، وأعني ها هنا إيران التي لا يستطيع أحد إنكار دورها في تفكيك وتخريب عدد من الدول العربية".

وأضافت "ولا نستطيع أن نتكلم عن هذا الاستهداف الإيراني بصيغة الماضي، فإلى اليوم ما تزال قوات الحرس الثوري في سوريا، وإلى اليوم تتحكم إيران في المسار السياسي للعراق، إضافة إلى تدخلها السافر في لبنان عن طريق حزب الله ذراعها الأقوى، ونفرق هنا بين كون إيران وأذرعها يقدمون الدعم والإسناد للمقاومة في غزة، فهذا لا اعتراض عليه، ومرحبا بأي قوة تساند القضية الفلسطينية، وبين الترويج لنهجها الطائفي الذي تأسست عليه، فينبغي أن لا نتوه عما فعلته إيران في هذه الدول وأن لا نقلل من حجم إجرامها فيها".


                                                       إحسان الفقيه كاتبة أردنية

ولفتت الفقيه في ردها على سؤال "عربي21" بشأن وصف الناطق باسم كتائب القسام أبي عبيدة لأمين حزب الله حسن الله بالشهيد إلى أن "هذا فرع عن الأصل الذي تحدثت عنه، إلا أنه يسوغ للمقاومة ما لا يسوغ لغيرها، فإذا كانت تتعامل مع إيران على مبدأ الضرورة فلها ذلك، لكن من حق الجماهير أن تتم توعيتها لئلا يختلط الحابل بالنابل، أو يتوهم الناس سلامة منهج الحزب ويتناسون أفاعليه في سوريا".

وختمت كلامها بالقول "ومع ذلك فهناك شريحة واسعة من المحذرين من التشيع يوظفون القضية سياسيا للتشغيب على المقاومة ورميها بأنها تنفذ أجندة إيرانية وتدين بالولاء لإيران دون أهل السنة، وإنك لتجد هذه الفئة تتعلق بقضية التشيع بدعوى الحفاظ على العقيدة، وهي ترى في بلادها انتهاكا صارخا للعقيدة وتصرف الأبصار عنها، لأنها بالأصل لم تتحرك إلا بدافع سياسي، وتصفية حسابات مع المقاومة الفلسطينية". 

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية سياسة عربية الإيراني الاحتلالي التشيع حرب الفلسطينية إيران احتلال فلسطين حرب تشيع المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المشروع الإیرانی التحذیر من حزب الله نصر الله فی سوریا لم یکن

إقرأ أيضاً:

جدل في أميركا: ماذا نفعل مع إيران؟

يزداد الجدل في الولايات المتحدة الأميركية بشأن الموقف من إيران، ويتزامن ذلك مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر المقبل، وتصاعد الأحداث في الشرق الأوسط، خاصة في غزة ولبنان وإسرائيل.

ويقول تشيت لوف، من مركز ريني للسياسة العامة: "أعتقد أن ميزان القوى في الشرق الأوسط لم يعد مستقراً ولم يستقر، إلا إذا عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض".

ويشير خلال مقابلة مع قناة "الحرة" إلى أن " إيران دولة عدوانية وعنيفة ولا يمكن أن تستجيب بشكل إيجابي لأي انفتاح دبلوماسي، ولا بد أن نتصرف بقوة لمواجهة هذه الدولة، لنظهر بأننا لا نخشى اتخاذ قرارات".

لوري واتكينز، وهي مستشارة سياسية سابقة في البيت الأبيض، ظهرت بموقف مدافع عن سياسات الديمقراطيين، وترى أن ""لا مصلحة" لأميركا بالدخول في حرب مع إيران، على حد قولها.

وتقول خلال مقابلة مع قناة "الحرة": "كان ترامب في السلطة قبل أربع سنوات، وما فعله كان سحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران. ما يقترحه منذ أشهر وما زال، هو أنه سيحل كل مشاكل العالم. لكنه لم يفعل ذلك عندما كان رئيساً، ولن يفعله اليوم".

لكن لوف الذي دافع عن الجمهوريين، وترامب تحديداً، يقول إن "إيران تطلق مئات الصواربخ الباليستية، التي يكلف كل واحد منها ملايين الدولارات، لأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، سمحت لها أن تتصرف بهذا الشكل".

وترد واتكينز: "القول إن الحزب الديمقراطي يفضل الانخراط مع إيران، ويشجع الإرهاب ضد الأميركيين، هو أمر غير مقبول تماماً".

وتتابع: "سيتعاطى ترامب مع كل الديكتاتوريين في العالم، ويستمر بهذا الاتجاه".

ووفقاً لخبراء تحدثوا لـ"الحرة" في وقت سابق، فإن سياسة مختلفة تجاه إيران قد تكون، إذا ما فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في انتخابات الثلاثاء المقبل.

ومنذ سنوات، يتبادل الجمهوريون والديمقراطيون الاتهامات بشأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، خاصة تلك المتعلقة بالشرق الأوسط، وتحديداً إيران. ويُتهم الديموقراطيون بالسماح لإيران بـ"الحركة" أكثر، تحديداً بما يتعلق بالملف النووي.

وأبرمت إدارة باراك أوباما في عام 2015 اتفاقاً نووياً مع إيران، لكن واشنطن انسحبت منه عام 2020 خلال إدارة ترامب.

مقالات مشابهة

  • ما هو التسجيل الذي سربه المتحدث باسم مكتب نتنياهو بعد الهجوم على إيران؟
  • ماذا يعني رفع إيران ميزانيتها العسكريّة؟
  • ماذا يعني رفع إيران ميزانيتها العسكرية 200%؟
  • وزير الدفاع الإيراني: لا تأثير للغارات على قدرة إيران الصاروخية
  • بعد هجمات إسرائيل على إيران .. الشرق الأوسط في أقصى درجات الخطر
  • جدل في أميركا: ماذا نفعل مع إيران؟
  • من هو شارمهد الذي أعلنت إيران إعدامه؟
  • من الذي أجهض المشروع الأماراتي؟
  • سنوات الألم والرعب.. من هو شارمهد الذي أعلنت إيران إعدامه؟