قالت دار الإفتاء المصرية إنه يجوز شرعًا هبة ثواب الأعمال الصالحة للغير مطلقًا، وذلك لأن الكريم إذا سُئِل أعطَى وإذا دُعِيَ أجاب، وقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضحَّى بكبش أقرن، وقال: «هذا عنِّي، وعمَّن لم يُضَحِّ من أمَّتي» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"؛ فقد جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثواب الأضحية لمن لم يُضَحِّ من أمته، ومثله سائر القُرَب؛ لاشتراكها في معنى القربة؛ فهو تعليم منه صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ الإنسان ينفعه عمل غيره، والاقتداء به هو الاستمساك بالعروة الوثقى.

آراء المذاهب الفقهية في حكم هبة ثواب القُرُبات للأحياء والأموات

وأةضحت الإفتاء أن فقهاء الحنفية والحنابلة نصوا على جواز هبة ثواب القُرُبات للغير مطلقًا، سواء كانت تلك القربة ممَّا تقبل الإنابة أم لا، وسواء كانت الهبة للأحياء أم للأموات.

قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 212، ط. دار الكتب العلمية): [مَن صام، أو تصدَّق، أو صلَّى، وجعل ثوابه لغيره من الأموات أو الأحياء جاز، ويصل ثوابها إليهم عند أهل السُّنَّة والجماعة] اهـ.

وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (2/ 595، ط. دار الفكر): [مطلب في إهداء ثواب الأعمال للغير: (قوله: بعبادة ما) أي سواء كانت صلاة أو صومًا أو صدقة أو قراءة أو ذكرًا أو طوافًا أو حجًّا أو عمرة، أو غير ذلك من زيارة قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والشهداء والأولياء والصالحين، وتكفين الموتى، وجميع أنواع البر، كما في "الهندية" ط. وقدمنا في الزكاة عن "التتارخانية" عن "المحيط" الأفضل لمن يتصدق نفلًا: أن ينوي لجميع المؤمنين والمؤمنات؛ لأنها تصل إليهم ولا ينقص مِن أجره شيء] اهـ.

وقال الإمام البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 147، ط. دار الكتب العلمية): [(وكل قربة فعلها المسلم وجعل ثوابها أو بعضها كالنصف ونحوه) كالثلث أو الربع (لمسلم حيٍّ أو ميت: جاز) ذلك (ونفعه ذلك لحصول الثواب له)] اهـ.

وقال العلامة الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النُّهى" (1/ 936، ط. المكتب الإسلامي): [(وكل قربة فعلها مسلم وجعل) المسلم (بالنية، فلا اعتبار باللفظ، ثوابها أو بعضه لمسلم حي أو ميت: جاز، ونفعه ذلك بحصول الثواب له، ولو لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، ذكره المجد. (من): بيان لكل قربة (تطوع وواجب تدخله نيابة كحج) أو صوم نذره ميت (أو لا) تدخله نيابة، (كصلاة ودعاء واستغفار وصدقة) وعتق (وأضحية وأداء دين وصوم) غير منذور، (وكذا قراءة وغيرها)] اهـ.

بيان مذهب المالكية والشافعية في هذه المسألة

وأضافت الإفتاء أن فقهاء المالكية والشافعية قصروا جواز إهداء الثواب للغير على ما يقبل الإنابة؛ كالصدقة والدعاء، أمَّا ما لا يقبلها؛ كالصلاة والصوم فلا.

قال العلامة الدردير في "الشرح الكبير" (2/ 10، ط. دار الفكر): [(و) فُضِّل (تطوُّع وليِّه) أو قريبه مثلًا، يعني ولي الميت (عنه) أي عن الميت، وكذا عن الحي (بغيره) أي بغير الحجِّ (كصدقة ودعاء) وهدي وعتق؛ لأنَّها تقبل النيابة، ولوصولها للميت بلا خلاف، فالمراد بالغير غير مخصوص وهو ما يقبل النيابة كما ذكر، لا كصوم وصلاة، ويكره تطوُّعُه عنه بالحجِّ كما يأتي، وأمَّا بالقرآن فأجازه بعضهم وكرهه بعضهم] اهـ.

وقال الإمام الماوردي في "الحاوي الكبير" (15/ 313، ط. دار الكتب العلمية): [أمَّا الصيام عن الحيِّ: فلا يجوز إجماعًا بأمر أو غير أمر، عن قادرٍ أو عاجزٍ؛ للظاهر من قول الله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾ [النجم: 39]، ولأنَّ ما تمحَّض من عبادات الأبدان لا تصحُّ فيها النيابة، كالصلاة، وخالف الحج؛ لأنَّه لمَّا تعلق وجوبه بالمال لم يتمحَّض على الأبدان، فصحَّت فيه النيابة كالزكاة] اهـ.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: دار الافتاء المصرية الإفتاء ثواب الأعمال الصالحة صلى الله علیه وآله وسلم اهـ وقال

إقرأ أيضاً:

دار الإفتاء: بر الوالدين لا ينتهي بعد الوفاة وهذه طرق تحقيقه

أوضحت دار الإفتاء المصرية أن بر الوالدين لا يقتصر على حياتهما فقط، بل يمتد إلى ما بعد وفاتهما. 

جاء ذلك ردًا على سؤال ورده من أحد المتابعين، والذي استفسر فيه: "كيف أبرُّ والديَّ بعد وفاتهما؟".

في إجابتها، أشارت دار الإفتاء إلى أن السنَّة النبوية الشريفة أكدت على استمرارية البر والإحسان للوالدين بعد وفاتهما، مستشهدة بحديث للنبي ﷺ الذي يوضح ذلك، فقد روى الصحابي مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قائلاً: "بينما نحن عند النبي ﷺ، إذ جاءه رجل من بني سلمة وقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبويَّ شيء أبرُّهما به بعد موتهما؟"، فأجابه النبي ﷺ قائلاً: "نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإيفاء بعهودهما من بعد موتهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما".

وأكدت الدار أن هذا الحديث النبوي يبين بوضوح أن البر لا ينتهي بوفاة الوالدين، بل يستمر من خلال مجموعة من الأعمال التي يمكن أن يقدمها الأبناء.

هل يوجد عدد معين للصلاة على النبي حتى يستجاب دعائي؟.. الإفتاء ترد هل النوم عذر لترك صلاة الفجر وأدائها في الصباح.. أمين الفتوى يجيب

وشملت هذه الأعمال الدعاء للوالدين بالرحمة والمغفرة، والحرص على تقديم الصدقات عنهما، وهبة ثواب الأعمال الصالحة إليهما، مثل قراءة القرآن أو أداء الحج أو العمرة، وزيارة قبرهما والدعاء عنده.

كما شددت دار الإفتاء على أهمية صلة الرحم المرتبطة بالوالدين بعد وفاتهما، مثل التواصل مع الأقارب من جهة الأب والأم، وإكرام أصدقائهما، وإنجاز الوصايا التي تركاها، والوفاء بالعهود التي أبرماها خلال حياتهما. 

وأوضحت أن هذه الأعمال تعد صورة من صور الوفاء للوالدين، وتعكس استمرار البر بهما حتى بعد رحيلهما.

واختتمت دار الإفتاء بيانها بتذكير المسلمين بأن البر بالوالدين هو من أعظم القربات إلى الله، وأن استمراريته بعد الوفاة يعكس صدق الحب والوفاء لهما.

وأشارت إلى أن الإحسان للوالدين، سواء في حياتهما أو بعد مماتهما، يُعدّ طريقًا لنيل رضا الله عز وجل وتحقيق البركة في الدنيا والآخرة.

مقالات مشابهة

  • حكم من مات وعليه ديون وماله محجوز عليه.. الإفتاء توضح التصرف الشرعي
  • هل الروح تموت أم لا.. الإفتاء توضح
  • حكم تجديد الوضوء في كل صلاة إذا لم يحدث شيء ينقضه
  • كيفية إحسان الصلاة على سيدنا النبي عليه السلام
  • دار الإفتاء: بر الوالدين لا ينتهي بعد الوفاة وهذه طرق تحقيقه
  • حكم زراعة العدسات الملونة عن طريق العمليات الجراحية
  • الإفتاء: لا حرج في تركيب طرف صناعي إذا ولد الشخص بعِلة
  • احصل على ثواب صلاة الجماعة خلف رسول الله في دقائق.. اعرف هذه العبادة
  • حكم تلحين القرآن وتصويره تصويرًا فنيًا
  • عضو بـ«الأزهر للفتوى» توضح حكم التلفظ بالنية عند الغسل لتمام الطهارة